تشكّلُ الآثار التي أحدثها الربيعُ العربي على سرديات الإعلام الجديد والكلاسيكي لُبَّ هذا المجلد المنشور بعد عشر سنوات من ذكرى الانتفاضتين التونسية والمصرية؛ حيث تركز معظم دراسات كتاب "خطابات الإعلام الجديد، والثقافة والسياسة في حقبة ما بعد الربيع العربي " الصادر عام 2022 والذي قام بتحريرهِ كلٌ من الدكتور عيد محمد أستاذ الثقافة العربية الأمريكية بمعهد الدوحة (قطر) وعزيز الضاوي أستاذ الصحافة وعميد كلية الدراسات العليا والبحوث بجامعة ريجينا على القضايا المنبثقة عن التجربة المصرية. ومع ذلك، فإن الأبحاث الموجودة في الكتاب تنتمي لنفس المناخ العربي بما تحملهُ من قواسم مشتركة قابلة للتطبيق في منطقة الشرق الأوسط.
فالكتابُ يحاول من خلال فصلهِ الأول - الذي يعدُ تمهيداً - وضعَ أرضية صلبة باستحضارهِ لأهم الأدبيات التي كتبت عن موضوع الربيع العربي من زوايا مختلفة. يهدف الكتاب إلى تقديمِ دراسة شاملة للكيفية التي وفرَ بها الإعلام الجديد مع دعامات وسائل الإعلام الاجتماعية سبلًا محورية لمواجهة القمع السياسي من خلال الثقافة. تشكل المساهمات المختلفة فهمنا للتعقيدات الجيوسياسية والثقافية في سياقات انتفاضات الربيع العربي.
ففي الوقت الذي ترى فيه دراسات بأن تضخم ثورة الاتصالات المعلوماتية المستمرة يؤدي إلى تفاقم أزمة الحكم العربي، وتُرفعُ الدعوات الرامية إلى التغيير الجذري فإن الكتاب لا يتبنى التفسيرات السهلة والحتمية لدور وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات الاتصال في تمكين التغيير الاجتماعي والسياسي؛ وذلك لإدراكهم أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والاختراق العالي للإنترنت وتقنيات الهاتف المحمول قد سهلت العمل الاجتماعي لجيل من الشباب. وهنا يستخدم النشطاء عبر الإنترنت في العالم العربي مجموعة واسعة من أدوات الاتصال لتعبئة الجماهير المتمردة الهاربة من قمع سيطرة الدولة.
وكمثالٍ على ما تقدمَ ذكرهُ؛ تم تداول مقاطع فيديو بين النشطاء في المغرب لحادثة الوفاة المروعة لمحسن فكري، بائع السمك المتجول في منطقة الريف بالمغرب، وهو الأمر الذي أدى في النهاية إلى حدوثِ اضطرابات واحتجاجات شعبية باتت تسمى بـ "حراك الريف" وذلك في عامي 2016 و2017. وخلال هذه الأحداث وظّفَ نشطاء الحراك وسائل التواصل الاجتماعي في معركة المعلومات ضد اتهامات بمحاولة الانفصال وجهت لهم، مستفيدين من الإمكانيات التنظيمية التي تتيحها تقنيات الوسائط الرقمية بمشاركة مقاطع فيديو لاحتجاجاتهم، كما سعوا إلى كسر رقابة وسائل الإعلام التقليدية/الرسمية.
وثمة مثال آخر من المغرب، ذلك أن الطبيعة اللامركزية لهذا النشاط الشعبي المتوسل بأدوات الرقمنة مكن من تنظيم حملة مقاطعة بقيادة مجهولة ضد بعض السلعِ مثل المحروقات، التي رفضَ المغاربة احتكارها والتلاعب بأثمنتها، وكذا شركة ألبان فرنسية التي استُهدِفت كنوعٍ من أنواعِ رفض هيمنة المستثمر الأجنبي على الأسواق المغربية، وهو ما ألحق بهما خسائر فادحة اضطرتهما إلى خفض أسعارها نتيجة مقاطعة المستهلكين عبر الإنترنت، وهو مثالٌ يُظهرُ مدى تأثير وسائل التواصل والإعلام الجديد على التغيير في الميدان.
