من "ساعة الصفر" إلى "حافة الهاوية" مستقبل الصحافة في التنّوع والتعاون والتعلّم!

* المقال الفائز بجائزة أفضل مقال لمجلة الصحافة. 

لم نكن قد أنهينا بعدُ كتابة تصور فيلم وثائقي لصالح قناة "الجزيرة" عام 2010، حتى اضطررنا إلى مواجهة سيل من الانتقادات والشتائم من قبل الجمهور العربي واللبناني بسبب نشرنا صورة ترويجية للفيلم يظهر فيها علما حزب الله و"إسرائيل" يقابلان بعضيهما، على موقع "فيسبوك".

كانت فكرة الفيلم الذي قررنا تسميته "ساعة الصفر"، إجراء "محاكاة" افتراضية لما سيكون عليه شكل أي حرب مقبلة بين الطرفين. 

في العادة، تلجأ قيادات الجيوش الكبيرة إلى إجراء "المحاكاة" لرسم السيناريوهات ووضع الخطط العسكرية، لكن استخدامها في العمل الوثائقي كان أمرًا غير مسبوق.

غالبًا ما يلجأ الصحفيون الذين يتناولون الصراع في الشرق الأوسط إلى التغاضي عن معرفة رأي الطرف الآخر، مما يؤدي إلى نقص حاد في المعلومات وخلل في المعالجة الموضوعية للمنتوج الصحفي. فنجد أن الصحافة الإسرائيلية تبني معطياتها بناءً على ما تسربه المؤسستان العسكرية والأمنية في "تل أبيب"، وهو يخضع بشكل مباشر لمقص الرقابة العسكرية، في حين أن القلّة من الصحفيين العرب الذين يتناولون هذه المسألة؛ يعتمدون في الغالب على انطباعات شخصية، أو تحيّز مسبق يتداخل فيه الانتماء السياسي مع الالتزام العقائدي. ويضاف إلى كل ذلك وعي جماهيري ماسخ يفتقر في الأغلب إلى المنهج العلمي والمهنية.

ومن المعلوم أن موطني لبنان في حالة حرب مع إسرائيل التي تحتل جزءً من أراضيه، حيث شنّت في ثلاثة عقود من الزمن خمس حروب على هذا البلد الصغير. وبالتالي يُمنع على أي لبناني إجراء أي اتصال مع إسرائيلي لأي سبب، وينسحب هذا القانون على العمل الصحفي والإعلامي.

وهكذا وجد فريق العمل نفسه أمام معضلة حقيقية، إذ كيف يمكن إنتاج فيلم بهذه الحساسية دون الوصول إلى المعلومات من مصدرها المباشر. ولا تقتصر هذه المعضلة على إسرائيل، بل إن الطرف الآخر الرئيسي في الفيلم؛ أي حزب الله، لا يتحدث عادة عن تحضيراته وانتشاره العسكري لكونه منظمة سرية تعتمد أسلوبا غير كلاسيكي في القتال.

انطلقنا بداية من التوصيات العلنية التي أعلنت عنها لجنة تحقيق إسرائيلية بقيادة القاضي إلياهو فينوغراد الذي أوكل إليه تقييم نتائج الحرب بين "إسرائيل" وحزب الله عام 2006. 

فالتقرير المعروف باسم "تقرير فينوغراد" تضمّن معلومات هامة حول أبرز الثغرات التي تحتاج المؤسستان العسكرية والسياسية في إسرائيل إلى معالجتها في أي حرب مقبلة. 

اعتمد البحث عن المصادر الأولية أيضا على عشرات الدراسات العسكرية المتخصصة التي أجرتها مراكز دراسات أميركية وإسرائيلية، وهي عادة ما تكون مواد فائقة الأهمية ويجري إهمال أجزاء كبيرة منها في الإعلام العربي عمومًا، وليس هناك تحليل أو فهم دقيق لمنهجيتها وأهميتها.

ثم عمدنا إلى تحديد أسماء شخصيات خبيرة على ارتباط بالجيش الإسرائيلي لإجراء مقابلات معها. 

لم يكن إقناع الضيوف الإسرائيليين بإجراء المقابلات أمرًا سهلا، خاصة أن العملية لم تكن تتم بيننا -كفريق باحثين ومعدّين وكُتّاب سيناريو- وبينهم مباشرة للاعتبارات القانونية، بل كانت تمرّ عبر فريق صحفي موجود في فلسطين. لكن في إنتاج الأعمال الوثائقية، يشكل الرفض بحد ذاته مادة يمكن الاستفادة منها.

