كيف تكتب قصة مؤثرة في إنستغرام؟

كيف تكتب قصة مؤثرة في إنستغرام؟

ترجم هذا المقال بالتعاون مع نيمان ريبورت - جامعة هارفارد

 

--

(حين شعرتْ أنّه ليس ثمّة أمل، قفلتْ راجعة نحو منزلها، تبحث عن علاجٍ في التعاويذ والصلوات القديمة، وفي تلك الأكفّ من الطين الداكن اللزج الذي يعتقد أهلها أنه قادر على التهام المرض وشفائه.. لقد وقفت تتحدّى الأرواح الشريرة التي اعتقدت أنها تسكنها، وقالت إنها لا تخشى شيئا. وردني أمس خبر وفاة سيتيل، وقد ماتت من مرض لم تعرف اسمه، في بيتها بتلك القرية على ضفة بحيرة توركانا الطويلة والحارة.. هذا تأبين ضعيف.. لم أعرفها جيداً، ولم تترك خلفها سوى ابنة لها حامل، وأمها وأم زوجها.. قد يكون لديها أقارب غيرهم، ولكن عائلتها كانت صغيرة على أية حال.. لقد أمضيت أنا وراندي بضع ساعات وحسب في رفقة سيتيل، حين حدثتنا عن قصتها وشاهدناها وهي تواجه المرض.. القدرة على الاختيار ليست واردة هنا، فقد كان لدى سيتيل خيارات محدودة جداً.. ما أعرفه أنّها كانت صبورة وكريمة معنا ونحن نحمل دفاترنا وكاميراتنا خلال ما تبيّن أنها الأسابيع الأخيرة من حياتها.. كان جلياً أن سيتيل تعدّنا غرباء، أو مجانين حتى.. كانت أحياناً تنظر إلينا شزراً ونحن نتطفل ونكتب ونلتقط الصور، ولكنها تحملت ثقلنا بلا شكوى وأجابت كل أسئلتنا.. لقد بدت لي شجاعة، مع أنها قد لا تقول ذلك عن نفسها. كما أنها لم تنتظر الشكر منا، فليس في لغة قبيلة داساناش كلمة لذلك أصلاً، وحين يضطر الشخص هناك للشكر فإنّه يقول "واغ إيكونودو" أي "ليرعاك الله". نحن ممتنّون لمساعدة سيتيل، لصدقها معنا وصبرها علينا.. كنا سنخسر كثيراً لو لم نستمع إلى قصتها). 

 

في نهاية يونيو/حزيران الماضي كنت على سفر مع المصورة لينزي أداريو في أرجاء صقلية، أثناء عملنا على قصّة عن المهاجرين القادمين من أفريقيا إلى أوروبا. وخلال تلك الرحلة عبر الجزيرة، شرعنا في الحديث عن الكتابة، وتحدثت بالتحديد عن الطريقة التي سأسلكها في العمل على المقال الطويل الذي اتفقنا على كتابته. كانت لينزي -وهي مصورة حائزة على جوائز عالميّة- قد نشرت من فترة قصيرة كتاباً يشتمل على مذكراتها الشخصية، وكانت لذلك تدرك جيداً تلك المتعة الممتزجة بالصعوبة في ترجمة الأفكار والصور إلى كلمات.. مازحتها قائلاً إنني لا أفضّل أن أكتب مواد طويلة، ثم أخبرتها أن أكثر ما كنت أستمتع به ويرضيني من الكتابة هو فقرات صغيرة جداً كنت أنشرها على موقع إنستغرام.

دُهشت لينزي وقالت: "وهل حقاً تستطيع الكتابة على إنستغرام؟".

فضحكتْ وأمسكت واحداً من هواتفها، وبحثت حتى وصلت إلى تطبيق إنستغرام ثم قالت: "كنت أعتقد أن هذا لتصوير الطعام والقطط فقط".

صحيحٌ أنّ إنستغرام لا يبدو المكان الأمثل الذي يرتاده الكتّاب، فالوتيرة فيه سريعة، كما أن صور القطط فيه كثيرة، عدا عن صور "السيلفي" والأحذية وأكواب القهوة الجميلة. كما أن المساحة المخصصة للكتابة صغيرة أيضاً، خاصة بالنسبة لأولئك الذين سعوا كثيراً للتمكن من الكتابة الطويلة ذات المحتوى المكثف. لكن وبعد أن بدأت تجربة الكتابة ضمن الحدود الإبداعية التي يفرضها التطبيق، حدث معي أمر غريب، إذ وجدت أني بالفعل أحب الكتابة القصيرة.

تمكنت بعد حين من فهم التجربة في إنستغرام، حيث كان التدفق المستمر للصور وصناديق الكتابة تحتها تقدّم هندسة بديلة لكتابة القصّة تستلزم مني أشياء جديدة. صحيح أن القصة تكون أقصر بطبيعة الحال، ولكن هذا التطبيق يستلزم مراعاة الصور بشكل معمق، بالإضافة إلى سبر الطرق الغنية والدقيقة التي تتفاعل بها الكلمات والصور معاً. ومع شيء من الوقت أدركت أن إنستغرام أداة فعّالة لكتابة القصص، وإن كانت هذه من سماته غير المعروفة والأقل استخداماً في مجتمع إنستغرام.

لاحظ أن إنستغرام قد أصبح أحد أهم المجلات الرقمية العامة والناجحة على مستوى العالم، ففيه أكثر من 300 مليون مستخدم شهريا، ويُرفع عليه قرابة 70 مليون صورة يومياً. كل صورة من هذه الصور تمثّل صفحة أو حكاية أو إضاءة على فكرة ما تتجلى أمامنا على الشاشة من بقعة ما في هذا العالم. لقد رأيتم مستخدمي هذا التطبيق، إنهم عادة من الشباب الذين يحبون المشاركة وتراهم ينظرون في هواتفهم في محطات المترو والحافلات وعلى جوانب الطريق، ينظرون إلى سيل الصور التي ترِدُهم على هواتفهم. هذا الانغماس الحاصل لا يأتي من فراغ، وهذا الجمهور العريض للتطبيق من كافة أرجاء العالم يجتمع حول فكرة واحدة: في كل صورة حكاية.

والواقع الآن أن هذه المساحة قد تُركت للمصورين. فمنذ انطلاقة التطبيق عام 2010، بدأ المصورون الصحفيون يستخدمونه بفعالية كبيرة، حيث يعرضون صورا غير منشورة، ويبحثون في أراشيف الصور وينشرون معلومات عن مشاريع إبداعية يعملون عليها. أما الكتاب فلم يقتربوا كثيرا من إنستغرام ولم يستفيدوا منه كمنصة لكتابة القصص ونشرها. وثمة أسباب عديدة لهذه الظاهرة، ولعل السبب الأهم هو أن كتابة نص صغير ليس بالأمر السهل.

لكن بالنسبة لأولئك الذين يخوضون التجربة في هذا التطبيق سيجدون أن سرد القصص فيه أمرٌ في غاية المتعة يمتاز به إنستغرام مع أنه لم يوضع لهذه الغاية. فهذا التطبيق حيوي ومرن ورائع بشكل يفوق التوقعات. وباستخدام مصطلحات فنية يمكن القول إن إنستغرام أكثر ديمقراطية من الفيسبوك الذي يخضع لقدر كبير من التنقيح، كما أنه أقل تقييداً من تويتر، وأكثر ثباتا من سناب شات. ولعل الأهم من جميع ذلك في نظري هو أن إنستغرام يوفر مساحة إبداعية يمكن من خلالها مشاركة الأفكار والآراء بطريقة جميلة مع الجميع، وتجنب خسارة هذه الأصوات أو ضياعها أو العبث بها عند اندماجها مع العنصر الصحفي.

