هل هو غارق حقّاً؟ نتساءل، حين نرى غلاف مجلة التايم المُفتَرَض في عددها الجديد لشهر سبتمبر/أيلول المقبل. يفرض الحدث الأخير في الولايات المتحدة على المجلة أن تفكر جيدا بتفاصيل الغلاف؛ فاعتراف مايكل كوهين، محامي ترمب السابق، بانتهاك قوانين الحملة الانتخابية خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، وأنه فعل ذلك بناء على أوامر دونالد ترمب، المرشح الرئاسي في ذلك الوقت، قد تورط ترمب بل وتؤدي إلى عزله. قضية يشرحها الجزء الثالث من غلاف المجلة، برسم إبداعي مراقب للتطورات، ويميل –كما نقرأ- إلى احتمالية "غرق" الرئيس، مع أن الأمر لم يُحسم بعد.
وكانت التايم قد نشرت الجزء الأول من السلسلة في عددها المنشور في فبراير/شباط 2017. وفيه يرسم "تيم أوبراين"، مصممُ الغلاف، ترمب جالسا بثبات خلف مكتبه الرئاسي، مسيطرا على اتزان جسده؛ عاقدا يديه بإشارة توحي أن الأمر ما زال بين يديه، بينما نفهم من إيماءة الفم، وتكشيرة الحاجبين ونظراته بأنه متمسك برأيه، غير مهتز. أما شعره، الذي لطالما كان مثار سخرية الإعلاميْن الأميركي والأجنبي، فقد تطاير وتطايرت معه ربطة العنق، إذ مهما حاول ترمب الصمود وإظهار القوة، فلا بد أن يتأثر بالعاصفة. يُبدي ترمب تماسكه في هذا الجزء من السلسلة عبر إيماءات الوجه والجسد إذا، لكن الأجواء لا تبشر بخير، فضباب فوق رأسه يوحي بغباش وغموض، وهناك بضعة أوراق تتطاير، لكن ما زالت دستة منها ثابتة فوق المكتب. يسمّي أوبراين الجزء الأول من السلسلة بـ"لا نرى شيئا هنا"، ويقول إنه حين رسم الغلاف، كان يفترض أن مستوى الفوضى لن ينتهي وأن الوطنيين من كلا الجانبين، لا بد وسيحاولون السيطرة على تلك الفوضى.
عنون أوبراين الجزء الثاني من سلسلة صور الغلاف بالـ"العاصف"، ونشرته التايم في عددها المنشور في أبريل/نيسان 2018. لا يزال ترمب ثابتا في "العاصف"، غير مهتم بالماء الذي ملأ مكتبه، فهو غير كفيل –حتى تلك اللحظة - بزحزحته عن مقعده. صورته أصبحت أبعد وألوان الرسم بدت أكثر بهتا، فالرجل بدأ يفقد شيئا من قوته، مع أن تجهمات وجهه لا تعترف بذلك. عن هذا الجزء من السلسلة يقول أوبراين، إنه رسم الغلاف بعد انتشار الأخبار العاجلة التي تحمل فضائح الرئيس التي تجتاح البيت الأبيض، وقد وجد أن "العاصفة" استعارة مناسبة للغلاف.
في الجزء الثالث من السلسلة والمعنون بـ"في العمق" (سبتمبر/أيلول 2018)، يصبح المقعد فارغا بعد امتلاء المكان بالمياه ومحاولة ترمب الطفو والنجاة. تتضح معالم المكتب، ويظهر المقعد الفارغ كاملا، ويقل عدد الأوراق الثابتة فوق المكتب، ما يعني كشفا لمزيد من المعلومات. مع هذا، يُبقي الرسام أوبراين، دستة أوراق أقل على المكتب؛ فهناك أمور ستظل مخفية وقتا أطول، قد تكشفها عواصف أخرى، وربما لا.
لا نعرف ردة فعل ترمب بعدَ غرق المكتب. قدماه ويداه منفرجين يقاومون الغرق، وقد ظهر هذا الجزء من جسده وهو يحاول النجاة بعد أن كان ثابتا في الجزأين الأول والثاني، لكننا لا نرى وجهه ولا إيماءاته. يترك أوبراين هذا الجزء في الفضاء؛ فهو كما يقول "لا يتحكم بالأخبار". شرحت مجلة التايم على لسان أوبراين تفاصيل الرسم بالقول، إنه يرسم بخطوات توضيحية جبل المشاكل الذي يواجه ترمب. ويصور هذا الجزء الثالث من السلسلة مكتب ترمب مغمورا بالمياه، ويبدو ترمب طافيا عند خط المياه، أما المياه فهي تتحرك بشكل بيضاوي. أما الشكل البيضاوي –حسب خبراء- فيمثل "الأنا" في الشخصية، وعالم مصالحنا الشخصية. ويفترض الغلاف أن الرئيس غرق أو أوشك. نعرف من خلال متابعتنا الأخبار أن ترمب في ورطة، لكن القضاء لم يصدر شيئا ضده بعد. فهل يكون هذا الرسم الثالث تصويرا لواقع "الغرق" أم رغبة به، آخذين بعين الاعتبار المعركة غير المنتهية بين ترمب والإعلام الأميركي بشكل عام.
يعمل أوبراين في تصميم أغلفة التايم منذ ثلاثين عاما.. ويبدو جليا فهمه المهني للتصاميم من خلال الكثير من الأغلفة التي صممها للمجلة. الجزءان الأول والثاني من سلسلة غلافه الأخير بمثابة تقرير مرسوم، فيما الجزء الأخير أشبه بالمقال التحليلي.
بقي القول، إنه رسم الغلاف بأدوات الرسم التقليدية من ريشة وألوان زيتية. لكن أداتين مهمتين يمتلكهما ساهمتا في الوصول لهذه النتيجة، الفهم العميق لعمله والموهبة.
*مصدر الصورة: فيسبوك