في هذا الكتاب هناك سعي للاقتراب من التغيير في السياسة، والهوية، والأماكن العامة، لتحليل وفهم ديناميكيات الثقافة العربية والتقلب المستمر بعد انتفاضات الربيع العربي. فالانتفاضات العربية خلقت سرديات "ممزقة" وجدّدت الأسئلة حول طبيعة التغيير الذي كانت تبشر به هذه الأحداث المضطربة؛ الحركات الاجتماعية والمساواة بين الجنسين والهويات، والخطاب الديني أو "الإسلام السياسي"، الاضطراب الثقافي والأدبي وثورة الاتصال المعلوماتي التي تدعم الربيع العربي.
في الفصل الثاني من الكتاب تسلّط الباحثة " ماجدلينا كارولاك " الأستاذة المشاركة في العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة زايد (الإمارات العربية المتحدة)، الضوء على أنماط مواجهة العنف بين الجنسين من خلال فصلها المعنون بـ "ثورة العري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا". تبحث ماجدلينا في هذا الفصل عن فعالية النشاط النسوي الراديكالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتفاعل الإعلام الجديد معهُ؛ حيث استخدمت في بحثها المحتوى وتحليل الخطاب لمحتويات وسائل التواصل الاجتماعي التي أنشأتها ناشطتان نسويتان، هما علياء المهدي من مصر وأمينة السبوعي من تونس، وكذا التغطية الإعلامية التقليدية لنشاطيهما. وخلصت إلى أن أشكال احتجاجهما المتسم بـ "العري" باعتبارهِ نشاطً نسوياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كان له تأثير ضئيل في إحداث تحول اجتماعي، إذ اعتبر الجمهور الاجتماعي هذا النشاط "انحرافًا " سيئاً عن قيم المجتمع.
لم تستطع الناشطتان المهدي والسبوعي التأثير بشكل مباشر على الأعراف الاجتماعية في بلديهما الأصليين، لكنهما قدمتا -حسب الباحثة- شكلاً غيرَ مألوفٍ من أشكال المقاومة والتحرّر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عبر أداء الجسم وتشكيل هوية جديدة لكليتهما. تمثل هاتان الحالتان أيضًا اختلافًا فيما يتعلق ببلد النشطاء.
أما الفصل الثالث من الكتاب فقد حركهُ السؤال الذي صاغَ عنوان الفصل والمتمحورِ حولَ "ألا يزال المصريون مهتمين بالربيع العربي؟ وفي سعيهما للجواب عن هذا السؤال، قامَ الباحثان الدكتور عيد محمد والدكتور عماد محمد بتقديمِ تقييمٍ ثقافي للنشطاء سواء المتصلين بالإنترنت أو غير المتصلين. وهنا قاما بتحليلٍ كميٍ ونوعيٍ لما يقرب من 120 ألف مقال إخباري صادر عن الصحيفة المصرية "المصري اليوم"، مستقرئين مؤشرات المشاركة الاجتماعية الخاصة بهم، لفهم كيفية وقوعِ هذا التفاعل. وخلصوا إلى أن المصريين لا يزالون مهتمين بالربيع العربي. كما أن البحث استخدم معالجة اللغة الطبيعية والتعلم الآلي، لاستخراج بيانات كمية من مجموعة المقالات الإخبارية التي تم استخدامها لإنتاج تصنيف لكل مقالة. وقدم الفصل طريقة جديدة لدراسة المحتوى الإعلامي يوضح أن الثورة لم يتم تصنيفها كموضوع ذي أولوية في الجريدة التي تمت دراستها.
وتجدر الإشارة بأنه على الرغم من أهمية الدراسة النوعية، فقد اختار الباحثان أن يكون لديهما أساس كمي يمكن على أساسهِ تحقيق التحليلات النوعية. ويمكن استخلاص ثلاث خلاصات مهمة من هذه الدراسة:
- أولاً: يمكن للدراسات الكمية، التي تستخدم لمعالجة اللغة الطبيعية والتعلم الآلي خاصة أن تقدمَ نتائج تتساوى أو تتجاوز الدراسات التي تنتجها الطرق التقليدية.
- ثانيًا: يمكن أن تكون طرق العلوم الإنسانية الرقمية مفيدة ليس في نوع التحليل الذي يتم إنتاجه فقط ولكن في تقديم التعليقات لمنشئي المحتوى أيضًا. أظهر البحث أن اهتمامات المحررين تتفق تمامًا مع اهتمامات الجمهور المستهدف من قبل هيئة التحرير. يمكن للمحررين الاستفادة من هذه المعلومات لتحسين عمليات إنشاء المحتوى واختيار الكُتاب/المحررين.