لقد تحولتُ إلى إنستغرام في أبريل/نيسان 2014، حين سافرت إلى بحيرة توركانا بكينيا في قصة صحفية لصالح ناشيونال جيوغرافيك. كان المحرر الذي عملت معه –واسمه بيتر غوين- قد شجعني على استخدام هذا التطبيق لنشر مقاطع من عملي، وقد راودني في البداية بعض التخوف من ذلك، فأنا لست مصورا، ولم يكن لدي حتى ذلك الوقت حساب في إنستغرام. وما كنت أراه على هذا التطبيق في هواتف أصدقائي بدا لي شبيهاً بفيسبوك-لايت. وعرفت أن إنستغرام يتيح كتابة 2002 حرف (قرابة 360 كلمة حسب تجربتي) مع كل صورة منشورة، وكنت أشك في أنه يمكن التعبير عن شيء ما -بشكل كاف- بهذا العدد من الكلمات.

لكن بيتر واصل إقناعي، وأطلعني على بعض ما كتبه في إنستغرام عن رحلاته إلى رواندا وجمهورية أفريقيا الوسطى، وقد أعجبني ذلك، فما رأيت لم يكن بعض صور "السيلفي"، بل لم يكن حتى شخصياً.. كانت تلك المنشورات توثيقا للحظات صغيرة غنية بالتفاصيل وسهلة القراءة وفيها إشارة إلى قدر كبير من الإمكانات. في الوقت ذاته كنت قد شرعت في الاعتماد على التصوير بهاتف آيفون أثناء إعداد تقاريري، إذ كنت ألتقط صورة شخصية لكل شخص أتحدث معه بعدما أسجّل رقم هاتفه وأكتب اسمه بالطريقة الصحيحة. وفي هذا السياق -أي تشجيع بيتر والصور الجديدة التي التقطتها- اقتنعت أن بإمكاني على الأقل كتابة لمحات عن بعض الأشخاص الذين ألتقيهم، وقررت أن يكون ذلك بمثابة تجربة أولية، ولم أكن أتوقع أنها ستستمر.

لقد كانت كتاباتي الأولى في إنستغرام حين كنت قرب بحيرة توركانا بعيدة عن أن تكون قصة صحفية حقيقية. فمعظم ما كنت أنشره هو بعض الصور الجميلة التي أكتب عليها تعليقات بسيطة سريعة. وفي مكان ليس بعيدا عن مكان عملي -وكنت أعمل بالمناسبة على بعد مئات الكيلومترات عن أقرب طريق معبّد- التقيت بصياد نجا من هجمة تمساح، وقد أصابتني قصته بالذهول. كان الرجل يجهز شبكة صيده لما هاجمه التمساح في تلك المياه العكرة، ثم حمله بعيدا، وفقد الرجل وعيه حين شعر أنه ينتقل إلى عالم آخر، لعله الموت. كان يشعر بأنياب تنغرز في جسده، لكنه في الوقت ذاته كان يسمع أصواتا جميلة في أذنيه. وقبل أن يُجهز عليه التمساح استعاد الرجل وعيه، وتذكر ترنيمة شعبية قديمة. غرز الرجل أصابعه في عيني التمساح، فأطلقه من بين فكيه، وهرب ذلك الرجل وهو ينزف نحو اليابسة.

حين نُقل الرجل إلى العيادة المحلية، كان يعاني من هلوسات وكوابيس رهيبة نتيجة اضطراب ما بعد الصدمة من هجمة التمساح.

قال لي الرجل: "كنت أراه في أحلامي، يأتي إلي من الباب ليقتلني". كما أخبرني أنه حتى الآن لا يمتلك الجرأة على العودة إلى المياه.

أمضيت بضع ساعات أتحدث إلى الرجل، وأرسم صورا للمكان الذي غرز فيه التمساح فكّيه في فخذه. من وجهة نظر الكاتب، كانت القصة غاية في العجب، وهي تجربة كنت أود لو أستطيع مشاركتها مع الآخرين. ولكني كنت أدرك صعوبة أن أدرج هذه القصة في المادة النهائية التي سأقدمها للمجلة. لقد كانت صغيرة جدا، وكانت ستضيع على الأغلب في المادة الكبيرة والمعقدة التي أعدها حول بعض القضايا البيئية والنزاعات والتغيرات الثقافية. لو سمعت بهذه القصة قبل سنة لاحتفظت بها في دفتر ملاحظاتي وحسب، ولكني شعرت الآن برغبة في إخبار الآخرين عنها، ووجدت فجأة أن إنستغرام هو الوسيلة الأمثل لذلك. طلبت من الرجل بعد انتهاء المقابلة أن يجلس لأصوره بهاتفي أمام كوخ الطين الذين شربنا فيه صودا ساخنة.. التقطت بعض الصور تحت شمس الظهيرة الحارقة، وقررت أن تكون الصورة بالأبيض والأسود بسبب درجة التباين غير المناسبة. كتبت قصة الرجل مساء ذلك اليوم، وحرصت على عدم الابتعاد عن روايته الشخصية. لم أوضح سبب نشري للقصة ولم أذهب بعيداً للحديث عن إحصاءات حول ضحايا هجمات التماسيح في شرق إفريقيا، فالذي يتابعني يعرف من منشوراتي السابقة أني أعمل في كينيا مع ناشيونال جيوغرافيك، وأي شخص يريد معرفة شيء عني بوسعه أن يرجع إلى مقالاتي المطولة.

لم أرغب كذلك في حشو قصته بأي معلومات جانبية أخرى، وقررت أن أكتب ملتزماً بمزاج وإيقاع تلك الحادثة التي غيرت حياة الرجل، كما اختصرتها لتكون في 269 كلمة. استخدمت تقنيات بسيطة في استهلال القصة وتطورها والتعليقات المشوقة وغير ذلك من التقنيات التي تعلمتها قبل وقت طويل في غرف الأخبار. وكنت أتفحص كل كلمة لأرى إن كانت تستحق أن تبقى في النص، وكثيرا ما نقرت على زر الحذف في هذه العملية.

حتى الآن تلقت هذه القصة الصغيرة التي نشرتها على إنستغرام 500 إعجاب (وأكثر من 1300 إعجاب لنسخة ثانية أعدت نشرها لاحقا). وقد علق أكثر من 70 متابعا على هذه الكتابات. أعتقد أن الإعجاب والتعليق مقياس للنجاح على هذا التطبيق، وهذا ما يثير شيئا من الإدمان والغموض في آن معاً، ولكن الأرقام في حالتي أنا صغيرة نسبيا. كما أن أعداد المعجبين لا يعني أنهم جميعهم قرأوا القصة، رغم أني شبه متأكد من أن معظمهم قرأ المكتوب تحت الصور. النقطة المهمة هنا أنني تدربت لسنوات عديدة كي أكون قادرا على نشر قصة كقصة هذا الرجل. فبعد أن نشرت الصورة مع القصة، وصارت التعليقات تردني تترى كأنها قطعٌ من النقود، ومن أناس لا أعرفهم، شعرت أني حققت بشكل من الأشكال أحد الأهداف التي كنت أطمح إليها في عملي في الصحافة؛ أن أكون صوتا لمن لا صوت لهم، وقد جعلني هذا الشعور متعطشا لكتابة المزيد.

