لغايات هذا التقرير، أجريتُ مقابلةً مع نقيب الصحفيين الأردنيين راكان السعايدة، الذي يُخوّل القانون نقابته تصنيف العاملين بالصحافة إلى: منتحلي صفة صحفيّ، أو صحفيّ. ورغم إجابته بلطفٍ واستفاضة على الأسئلة التي وجهتها له، فإنّ النقيب لا يعتبرني صحفيًا مثل أغلب صحفيي الأردن، بل شخصا مخالفا للقانون ومنتحلا لصفة صحفيّ، ليس بسبب ما أكتبه، والمكان الذي أكتب فيه، وإنما وفقًا لنص القانون.
قرّرت إذًا، أن أكون صحفيًا نظاميًّا، كي لا أعرِّض نفسي للمساءلة القانونيّة والحبس. بحثتُ عن الشروط التي تخوّلني أن أكون صحفيًّا وفقًا للقانون، فوجدتُ نظام مراسلي المطبوعات الدوريّة ووسائل الإعلام الخارجيّة الأردني ينصُّ على ما يلي: "لا يجوز (...) للمراسل مزاولة العمل في المملكة دون اعتماد من الهيئة (هيئة الإعلام الأردنيّة)، ويتمّ اعتماد (...) المراسل بموجب طلب اعتماد مخصّص لهذه الغاية".
قبل أن أقدّم طلب الاعتماد للهيئة، قلت: لأبحث في باقي القوانين الأردنية عن الشروط المطلوبة لأكون صحفيًا، فوجدتُ أنّ الصحفيّ في الأردن وفقَالقانون هو "عضو النقابة المسجّل في سجلها، واتخذ الصحافة مهنةً له وفق أحكام قانونها".
إذًا، قبل تقديم طلب الاعتماد، عليّ أن أنتسب إلى نقابة الصحفيين، وبعد قراءة شروط الانتساب في قانون النقابة وجدتُ مادةً منه تنطبق على حالتي لأكون مُنتسبًا: "يشترط في من يسجل في النقابة أن يكون (حاملًا) الشهادة الجامعية الأولى على الأقلّ في أيّ تخصص غير الصحافة أو الإعلام، وتدرب على ممارسة المهنة مدة لا تقل عن سنتين". لكن المادة التي تليها في القانون تشترط أن يكون التدريب "تم بالممارسة الفعلية في أي مؤسسة صحفية أو مؤسسة إعلامية رسمية".
هذه شروط -رغم صعوبة تحقيق الشقّ المتعلق بالتدريب في مؤسسة إعلاميّة رسميّة- مشروعةٌ ربمّا لتنظيم عمل الصحافة، لكنّ تعليمات النقابة وقفت أمامي كجبلٍ لتمنع الوصول إلى الانتساب الذي من خلاله فقط أكون صحفيًا وفقًا للقانون.
تنصّ هذه التعليمات للحصول على العضوية أن أقدَّم كتاب تعيين من المؤسسة التي أعمل بها، ورقما في الضمان الاجتماعي، الذي من خلاله يثبت أنني أعمل في مؤسسة كموظف.
اتصلت بالنقيب راكان السعايدة لغايات عمل تقرير لمجلة "الصحافة"، لم يُمانع، ولم يسأل عما إذا كنتُ عضوًا في النقابة أو منتحلًا لصفة صحفيّ، بل أبعد من ذلك، كان لطيفًا للغاية، وأجاب على الأسئلة، وأكَّد لي بكل احترام: "النقابة لمن يُمارس العمل الصحفيّ، ولا ينفع إدخال من لا يُمارس العمل الصحفيّ النقابة"، وأن "العضويّة لمن يُمارس العمل الصحفي ضمن مؤسسة لا بشكلٍ فردي".
