لمعظم التونسيين موقف ثابت غير مرن في التعامل مع كل ما له علاقة بدولة الاحتلال الإسرائيلي. وبان سلفا بأن التصريح الصحفي لوسيلة إعلام إسرائيلية يؤخذ على محمل الخيانة العظمى لتونس وللقضية الفلسطينية ككل. لكن ماذا لو وصل الحد إلى قبول التطبيع مع هذا الكيان؟
قصة التطبيع مع إسرائيل طرحت مختلفة هذه المرة عن طريق مقلب رمضاني فتح جبهة نقاشات واسعة في الصحافة التونسية والدولية، كما خلق تباينا كبيرا في كيفية تناول الطرح ونقل تداعياته إعلاميا.
جدل "شالوم"
"شالوم" هو مقلب رمضاني سمي باللغة العبرية خصيصا كونه يقوم أساسا في حلقاته على استضافة شخصيات وطنية تونسية، عُرفت بعدائها لفكرة التطبيع مع الكيان الصهيوني.
يقع إيهام هذه الشخصيات بإجراء حوار صحفي مع قناة أجنبية، من ثم يجد الضيف نفسه في بهو منزل فخم، فيه حاخام إسرائيلي وشخصيات وهمية على أساس أنها تمثل الكيان الصهيوني في تونس، ويقع تدريجيا اختبار الضيف عبر مبلغ خيالي ومزايا عدة إن قبل التعامل مع إسرائيل.
أشعل البرنامج فتيلا لم ينطفئ في صفوف التونسيين مجتمعيا وإعلاميا، وتزامن مع انطلاق عرضه على قناة "تونسنا"، وتصريح منتجه وليد الزريبي بأنه يدور في فلك العمل الاستقصائي. سارعت نقابة الصحفيين التونسيين إلى إصدار بيان اعترضت فيه على المحتوى المقدم، ونفت النقابة أن يمت بصلة لأي منتوج صحفي ولا استقصائي مشيرة إلى أنه يتعارض بكافة جوانبه مع أخلاقيات المهنة الصحفية.
وبعيدا عن دعوة النقابة مقاطعة البرنامج. ذهبت وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية إلى الإسراع بتغطية هذا المستجد الذي أثار جدلا واسعا وفتح جبهات نقاش لا تنتهي من خلال كم التقارير والحوارات التي تناقش تفاصيله.
تباين الطرح الإعلامي لفكرة "شالوم"
إذاعة موزاييك أف أم ذهبت عميقا في تناولها الإعلامي مع فكرة هذا المقلب، إذ استمع المقدم بالإذاعة، الهادي الزعيم، لبعض الشخصيات التي تم إيهامها والإيقاع بها، إلى جانب محاورة الإعلامي وليد الزريبي، منتج البرنامج. وفي نقله لمقومات الطرح الإعلامي الذي اعتمدته موزاييك، قال الهادي: "إن اهتمامنا وطرحنا لموضوع "شالوم"، كان هدفه فقط حب الاطلاع ورفع الضبابية المفهومية عن هذا البرنامج والوقوف على غاياته ومن يموله خاصة أن الجهة الداعمة له كانت غير معروفة في البداية، وقد بنينا خطة طرحنا للموضوع اعتمادا على ما راج على وسائل التواصل الاجتماعي من تشكيك في نزاهة هذا العمل الإعلامي، لكن تبين لنا لاحقا أن من يقف وراءه هي شركة إنتاج. وبالنسبة لتناولنا لهذا الطرح، فقد تواصلنا أولاببعض الشخصيات التي أُعلن عن أسمائها وراجت شائعات حول قبولها فكرة التطبيع مع الكيان الموهوم. جميع هذه الشخصيات كذبت ذلك بحجة أو بأخرى.. والبعض منهم أجمع على التلاعب بالمونتاج والقبول تحت الضغط. وليكون عملنا شفافا وموضوعيا، اتصلنا بهؤلاء من ثم بمنتج البرنامج في درجة ثانية، وأجريتُ معه حوارا اعتمدت في أسئلته على الرأي والرأي المخالف لتحقيق التوازن. فدورنا في المحصلة، هو الاستماع للطرفين وإيصال وجهات النظر للرأي العام ورفع التفاصيل المبهمة كي تصل الحقيقة بكافة جوانبها إلى الجماهير".