--

(حين كنا شبابا، كانت ضفة البحيرة تمتلئ بالأعشاب، وهناك كنا نصيد أفراس البحر، وكانت أعدادها كبيرة حينها.. تظهر بين الأعشاب الخضراء الطويلة. أحياناً كنا نذهب في مجموعة من عشرين رجلاً، كلٌّ منّا يحمل حربة، واعتدنا على ربط حبال طويلة برأس الحراب وتثبيتها بمنطقة الخصر، كأنّها أحزمة، ثم نتعقب أفراس النهر بهدوء وسكون. فرس النهر حيوان ذكي وشديد جداً، حتّى الشعر حول فمه يمكن أن يجرح كأنّه نصل سكين حاد.. يقوم الرجل الأول بالتقدم بحذر نحو فرس النهر ليطعنه ويغرز الحربة في جسده، ثم يأخذ الحبل عن وسطه ويبدأ السحب.. هذه خطوة مهمة جداً. لو كنتَ بطيئاً، ولم تأخذ الحبل عن خصرك بسرعة كافية، فإنّ فرس النهر قد يجرّك بعيداً وهو يحاول الهرب.. هذا هو الجزء الأكثر خطورة. حين يغرز الرجل الأول حربته في فرس النهر، يتقدّم الرجال الآخرون ويغرزون حرابهم، ثم نسحب حبالنا ونجرّ الحيوان نحونا.. كان كل منا يأخذ نصيبه من اللحم، ولكنّ النصيب والشرف الأكبر يكون دوماً للرجل الأول، إذ يعود إلى بيته بالأذنين والذيل، وتغنّي النساء اعتزازاً به وهنّ ذاهبات لاستقباله عند مدخل القرية. كان فرس النهر فيما مضى جزءاً أساسياً من ثقافتنا.. كان قتله أشبه بقتل أسد أو فيل. كان أحدنا يشعر بأنّه بطل. نعم، أشتاق إلى تلك الأيام، وأحبها كثيراً، أما اليوم فلا ترى أفراس النهر هنا أبداً.. كانت آخر مرة رأيت فيها فرس النهر في التسعينيات، وقام أحدهم حينها بقتله بسلاح كلاشنيكوف. أمّا نحن فكانت طريقتنا مختلفة.. نحن الاثنان آخر من يتذكّر الصيد بالطريقة القديمة). 

 

حاولت في فترة عملي الميداني وفي الأسابيع التي تلت ذلك أن أجرب العمل على عدة أشكال وأصوات وتصاميم لكتابة القصص. بدأت أرى في إنستغرام شكلا متميزا عن العمل الوثائقي الذي أقوم به ولكنه مكمّل له أيضا.. لقد كنت أمارس شكلاً من "الصحافة المتأنّية" حسب التعبير الشائع اليوم، أو قد كان ما أقوم به نتيجة جلسات طويلة كنت أحظى بها، حيث أستمع إلى الآخرين وأدون الملاحظات.

كتبت في قصتين عن التوتر الكبير الحاصل في قبيلة داساناش حيث تسود بين أفراد هذه القبيلة ممارسة ختان البنات.. قارنت بين قصص ثلاث نساء مررن بتجربة الختان، واحدة منهنّ كبيرة في السن والأخريان صغيرتان. شرحت لي المرأة بكل بوضوح أي الأجزاء التي ختنت والأسباب التي تدعو لذلك.. لقد كانت هذه الممارسة في نظرها مرتبطة بمصير القبيلة. أما الصغيرتان فأخبرتاني كيف أنهما كانتا تعملان خفيةً إزاء هذه الممارسة، لجعلها أكثر سلامةً، أو للوصول إن أمكن إلى الاستغناء عنها تماماً.

أخبرتني إحدى الفتاتين -واسمها كالي- أن الطرق القديمة تكون جيدة أحياناً، ولكنها تكون خطيرة في أحيان أخرى. وأضافت: "لقد رأيت ما حصل لبعض النساء، وقررت أن أفعل هذا الأمر بالطريقة الأفضل".

لم يخطر لي قط أن أكتب عن هذا الموضوع، كما لم أتخيل أن أي امرأة قد تحدثني بصراحة في هذا الشأن. ولكن هذا ما حدث فعلاً، وإليكم بعض الأصوات التي شعرت بضرورة إيصالها إلى الآخرين.. لقد اخترت الكتابة بأسلوب مباشر، محاولا قدر الإمكان الحفاظ على وتيرة النقاش الدائر في المجتمع كما لاحظته، إذا لم يكن حوار طُرشان، وليس فيه توجيه اتهامات ولا تقديم أحكام أخلاقية.

لقد كانت هذه القصة أشبه بخطاب موازٍ ينظر إلى هذه القضية كغيرها من القضايا الخلافية التي يكون مصيرها إلى الزوال مع موت الجيل القديم وانتهاء سلطتهم الروحية في المجتمع. لكن هل شرحت القصة كل شيء؟ وهل ثمة قصة تستطيع أصلاً الحديث عن كل شيء؟ إن ما حققته هذه القصص بمثالية واتزان هو ما كنت أسعى إليه من تسليط شيء من الضوء على قضية ما، وقد قرأها عددٌ كافٍ من الناس وشعرت على الأقل أنني لم أكن أتحدث إلى نفسي.

كتبت قصصاً أخرى بعد ذلك بضمير المخاطَب أو بضمير الغائب. نشرت مرة صورة لأفعى الكوبرا وهي تنفث سمها، وتناولت القصة على شكل رسالة للأفعى، ووظفت ذلك لوصف تلك اللحظة في حياة الصبية الذين يرعون الماشية والذين تجولت معهم كثيرا، حين يهربون فزعا عند رؤية الأفعى ثم يعودون لملاحقتها، ويهاجمونها كما الفرسان في فيلم "مونتي بايثون والكأس المقدسة". وفي قصة أخرى اعتمدت أسلوب الحكاية بضمير المتكلم، وكتبت بصوت رجل كهلٍ وهو يحكي عن وقائع اصطياد حيوان فرس النهر قبل زمن بعيد. وفي تلك القصة كشفت عن طريقتي في الكتابة في تلك اللحظة، وهي أشبه بأن أسلم قلمي ودفتري لأولئك الصيادين الشيوخ -القلّة الباقية من هذا الجيل- ليتحدّثوا عن ذكرياتهم كما يحلو لهم.

أذكر قصتين من سلسلة القصص القائمة على الصورة هما الأكثر نجاحاً، الأولى عن امرأة تعاني من مرض عضال اسمها سيتيل، وقد سمحت لنا بمراقبة طرق العلاج الروحية الخاصة جدا التي كان تقدمها لها امرأة تمارس الطب الشعبي. لقد ذهبنا معها عدة مرات أنا وصديقي راندي أولسن -وهو مصور يعمل مع ناشيونال جيوغرافيك- إلى أحد أطراف البحيرة، وشاهدناها مع تلك الطبيبة التي تدعى غالتي، تخوضان في المياه الضحلة لتمسح المرأة جسدها بالطين. وبعد غسل جسدها من الطين، كانت تعتقد أن تلك الترسبات الغنية الداكنة التي تذهب مع الماء ستطرد المرض وتسترجع عافية المريض.

حين علمت بوفاة سيتيل بعد ذلك بأسابيع قليلة، شعرتُ بأسى كبير.. لقد حاولنا مساعدتها بالغذاء والدواء، وحاولنا أن نبحث لها عن عيادة لإحدى البعثات المحلية. ولكن كل ذلك لم يكن ليساعد سيتيل بعد أن تدهورت حالتها. صحيح أننا لم نكن نعرفها جيداً، ولكن في تلك اللحظة وفي ذلك المكان راودني شعور مختلف. أردت الكتابة عنها مجدداً، وكان لديّ في تلك الفترة -بعد مضي أربعة أسابيع على دخولي عالم إنستغرام- عدد متزايد من المتابعين. ولأنهم كانوا قد قرؤوا عن قصّة علاجها، ظننت أنهم ربما سيرغبون في معرفة قصة موتها. فكتبت تأبيناً قصيراً عن سيتيل ونشرته مع واحدة من آخر الصور التي التقطتها لها.