يومها، أجاب رئيس الأركان السابق في الجيش الإسرائيلي دان حالوتس على طلبنا إجراء مقابلة برسالة إلكترونية حانقة وقاسية احتفظنا بها كمادة للاستخدام في الفيلم. كان سبب رفضه هو التشكيك في قدرة وسيلة إعلامية عربية على "التوازن" عند الحديث عن موضوع بهذه الحساسية.

وفي الجهة المقابلة، واجهنا رفضًا لطلب إجراء مقابلة مع مسؤول عسكري في حزب الله رغم اقتراحنا عدم إظهار وجهه الحقيقي على الكاميرا. قررنا اللجوء إلى إعداد مقابلة مع ضباط عسكريين في الجيش اللبناني لتعويض هذا الفراغ، خاصة أن الجيش في لبنان على تماس مباشر مع الحروب السابقة، وهو معني بطبيعة الحال بأي حرب مقبلة وبالإجراءات العسكرية من الجهة اللبنانية.

سرعان ما تبين أنّ الطرفين يشتركان في ممارسة الحرب النفسية ومخاطبة جمهوريهما بما يطمئنهما إزاء قدرتهما على هزيمة الخصم الآخر، وبالتالي فهما قد يهتمان بالحديث الإعلامي -رغم عدائهما الشديد وعدم ظهورهما سويا في أعمال إعلامية- إذا ما تم تقديم فكرة الفيلم كما هي، وشرح ضرورة إجراء مقابلة مع جميع الأطراف، وإلا فسيظهر أنهما لا يمتلكان حلولا لسيناريوهات "المحاكاة" العسكرية! 

وافق نعيم قاسم نائب زعيم حزب الله على إجراء مقابلة مطولة بعدما شرحنا أن الإسرائيليين سيدلون بآرائهم حول الموضوع. كما وافق ضابطان لبنانيان رفيعان متقاعدان حديثا على إجراء حوار مفصل بعدما أجرى كل منهما بحثه الخاص. وكذلك وافق ضابط عربي على الأمر نفسه.

في الجهة المقابلة، كان الضيف الإسرائيلي الذي خدم في الاستخبارات العسكرية، يضع كوب قهوة تظهر عليه صورة لزعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله على مكتبه أثناء التصوير. أخبر الضيف الإسرائيلي الصحفي الفلسطيني الذي كلفناه بإجراء المقابلة في إسرائيل، أن هذا الكوب كان هدية من أحد أصدقائه اللبنانيين! 

من بين الضيوف الإسرائيليين الذين وافقوا على إجراء المقابلات، كولونيل سابق في سلاح الجو الإسرائيلي ومدير برنامج معلوماتي عسكري بمعهد الأمن القومي في "تل أبيب"، والمراسل العسكري لإذاعة الجيش الإسرائيلي، ومسؤول أميركي سابق في وكالة الاستخبارات العسكرية.

كان التحدي الثاني الذي واجهناه هو أن كاتب السيناريو لبناني عربي، بما يعني أني سأكون متهمًا بالتحيّز حتى قبل إنتاج الفيلم بشكل نهائي. ولحل هذه المعضلة، قررنا اعتماد الدراسات الإسرائيلية نفسها التي ترسم سيناريوهات الحرب المقبلة كمادة أساسية لعرضها على مختلف الأطراف، وطلبنا منهم التعليق عليها. كما تقصدنا إدخال المنهج العلمي المتبع في الأبحاث العلمية في سيناريو الفيلم. وهكذا بدأ الفيلم بطرح الفرضيات والإشكاليات، ثم انتقل إلى محاولة الإجابة عنها عبر الضيوف المتنوعين. طرح السيناريو النهائي شرحًا لمحاور المعارك البرية، ودور سلاح الجو الإسرائيلي، وقدرات حزب الله الصاروخية، والمنظومات الإسرائيلية الحديثة لمواجهة الصواريخ، فضلا عن الإجراءات التي تم اتخاذها لمعالجة نقاط الضعف التي ظهرت لدى الطرفين في حرب 2006.

حاز الفيلم على تغطية إعلامية ممتازة في مختلف وسائل الإعلام الإقليمية. وسرعان ما تحولت الشتائم على صفحتي على "فيسبوك" قبل عرض الفيلم بثلاثة أشهر إلى سيل من الإشادة، وهذا هو عمل الصحفي على كل حال.

لم يكن مألوفا في الشرق الأوسط إنتاج عمل تلفزيوني حول قضية حساسة كالحرب "المقبلة"، خاصة ضد دولة محط استنكار شعبي شامل.

