إذا وقع اختيار رئيس التحرير عليك لانتدابك مراسلاً للشؤون البرلمانية لتغطيتها في بلادك فأنت صحفي محظوظ، فالبرلمان هو المكان الأفضل لممارسة سلطتك الصحفية الرقابية على كل من السلطة التشريعية والتنفيذية في آن واحد وتحت قبّة واحدة. وكل ما عليك فعله هو أن تكون جاهزاً لهذه المواجهة للقيام بدورك على أكمل وجه وبطريقة تُحدث تغييراً في آلية التغطية الصحفية البرلمانية إن كان فيها قصور، أو تضعك في مصاف الصحفيين الذين يغطون البرلمان.
وعلى الرغم من أن الحياة السياسية في الكثير من البلدان العربية غير متبلورة بشكلٍ كافٍ ليكون للبرلمان دور مهم يجعل من هذه المؤسسة -التي عادة ما تكون عماد الحياة السياسية في البلدان المتقدمة- مؤسسة هامشية قد تؤدي دورا غير دورها في تمثيل الشعب داخل مؤسسة الحكم، إلا أن الدور الذي يمارسه الصحفي في تغطية البرلمان يمكّن من الإضاءة على مواطن الخلل بسهولة، ويضعه في مواجهة مباشرة مع الرأي العام والناخبين.
لحسن حظّي أني غطّيت البرلمان الأردني في فترة كان له فيها زخم كبير، حيث قمت بتغطية التعديلات الدستورية الثلاثة أعوام 2011 و2014 و2016، بعد أن كان الحديث عن تعديل الدستور نوعاً من المحرّمات في الأردن لسنواتٍ طويلة، بالإضافة إلى التغطية اليومية للبرلمان في فترة الربيع العربي الذي انعكس صداه تحت القبّة.
من واقع الخبرة في التعامل مع ثلاثة مجالس نيابية، هناك العديد من النصائح للصحفيين الجدد الذين يرغبون في تغطية البرلمان، وأهمها الآتي:
1- أنجز تصريحك الصحفي سريعاً:
في الكثير من البرلمانات تحتاج إلى تصريح لتغطية جلسات البرلمان، لذلك عليك التأكد من الإجراءات الرسمية سريعاً وتقديم الأوراق اللازمة، فأنت لا ترغب أن يتم التعامل معك بطريقة مريبة من قبل موظفي البرلمان وأعضائه في بلاد غير معتادة على العمل الدؤوب للسلطة الرقابية بسبب عدم وجود تصريح صحفي لديك.
2- احفظ الدستور والنظام الداخلي للبرلمان جيداً:
غالباً ما يفتقر أعضاء البرلمان -خصوصاً الجدد منهم ممن ليس لهم خلفية قانونية (أي من غير دارسي القانون أو الحقوق)- إلى مهارات التشريع والتعامل مع القوانين الأساسية للبلاد، أو قد يكونون غير عارفين بمجموعة القوانين الضابطة للنقاش والتصويت تحت القبة، التي تعرف "بالنظام الداخلي"، الأمر الذي يزيد نسبة الأخطاء والمخالفات الدستورية في المرحلة الأولى من التشريع، التي عادة ما يتم تلافيها لاحقاً في مراحل التشريع المتقدمة، أو يجعلهم أكثر عرضة لارتكاب مخالفات للنظام تحت القبة خلال إجراءات مفصلية في التشريع، مثل اختيار آلية تصويت مغايرة لما هو منصوص عليه في النظام، أو منع النقاش عن فئة معينة من الأعضاء.
هنا يأتي دور الصحفي للدفاع عن الدستور وصيانته من السلطة التشريعية ومنع تجاوزه من خلال متابعة الانتهاكات داخل البرلمان وإيصالها إلى الجمهور، وبالرجوع إلى مواد النظام الداخلي فيه بطريقة سلسة تصل إلى العامة وتخدم مصالحهم، لذلك ينصح أن يبقى الدستور في حقيبة الصحفي البرلماني دوماً.
3- راجع مسودات القوانين المقترحة قبل نقاشها في البرلمان:
تتفاوت أهمية القوانين المطروحة داخل البرلمان بحسب درجة تأثيرها على الجمهور. وكصحفي هدفه خدمة ذلك الجمهور، ينبغي عليه مراجعة مسودات هذه القوانين قبل مباشرة عرضها في البرلمان، بهدف اكتشاف المواد الخلافية في القانون التي ستكون مثاراً للجدل تحت القبة، ويعتمد ذلك على درجة وعيه بهموم الجمهور ومطالبهم.
ليس متوقعاً أن يكون الصحفي خبيراً بالتشريع خصوصاً في المراحل الأولى من تغطية البرلمان، لذلك فإن الاطلاع على مسودات القوانين قبيل نقاشها في البرلمان يتيح له الفرصة للتحضير المسبق للتغطية عبر التحدث إلى مختصين قد يساهمون في شرح الجدل بشأن المواد القانونية.