كتبت تحت تلك الصورة "حين شعرتْ أنّه ليس ثمّة أمل، قفلتْ راجعة نحو منزلها، تبحث عن علاجٍ في التعاويذ والصلوات القديمة، وفي تلك الأكفّ من الطين الداكن اللزج الذي يعتقد أهلها أنه قادر على التهام المرض وشفائه.. لقد وقفت تتحدّى الأرواح الشريرة التي اعتقدت أنها تسكنها، وقالت إنها لا تخشى شيئا".

اطّلع على تلك القصّة 700 متابع على الأقل.. ليس هذا بالعدد الكبير، ولكنه أكبر على الأقل من عدد الناس الذين كانوا يعرفونها قبل موتها، وأكبر ربما من عدد الذين قرؤوا تأبين جدي، الذي توفي قبل سفري إلى كينيا بأيام قليلة. حين تجلّت هذه الفكرة في ذهني، توقفت عن الاهتمام كثيراً بالأرقام.

--

(أنا طبيب الأمل الأخير، يأتيني الناس حين لا يصلح معهم أي دواء.. يأتون بخوف وأمل، وأنا أداويهم بالقهوة والدم والدخان.. أعرف كيف أتعامل مع الأرواح التي تسبب العلل. أنا دايةٌ أيضاً، نصف أطفال هذه القرية رأوا وجهي لحظة مجيئهم إلى العالم.. ستجد واحدة مثلي في كل قرية.. نحن نتعلم من أمهاتنا وخالاتنا ونتعلم من الأرواح.. إننا نتعلم كيف نشعر بموضع العلّة بأيدينا، ونحن نسمع ونرى أشياء لا يدركها غيرنا.. هذا أمرٌ خاص بالنساء. ليست لدينا أي مشكلة مع البعثات الطبية التي تأتي هنا، وإن كان بعضها يأتي أحياناً ليخبرني بأن عليّ التوقف عن الحديث مع الأرواح، وأن أنصح الجميع بالذهاب إلى العيادة. آه! لكن العيادة بعيدة، وليس فيها سوى عدد قليل من الممرضات، وهن لا يستطعن علاج كل الأمراض. انظر إلى سيتيل، تلك المرأة التي رأيتها معي.. كانت مريضة جداً.. أعطتها الممرضة بعض الأدوية والحقن، ولكنها لم تتعاف.. بدأ أراد عائلتها يبتعدون عنها خشية أن ينتقل مرضها إليهم، ثم أحضروها إليّ.. لقد كانت تعاني من ظل الأرواح الشريرة.. أخذتها أربع مرات إلى البحيرة لأغسلها وأضع الطين عليها.. غسلتها أربع مرات من الطين وأمرت تلك الأرواح بالرحيل عنها.. فعلت ذلك أربعاً لأنّ هذا الرقم مقدّس عندنا، وهو عدد الحلمات على ضرع البقرة.. لكن الأرواح كانت أقوى، ولم يفلح العلاج. حاولنا مرة أخرى، وأنت تعرف ما حدث بعد ذلك.. لا أستطيع أن أقول إنّ الطريقة القديمة لم تجدِ نفعاً، فليس ثمة علاج أقوى في أي مكان. (ظهرت قصة غالتي وسيتيل في العدد الصادر في أغسطس/آب من مجلة ناشيونال جيوغرافيك، وهي جزء من مشروع مستمر يحمل الوسم #NGwatershedstories). 

 

 

شيئاً فشيئاً بدأت أستمتع بتلك القيود الإبداعية في إنستغرام، وكيف يرغمك هذا التطبيق على التخلي عن كثير من الأشياء والتنبّه أكثر إلى الأساسيات. ثم بدأت استخدام الوسوم (الهاشتاغ) لأضع المنشورات في سياق حقيقي، كاسم القرية مثلاً أو اسم القبيلة، أو القضية التي أتناولها، والتي تظهر عادة في العنوان أو مصدر الخبر. وبعدها صرت أستخدم وسوماً خاصة لتنظيم منشوراتي ليصل إليها من يرغب في متابعتي على إنستغرام، أو ليصل متابع الصفحة لقصة ما من بين القصص التي نشرتها.. كنت في نهاية كل قصة عن بحيرة توركانا مثلاً أضع وسم (#jadeseaseries2014)، لأشير إلى الاسم المشهور للبحيرة. يقوم إنستغرام بشكل فوري بأرشفة الصور حسب تاريخ النشر، وعند الضغط على الوسم (وأدعوه "وسم السلسلة") فإنه ينقلك إلى صفحة تشتمل على أكثر من 30 قصة عن بحيرة توركانا.

لقد كتبت آلاف الكلمات على ضفة تلك البحيرة. كان عدد المتابعين يزداد بسرعة، وقد أربكني ذلك قليلاً. حين قاربت على الانتهاء من هذه التجربة، وضعتُ من غير تخطيط مسبق سجلّا لعملية كتابة القصص لناشيونال جيوغرافيك. والأهمّ من ذلك أنني نقلتُ صورا للحياة والمعاناة في مكان لم يسمع به الكثير من الناس، كما لن يزوره سوى القليل. لم أمتلك طريقة ذات منهجيّة معتمدة لقياس الأثر الدقيق الذي حققته القصص التي نشرتها في تلك السلسلة، فلست أملك مقياساً لمعرفة مدى وصولها إلى المتابعين أو طريقة لتصنيف المتابعين حسب العمر أو مستوى الدخل. ولكن على أقل تقدير كان هنالك مئات الأشخاص الذين لا أعرفهم ولم ألتق بهم يرتادون صفحتي يومياً لمتابعة قصصي، وقد يصل هذا الرقم إلى عدة آلاف على أحسن تقدير. لقد نُشرت المقالة الطويلة التي أعددتها خلال هذه الرحلة في العدد الصادر في أغسطس/آب 2015 لمجلة ناشيونال جيوغرافيك، وهي مجلة يقرؤها الملايين حول العالم. ولكني أشعر أن تلك السلسلة التي نشرتها على إنستغرام هي إنجاز أهمّ من تلك المقالة من عدة أوجه.

إن مهمة كاتب المقالة تتمثّل في البحث عما يمكن من أطراف "الحقيقة" وجمعها معاً في مقالة متماسكة. أما في إنستغرام، فكانت كل قصة طرفاً من الواقع، وقد جمعت من أطراف هذا الواقع ما لا يسعني إطلاقاً وضعه في مجلة. لقد شكّلت تلك المقالة المنشورة في المجلة وتلك السلسلة في إنستغرام مادة وثائقيّة ضخمة، لن تعرف المجلة غالباً ما يمكن فعله بها. صحيح أنها ليست مرتبة بشكل مثالي، ولكنها كانت تجربة قيمة لهذا التطبيق، وقد حققت من خلاله رغبتي في إيصال المزيد من الوجوه والأصوات والقصص إلى الآخرين.

وبعد تلك التجربة الأولية انطلقت في كتابة المزيد، ووجدت شيئاً من التجارب الملهمة السابقة في الكتابة القصيرة الأدبية أو غير الأدبية. كنت أحياناً أفكر بإنستغرام وأنا أتصور في ذهني قصص ريك براغ القصيرة المليئة باللحظات التي تحرّك المشاعر والتفاصيل ذات الأثر الحاضر. كما تأثرت بأشكال الكتابة التقليدية اليابانية، كفنّ الهايغا الذي يمزج بين قطعة من شعر الهايكو، الذي يصف عادة المزاج والطبيعة، مع بعض الرسوم البسيطة. كما أعرف بعض الكُتاب في إنستغرام الذين تأثروا بكتب الرسوم والروايات المصورة وفنّ كتابة الأغاني.