سألتهُ: حسنًا، هناك عدد لا بأس به من مراسلي الوكالات الأجنبيّة والعربيّة وهم غير أعضاء في النقابة، وهناك عدد كبير يعمل على نظام القطعة (الفريلانسر)، وأنتَ تعرف بعضهم، هم ممارسون للصحافة ضمن مؤسسات لا بشكل فرديّ، فهل تعتقد أنّ قانون النقابة وتعليماتها يحتاج إلى تعديل ليشمل هؤلاء الصحفيين ويكونوا قانونيين؟
يقول النقيب السعايدة: "لا أستطيع أن أعدّل القانون لمعالجة هذه القضيّة.. النقابة بهذه التعليمات تُعالج مشكلة من هو الصحفيّ ومن هو منتحل لصفة صحفيّ، ولا تتعامل معها كواقع مفروض يستحق تعديل القانون لأجلها".
هكذا سأبقى شخصًا منتحلًا لصفة صحفيّ، وسأكون معرّضًا للسجن أو الوقوف عاريًا أمام القضاء إذا ما رفع أحدهم دعوى ضدي.
هذا فيما يتعلّق ببعض الصحفيين الأردنيين مراسلي وكالات الإعلام العربيّة والأجنبيّة، أو العاملين على نظام القطعة.. لكن ماذا عن الصحفيين في وسائل الإعلام المحليّة؟
الصحفيّ محمود الشرعان أحد هؤلاء الصحفيين في وسائل الإعلام المحليّة، وهو خريج بشهادة صحافة وإعلام، وكان يكتب قبل أن يتخرّج من الجامعة لجهات أردنية وعربيّة، وهو مُستوفٍ لكل شروط قانون نقابة الصحفيين.. سألته: لماذا لستَ عضوًا في النقابة؟
يُجيب الشرعان: "تعليمات النظام الداخليّ في النقابة تشترط على الصحفي من أجل الانتساب لها بعض الوثائق، منها أن يكون حاصلًا على رقمٍ في الضمان الاجتماعيّ، وكتاب تعيين من قبل المؤسسة التي يعمل بها".
قلتُ له: لتتقدّم إذًا بهذه الوثائق.. أجاب: "لا توجد -على الأغلب- مؤسسة صحفيّة في الأردن تعيّن صحفيين، إنما تعتمد على نظام العقود". يسأل محمود: "ما ذنب الصحفي إن كانت مؤسسته غير مصوّبة لأوضاعها وفقًا للقانون وتُجري تعيينات".
يبدو أن بعض المؤسسات التي عمل فيها محمود الشرعان كانت خارجة على القانون.. قلتُ لأبحث عن المؤسسات الإعلاميّة الأردنية التي تلتزم بالقانون، وتوظف الصحفيين بكتاب تعيين، لا على نظام العقود المحددة المدة، وسألتُ للتأكّد النقيب راكان السعايدة. وكان الواقع على هذا النحو: بين 124 موقعًا إخباريًا، هناك فقط 4 أو 5 مواقع إخباريّة أردنيّة صوّبت وضعها مع نقابة الصحفيين الأردنيين، أي قامت بتعيين صحفيين، ودفع اشتراكها كمؤسسة للنقابة. وتنخفض هذه النسبة من المؤسسات الإعلامية في الفضائيات والإذاعات الخاصّة، بحسب أرقام نقابة الصحفيين.
هكذا، ليس محمود الشرعان وحده من يعمل في الصحافة المحليّة وغير عضوٍ في النقابة، وبالتالي يُصنّف كمنتحل صفة صحفيّ، وإنما الأغلبيّة غير منتسبين، وبالتالي هم في القانون منتحلو صفة صحفيّ. وعلى هذا الحال يستيقظ الصحفيون في الأردن ويذهبون إلى عملهم، والسلطات الأردنيّة تعرف، والنقابة تعرف، أنهم منتحلون لصفة صحفيّ، ولا يتخذ بحقهم أي إجراء في الغالب.
لكن، على الصحفيّ غير المنتسب للنقابة أن يبقى حذرًا ويُعاني الأمرّين في العمل، خاصة حين يُقابل أو يُحاول مقابلة مسؤولين أردنيين؛ إذ يستخدم بعض هؤلاء المسؤولين هذه الحجّة (منتحل صفة صحفي) في مواجهة الصحفيين المجتهدين في الحصول على تصريحات منهم. فإذا ألحّ الصحفي على المسؤول، فإنه بكل بساطة سيوجه له التهديد المبطن التالي على شكل سؤال: "هل أنتَ عضو نقابة ومرخّص وفقًا للقانون؟".. حينها ما على الصحفي إلا الانسحاب.