في العام 2012، بعد أقل من عامين على عرض الفيلم، سُنحت لي الفرصة لتكرار التجربة، ولكن هذه المرة بشكل أضخم وأكبر وأهم. كنت قد تعلمت الكثير من التجربة السابقة، فأنتجت هذه المرة فيلما بإمكانات أضخم تحت عنوان "حافة الهاوية" في جزأين.

لم يكن الأميركيون والإيرانيون قد توصلوا إلى الاتفاق النووي آنذاك، وكان موضوع الفيلم الجديد إمكانية وقوع حرب إقليمية تشترك فيها إيران والولايات المتحدة وإسرائيل وسوريا ولبنان.. استطعنا تنفيذ مقابلات أكثر، والحصول على موافقة شخصيات نوعية في الولايات المتحدة وروسيا وإيران وإسرائيل.

في صباح اليوم التالي لعرض الجزء الأول من الفيلم، قال أحد المعلقين الإسرائيليين -وهو من كبار الصحفيين المشهورين- حرفيا عبر برنامج تلفزيوني على القناة الرسمية الأولى في إسرائيل "إن حافة الهاوية عمل موزون".

كانت هذه العبارة رغم صدورها من شخص يعيش في دولة تحتل جزءًا من بلدي ودمرت منزلي في القرية مرارا بفعل قصفها واعتداءاتها المتكررة، بمثابة شهادة على إتقان العمل.

في الشرق الأوسط، ليس سهلا على أي صحفي في العادة مقاربة المواضيع السياسية، أو تلك التي تتعلق بالشأن العام، دون توقع التعرض للنقد أو لمخاطر شخصية.

لقد واجهت تهديدات متنوعة بعد كل فيلم أنتجه.. قد أكتب عن ذلك يوما ما، ولكن الدرس الإعلامي الذي خرجت به من مسيرة 15 عاما في كتابة الأفلام والسيناريوهات والأبحاث، أن التعددية ليست شرطا للتميز فقط في الشرق الأوسط.. التعددية هي السبيل الوحيد للتميز والموضوعية في الصحافة!

لم تنته القصة هنا..

 

التعاون العابر للحدود

التعاون مع صحفيين في عدة بلدان كان أحد أسباب نجاح التجربة في "ساعة الصفر" و"حافة الهاوية".

في الواقع، لقد بات التعاون العابر للحدود ضمن أولوية المقاربات التي تعالج الكثير من الإشكاليات التي أفرزتها التحولات الحاصلة والمستمرة في عالم الإعلام والصحافة.

في الأشهر القليلة الماضية، أطلقت وسائل إعلام دولية مبادرات لتعزيز تعاونها مع الصحفيين المستقلين في بلدانهم. فمثلا، أنشأت صحيفة "واشنطن بوست" منصة تجمع فيها بيانات الصحفيين المهتمين بالتعاون معها في كافة أنحاء العالم، حيث يتواصل محررون في الصحيفة مع صحفيين من هذه المنصة وفقًا للمواضيع المطلوب تغطيتها. 

كذلك الحال بالنسبة لقنوات تلفزيونية بريطانية وفرنسية وألمانية، حيث اتّبعت الآلية نفسها لإنتاج موادها بالاعتماد على صحفيين من خارج دائرة التوظيف الدائم. "تقنين" هذا النموذج في التعاون وتثبيت آلياته يوفر حلولا عملية عديدة؛ أهمها:

وبما أنني أرفض الوظيفة عمومًا، وأفضّل العمل بشكل حر لكون ذلك يتيح لي الكثير من الفرص للتطور في أكثر من بُعد في آن واحد، فإنّ الانخراط في مبادرات تحاكي قناعاتي إزاء مستقبل الصحافة صار أولوية في نشاطي خلال السنوات الثلاث الماضية.

لكن هذ ا الطموح اصطدم بواقع الاستقطاب السياسي الحاد الذي انسحب على الإعلام العربي، وطغى على المعايير المهنية مانعًا قيام منظمات جامعة للإعلاميين والصحفيين العرب، بغض النظر عن أماكن عملهم. وهكذا صار لزامًا البحثُ خارج المنطقة العربية.

تبيّن أنّ واقع الصحافة عالميًّا ليس بالسلبية السائدة في العالم العربي، فعمليات البحث والتطوير والمبادرات في أوروبا عمومًا، وألمانيا وبريطانيا تحديدًا، كما في الأميركيتين، تؤكد أن المشكلة الرئيسية في عالم الإعلام غير المستقر في طبيعته وجوهره؛ تكمن في عدم مواكبة البعض للتطور، وقصور الذهنيات الإدارية التقليدية في فهم واختبار آليات جديدة للنجاح في كسب أذواق الجمهور والاستثمار في سلوكه.

