درجت العديد من المؤسسات العالمية المهتمة بسيرة الممارسة الإعلامية وممارستها، في نهاية كل عام، على تقديم قراءاتها وتنبؤاتها لما يمكن أن يكون عليه المشهد الإعلامي في العام المقبل. ومن هذه المؤسسات التي تعمل منذ سنوات على الكشف عن الرؤى والإستراتيجيات والأهداف الخاصة بالمؤسسات الإعلامية، وتقديم تقرير سنوي بهذا الخصوص، مختبرات نيمان الأمريكية. ونيمان لاب عبارة عن مشروع تابع لجامعة هارفارد يحاول المساعدة في معرفة اتجاهات الأخبار في عصر الإنترنت.
طلبت نيمان لاب في الآونة الأخيرة من عدد من الخبراء والمهتمين بالمجال تقديم استشرافاتهم وتوقعاتهم لما يمكن أن يكون عليه المشهد الإعلامي العالمي.
وقد توزعت قراءات هذا العام بين عدة موضوعات، بيد أن قضايا الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي داخل غرف الأخبار، وتنمية الجمهور وتلبية احتياجاته، كانت هي الأكثر حضورا.
كيف نستفيد من مقدرات الذكاء الاصطناعي؟
يرى ديفيد كوهين مدير البحوث وتطوير المحتوى في مؤسسة "أدفانس لوكال" أن الحديث عن الإفادة من مقدرات الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار قد بلغ ذروته، بيد أن تأثير هذه التقنية لم يبلغ بعد مستوى الحديث الذي يدور عنها.
يرى ديفيد كوهين مدير البحوث وتطوير المحتوى في مؤسسة "أدفانس لوكال" أن الحديث عن الإفادة من مقدرات الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار قد بلغ ذروته، بيد أن تأثير هذه التقنية لم يبلغ بعد مستوى الحديث الذي يدور عنها.
ويقترح كوهين في مقاله الذي حمل عنوان "الذكاء الصناعي والإفادة من مناطق غير مكتشفة" تطوير ممارسات قديمة باستخدام الذكاء الاصطناعي الذي يساعد على الاستفادة من مناطقها غير المكتشفة وغير المستغلة، وعلى استغلال الفرص التي تنتج عن ذلك، وهي:
1- محركات البحث المتخصصة: مثل استخدام الذكاء الاصطناعي في الإجابة على الأسئلة التي يقدمها الجمهور، وهي وظيفة كانت منتشرة في بعض المؤسسات الصحفية الأمريكية قبل ظهور محرك غوغل، ولكن كانت الإجابة تأتي من قبل صحفيين.
2- عودة صحافة المواطن: يرى الكاتب أن ثمة فرصة لأن يعيد الذكاء الاصطناعي الوهَج لما عرف بمفهوم "صحافة المواطن" الذي راج في الفترة من 2004 إلى 2012، ولكن بريقه انطفأ بوصول وسائل التواصل الاجتماعي. ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يستوعب الكم الضخم من المعلومات التي كانت تصل إلى الجمهور عبر صحافة المواطن، وأن يعمل على غربلتها واختيار المفيد منها.
3- إعادة الاعتبار للفيديو: سعت العديد من الشركات الناشئة إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحويل النصوص إلى فيديو، وقد اتضح أن إنشاء الفيديو بالذكاء الاصطناعي ممكن وسهل وقليل التكلفة.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يستوعب الكم الضخم من المعلومات التي كانت تصل إلى الجمهور عبر صحافة المواطن، وأن يعمل على غربلتها واختيار المفيد منها.
أما الكاتب شكيل هاشم رئيس تحرير النشرة الدورية المختصة في موضوعات الذكاء الاصطناعي "ترانسفورمر" فيقارب الموضوع من جهة أن علينا ألا ننظر إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه مصدر قلق، بل ينبغي أن نستفيد منه وبسرعة، وذلك عبر البدء في وضع إستراتيجية واضحة.
ويحذر في مقال ركز على موضوع: "وسائل الإعلام والتعاطي مع الذكاء الاصطناعي" من تأخر غرف الأخبار في الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي، ويضرب مثلا بما وقع لظاهرة التغير المناخي التي لم تجد الاهتمام الجدير بها رغم التحذير منها منذ عام 1988.
ويقول الكاتب: "أخشى أننا قد نرتكب الخطأ نفسه مع الذكاء الاصطناعي العام؛ الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه تحقيق أو تجاوز الأداء على المستوى البشري عبر مجموعة واسعة من المهام المعرفية. وتتناول ماغي هاريسون دوبري من موقع "فيوتشرزم" موضوع تعاطي شركات الذكاء الاصطناعي مع قضية إنتاج الأخبار مركزة على قضية التداخل الشديد المتوقع في عام 2025 بين شركات التكنولوجيا ومؤسسات الإعلام.
وترى في مقالها الذي جاء بعنوان "شركات الذكاء الاصطناعي وقضية إنتاج الأخبار" أنه ومع زحف الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى مجالات اكتشاف تقديم الأخبار وتقديمها واستهلاكها، ستجد كل من وسائل الإعلام وشركات التقنية نفسها -بصورة متزايدة- في مشهد رقمي جديد غريب حيث لا يكون عمالقة التكنولوجيا مجرد مواعين للأخبار، بل مبتكرين لها.