وقد تأثرت كذلك بالعديد من المصورين الصحفيين الذين أثبتوا حجم الفرصة الكبيرة التي توفرها منصّة إنستغرام في مجال العمل الوثائقي الاجتماعي. من بين الأسماء المهمّة مات بلاك (Matt Black) صاحب سلسلة "جغرافية الفقر" (Geography of Poverty) حيث تنشر الصور في موقع "MSNBC" بالإضافة إلى حسابه الشخصي. هنالك أيضا رادكليف روي (Radcliffe Roye) الذي يضيف إلى الصور مقالات شخصية جدا عن الهوية، ومنهم كذلك ديفد غاتنفيلدر (David Guttenfelder) الذي أنشأ حساباً على إنستغرام لنشر صور من كوريا الشمالية. من الحسابات المفضلة لدي كذلك مشروع تعاوني مع كلية الدراسات العليا في الصحافة بجامعة مدينة نيويورك، يحمل اسم "سجن يوميّ" (Everyday Incarceration) يتناول حياة السجناء وعائلاتهم والمجتمعات التي يعيشون بها.

أتجنّب في أغلب الأحيان استخدام الأساليب والتقاليد الصحفية في كتابتي. أهملت مثلاً أسلوب التركيز في الفقرة الأولى، ولم أعتمد على سرد الحقائق، وأعني هنا المعلومات الباردة التي أطلق عليها أحد طلابي مرّة "المعلومات المزعجة". كما لم أتقيد بالتوثيق ولا برأي الخبراء أو المؤسسات، بل كنت أُسقط ذلك من كتابتي بكل سرور. إنستغرام ليس مكاناً للأخبار ولا للتوضيحات الدسمة، فلهذه المهام منصّات أخرى، وهو لا يستوعب النماذج التقليدية من الكتابة المعتمدة في الصحافة أو التلفاز.

لكن دعوني أكن واضحا، رأيي هذا لا يعني أنني أتحلّل من الالتزام بأخلاقيات الصحافة الأميركية التي لطالما تقيّدت بها، فكل ما أفعله مبني على الحقائق المنقولة والمشاهدات المباشرة. لقد منحني التخلص من الطرق القديمة شعوراً بالتحرّر، لكنني لا أشعر بأن ذلك أعفاني من مسؤوليتي الصحفية. ما أعنيه أنني أختار استبعاد أو تجاهل الأشياء التي قد تربك القصة على نحو غير مبرر، أو تمنعها من الدخول إلى حيز الضوء. على كل كاتب وكل محرر وكل مطبوعة أن يتخذوا قراراتهم الخاصة بشأن القواعد التي ستحكم استخدامهم لإنستغرام. نصيحتي هي أن يُترك الموضوع فضفاضا من حيث الأسلوب بأكثر مما قد يبدو مريحا في البداية.

لعل ذلك كان أسهل بالنسبة لي لكوني صحفيا حرا لا أعمل تحت مظلة مؤسسة أكبر، ولأنني تمكنت من تجاهل حلقة الأخبار تماما أو توظيفها لخدمتي. في سبتمبر/أيلول 2014 مثلا، سافرت إلى مخيم كاكوما للاجئين، التابع للأمم المتحدة، والواقع أيضا في شمال كينيا، وبدأت أعد عنه سلسلة لإنستغرام بُعيد أن غمر المخيمَ فيضانٌ هائل، ودفع انفجار للعنف القبلي لاجئيه إلى الهرب. قاومت إغراء الكتابة عن تلك الأخبار أو تداعياتها لأنني كنت أعرف أن جمهور إنستغرام -أو إنستغرامي أنا على الأقل- لم يكونوا يستخدمون التطبيق بهذا الشكل. لكن لاحقا، حين أعلن الرئيس أوباما خطته لتطبيع العلاقات مع كوبا، أصبحت الأخبار مشبكا سمح لي بالعودة إلى العمل الذي أنجزته في الجزيرة عام 2008.

بحثت في أرشيفي عن صور، ثم غطست في دفاتري للبحث عن قصص يمكنني ربطها بها. ولأن المواد كان عمرها بضع سنوات، فقد أوضحت ذلك بنشر التاريخ في أعلى كل منشور، وكتبتها بصيغة مذكرات سفر. في إحداها، وصفت قيادتي لسيارة مستأجرة في أنحاء كوبا، مصطحبا معي كل مسافر متطفل أجده في طريقي، كما ركبت معي أجمل امرأة التقيت بها في حياتي، وهي جندية كوبية سابقة ذات ندب طويل داكن على وجهها.

كما كتبت عن مزارع فقير امتحنني حول أسعار السيارات والدراجات والبيوت في أميركا. وباستخدام صيغة المتكلم، وبتصرّف، كتبت قصة محارب في حملة فيدال كاسترو بأنغولا في الثمانينيات، حين أرسل آلاف الجنود للقتال من أجل نظام شيوعي. كانت تلك قصة شبه مخفية في الولايات المتحدة. هذه أيضا قصة لا ينتهي الاهتمام بها -وهي تقريبا نظيرة قصة حرب أميركا في فيتنام- ورغم أنها سحرتني، فإنني كنت أجد نشرها في مجلة مصقولة أمرا مزعجا.

مؤخرا، كانت الأخبار حاضرةً كذلك في سلسلة كتبتها من كردستان العراق (شملت مادة حول مقاتل "داعشي" قابلته)، دون أن تكون موجِّهة لها، في الوقت الذي كنت فيه في مهمة لمجلة ناشيونال جيوغرافيك وأعمل أيضا على مادة حول مهاجر شاب من غامبيا، احتجزه حسن النية البيرقراطي في صقلية.

خلال الشهرين الماضيين، أتممت كذلك نوعا جديدا من التعاون على إنستغرام مع راندي أولسن، شريكي الميداني في كينيا. في يوليو/تموز، قبيل نشر قصتنا حول بحيرة توركانا، نشرنا سلسلة من الاسترجاعات (flashbacks) لعمل أنجزناه عام 2009 إلى الشمال من البحيرة. بعدها، في أغسطس/آب حين نُشرت قصة بحيرة توركانا، نشرنا سلسلة أخرى مكونة في معظمها من قصص وصور لم تظهر في المجلة. هذان المشروعان شكّلا معا رحلة سردية عبر الحدود والأحواض المائية المهددة. نشرنا قصصا بشكل يومي تقريبا على عدة حسابات على إنستغرام، من بينها حساب ناشيونال جيوغرافيك، مانحين سياقا بيئيا وثقافيا -أو مجرد قراءة خفيفة لاستراحة الغداء- لملايين المتابعين.

--

(في أحد الصباحات وأنت تسير في مخيم للاجئين، يناديك أحدهم وهو واقف على أحد الأبواب، قائلاً: "يا بنت، هل تبحثين عن عمل؟".. كان هذا ما تودّين سماعه، تقاومين قليلاً، تضعين يدك على خصرك في الشارع الترابي وتتنفسين بشيء من الغرور.. إنه يعرف أنك لست لاجئة.. يظهر ذلك من شعرك ومن رزمة الخرز الكبيرة التي تلتف حول عنقك، وظهرك المستقيم الذي يساعدك على حملها.. هذا ما دعاه للسؤال ربما.. أنت صغيرة ولكنك تبدين قوية، وإلا فماذا تفعل امرأة من توركانا هنا؟ ليست هنالك مقابلة ولا تفاوض.. وهكذا تصبحين خادمة تعملين عند لاجئ، وهو في فقره وتشرّده أقل فقراً منك بدرجة أو درجتين.. هذه من غرائب هذا المكان، حين يصبح أفراد القبيلة التي منحها الربّ هذه الأرض خدماً لأولئك الذين دفعتهم مصائبهم للجوء في هذا المخيّم.. هناك مئات مثلك.. إنّك تعملين لدى مسلم هجّر من إثيوبيا، لديه زوجة وأطفال، ويظهر عليه شيء من تكبّر المتدينين.. حين تصلين في الصباح لتغسلي الصحون وتكنسي الأرض، ينسحب الأطفال إلى غرف أخرى دون تحيّة.. أنت لا تعرفين أسماءهم حتّى، فهي تفاصيل أقل أهمية من المال. لكن هذا الرجل الذي تعملين في بيته ليس سيئاً، وحين يحصل على المعونة الشهرية يتقاسم معك بعض الطعام الذي يكفي لإطعام إخوتك وأخواتك. سامحي هذا اللاجئ، وعودي عند الشفق الأحمر إلى قريتك، حيث تنتظرك أخواتك جائعات يتوسّلن كالفراخ.. إنّهن يردن خرزات زرقاء وصفراء ليصنعن منها عقوداً يضعنها حول رقابهنّ النحيلة، كي يصبحن جميلات أيضاً، ويحتفظن بالسرّ لأنفسهن).
 