وقد انطلقت أبحاث أكاديمية في جامعات أوروبية بالاستناد إلى تجارب عملية تحاول تطوير نماذج أعمال مبتكرة بهدف تجاوز الأزمات التي تواجهها الصحافة في العالم.

 

أحد هذه النماذج ما بات يُعرف باسم "الصحافة العابرة للحدود"، غير أن أسباب التركيز على هذا النموذج لم يكن الموضوع المادي فقط، بل تبيّن أنه يضمن تعددية وتنوعًا أكبر في المواد الإعلامية كنتيجة طبيعية لتعاون المحترفين من عدة خلفيات وانتماءات، وبالتالي فهو يحاكي أكثر أذواق الجمهور الذي بات يبحث عن معالجة أوسع للقضايا العالمية، كما المحلية.

إحدى المنصات الرائدة عالميًّا في مجال الصحافة العابرة للحدود هي "هوست رايتر" (Hostwriter) التي تتخذ من برلين مقرا لها، لكنها باتت تنتشر في أكثر من 145 دولة في العالم. 

راسلتُ هذه المنظمة، وسرعان ما أثمر التواصل معهم عن تعييني سفيرًا لها في المشرق العربي.

في سبتمر/أيلول 2018، التقى سفراء المنظمة في العاصمة البولندية وارسو لصياغة برنامج عمل للمرحلة المقبلة، وبلورة عملنا كمنظمة صحفية عابرة للحدود الجغرافية والعرقية واللغوية. 

وعلى مدى أسبوع كامل، انصبّ اهتمام 30 سفيرًا على بحث أبرز معوقات العمل الصحفي والحلول الممكنة، مع الاتفاق على الآليات اللازمة لمتابعة المهام مع عودتنا جميعا إلى بلادنا.

خلال أشهر قليلة، باتت منظمتنا تضمّ أكثر من أربعة آلاف صحفي، واستطعنا إنشاء شبكة علاقات مع كبرى وسائل الإعلام في العالم. وفي العام الأول بعد اجتماعنا في بولندا، استطعنا تطوير منصة رقمية تُنشر فيها على مدار الساعة الفرص والورش والزمالات والمنح والوظائف والمشاريع التي تهم الأعضاء في كافة أنحاء العالم.

استغرق تطوير المنصة أشهرًا قليلة، حتى باتت مرجعًا أيضًا لمن يبحث عن صحفيين مختصّين في مجالات محددة في معظم دول العالم.

في النصف الثاني من العام 2019، بدأنا العمل على إصدار كتاب فريد في فكرته، ساهم في تأليفه عشرات الصحفيين بالاستناد إلى تجاربهم، تحت عنوان "الحيادية في الأخبار.. لماذا التنوع هام للصحافة؟".
ضمّ الكتاب تجارب وخبرات في التغطية الصحفية للذكاء الصناعي، والحروب، والبيئة، والعنصرية، والفساد، والهجرة غير الشرعية، وغيرها من العناوين البارزة، فضلا عن تقديمٍ لرسالتنا في المنظمة ولنظرية "الصحافة التشاركية العابرة للحدود"، مما أدى إلى اهتمام إعلامي دولي بالكتاب، فصنّفه مدير معهد "رويترز" لدراسة الصحافة الأستاذ الجامعي في "أوكسفورد" راسموس نيلسون ضمن قائمة أفضل 100 كتاب مؤثر حول الصحافة في العالم. كما تحدّثت أبرز المنظمات والمؤسسات الصحفية والإعلامية عن الإصدار.

في الوقت نفسه، تابعنا تنظيم مسابقة أفضل عمل صحفي تعاوني عابر للحدود على مدار العام.

اليوم، تُعتبر منظمتنا واحدة من أبرز المنظمات التي تسهّل "التشبيك" في الوسط الصحفي عالميًّا، وتُعزز التعاون العابر للحدود بهدف "استنساخ" وتكرار تجربة "أوراق باناما" وغيرها من التجارب الرائدة.

 

الصحفي الصديق للذكاء الصناعي

استندت "أوراق باناما" ومثيلاتها من تجارب صحفية حديثة إلى إتقان الصحفيين المشاركين في المشروع العملَ على جمع البيانات واستخراجها وتحليلها وربطها.

أفقٌ آخر يستوجب منا -كصحفيين مواكبين لكل جديد- الاهتمام والتعلّم.

قد تكون مهنة الصحافة من أكثر المهن جلبًا للتوتر والقلق والمشاكل، ولكنها أيضًا من أهم المهن منحًا للمتعة والمكافأة المعنوية والحرية في الابتكار إذا ما خرجنا قليلا من الإطار الجغرافي الضيّق لعملنا، خاصة مع التحول الحاصل في نظرية الرسالة والمُرسِل والمرسَل إليه نتيجة صعود شبكات التواصل والتطوّر التقني.