- ثالثًا: بمساعدة التحليل المعتمد في البحث، فإن الباحثين يقدمان الإجابة على السؤال الذي اختاراهُ لبحثهما وهو: هل ما زال المصريون يهتمون بالربيع العربي؟
وبدل الإجابة عن هذا السؤال بالإثبات أو النفي، قام الباحثان بإعطاء إجابة أكثر دقة متاحة من خلال تصنيفات الموضوعات من حيث صلتها بالربيع العربي، ليخلصا إلى أن كلاً من محرري "المصري اليوم" والقراء يتفقون على أن الثورة ليست موضوعاً ذا أولوية؛ فقد كانت الموضوع الثامن عشر عند المحررين بينما جعلها قراء المصري اليوم في المرتبة السادسة عشرة.
ويمكنُ ملاحظة أن البحث يرى أن ما يمكن وصفه بأنه تداعيات لثورة 25 يناير احتلت أهمية أكبر، أي تلك التي تُعْنى بالمشكلات التي تواجه المصريين. من المهم أن نقول بأن قيمة هذه الدراسة القيّمة تكمنُ في أنها تفتحُ مساراً -مرتبطاً بتوظيف البيانات- تجب المراكمة عليه من أجل تحليل المحتوى. إن التركيز على مصر مهم ويسمح بإيجاد شبكة أوسع لتشمل البلدان العربية الأخرى.
وفي الفصل الرابعِ المعنون بـ "النشاط السيبراني وإعادة تأطير الهويات والسرديات الثورية "، الذي أعدّه كل من سحر خميس وإيهاب جمعة، أظهر سعيهما لاكتشاف كيف تنخرط جماعة الإخوان المسلمين وشباب الثورة باعتبارهما فاعلين سياسيين رئيسيين في مصر، في الإنترنت حول صراعات السلطة خارج الإنترنت في المشهد السياسي المصري المعاصر.
وفي هذا الصدد، يفحص الفصل إطارات الهوية الرئيسية التي يستخدمها التياران لتعريف هوياتهم وتحديد مصطلحاتهم المستخدمة لتعكس أطر هويتهم من خلال استخدام تحليل محتوى المدونة والمقالات عبر الإنترنت والبيانات الصحفية المنشورة بين 2009 إلى 2016. يدافع الباحثان عن فكرة أن المجموعتين غيرتا الأطر التي يستخدمانها للتعريف بأنفسهم قبل الثورة وأثناءها وبعدها، في ظل السياقات السياسية المتغيرة.
حسبَ الباحثين فإن العوامل المهمة التي يجب إعادة النظر فيها، في ضوء نتائج هذه الدراسة، لها أهمية بإعادة النظر في فكرة "النشوة التكنولوجية"، أو الميل إلى منح امتياز لصلاحيات وإمكانيات وسائل التواصل الاجتماعي.
إن التعقيد والتهجين والتقاطع الحاصل بين العوامل التي كشفت عن نفسها قبل وأثناء وبعد انتفاضات الربيع العربي يجبرنا على التساؤل عن مفهوم "الحتمية التكنولوجية"، وإعادة النظر في القدرات والإمكانيات، والبحث عن الإضافة وحدود وعيوب ظاهرة النشاط الإلكتروني، مع الأخذ في الاعتبار التفاعل المستمر بين النشاط الإلكتروني والواقع والخطابات.
إن الموجة الثانية من الربيع العربي أو "الربيع العربي 2.0 "، كما يصفها البعض، والتي اندلعت في بلدان مثل الجزائر والسودان، هي مؤشر واضح على أن موجات الغضب والثورات الشعبية مستمرة في المستقبل. وستجبرُ هذه الاستمرارية علماء السياسة العربية والإعلام العربي على إلقاء نظرة فاحصة وعميقة على القوى الكامنة وراء صياغة هذه الهويات المتناقضة أو الغامضة أو المتضاربة في كثير من الأحيان والتعبير عنها، ولماذا وكيف يعيدون تشكيلَ أنفسهم من خلال عدد لا يحصى من الخطابات والرسائل والمنصات.