 

هذا التعاون المصمم للهواتف والأجهزة اللوحية (رغم أن والدي ما زال يستخدم حاسوبه المحمول لمشاهدته) كان مدهشا حتى الآن، على الصعيد الشخصي على الأقل. فالتفاعل الذي تلقيناه (الإعجابات والتعليقات التي تسبب مزيجا من الإثارة والإدمان) فاقت تصوراتنا، وتمت مشاركة قصصنا وإعادة نشرها أكثر من ألف مرة. ما يكشفه ذلك أن جمهورنا لا يكترث لعنصر الزمن، إذ لم يكن زمن التقاط الصور مهما، بل الأصوات والأجزاء والعلاقات التي تم تشكيلها بين الكلمات والصور.

كثير من هذا كله كان ممتعا لكنه لا يزال عملًا، وحتى الآن، لا أحد يدفع لنا لقاءه. ناشيونال جيوغرافيك مستعدة لنشر تجاربنا بسرور، لكن هذا جهد أتى بدافع الشغف. لقد سُئلت مؤخرا إن كان إنستغرام رخيصا، تافها، وليس مكانا مناسبا للصحافة الجادة. هذه النقطة دائما ما تربكني -أعني، في النهاية، افعلوا ما شئتم- لكن كأي تطبيق إعلام اجتماعي، فإنستغرام يعكس المجتمع الذي يستخدمه، وهو في هذه الحالة مجتمع يكاد يكون بحجم سكان الولايات المتحدة.

أنتج الكاتب جيف شارلت ملفا شخصيا مذهلا -معدا لإنستغرام فحسب- عن امرأة تُركت وحدها تقريبا في صراعها مع الأمراض العقلية.. جوناثان د. فيتزجيرالد -وهو طالب دكتوراه في جامعة نورث إيسترن- يدرس كيف تعمل سرديات إنستغرام، ويبني أرشيفا منها.. راندي ر. بوتس يستخدم التطبيق ليكتب عن المثلية الجنسية في تكساس.. الصحفية بلير بريفسمان تشارك قصصا حول عربات الكلاب والمشاهد الطبيعية القارسة الموحشة.. إدارة أمن النقل تنشر صورا مما يتم مصادرته في نقاط أمن المطار، كاشفة كم الناس الذين يحاولون إدخال القنابل اليدوية إلى الطائرات. وقد كنت على تواصل مع طالب عراقي يستخدم إنستغرام لنشر قصائد بالإنجليزية حول معايشته العنفَ يومياً في حياته وحياة عائلته.

هل تجعل هذه الاستخدامات إنستغرام -والمنصات الهاتفية ذات الصلة كفيسبوك وسناب شات و?اين وتويتر- يبدو تافها؟ الجواب بالطبع، هو لا.

كلما استخدمتُ التطبيق أكثر وجدتُ المزيد من الإمكانات لاستخدامه بصورة غير تافهة. في منتصف يونيو/حزيران، قرأت مادة في صحيفة لوس أنجلوس تايمز بعنوان "سان برنادينو.. مدينة كسيرة" بقلم جو موزينغو وصور فرانسيس أور. لقد قدمت هذه المادة -المعدّة أصلاً للنشر في صحيفة- رواية قوية وجذابة، وبنت الصحيفة صفحة إلكترونية لتجميع المشروع، تشمل مساحة للنقاش والتعليقات، لكن حين بحثت في صفحة الصحيفة على إنستغرام، لم أجد سوى منشورات هزيلة ذات علاقة بتلك المادة.

لو كان موزينغو وأور يشبهانني، لعادا من جولاتهما الميدانية بدفاتر وأقراص صلبة ممتلئة.. لقد أحببت عملهما وأردت الاطلاع على المزيد منه.. تخيلوا كيف كان يمكن استخدام المقابلات والشخصيات والمشاهد "الزائدة" -تلك التي لم تصمد حتى النسخة النهائية من المادة- على وسائل الإعلام الاجتماعي لتحسين الربط مع المادة المطبوعة أو لخلق سلسلة منفصلة من سان برنادينو.. أي جمهور جديد كان يمكن أن تصل التايمز إليه؟ أي قصص أخرى كان يمكن روايتها؟

مثال آخر على هذه الفرص ظهر في نيويورك تايمز التي نشرت في وقت سابق من هذا العام سلسلة أسمتها "مهمة أميركا" (Assignment America). ترويسة أول مادتين وصفتْهما بأنهما تحاولان "استكشاف التغيرات في السياسة والثقافة والتكنولوجيا الأميركية بناءً على العمل الميداني والتجارب الشخصية لصحفيي نيويورك تايمز في أنحاء البلاد".

يبدو هذا ممتازا، ولعلّه مشروع سيودّ الكثير من الكتّاب الانضمام إليه. هذا الاستخدام البسيط لعبارة "التجارب الشخصية" يشق بابًا فتحته التايمز بتردد. لقد استغلت الصحيفة إنستغرام أكثر من الكثير من الصحف والمجلات، رابطةً حسابها بصفحة إلكترونية خاصة يستطيع المتابعون من خلالها متابعة قصصٍ محورها الصورة. هل فكر المحررون باستخدام إنستغرام لأشكال أخرى من المواد المعتمدة على المزج بين الصورة والقصة؟ سلسلة "مهمة أميركا" لا تزال في بداية طريقها، وقد لا تستمر، لكنها تمثّل إمكانيةً عظيمة للسرد القصصي عبر الإعلام الاجتماعي.. نظرة سريعة وحسب تظهر أن وسم #assignmentamerica (مهمة أميركا) قد استُخدم ثماني مرات فحسب، لم تكن أي منها من قبل التايمز نفسها.

هناك بالطبع قلق تحريري مبرر تجاه إنستغرام، على غرار الحال مع فيسبوك. فرغم أن المستخدمين يحتفظون بملكية المحتوى الخاص بهم، فإنهم لا يتحكمون به إذ يمكن أن يعاد استخدام صورهم ونشرها. لكن في الوقت الذي أصبح فيه التواجد على الهواتف المحمولة أمراً لا مفرّ منه، تتلاشى المقاربات المتزمتة تجاه المحتوى. فما الذي كانت لوس أنجلوس تايمز ستخسره لو نشرت المزيد من عمل موزينغو وأور، خاصة إن كانت المادة الأساسية منشورة على الإنترنت مجانًا؟ ماذا كان يمكن لنيويورك تايمز أن تكسبه لو فتحت سلسلتها -بكل ما في ذلك من فوضى وديمقراطية- للسرد القصير على الهواتف؟

لعل المخاوف المؤسسية هي ما يبقي هذا النوع من الأعمال خارج إنستغرام، أو لعله ببساطة الانشغال الذي يغمر غرف التحرير. المحررون الذين أعمل معهم في ناشيونال جيوغرافيك -التي تحظى بأكثر من 30 مليون متابع- يدعمون مشروعي على إنستغرام، لكنهم ما زالوا لا يعرفون كيف يمكن إدراجه ليكون تحت اسم المجلة.. مؤخرا كانت هناك أحاديث حول تغيير ذلك، لكن من غير الواضح بعد كيف ومتى.