تُشير بعض الإحصائيات إلى أن أكثر من 30% من العاملين في مهنة الصحافة حول العالم، سيعملون بشكل حر بحلول نهاية العام الجاري.

المقلق في هذا التطور هو عدم استعداد ومواكبة الكثيرين في العالم العربي لهذا التحول، خاصة أولئك الذين يعملون في غرف الأخبار، حيث يصعب عليهم عادة الاطلاع على تجارب جديدة بسبب طبيعة المهنة التي تستنزفهم في الوقت والجهد.

وبينما يعتقد البعض أنّ التمويل السياسي قادر على الاستمرار في ضخ المال عبر الآليات التقليدية لدعم الإعلام، بات الممولون أنفسهم مقتنعين بضرورة الانتقال إلى الاستثمار في نماذج اقتصادية جديدة تقوم على المرونة وتقليص النفقات الثابتة لصالح زيادة الإنتاج النوعي.

هذه إشكالية أخرى يواجهها الصحفيون، خاصة الجيل التقليدي منهم الذي لم يتسنّ له مواكبة الأدوات والتقنيات الحديثة بسبب انغماسه في وتيرة العمل اليومي.

ولكن مع كل مشكلة توجد فرصة حلّ!

قبل ثلاثة أعوام، طورت شركة "يونايتد روبوتس" السويدية روبوتًا صحفيًّا كتب حتى الساعة مليون مقال. إذا ما حاولت صحيفة "نيويورك تايمز" بكامل طاقتها إنتاج العدد نفسه من المقالات فإنها ستحتاج إلى 11 عاما من العمل!

حاليًّا يمكن اختصار مجالات الاستفادة من الذكاء الصناعي في غرف الأخبار بالعناوين التالية:

 

هذه الأنماط من دمج الذكاء الصناعي وتطبيقاته في الصحافة تُعَدّ حاجة ضرورية ستفرض إيقاعها على العمل الصحفي في العالم العربي في المستقبل القريب.

لذا قررتُ خوض هذا المجال، بالتوازي مع نشاطي مع "هوست رايتر".

تُعدّ "رابطة الأخبار الرقمية" الأميركية -ومقرها واشنطن- أكبر منظمة دولية غير حكومية تُعنى بتطوير الصحافة الرقمية في العالم بأسره، فهي تعمل منذ التسعينيات على دعم الابتكار في القطاع الإعلامي عمومًا، عبر توفير مساحة لالتقاء الصحفيين والكتّاب والمدراء التنفيذيين مع التقنيين والأكاديميين والطلاب والمستثمرين في المجالات الإعلامية.

في مطلع العام 2019، تواصلتُ مع الرابطة مبديًا اهتمامي بنقل تجربتها إلى بلدي. وعلى الرغم من أنها تموّل عادة النشاطات في الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، فإنها رحّبت بفكرة التوسع نحو بلدان خارج القارة الأميركية.

وهكذا صرتُ المسؤول عن المجتمع المحلي الخاص بالرابطة في أول بلد عربي.

وبما أنّ التكنولوجيا بكافة أشكالها محلُّ استهداف بالنسبة إلينا في الرابطة، فإننا لا نرحب فقط بالصحفيين في نشاطاتنا، وإنما يشمل اهتمامنا كلا من الخبراء التقنيين والمطوّرين وأصحاب الابتكار في أي مجال يمكن استخدامه في الصحافة والإعلام. 

وفي سعينا للتحضير لنشاطات الرابطة ولقاءاتها وورشها التي ندعو إليها عادة عبر مجموعة خاصة على تطبيق "ميت آب" (Meetup)، نجد أنفسنا في كل مرة أمام "بنك" واسع من المعلومات والأفكار والأدوات التي توفرها لي قاعدة بيانات "رابطة الأخبار الرقمية" في واشنطن، علمًا بأن الرابطة تتيح مشاركة المتعاونين معها أسبوعيا في تدريبات عن بُعد حول كيفية تنفيذ أفضل الورش واللقاءات لمساعدة الصحفيين المحليين ونقل المعرفة والخبرات إليهم.

لم أحلُم يومًا بأن أصبح صحفيًّا، ولا يزال التخصص في الفيزياء هو حلمي الأول، ولكني أستطيع القول -بلا أدنى شعور بندم أو حسرة- إنّ ما أتاحته وتتيحه لي مهنة الصحافة يجعلني أعيشها بفائض من السعادة، يتجاوز بخطوات شاسعة مزاعمَ ذلك الشخص الذي أطلق -سامحه الله- على هذه المهنة يومًا ما.. وصفَ "مهنة المتاعب".