في حال حصول هذا الصحفي "المنتحل" على معلوماتٍ من مصدرٍ مجهول أو بطريقةٍ أخرى، ورأت السلطات في المادة المكتوبة من قبل الصحفي "المنتحل" ما يزعجها، يُمكنها أن تفعّل القانون وتلجأ في هذه الحالة إلى توقيفه وتغريمه، حينها، لا النقابة ستدافع عنه، ولا القضاء سيرحمه.
يروي محمود الشرعان حادثةً طريفةً حول هذه القضيّة: "أُوقف صحفيان من قبل السلطات الأردنية؛ أحدهما عضو في نقابة الصحفيين والآخر ليس عضوًا.. قامت النقابة بالدفاع عن الأول وتركت الثاني".
ومثل أصدقاء محمود، لم يتلقّ الشرعان نفسه أي دفاعٍ عنه من قبل النقابة على غرار زملاء أعضاء بالنقابة في قضيّة كان يُواجهها أمام القضاء الأردني لعمله في تصوير تقريرٍ صحفي. السعايدة كان واضحًا في هذه المسألة: "النقابة تدافع عن الصحفيين، لا عن منتحلي صفة صحفي".
لنأمل أن يكون الله رحيمًا بي، فلا يطّلع مسؤول يحمل لي ضغينة، أو مسؤول أزعجه شيء في هذه المادة، كي لا يستخدم القانون ضدي وأتعرّض للتوقيف والغرامة.
يستيقظ محمود الشرعان غدًا، ويذهب إلى عمله حاملًا معه الاعتقاد الراسخ في ذهنه: "العقلية الكلاسيكية القديمة في نقابة الصحفيين ترى أن لا مجال للتوسّع في عضوية الانتساب خشية انهيار الإرث الذي ظلوا يسيرون عليه.. هم يخافون من ذهاب المكاسب التي تتاح لهم وفق هذه التعليمات التي تمنع دخول الكثير من الصحفيين إلى النقابة".
قبل أن أنهي المكالمة مع النقيب راكان السعايدة، كشف لي عن بعض التعديلات التي أجراها مجلس النقابة على قانونها: "التعديلات أُنجزت، وهي في المرحلة النهائيّة، وننتظر توقيع الملك عليها".
استبشرت خيرًا، فربّما تحلحلت الأمور، خاصةً أن الأردن شهد عدّة حراكات من قبل صحفيين اعتراضًا على قانون النقابة وتعليماتها، وكان آخرها حملة "من حقي أنتسب" التي نفذتها مجموعة من خريجي كليات الصحافة والإعلام في الأردن، والتي طالبوا فيها -من بين ما طالبوا به- أن يجري تسهيل شروط الانتساب للنقابة.
قبل أن أنهي المقابلة، راودني فضولٌ لمعرفة بعض هذه التعديلات.. قلت لأسأل النقيب عنها، وكانت المفاجأة أن التعديلات لا تتعلّق بالعضوية، وإنما نصّت في جزءٍ منها على مضاعفة رسوم الاشتراك والعضوية في النقابة على المؤسسات الصحفية والصحفيين المنتسبين"، الأمر الذي سيجعل العائق أكبر عند بعض المؤسسات الإعلاميّة التي ترغب بالفعل في تصويب أوضاعها.
نهاية الأمر، ليس الصحفيون وحسب، إنما المؤسسات الإعلامية أيضًا، تراوغ القانون الذي ينصّ على وجود رئيس تحريرٍ فيها عضوًا في النقابة لأربع سنوات، إذ تبحث هذه المؤسسات عن أعضاء نقابةٍ مستوفين للشروط لتعيّنهم شكلًا كرؤساء تحرير لا يزورونها أو يعرفون أحيانًا عنها شيئًا.