--

(كانت زوارق الكانو الخشبية تبدو دوماً خرقاء، نصفها تحت الماء وتتأرجح كالرجل الثمل بعد ليلة شراب طويلة.. إنها أشبه بقطعة من حطام سفينة.. سألت مرة عن صانعها، فأشار الصيادون نحو الشمال إلى إثيوبيا، تلك المملكة المتلاشية من الأشجار.. أشياء كثيرة أتت من هناك، متجاوزةً الدلتا والأسلحة والأسماك والشائعات الكثيرة عن الموت أو التمرّد.. أتت من هناك أيضاً قوارب عائمة مصنوعة من النبات، وبين فينة وأخرى كانت تظهر مجموعة من القوارب الصغيرة تأتي نحو البحيرة.. كانت في معظمها قوارب صغيرة خشبية، وفي بعض الأحيان الأخرى كان يظهر قارب كبير. كان الكاهن المحلي -وهو رجل ألماني- يذهب إليهم سابحاً لاستقبالهم.. تخيّل منظر هذا الرجل وهو يخرج من الماء بشعره الطويل ووجهه الداكن كالفجر.. كان يسير مع هذه القوارب أحياناً جهة الجنوب دون أن يخاف من التماسيح. لقد حدث شيء ما غريب أثناء إقامتنا هناك.. رأيت تلك القوارب تصل في بعض الليالي وهي تحترق، واحدا تلو الآخر.. كنت أحدق في الظلمة قبل النوم وألاحظ موقع تلك القوارب المحترقة في الأفق.. استيقظت بعد بضع ساعات أهذي من الحرّ.. وجدت القوارب أبعد، والنار لا تزال تضطرم بها. كان هذا المشهد قد اختفى في الصباح، وظننت أن ما رأيته مجرد حلم.. سألت الناس، ولكن لم يجبني أحد عن سبب اشتعالها أو عما يقوم به الإثيوبيون في تلك الناحية، ثم قلت: الأفضل أن أكفّ عن البحث عن إجابات، فالغموض أحياناً أفضل من الحقيقة، وأردت أن تبقى ذكرى تلك الليالي على اشتعالها في ذاكرتي). 

 

نخطئ إن ظننا أن هذا الشكل من الكتابة القصيرة يمكنه أن يحل مكانَ الكتابة الواقعية المنقولة بعمق والمخططة بعناية.. قلت من قبل إن العمل لإنستغرام يجب أن لا يكون كالكتابة للصحف أو حتى للمجلات، ولست أدعو إلى أن يرمي الكتاب بأحلامهم بكتابة نصوص طويلة، فما نتحدث عنه هنا في النهاية يتعلق بالقصص التي تصلح للهواتف.

الكتابة لإنستغرام مختلفة وتجب مقاربتها لهدف مختلف، وربما أكثر نقاءً: لمتعة الاكتشاف والكشف. الكتاب المدرَّبون على أن يلاحظوا ويجمعوا وأن يختبروا ويحللوا، لديهم في هذا التطبيق فرصة منعشة للابتكار، ليروا كيف يمكن لهذه المهارات أن تطبق في السرد القصصي الخاص بالهواتف. أخطط لبدء تجربة أخرى في وقت لاحق من هذا العام في مجلة "فرجينيا كوارترلي ريفيو" لأرى إلى أي مدى يمكن أن تُستغل هذه الفرصة.

سنجمّع أنا وزميلي جيف شارلت ومحررنا بول رييز مشروعا يستضيف بصورة دورية كتّابا على حساب المجلة على إنستغرام.. كل منهم سينشر من ثلاث إلى خمس مواد تتعلق بمواضيع من كافة أنحاء الولايات المتحدة والعالم، كما نأمل. ستُدفع لهم مبالغ متواضعة، وستُجمع منشوراتهم في مادة مكتوبة، ينشرها موقع الفصلية. وأفضل هذه الأعمال سينشر في العدد المطبوع من المجلة.

هذه التجربة ستكون سردًا في أبسط أشكاله: الكاتب كمشاهد أو مراسل، ينقل لنا ما لديه من مكان لن يصله جمهورنا على الأغلب. على حد علمنا، سيكون هذا المشروع الأول من نوعه، ولا نعلم كيف ستكون نتيجته.. المؤكد أنه لا يتعلق أبدا بإنستغرام كعلامة تجارية بالقدر الذي يتعلق فيه برغبتنا في حكاية القصص ونشرها، خاصة حول أماكن وأشخاص لا نراهم في التيار السائد. هناك عدة تطبيقات كان بوسعنا اختيارها، وسرعة الابتكار في عالم الهواتف المحمولة تشير إلى أن عدد التطبيقات سيزيد أكثر. لكن حتى اللحظة، يمكن القول إنّ إنستغرام أداة يمكنها جمع القصص وتوزيعها بشكل أوسع من الكثير من وسائل الإعلام الاجتماعي الأخرى.. وببساطة، نحن نحبه.

لقد تنبهت مؤخرا إلى المزايا الخاصة لهذا التطبيق، وكان ذلك في فبراير/شباط الماضي خلال زيارة لمكاتب إنستغرام الرئيسية في سيليكون فالي، حيث قدمتُ ورشة حول كتابة القصص القصيرة. في ظهيرة منعشة، جلست أستمع لديفد غاتنفلدر وهو يصف حبه لإنستغرام، ومليارات الصور فيه التي يعكس كل منها مربعا صغيرا من الضوء.. غاتنفلدر -وهو مصور سابق كبير في وكالة أسوشيتد برس بآسيا ولديه أكثر من 800 ألف متابع على التطبيق، كان يريني صورا من اليابان ومونتانا وأيوا وكوريا الشمالية وغيرها.. قال حينها إن إنستغرام قد غيّر طريقة فهمه لإرسال صوره إلى العالم.

"هذه أكبر وأهم منصة موجودة"، قال غاتنفلدر.. "القدرة على الوصول التي يمنحها هذا الشيء مهولة.. عدد الناس الذين يرون أعمالي على إنستغرام أكبر من أي عدد يمكن أن يراها في مجلة مثل ناشيونال جيوغرافيك".

أول ما خطر ببالي أنني أتفق معه، أمّا الأمر الثاني فهو كيف يمكن أن أُشرك المزيد من الكتّاب. قريبا، سنبحث عن أجوبة لهذا السؤال في "فرجينيا كوارتلي ريفيو".

 

More Articles

Gender Inequity in Sports Reporting: Female Journalists Demand Equality

Gender inequality persists in sports journalism, with female reporters significantly under-represented, as shown by studies revealing that only 5.1% of sports articles are written by women. Advocates call for equal representation, more inclusive hiring practices, and a broader focus on women's sports to challenge stereotypes, improve coverage, and give women a stronger voice in shaping sports narratives.

Akem
Akem Nkwain Published on: 18 Nov, 2024
How Does Misinformation Undermine Public Trust in Journalism?

Reports reveal a growing loss of trust in the media, driven by the extent of misinformation that undermines professional journalism's ability to influence public discourse. The platforms of misinformation, now supported by states and private entities during conflicts and wars, threaten to strip the profession of its core roles of accountability and oversight.

Muhammad Khamaiseh 1
Muhammad Khamaiseh Published on: 13 Nov, 2024
What Explains the Indian Media’s Silence on Muslim Lynchings?

A review of why the Indian media is biased in its coverage of cow vigilantes' lynchings, highlighting how the killing of a Hindu boy by such vigilantes sparked widespread outrage, while the lynching of a Muslim man over similar allegations was largely ignored, reflecting deeper anti-Muslim bias under the ruling BJP government.