 

 

المزيد من المقالات

كيف تغطي الألعاب الأولمبية؟

تمنح تغطية الألعاب الأولمبية للإعلامي الشغوف فرصة لا تُضاهى كي يستعمل كل الأجناس/ الأنماط الصحفية التي درسها، ولا سيما الأجناس الكبرى منها، من ربورتاج، وحوار، و

يونس الخراشي نشرت في: 26 يوليو, 2024
نظرة على تقرير رويترز للأخبار الرقمية 2024

يتحدث التقرير عن استمرار الأزمة التي تعانيها الصحافة الرقمية عالميا، وهي تحاول التكيّف مع التغييرات المتواصلة التي تفرضها المنصات، وهي تغييرات تتقصد عموما تهميش الأخبار والمحتوى السياسي لصالح المحتوى الترفيهي، ومنح الأولوية في بنيتها الخوارزمية للمحتوى المرئي (الفيديو تحديدا) على حساب المحتوى المكتوب.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 21 يوليو, 2024
الأمهات الصحفيات في غزة.. أن تعيش المحنة مرتين

أن تكون صحفيا، وصحفية على وجه التحديد تغطي حرب الإبادة الجماعية في فلسطين ومجردة من كل أشكال الحماية، يجعل ممارسة الصحافة أقرب إلى الاستحالة، وحين تكون الصحفية أُمًّا مسكونة بالخوف من فقدان الأبناء، يصير العمل من الميدان تضحية كبرى.

أماني شنينو نشرت في: 14 يوليو, 2024
حرية الصحافة في مواجهة مع الذكاء الاصطناعي

بعيدا عن المبالغات التي ترافق موضوع استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة، فإن سرعة تطوره تطرح مخاوف تتعلق بمدى تأثيره على حرية التعبير. تنبع هذه الهواجس من أن الذكاء الاصطناعي يطور في القطاع الخاص المحكوم بأهداف اقتصادية رأسمالية بالدرجة الأولى.

عبد اللطيف حاج محمد نشرت في: 7 يوليو, 2024
"الحرب الهجينة".. المعلومات سلاحا في يد الاحتلال

شكلت عملية "طوفان الأقصى" وما أعقبها من حرب إسرائيلية على قطاع غزة مسرحا لإستراتيجيات متقدمة من التلاعب الجماعي بالمعلومات، وقدمت أمثلة وشواهد حية وافرة على حرب المعلومات التي باتت لازمة للحروب والصراعات والنزاعات في العصر الرقمي للاتصال، ضمن ما بات يعرف في أوساط الباحثين بـ "الحروب الهجينة".

بكر عبد الحق نشرت في: 3 يوليو, 2024
عندما نَحَرت إسرائيل حرية الصحافة على أعتاب غزة

بينما كانت تحتفل الأمم المتحدة يوم 3 مايو من كل سنة باليوم العالمي لحرية الصحافة، كان الاحتلال الإسرائيلي يقتل الصحفيين في فلسطين دون وجود آلية للمحاسبة ومنع الإفلات من العقاب. وأمام صمت الكثير من المنظمات الدولية وتعاملها بازدواجية معايير، انهارت قيمة حرية الصحافة في تغطية حرب الإبادة الجماعية.

وفاء أبو شقرا نشرت في: 30 يونيو, 2024
قصص صحفيين فلسطينيين من جحيم غزة

خائفون على مصير عائلاتهم، يواجهون خطر الاغتيال، ينامون بالخيام، يتنقلون على ظهور الدواب، يواجهون أسوأ بيئة لممارسة الصحافة في العالم.. إنها قصص صحفيين فلسطينيين في صراع مستمر بين الحفاظ على حياتهم وحياة أسرهم والحفاظ على قيمة الحقيقة في زمن الإبادة.

محمد أبو قمر  نشرت في: 23 يونيو, 2024
حارس البوابة الجديد.. كيف قيدت الخوارزميات نشر أخبار الحرب على غزة؟

ازدادت وتيرة القيود التي تضعها وسائل التواصل الاجتماعي على المحتوى الفلسطيني منذ هجوم السابع من أكتوبر. الكثير من وسائل الإعلام باتت تشتكي من حذف محتواها أو تقييد الوصول إليه مما يؤثر بشكل مباشر على طبيعة التغطية.

