منذ انطلاق "عملية طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر، تعاطى الإعلام اللبناني مع الحدث في غزة ضمن توجهاته الحزبية المختلفة؛ فالقنوات التي تبث من لبنان كقناتي الميادين والمنار المقربتين من حزب الله، فتحت البث المباشر على مدار الساعة وما تزال متابعة للأحداث في غزة والجنوب من خلال المراسلين والضيوف، علاوة على تغطية التحركات والفعاليات السياسية المحلية التي تشارك فيها الفصائل الفلسطينية والأحزاب اللبنانية مجتمعة.
أما قناتا NBN الحزبية (حركة أمل) والمستقلة (الجديد) فكانت متابعتهما الإخبارية أقل مقارنة بالقنوات السابقة، لكنهما أبدتا اهتماما بالعدوان على غزة؛ إذ تصدر الحدث نشرات الأخبار، ومختلف البرامج الصباحية والسياسية اليومية والأسبوعية.
برزت في السنوات الأخيرة منصات فلسطينية يتولاها صحفيون فلسطينيون، منها منصة "مخيمات لبنان بوست"، ومنصة "تجمع الإعلاميين الفلسطينيين في لبنان- (تفاعل)" التي انصب اهتمامها بشكل مباشر على قضايا اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات.
أما قنواتOtv ،Lbc ،MTV المعارضة لتوجهات حزب الله وحركة أمل، فاكتفت بتغطية الحدث عبر نشرات الأخبار المعتادة يوميا أو ضمن البرامج السياسية، ولكن كان للشق الوطني من الحدث، أي الاشتباكات الدائرة في جنوب لبنان عند الحدود مع فلسطين المحتلة، حضور بارز في الجدل والنقاش؛ لأنه موضوع خلافي بين مؤيد ومعارض، لذلك أفردت تلك القنوات مساحة للأصوات المعارضة لما سمّته "تدخل حزب الله"، والفصائل الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي) في إسناد المقاومة في غزة، عبر الاشتباك مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان عند الحدود مع فلسطين المحتلة.
ولئن شهدت الشاشات اللبنانية حضورا مكثفا بنسب متفاوتة بين قناة وأخرى لممثلي الفصائل الفلسطينية، أو للفعاليات والمهرجانات السياسية، فإنها لم تحظ بالاهتمام المطلوب داخل مخيمات اللجوء، وهي التي انطلقت منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى وما تزال مستمرة إلى اليوم؛ ذلك أن اهتمام الإعلام اللبناني بقضايا اللاجئين في المخيمات محصور بالمجمل في أمرين: الأحداث الأمنية من اشتباكات، أو تصوير حالة البؤس والحرمان التي يعاني منها اللاجئ.
اهتمام الإعلام اللبناني بقضايا اللاجئين في المخيمات محصور بالمجمل في أمرين: الأحداث الأمنية من اشتباكات، أو تصوير حالة البؤس والحرمان التي يعاني منها اللاجئ.
ولقد برزت في السنوات الأخيرة مع طفرة وسائل التواصل الاجتماعي منصات فلسطينية يتولاها صحفيون فلسطينيون، منها منصة "مخيمات لبنان بوست"، ومنصة "تجمع الإعلاميين الفلسطينيين في لبنان- (تفاعل)" التي انصب اهتمامها بشكل مباشر على قضايا اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات.
لم يأت تأسيس هذه المنصات إلا من ضرورة، كما يشير الصحفي إبراهيم كايد، المشرف على منصة "مخيمات لبنان بوست"؛ فـ"الحاجة إلى تغطية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في لبنان السياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية والشعبية والفنية غائبة عن الإعلام اللبناني، وتبرز الحاجة إلى إظهار ترابط اللاجىء الفلسطيني في لبنان بقضيته عبر تغطية التأثير المباشر للأحداث في فلسطين على اللاجئين، ونقل رسائلهم عبر المنصة إلى فلسطين والعالم".
ومع انطلاق أحداث السابع من أكتوبر، شكلت منصة "مخيمات لبنان بوست" رافعة لتغطية مختلف الفعاليات والمبادرات الشعبية والتحركات والندوات السياسية في المخيم، وحتى خارجه، وكذلك التحركات الشعبية المنددة بقطع التمويل عن الأونروا، وتشييع جنائز شهداء المقاومة الفلسطينية الذين سقطوا في معارك القتال في جنوب لبنان، عبر تقنية البث المباشر على فيسبوك، من خلال مراسلين تابعين للمنصة في مختلف المدن اللبنانية التي تضم مخيمات اللجوء الفلسطيني، مع إجراء مقابلات مباشرة ترصد ردود أفعال الأهالي.