Saif Khaled
Saif Khalid Published on: 11 Nov, 2024
Freedom of the Press in Jordan and Unconstitutional Interpretations

Since the approval of the Cybercrime Law in Jordan, freedom of opinion and expression has entered a troubling phase marked by the arrest of journalists and restrictions on media. Musab Shawabkeh offers a constitutional reading based on interpretations and rulings that uphold freedom of expression in a context where the country needs diverse opinions in the face of the Israeli ultra right wing politics.

Musab Shawabkeh
Musab Al Shawabkeh Published on: 8 Nov, 2024
Corporate Dominance and the Erosion of Editorial Independence in Indian Media

Corporate influence in Indian media has led to widespread editorial suppression, with media owners prioritising political appeasement over journalistic integrity, resulting in a significant erosion of press freedom and diversity in news reporting.

headshot
AJR Correspondent Published on: 3 Nov, 2024
Monitoring of Journalistic Malpractices in Gaza Coverage

On this page, the editorial team of the Al Jazeera Journalism Review will collect news published by media institutions about the current war on Gaza that involves disinformation, bias, or professional journalistic standards and its code of ethics.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 23 Oct, 2024
Atrocity Inc.: What Max Blumenthal's New Documentary Reveals About Western Media's Complicity in Israeli Propaganda

A digest of Max Blumenthal's new documentary, Atrocity Inc., in which he uncovers how the Israeli PR machinery and propaganda efforts were carefully and intentionally designed to manufacture consent for a campaign of mass death against Palestinians. It reveals how the Western media, especially in the United States, supported Israel's misinformation war.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 13 Oct, 2024
A Year of Genocide and Bias: Western Media's Whitewashing of Israel's Ongoing War on Gaza

Major Western media outlets continue to prove that they are a party in the war of narratives, siding with the Israeli occupation. The article explains how these major Western media outlets are still refining their techniques of bias in favor of the occupation, even a year after the genocide in Palestine.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 9 Oct, 2024
Failing Gaza: Pro-Israel Bias Uncovered Behind the Lens of Western Media

Journalists at CNN and the BBC expose the inner workings of their newsrooms, a year into Israel’s war on Gaza.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 8 Oct, 2024
Guns, Threats, and Poverty: The Daily Struggles of an African Journalist

The welfare of African journalists continues to deteriorate, from poor wages to security risks, arrests, detention, and even death. This common, ongoing trend generally affects the wellbeing of journalists during their discharge of duties, and these overlooked difficulties tend to affect the quality and output of their work.

Derick Matsengarwodzi
Derick Matsengarwodzi Published on: 26 Sep, 2024
Testimonies of the First Witness of the Sabra & Shatila Massacre

The Sabra and Shatila massacre in 1982 saw over 3,000 unarmed Palestinian refugees brutally killed by Phalangist militias under the facilitation of Israeli forces. As the first journalist to enter the camps, Japanese journalist Ryuichi Hirokawa provides a harrowing first-hand account of the atrocity amid a media blackout. His testimony highlights the power of bearing witness to a war crime and contrasts the past Israeli public outcry with today’s silence over the ongoing genocide in Gaza.

Mei Shigenobu مي شيغينوبو
Mei Shigenobu Published on: 18 Sep, 2024
How to Bring more Balance to Western Media Coverage of Israel and Palestine

How can journalists accurately cover Palestine without becoming unbalanced or biased? Here are some concrete tools and techniques for reporters to keep in mind.

A picture of the author, Megan O'Toole
Megan O'Toole Published on: 16 Sep, 2024
Journalist Mothers in Gaza: Living the Ordeal Twice

Being a journalist, particularly a female journalist covering the genocide in Palestine without any form of protection, makes practicing journalism nearly impossible. When the journalist is also a mother haunted by the fear of losing her children, working in the field becomes an immense sacrifice.

Amani Shninu
Amani Shninu Published on: 15 Sep, 2024
Anonymous Sources in the New York Times... Covering the War with One Eye

The use of anonymous sources in journalism is considered, within professional and ethical standards, a “last option” for journalists. However, analysis of New York Times data reveals a persistent pattern in the use of “anonymity” to support specific narratives, especially Israeli narratives.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 8 Sep, 2024
Monitoring of Journalistic Malpractices in Gaza Coverage

On this page, the editorial team of the Al Jazeera Journalism Review will collect news published by media institutions about the current war on Gaza that involves disinformation, bias, or professional journalistic standards and its code of ethics.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 5 Sep, 2024
India’s Social Media Crackdown; Broader Implications for Journalism

India’s crackdown on X-Twitter accounts documenting hate crimes highlights the increased risks faced by journalists who report on these issues. The suppression of such accounts significantly hampers the ability of journalists to access and report critical information on hate crimes.

Rushda Fathima Khan
Rushda Fathima Khan Published on: 3 Sep, 2024
Cameroonian Journalists at the Center of Fighting Illegal Fishing

While the EU’s red card to Cameroon has undeniably tarnished its image, it has paradoxically unlocked the potential of Cameroonian journalists and ignited a movement poised to reshape the future. Through this shared struggle, journalists, scientists, conservationists, storytellers, and government officials have united, paving the way for a new era of ocean advocacy.

Shuimo Trust Dohyee
Shuimo Trust Dohyee Published on: 21 Aug, 2024
The Gaza Journalist and the "Heart and Mind" Struggle

Inside the heart of a Palestinian journalist living in Gaza, there are two personas: one is a human who wants to protect his own life and that of his family, and the other is a journalist committed to safeguarding the lives of the people by holding on to the truth and staying in the field. Between these two extremes, or what journalist Maram Hamid describes as the struggle between the heart and the mind, the Palestinian journalist continues to share a narrative that the occupation intended to keep "away from the camera."

Maram
Maram Humaid Published on: 18 Aug, 2024
India and Pakistan; Journalists building Bridges for Understanding

Amid decades of tension, journalists from India and Pakistan are uniting to combat hostile narratives and highlight shared challenges. Through collaboration, they’re fostering understanding on pressing issues like climate change and healthcare, proving that empathy can transcend borders. Discover how initiatives like the Journalists' Exchange Programme are paving the way for peace journalism and a more nuanced narrative.

Safina
Safina Nabi Published on: 12 Aug, 2024
Journalists Recount the Final Moments of Ismail Al-Ghoul

Journalists remembering the slain reporter of Al Jazeera in Northern Gaza, Ismail Al Ghoul. "He insisted on continuing his coverage from the northern part of the Gaza Strip, despite the challenges and obstacles he faced. He was arrested and interrogated by the Israeli army, his brother was killed in an Israeli airstrike, and his father passed away during treatment abroad."

Mohammad Abu Don
Mohammad Abu Don Published on: 11 Aug, 2024
Analysis: Media Disinformation and UK Far-Right Riots

Analysis on the impact of media disinformation on public opinion, particularly during UK riots incited by far-right groups. A look at how sensationalist media can directly influence audience behavior, as per the Hypodermic Needle Theory, leading to normalized discrimination and violence. The need for responsible journalism is emphasized to prevent such harmful effects.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 8 Aug, 2024
Challenges for Female Journalists in Crisis Zones of Cameroon

Testimonies of what female journalists in Cameroon are facing and how they are challenging these difficulties.

Akem
Akem Nkwain Published on: 30 Jul, 2024
Daughters of Data: African Female Journalists Using Data to Reveal Hidden Truths

A growing network of African women journalists, data scientists, and tech experts is amplifying female voices and highlighting underreported stories across the continent by producing data-driven projects and leveraging digital technologies in storytelling.

Nalova Akua
Nalova Akua Published on: 23 Jul, 2024
Are Podcasts the Future of African Broadcasting?

The surge of podcasts across Africa is a burgeoning trend, encompassing a wide array of themes and subjects, and swiftly expanding across various nations.

Derick Matsengarwodzi
Derick Matsengarwodzi Published on: 11 Jul, 2024