عماد المدولي نشرت في: 18 يونيو, 2024
هروب الصحفيين من اليمن.. "الهجرة" كحل أخير

فروا من جحيم الحرب في اليمن بحثا عن موطن آمن للعيش، سلكوا طريقا مليئا بالمخاطر هروبا من القبضة الأمنية التي لم تترك للصحفيين فرصة لممارسة عملهم. وعلى مدار سنوات تعرضوا للقتل والخطف والتهديد، ما جعل بعضهم مضطرا إلى مغادرة الوطن، في هذا التقرير نرصد عددا من تجارب الصحفيين اليمنيين.

منار البحيري نشرت في: 14 يونيو, 2024
الاستشراق والإمبريالية وجذور التحيّز في التغطية الغربية لفلسطين

تقترن تحيزات وسائل الإعلام الغربية الكبرى ودفاعها عن السردية الإسرائيلية بالاستشراق والعنصرية والإمبريالية، بما يضمن مصالح النخب السياسية والاقتصادية الحاكمة في الغرب، بيد أنّها تواجه تحديًا من الحركات العالمية الساعية لإبراز حقائق الصراع، والإعراب عن التضامن مع الفلسطينيين.

جوزيف ضاهر نشرت في: 9 يونيو, 2024
بعد عام من الحرب.. عن محنة الصحفيات السودانيات

دخلت الحرب الداخلية في السودان عامها الثاني، بينما يواجه الصحفيون، والصحفيات خاصّةً، تحديات غير مسبوقة، تتمثل في التضييق والتهديد المستمر، وفرض طوق على تغطية الانتهاكات ضد النساء.

أميرة صالح نشرت في: 6 يونيو, 2024
"صحافة الهجرة" في فرنسا: المهاجر بوصفه "مُشكِلًا"

كشفت المناقشات بشأن مشروع قانون الهجرة الجديد في فرنسا، عن الاستقطاب القوي حول قضايا الهجرة في البلاد، وهو جدل يمتد إلى بلدان أوروبية أخرى، ولا سيما أن القارة على أبواب الحملة الانتخابية الأوروبية بعد إقرار ميثاق الهجرة. يأتي ذلك في سياق تهيمن عليه الخطابات والمواقف المعادية للهجرة، في ظل صعود سياسي وشعبي أيديولوجي لليمين المتشدد في كل مكان تقريبا.

أحمد نظيف نشرت في: 5 يونيو, 2024
الصحفي الغزي وصراع "القلب والعقل"

يعيش في جوف الصحفي الفلسطيني الذي يعيش في غزة شخصان: الأول إنسان يريد أن يحافظ على حياته وحياة أسرته، والثاني صحفي يريد أن يحافظ على حياة السكان متمسكا بالحقيقة والميدان. بين هذين الحدين، أو ما تصفه الصحفية مرام حميد، بصراع القلب والعقل، يواصل الصحفي الفلسطيني تصدير رواية أراد لها الاحتلال أن تبقى بعيدة "عن الكاميرا".

Maram
مرام حميد نشرت في: 2 يونيو, 2024
فلسطين وأثر الجزيرة

قرر الاحتلال الإسرائيلي إغلاق مكتب الجزيرة في القدس لإسكات "الرواية الأخرى"، لكن اسم القناة أصبح مرادفا للبحث عن الحقيقة في زمن الانحياز الكامل لإسرائيل. تشرح الباحثة حياة الحريري في هذا المقال، "أثر" الجزيرة والتوازن الذي أحدثته أثناء الحرب المستمرة على فلسطين.

حياة الحريري نشرت في: 29 مايو, 2024
في تغطية الحرب على غزة.. صحفية وأُمًّا ونازحة

كيف يمكن أن تكوني أما وصحفية ونازحة وزوجة لصحفي في نفس الوقت؟ ما الذي يهم أكثر: توفير الغذاء للولد الجائع أم توفير تغطية مهنية عن حرب الإبادة الجماعية؟ الصحفية مرح الوادية تروي قصتها مع الطفل، النزوح، الهواجس النفسية، والصراع المستمر لإيجاد مكان آمن في قطاع غير آمن.

مرح الوادية نشرت في: 20 مايو, 2024
كيف أصبحت "خبرا" في سجون الاحتلال؟

عادة ما يحذر الصحفيون الذين يغطون الحروب والصراعات من أن يصبحوا هم "الخبر"، لكن في فلسطين انهارت كل إجراءات السلامة، ليجد الصحفي ضياء كحلوت نفسه معتقلا في سجون الاحتلال يواجه التعذيب بتهمة واضحة: ممارسة الصحافة.