حرصت المنصة كما يشير كايد، على إنتاج التقارير الإعلامية التي ترصد تأثير المشهد الغزي على اللاجىء الفلسطيني في لبنان، عبر نقل موقف الناس في المخيمات؛ إذ تناولت بعض التقارير العناوين التالية: "رسالة أطفال المخيمات في لبنان إلى غزة"، "ماذا علمتنا غزة؟"، "كيف يمكن أن يؤثر قطع دعم الأونروا على اللاجئين في لبنان؟"، "خبز من الأعلاف"، "كيف يؤثر الاعتداء الإسرائيلي في جنوب لبنان على مهنة صيد السمك في مخيم الرشيدية جنوب لبنان؟"، "كيف يستقبل الأهالي في المخيم رمضان في ظل العدوان على غزة؟"، فضلا عن التقارير التي تناولت مواقف عائلات الشهداء الذين سقطوا في جنوب لبنان.
غطت المنصة أيضا تداعيات خبر إجبار رئيس اتحاد المعلمين في الأونروا فتح شريف على الاستقالة، من ردات فعل شعبية وتربوية كبيرة في المخيمات، وهو ما عُدّ رضوخا للضغوط الغربية من قبل الأونروا لتنفيذ إقالات عُدّت تعسفية، فخرجت المظاهرات وأقفلت المدارس في المخيم، ونشرت المنصة "فيديو غراف" تحت عنوان: "الأونروا ترضخ لابتزاز الدول الغربية.. والأستاذ فتح شريف هو أول الضحايا".
أما عن نشر كثير من الفيديوهات والصور من غزة على المنصة، فاقتصر على ما يتناول الضحايا والدمار فقط، وهو ما رأى كايد أنه "يتناول القضايا الإنسانية؛ فهو يحقق الهدف الأساسي للمنصة، ويتوخى عدم حظرها على الفيسبوك وغيرها من منصات وسائل التواصل؛ نظرا للتقييد الحاصل على المحتوى الفلسطيني".
ويرى كايد أن "منصة مخيمات لبنان بوست" حققت الهدف من تغطية كثير من الأحداث المهمة لأحوال اللاجئين الفلسطينيين عبر منصاتها، رغم التقييد على المحتوى الفلسطيني وتعرض المنصة لتقييدات كثيرة.
من جهة أخرى، برزت كذلك منصة "تجمع الإعلاميين الفلسطينيين في لبنان- (تفاعل)" التي تديرها مجموعة من الصحفيين الفلسطينيين (عشرة أعضاء منتخبون) من داخل لبنان وخارجه؛ إذ تمثل هذه المنصة مئة صحفي وصحفية فلسطينية.
ويرى عضو الهيئة الإدارية حسام صلاح، أن إنشاء تجمع "تفاعل"، وإن جاء استجابة لأسباب متعددة يقف على رأسها غياب حقوق الصحفيين الفلسطينيين في لبنان، فإن أهدافه تتوخى تسليط الضوء على قضايا اللاجئين بما يحقق السردية الفلسطينية، بعيدا عن التجاذبات السياسية اللبنانية والفلسطينية ذات التوجهات المختلفة.
ومنذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، سعت المنصة إلى تغطية التحركات الشعبية في المخيمات عبر تقنية البث المباشر، فضلا عن إنتاج التقارير تحت العناوين التالية ونشرها: "أخلاقيات الحرب وضرورة الالتزام بها.. نظرة ناقدة تبين ماذا يحدث في الأراضي الفلسطينية"، "المجازر الحالية وكيف يختلف القصف في هذه المعركة عن الجولات السابقة للإعلامي من غزة أحمد شلدان"، " عندما يصبح التجويع سلاحا – باللغة الإنجليزية"، "ماذا يجب على الفلسطيني في غزة أن يقدم بعد أن تنتهي هذه الحرب – باللغة الإنجليزية"، علاوة على نشر فيديوهات الصحفيين من غزة، وتعداد أسمائهم ونشر صورهم على المنصة لدى استشهادهم.
إذا لم يكن الإعلام اللبناني يملك القدرة، أو لا يبدي الاهتمام الكافي بمتابعة الفعاليات والأنشطة الفلسطينية اليومية كافة داخل مخيمات اللجوء، فإن تلك المنصات سدت ثغرة كبيرة، وأظهرت حقيقة ما يجري في مخيمات اللجوء بلبنان بجهود فلسطينية.
ولقد عقد (تفاعل) مؤتمرا صحفيا تحت عنوان "الصحافة بين الحقيقة والاستهداف"، شاركت فيه هيئات وشخصيات صحفية لبنانية وفلسطينية وهيئات قانونية؛ "للمساهمة في تسليط الضوء على جرائم الاحتلال المرتكبة بحق الصحفيين الفلسطينيين واللبنانيين والعرب في غزة، وجنوب لبنان، والمساهمة بمسار قانوني لمحاسبة الاحتلال على جرائمه بحق الصحفيين" يقول صلاح.
وإذا لم يكن الإعلام اللبناني يملك القدرة، أو لا يبدي الاهتمام الكافي بمتابعة الفعاليات والأنشطة الفلسطينية اليومية كافة داخل مخيمات اللجوء، فإن تلك المنصات سدت ثغرة كبيرة، وأظهرت حقيقة ما يجري في مخيمات اللجوء بلبنان بجهود فلسطينية، وهو ما يبرز أهميتها لإظهار حفاظ اللاجئ الفلسطيني على هويته، ومدى ارتباطه بأرضه، فضلا عن متابعة شؤونه كلها في بلد اللجوء لبنان.