في الفصل الخامس المعنونِ بـ "الشيوخ: كيف يمكن للخطاب الإسلامي عبر الإنترنت إعادة إنتاج هياكل السلطة الاستبدادية"، تقدمُ لنا دينا عبد المجيد فحصاً لمحتوى الفيسبوك الذي نشره دعاة سنّة بارزون بين عامي 2013 و2016 لفهم كيفية استخدام الخطاب الإسلامي لتبرير النظام الاجتماعي القائم في العالم العربي، وبالتحديد في مصر.
استخدمت الباحثة تحليل الخطاب النقدي للتحقيق في الجوانب الاجتماعية والسياسية لخطابات الدعاة من خلال عدسة نظرية المجال العام. يكشف الفصل أن بعض الدعاة المسلمين البارزين يعيدون صياغة السياسة من خلال عرض الآراء السياسية في سياق ديني عبر منصات التواصل الاجتماعي. وفي هذا السياق، يوضح الفصل أن خطاب الدعاة الإعلامي يساعد في الحفاظ على هيكل السلطة الاستبدادي ويعزز سرديات الهيمنة لكل من الدولة وخصومها الإسلاميين.
على الرغم من أن خطاب بعض الدعاة المسلمين على وسائل التواصل الاجتماعي في عالم ما بعد الربيع العربي غالبًا ما يتم صياغته بلغة الحقيقة والخير والتقوى والمصلحة العامة، إلا أنه يعمل أيديولوجيًا لإضفاء الشرعية على السلطة والهيمنة مستخدماً العناصر النحوية والخطابية، فيخلق خطاب هؤلاء الشيوخ الغموض، ويشوه سمعة المعارضين السياسيين ويشهرُ بأخطائهم الدينية، ويتلاعب بالتوتر الطائفي لأسباب سياسية مما يساعد في الحفاظ على هيكل السلطة الحالي المتسمِ بالطابع الاستبدادي.
أما في الفصل السادس والمعنون بـ "ثورة الضمائر: تحولات السلطة والمقاومة في جماعة الإخوان المسلمين في مصر"، يحلل مصطفى المنشاوي كيف انسحب بعضُ أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من هياكلها، وكيف سهّلت السياسة الاجتماعية التي أعقبت عام 2011 هذا الخروج، باستخدام تحليل الخطاب النقدي للسير الذاتية التي كتبها أعضاء سابقون في جماعة الإخوان المسلمين، والتي نُشرت بين عامي 2011 و2017. بالإضافة إلى مقابلات تمت مع اثنين وثلاثين عضوًا سابقاً أعلنوا خروجهم من الجماعة في تلك الفترة. يناقش المنشاوي التحول في الضمائر المجاورة التي انتقلت من استخدام ضمير المتكلم "أنا" وضمير الجمع "نحن" في تشكيلِ الهوية، وهو ما يظهرُ تحولًا في السلطة والمقاومة في جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
لقد تم تحليل ضمير المتكلم "أنا" في تفاعلها وتفسيرها مقابل "نحن" التي ترمزُ إلى الانخراط والانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، وذلك من خلال لفت الانتباه إلى مركزية كلٍّ من الخطاب الذي تحمله هذه اللغة الوظيفية للضمائر والأفراد الذين يشكلون أو يتشكلون بواسطتها. إن ظهور " ضمير المتكلم "أنا" ليس مسألة نصوص أو دلالات، بل هي مسألة مرتبطة بالممارسات اجتماعية، حيث تكون العلاقات الموضوعية والمصالح والقواعد المتعلقة بالجماعة أو هيكلها أو أيديولوجيتها، وكذا تفاعلها مع الدولة.
وكمثال على ذلك أوردَ الباحث ما يوفرهُ السياق من فرصٍ حقيقية مرتبطة بإعادة التوزيع الجغرافي للسلطة فمثلاً حضورُ شباب الاخوان من المقر الرئيسي للإخوان المسلمين الموجودِ في المقطم (ضواحي القاهرة) إلى ميدان التحرير (وسط العاصمة) يُشْعِرُ الأعضاء بحُرّيّة أكبر في العمل.
وهنا يرى الباحث بأن ميدان التحرير يوفر فرصًا يندمج عبرها "الأنا" مع "نحن" ليظهرَ مشاعر فريدة للعمل الجماعي، توازي مشاعر انتمائه للإخوان المسلمين. وكمثالٍ على الأمر كانت الهتافات في ميدان التحرير أداة تفسيرية حيث يكرر أعضاء جماعة الإخوان العبارات التي لم تعد تصنعها جماعتهم أو كانت توافق عليها دون المرور عبر الهيكلة التنظيمية الهرمية. هذا الفعل يظهرُ مدى انتقال عضو الإخوان من خطابات "الأنا" إلى خطابات "نحن".