ضياء الكحلوت نشرت في: 15 مايو, 2024
"ما زلنا على قيد التغطية"

أصبحت فكرة استهداف الصحفيين من طرف الاحتلال متجاوزة، لينتقل إلى مرحلة قتل عائلاتهم وتخويفها. هشام زقوت، مراسل الجزيرة بغزة، يحكي عن تجربته في تغطية حرب الإبادة الجماعية والبحث عن التوازن الصعب بين حق العائلة وواجب المهنة.

هشام زقوت نشرت في: 12 مايو, 2024
كيف نفهم تصدّر موريتانيا ترتيب حريّات الصحافة عربياً وأفريقياً؟

تأرجحت موريتانيا على هذا المؤشر كثيرا، وخصوصا خلال العقدين الأخيرين، من التقدم للاقتراب من منافسة الدول ذات التصنيف الجيد، إلى ارتكاس إلى درك الدول الأدنى تصنيفاً على مؤشر الحريات، فكيف نفهم هذا الصعود اليوم؟

 أحمد محمد المصطفى ولد الندى
أحمد محمد المصطفى نشرت في: 8 مايو, 2024
"انتحال صفة صحفي".. فصل جديد من التضييق على الصحفيين بالأردن

المئات من الصحفيين المستقلين بالأردن على "أبواب السجن" بعد توصية صادرة عن نقابة الصحفيين بإحالة غير المنتسبين إليها للمدعي العام. ورغم تطمينات النقابة، فإن الصحفيين يرون في الإجراء فصلا جديدا من التضييق على حرية الصحافة وخرق الدستور وإسكاتا للأصوات المستقلة العاملة من خارج النقابة.

بديعة الصوان نشرت في: 28 أبريل, 2024
إسرائيل و"قانون الجزيرة".. "لا لكاتم الصوت"

قتلوا صحفييها وعائلاتهم، دمروا المقرات، خاضوا حملة منظمة لتشويه سمعة طاقمها.. قناة الجزيرة، التي ظلت تغطي حرب الإبادة الجماعية في زمن انحياز الإعلام الغربي، تواجه تشريعا جديدا للاحتلال الإسرائيلي يوصف بـ "قانون الجزيرة". ما دلالات هذا القانون؟ ولماذا تحاول "أكبر ديمقراطية بالشرق الأوسط" إسكات صوت الجزيرة؟

عمرو حبيب نشرت في: 22 أبريل, 2024
هل يهدد الذكاء الاصطناعي مستقبل المعلق الصوتي في الإعلام؟

يضفي التعليق الصوتي مسحة خاصة على إنتاجات وسائل الإعلام، لكن تطور تطبيقات الذكاء الاصطناعي يطرح أسئلة كبرى من قبيل: هل يهدد الذكاء الاصطناعي مستقبل المعلقين الصوتيين؟ وما واقع استخدامنا لهذه التطبيقات في العالم العربي؟

فاطمة جوني نشرت في: 18 أبريل, 2024
تعذيب الصحفيين في اليمن.. "ولكن السجن أصبح بداخلي"

تعاني اليمن على مدى عشر سنوات واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، إن لم تكن الأسوأ على الإطلاق. يعمل فيها الصحفي اليمني في بيئة معادية لمهنته، ليجد نفسه عُرضة لصنوف من المخاطر الجسيمة التي تتضمن القتل والخطف والاعتقال والتهديد وتقييد حرية النشر والحرمان من حق الوصول إلى المعلومات.

سارة الخباط نشرت في: 5 أبريل, 2024
صدى الأصوات في زمن الأزمات: قوة التدوين الصوتي في توثيق الحروب والنزاعات

في عالم تنتشر فيه المعلومات المضلِّلة والأخبار الزائفة والانحيازات السياسية، يصبح التدوين الصوتي سلاحا قويا في معركة الحقيقة، ما يعزز من قدرة المجتمعات على فهم الواقع من منظور شخصي ومباشر. إنه ليس مجرد وسيلة للتوثيق، بل هو أيضا طريقة لإعادة صياغة السرديات وتمكين الأفراد من إيصال أصواتهم، في أوقات يكون فيها الصمت أو التجاهل مؤلما بشكل خاص.

عبيدة فرج الله نشرت في: 31 مارس, 2024
عن دور المنصات الموجهة للاجئي المخيمات بلبنان في الدفاع عن السردية الفلسطينية

كيف تجاوزت منصات موجهة لمخيمات اللجوء الفلسطينية حالة الانقسام أو التجاهل في الإعلام اللبناني حول الحرب على غزة؟ وهل تشكل هذه المنصات بديلا للإعلام التقليدي في إبقاء القضية الفلسطينية حية لدى اللاجئين؟

أحمد الصباهي نشرت في: 26 مارس, 2024