هي سلام هنداوي، ولا يغرّنّ القارئ هدوء معنى اسمها أو تقاسيم وجهها، فالحرب أكثر ما يجذبها في التغطيات الصحفية، وهي ابنة الأرض الفلسطينية، الطاعنة بالتوتر.
منذ العام 2006 وهي تؤكد أنها ستكون ضمن طاقم الجزيرة بحلول العام 2014.. حدسٌ أو إرادة تحققت بنهاية العام 2012 بعد مرورها بتجارب مع قنوات مختلفة، انطلقت معظمها من ميادين الحروب.
"المسافة صفر" برنامجها الذي بدأت الجزيرة عرض أولى حلقاته في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والذي يغطّي مناطق التوتر والنزاع.. هو تحقيقٌ لحلمٍ سبق أن أجّلته، وتشخيصٌ لطبيعة العمل الذي تخوضه في رحم الميادين.
أبعد من فلسطين
درست سلام هنداوي الصحافة في وطنها فلسطين، وعملت بها في الوقت نفسه مراسلة لصحيفة "الرأي" الكويتية وقناة "الوطن" المحلية، ولم تكن تتجاوز الـ19 من العمر، مثيرة حفيظة بعض من رآها صغيرة على الميدان. كما عملت في قطاع الإنتاج وإخراج الوثائقيات لصالح أكثر من شركة.. ومن أهم أفلامها "أعراض الصراع" الذي عرضته الجزيرة الوثائقية، و"عود الند" الذي يحكي عن حياة الأسيرات الفلسطينيات بعد الخروج من المعتقل ومواجهة الحياة عام 2010.
آثرت سلام عرضا متواضعا من قناة "الآن" في دبي، على عرض مغرٍ من قناة "الحرة" تزاول فيه عملها من داخل فلسطين.. قاومت رغبة أمها وإخوتها، بينما دافع والدها عن رأيها رغم عدم اقتناعه به، وكان ملهمها ومعلّمها الأول.
وحيدة في دبي تتقاسم السكن مع زميلات أخريات وأجواء لم تعتد عليها.. جاءت الثورات العربية وكانت من بين صحفيّات قلّة غطّين أحداثها. انتقلت بعد ذلك إلى قناة "سكاي نيوز عربية"، قبل أن تنتبه "الجزيرة" لكفاءتها وتضمّها إليها أواخر العام 2012. ومنذ عملها في القناة وهي لا تتردّد في إزعاج مديرها كلّما قامت حربٌ في المنطقة العربية، لذا فقد عرفتها الشاشة في اليمن وليبيا وسوريا والحدود العراقية الإيرانية، وغيرها.. عدا عن الأماكن التي كانت تطلب تغطيتها وكانت إدارتها ترفض إصرارها، بل تصفها أحيانا "بالمزعجة".
"قلبٌ شجاع"
ليغفر لنا الممثل والمخرج الهوليودي ميل جيبسون استعارتنا لعنوان فيلمه "قلب شجاع"، فقد استخدمناه أكثر من مرة خلال حديثنا مع سلام التي تمتلك قلبا لربما وازى في شجاعته قلب "وليام والاس".
قلبٌ أغرقته الشجاعة والجرأة حتى باتت صاحبته توصف "بالاندفاعية"، وسلام لا تنزعج من ذلك التوصيف، لكنها تؤمن بأن "القلب الشجاع" هبةٌ عليها استغلالها لنقل الحقيقة في الأماكن التي تصلها، وتتساءل.. إذا لم يبادر الصحفي بالذهاب فمن يغطّي مكانه؟ مشيرة بذلك إلى نفسها حيث تقول إن لدى كلِّ مراسل أو صحفي مهارة ما وهو يعرف كيف يوظفها، أما هي فقد وجدت أن مهاراتها تتجسّد في نقل المَشاهد والأحداث المأساوية، وسنضيف إليها "الآكشن".
ولا يخدعنَّ القارئ مرة أخرى ذلك الوصفُ الذي تكرّر عند الحديث عن تجربتها، فقلبها الشجاع يضعف في أحيان كثيرة، خصوصا إذا ما بدأت تروي ما كانت تشاهده من قتل وتدمير، سيما في سوريا التي زارتها مرارا وشهدت فيها موت السوريين بطريقة مأساوية من جميع الأطراف.
وقلبها الضعيف يتواطؤ مع دموعها حين تذكر زملاء عرفتهم في ميادين الحروب.. عاملون مثلها، منهم من استشهد ومنهم من اختطف.
ثم حين تذكر والدها الذي وقف إلى جانبها في كلّ قراراتها، وأوصاها في أول مرة سافرت وحدها خارج فلسطين ألا تعود إليه منكوسة الرأس.
وكان يتخلّل حديثنا معها بعض التعبيرات التي تعبر عن خوفها ورعبها أثناء تنقلاتها في البلدان التي شهدت حروبا وثورات وأوفدت إليها، مثل ليبيا وسوريا حيث كانت العناية الإلهية منقذها الوحيد، أما القلب الشجاع فقد كان يتحول إلى قلبٍ نابض بالرعب.
ففي سوريا، كانت تعتقد غير مرة أن أمرها قد انكشف من قبل النظام، وهي التي استخدمت اسما مستعارا للتنقل، وكان يساعدها بعض النشطاء، في حين كان عليها أن تظهر بالحجاب وأحيانا بالنقاب في مناطق المعارضة، أو أن تستخدم دراجة للخروج من منطقة إلى أخرى. أما في ليبيا، فلم يكن الخطر قادما من كتائب القذافي ولا من الثوار، بل من شخص عرض مساعدتها لأنه كان معجبا بها فقط.