أما الفصل السابع والمعنون بـ "التهجين والمجالات العامة على الإنترنت بعد الربيع العربي: حالة رصيف 22"، فقامت عزة المصري بفحص محتوى موقع رصيف 22، باعتبارهِ موقعاً إلكترونياً عربياً أُطلِقَ في عام 2013، يمثل صوت الربيع العربي. يبني الفصل على مفهوم هابرماس لدور وسائل الإعلام في المجال العام، ويدرس الإنترنت كمساحة للديمقراطية التداولية. أجرت الباحثة تحليلاً نوعياً لمحتوى 12مقالاً لفحص طبيعة المجال العام الناشئ من خلال الموقع. ويخلص الفصل إلى أن رصيف 22 كان بمثابة منصة للعديد من التيارات المضادة التي ركزت على الانتفاضات العربية.
بناء عليه، وحتى مع ظهور مواقع إخبارية جديدة على الإنترنت، لا تزال القنوات الفضائية هي المهيمنة في العالم العربي. ومع ذلك، فإن فشل القنوات الفضائية العربية في أن تُكَوِّنَ المجال العام الذي كان عليه قبل الانتفاضات العربية حول جيل الألفية العربي إلى مواقع مثل رصيف 22. وبينما تتدافع الدول العربية لتنظيم الإنترنت، يتدافع الشباب العربي لإيجاد فضاءات جديدة للتداول السياسي بعد فشل انتفاضات الربيع العربي.
وحسبَ الباحثة، وبعد عشر سنوات من الربيع العربي وسبع سنوات على إطلاق موقع رصيف 22، واصل إظهار أنه أول موقع مستقل على الإنترنت، يوفر منفذًا للمواهب الصحفية العربية والأصوات المعارضة، مستمرا في كسر المحرمات.
أما الفصل التاسع في الكتاب فقد قدمت توريا خنوس في بحثها "الزواج والسياسة في الفيلم الوثائقي (في ظل رجل)"نقدًا لعمل المخرجة حنان عبد الله، حيث جسد الفيلم قصص أربع نساء مصريات (وفاء وبدرية وسوزان وشهنده) من منظور نسوي لكشف النضالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمرأة في المجتمع المصري. تقدمُ الباحثة مراجعة مفصلة للفيلم وتخلصُ إلى أنهُ يساهم في تعزيز مكانة المرأة في سياسة مصر الجديدة.
أما في الفصل العاشر والأخير من الكتاب الذي جاء بعنوان "ثورة التكنولوجيا في الخليج العربي: مقاومة شعبية بين الجنسين أم عنف الدولة؟ " تعيد حسناء مختار النظر في منطقة الخليج العربي وتدعو إلى التساؤل حول الاستعارات الاستشراقية السائدة حول المنطقة، والمنتشرة والمتمحورة حول الدولة، والتي تنحو إلى محو الخبرة المعيشية للناس ومقاومتهم، بما في ذلك التفاصيل الدقيقة المرتبطة بالجندر، والنضال الطبقي، والتقسيم العنصري للعمل، والعرق، والانتماء القبلي، والتعليم، وحالة المواطنة، واللغة، والقدرة والعائلة.
علاوة على ذلك، تستشهدُ الباحثة بالناشطة السعودية في مجال حقوق المرأة منال الشريف، التي تمت الإشادة بها لأنها الوجه العام لحركة # Women2Drive، لتقديم تحليل دقيق ونقدي للعلاقة بين مناصرة المرأة الخليجية وتنظيمها ونشاطها، وكذا التأثير المحتمل لوسائل الإعلام الجديدة عليهن.
وكخلاصة يمكنُ القول بأن الكتاب قدمَ عبر أبحاثهِ عملاً يساهمُ في فك التفاعلات المعقدة والمتعددة المستويات بين وسائل الإعلام والثقافة والاحتجاجات الاجتماعية قبل الربيع العربي وبعده. تفاعل الباحثون مع لحظة التحول التي جسدها الربيع العربي، ورغم أن وجهات النظر الواردة في العمل قد تصلُ حد التناقض فيما بينها لكنّها تتقاطع في سعيها للديمقراطية وتأكيدها لأهمية ضرورة دراسة الإعلام الجديد وأثره في الانتفاضات.