أما وجدي بن مسعود، وهو مراسل قناة دولية، فقد اختلف طرح مؤسسته عن طرح المؤسسات الإعلامية التونسية. وفي معرض حديثه عن هذه التغطية يقول بن مسعود.. "لا شك أن عين المشاهد الدولي تختلف عن عين المشاهد في تونس، وقد خلق هذا تباينا كليا في طريقة التغطية بيننا كمراسلين لقنوات عربية ودولية وطريقة تغطية وسائل الإعلام التونسية التي غطت المستجد بطريقة شعبوية، إن صح التعبير، بغية الإثارة والسبق". ويضيف بن مسعود.. "بالنسبة للأسس التي بنينا عليها تناولنا لبرنامج "شالوم"، فقد تطرقنا إلى معيارين: معيار ذاتي ومعيار موضوعي. المعيار الذاتي: أقصد به الثوابت التي يجب أن يلتزم بها الصحفي العربي بتصديه لكل أشكال الصهيونية. والمعيار الموضوعي واضح، وهو الحديث عن هذا المستجد وكشف حيثياته بما يحمله من حساسية للرأي العام. وفي خضم الشوشرة الإعلامية التي شهدناها حتى قبل بدء بث حلقات المقلب، ابتعدنا قدر الإمكان عن التفاصيل الترويجية للبرنامج، وتجنبنا الوقوع في اللغط الإعلامي عبر خلق الإثارة والسبق فكان دوري كمراسل صحفي حينها هو التعامل مع الخبر وما كشفه من أسماء في التطبيع، وانطلقت من هذا المستجد كحدث قادح ومن ثم الإشارة إلى حوادث سابقة، كتصريح مفتي الجمهورية التونسي منذ أيام لقناة إسرائيلية، واستخلصنا في تقريرنا إلى أن هناك أطرافا تمهد لإجازة التطبيع في تونس؛ فرغم ما قيل بأن البرنامج يهول مجرد وجود أشخاص قبلت التعامل مع الكيان الصهيوني الموهوم لابد من فضحه عديد الصحفيين في وسائل إعلام دولية اشتغلوا على نفس الزاوية التي ذكرت و ركزوا على معطيين: الضغوط التي مورست بهدف منع بث البرنامج، وما كشف عنه من حقيقة وجود أطراف مستعدة للتطبيع.
أميرة مهذب، مراسلة لقناة عربية من تونس، لم تتوان أيضا عن تخصيص تقرير تلفزيوني حول" شالوم ". وفي تفسيرها للمعايير التي اعتمدتها في تناول الفكرة في ظل التباين الواضح من مؤسسة إلى أخرى وصحفي إلى آخر تقول أميرة.. "نعي جيدا أن التقارير يحدها زمن، وهي مقتصرة على دقيقتين أو أكثر قليلا مع شرط إيصال الفكرة كاملة والزاوية بطريقة معمقة نسبيا. في تقريري الذي بلغ ثلاث دقائق، تناولت الفكرة من منطلق الجدل الذي أثارته، ونقلت في متن التقرير تصريحات كافة الجوانب المعنية بالموضوع.. النقابة باعتبارها هيئة صحفية وكان لها موقف بهذا الخصوص.. تطرقنا أيضا لذكر رد وليد الزريبي على النقابة، وكذلك عبد الرؤوف العيادي، وهو أحد ضحايا المقلب. بيد أن فكرتنا العامة انحصرت في إشكال مهم، وهو كيف تجردت المقالب من ردائها الطريف وصبغتها الترفيهية، وأصبحت تجر وتوجه شخصيات معينة للإيقاع بها، وهو ما يعيد على السطح إشكال أخلاقيات العمل الإعلامي".
مجلة الصحافة حاورت وليد الزريبي، منتج برنامج "شالوم"، للوقوف على رده حول التناول الإعلامي.. "بخصوص التعاطي الإعلامي مع الكاميرا الخفية "شالوم" رأينا أنه انقسم إلى ثلاثة اتجاهات منفصلة: شق إعلامي ذهب في البحث عن غايات البرنامج وخلفياته السياسية، هذا عربيا. والشق الثاني استكان إلى نظرية المؤامرة هنا وأقصد الإعلام المحلي. أما بالنسبة للشق الثالث والأخير، فقد شكك في نزاهة البرنامج وذهب في الحكم على محتواه. بالنسبة لي، فقد خُذلت وصُدمت من التناول الإعلامي المحلي مع الموضوع الذي اتسم بالتحيز والتسييس، واستند في ذلك كله على خلفيات موجهة. وبعيدا عن الصورة التي عهدناها، وهي توجيه الرأي العام عن طريق وسائل الإعلام، فهذه المرة حصل العكس، ورأينا وسائل الإعلام تسير تحت مظلة العامة وتوجه مضمونها بما يتواءم مع ما ينشر ويشاع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك مع ما يتواءم مع الأفراد، كلٌّ حسب فكره السياسي. إن الصحف الدولية كانت أكثر دقة في مقاربتها للموضوع على غرار الإعلام المحلي الذي لم يقدم أداء مهنيا، والاستثناءات التي تستجيب فيه للمهنية قليلة جدا".
وما زالت الوسائل الإعلامية حتى لحظة كتابة التقرير تتابع التفاصيل المتعلقة بقضايا مرفوعة ضد البرنامج وردود أفعال الأطراف المتعددة، جدلٌ صاحبه إعلان البرلمان نيّته دراسة مشروع قانون يجرم التطبيع، بحسب موقع الجزيرة نت.