ونختم المقالات التي تتحدث عن الذكاء الاصطناعي في وسائل الإعلام، بمقال "الذكاء الاصطناعي لن يكون مربحا بما فيه الكفاية للمؤسسات الإعلامية" للبروفيسور رامسوس كليس نيلسين أستاذ علوم الاتصال في جامعة كوبنهاغن الذي يرى فيه أن الذكاء الاصطناعي في عام 2025 لن يكون مربحا للمؤسسات الإعلامية كما كان متوقعا؛ لأن شركات التقنية ليست مستعدة للدفع مقابل الحصول على محتوى تلك المؤسسات. ويعتقد نيلسين أن هذا قد يساعد في تركيز التفكير التحريري على ما يهم حقا؛ تقديم شيء يرغب الناس في الاهتمام به وربما دفع ثمنه.
ويختتم الكاتب مقاله بالقول: لذا فإن توقعاتي لعام 2025 هي أن معظم الناشرين لن يحصلوا على أي إيرادات ذات مغزى من ترخيص المحتوى لشركات التكنولوجيا، وأن أولئك الذين يفعلون ذلك من المرجح أن يكونوا ناشرين كبار يحصلون على نسبة قليلة من الإيرادات الإضافية على الأكثر.
تنمية الجمهور وتلبية احتياجاته:
ونبدأ في هذا المحور بمقال ديمتري شيشكين وعنوانه: لماذا 2025 هو عام احتياجات الجمهور؟". ويعتقد أن موضوع مشاركة الجمهور لم يُهتَمّ به من قبل المؤسسات الإعلامية؛ إذ ظل لوقت طويل يعامل بوصفه شأنا جانبيا لا هدفا مركزيا.
ويقول شيشكين الرئيس التنفيذي لمؤسسة "ميديا رينغر إنترناشونال" إن العديد من غرف الأخبار في العالم تعمل بحماس كبير لإنتاج نماذجها الخاصة باحتياجات الجمهور، وإنها تستفيد من أدوات الذكاء الاصطناعي وصولا إلى تقديم محتوى إعلامي يقوم أساسا على احتياجات الجمهور. ويضيف أن ذلك يسهم بدوره في الوصول إلى رؤى وأفكار تحريرية قابلة للتنفيذ، من خلال تغيير طرق سرد القصص الصحفية وغيرها.
وترى الكاتبة غتيكا رودرا، المديرة التنفيذية لمؤسسة "كرافت بوك"، أن عام 2025 يجب أن يشهد إعادة الاعتبار لنماذج المحتوى الطويل. وتجادل من خلال مقال بعنوان: " بعث نماذج المحتوى الطويل" بأن ثمة قطاعات ليست قليلة من الجمهور أصبحت تتوق إلى المحتوى العميق الذي توفره النماذج الطويلة. وتشدد على أنه وبالرغم من الافتراضات التي تتحدث عن تقلص فترات الانتباه لدى الجمهور، فإن ثمة إشارات تفيد بأن هناك جمهورا يرغب في قراءة النماذج الطويلة.
وترى الكاتبة غتيكا رودرا، المديرة التنفيذية لمؤسسة "كرافت بوك"، أن عام 2025 يجب أن يشهد إعادة الاعتبار لنماذج المحتوى الطويل. وتجادل من خلال مقال بعنوان: " بعث نماذج المحتوى الطويل"بأن ثمة قطاعات ليست قليلة من الجمهور أصبحت تتوق إلى المحتوى العميق الذي توفره النماذج الطويلة.
وتورد الكاتبة بعض الإحصاءات التي تبرهن على وجهة نظرها، وهي:
الفيديو: يبلغ متوسط طول مقاطع الفيديو عالية الأداء في يوتيوب 20 دقيقة.
البودكاست: يفضل 61٪ من المستمعين الحلقات التي تزيد مدتها على ساعة.
الكتب: من المتوقع أن تنمو مبيعات الكتب المطبوعة بنسبة 25٪ في عام 2026.
النشرات البريدية: تجاوز موقع سبستاك 2 مليون اشتراك مدفوع في عام 2023، ويقضي الزائر العادي 12 دقيقة في قراءة النشرة البريدية الواحدة. هذه الاتجاهات هي شهادة على شيء واحد: عندما يكون المحتوى مقنعا وأصيلا، يكون الناس على استعداد لاستثمار وقتهم.
ونختم محور تنمية الجمهور وتلبية احتياجاته بمقالة لين والش مساعدة مدير "ترست نيوز" التي جاءت بعنوان "التركيز على ما يرغب فيه الجمهور". والفكرة الأساسية التي يقوم عليها المقال تركز على أن غرف الأخبار ظلت لوقت طويل تنتج محتوى بناء على رؤيتها وتفضيلاتها والسياسات الخاصة بها من دون التفكير فيما يريده الجمهور حقا.
وترى الكاتبة أن المؤسسات الصحفية ستبدأ في عام 2025، في تصميم محتوى يتناسب مع الحياة الواقعية للناس وتقديم أخبار ليست مفيدة فحسب، بل يسهل التفاعل معها. وتضيف أن المؤسسات الصحفية ستهتم بموضوع كيفية استهلاك الناس للأخبار، وبدلا من قصف الجمهور بسيل من الأخبار العاجلة، سنرى مزيدا من المنتجات الإخبارية الجديدة مثل ملخصات نهاية اليوم الموجزة التي تعطي إحساسا واضحا بما هو مهم، والقصص المقسمة إلى تنسيقات أصغر وأكثر قابلية للهضم مثل المواد الشارحة والمرئيات، والمواد التي تجيب على الأسئلة الشائعة التي يطرحها الناس، والمحتوى الذي يعكس ما يحدث في مناطق إقامتهم.