4- حاول تبسيط وتوضيح التشريعات للقارئ:
عادة ما تكون المواد والمصطلحات القانونية صعبة الفهم بالنسبة للقارئ العادي، بسبب الإغراق في الاختصاص القانوني واحتوائها على مصطلحات تحمل معنى مختلفا عن المعنى المتعارف عليه، فإذا أردت طرح القاعدة الفقهية القانونية "الساقط لا يعود" مثلا أمام الجمهور، فلن يفهم غالبيتهم أنها تتعلق بعدم إمكانية عودة الحقوق الساقطة بالتقادم أو لأي سبب من أسباب سقوطها، لذلك على الصحفي أن يقدم شرحا مبسطا وواضحا للقوانين والمصطلحات للقارئ بغض النظر عن الخلفية المعرفية التي يمتلكها.
5- اجعل تقاريرك مشوّقة وتجنّب الملل:
يكاد يكون اهتمام المواطنين بالعمل التشريعي متدنيا مقارنة باهتمامهم بقضايا أخرى مثل القضايا الاقتصادية التي تمس حياتهم يومياً، أو حتى أخبار الفنانين والموضة، لذلك على الصحفي أن يسعى لخلق عامل تشويق في التقارير الإخبارية يجعلها ضمن دائرة اهتمام القارئ، لكن دون الوقوع في فخ التقليل من أهمية المؤسسة التشريعية أو الأساليب الصفراء في الأخبار.
كما يجب على الصحفي الموازنة بين التبسيط والتوضيح وبين الشرح المسهب الممل، إذ وظيفته تقديم خبر أو تقرير لا ورقة بحثية قانونية. ويمكن إجراء هذا التوازن عبر تقديم انعكاسات القانون على الحقوق المكتسبة أو الواجبات المفروضة.
6- حافظ على العلاقة المهنية بينك وبين أعضاء البرلمان:
يرغب أعضاء البرلمان دوماً في بناء علاقات شخصية مع الصحفيين، فغالبيتهم ليس لديهم مكاتب إعلامية أو رؤى إعلامية أو آليات للتواصل مع المواطنين باستثناء مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي، لذلك يسعون دوماً لاستثمار هذه العلاقات مع الصحفيين كي يضمنوا الحصول على ظهور إعلامي إيجابي بعيداً عن الانتقاد، إذ يحدث أن يتجرأ بعض البرلمانيين ليطلبوا من الصحفيين وقف الانتقاد أو تخفيف حدّته أو تمرير اسمهم في قوائم التصويت الإيجابية، أو تمرير رسائلهم الشعبوية الخاصة عبر المواد الصحفية. وهذا يستدعي من الصحفي التيقظ والحفاظ على العلاقة المهنية مع النواب، بعيداً عن التدخل في موادهم الصحفية. وقد يذهب بعض البرلمانيين إلى ما هو أبعد من ذلك، فيسعى لنيل رضا الصحفي عبر تقديم عرض عمل لديه في الخفاء مثلا، أو تقديم مكافأة مالية مقابل خدمات معينة. لذا عليك الحذر، فأنت صحفي ولست موظف علاقات عامة، ولا تضع مهنيتك على مقصلة النفوذ السياسي والاقتصادي.
7- كُن متفرداً بين الصحفيين:
هناك امتيازات كثيرة توفرها العلاقات مع السياسيين، لكنها في الغالب غير أخلاقية وغير قانونية، مثل المحسوبية والنفوذ والمال، وهو ما يجعل البرلمان مقصداً للكثير من المتطفلين مدّعي العمل الصحفي، الباحثين عن الفضائح أو الابتزاز، والذين يعكسون صورة سلبية عن الصحفيين بشكل عام. لذلك، الأفضل أن تكون لديك استقلاليتك بعيداً عن العلاقات المشبوهة مع صحفيين أو سياسيين مشبوهين، وهو ما سيطعن في مهنيتك ومستقبلك الصحفي.
8- تتبّع خلفيات أعضاء البرلمان:
لا تذهب إلى البرلمان قبل أن تحفظ صور النواب وأسماءهم وخبراتهم السابقة، وخلفياتهم السياسية ونشاطاتهم الاقتصادية، حيث تساعدك هذه المعلومات على فهم توجهات البرلمانيين خلال مناقشة القوانين، وعلى الربط بين المواقف التي يتخذونها في قوانين مفصلية مثل ضريبة الدخل والموازنة. كما تكشف لك التداخل بين مصالح النواب الشخصية وبين الحكومة، وهو ما يتيح لك الفرصة للكشف عن تضارب المصالح وتغليب المنافع الشخصية على المصلحة الوطنية في التشريع. فحين تعرف حقيقة الاستثمارات الضخمة لأعضاء لجنة الزراعة في القطاع الزراعي الأردني مثلا، سيكون سهلاً عليك تفسير ضغط هؤلاء النواب باتجاه إعفاء القطاع الزراعي من ضريبة الدخل كليا في قانون الضريبة لعام 2014، وهو موضوع يصلح أن يكون تحقيقا استقصائيا.
9- البرلمان منجم أخبار، فكن مستعدًّا:
كمّ القصص والأخبار التي يمكن الخروج بها من البرلمان كبير جداً، حيث إن المناقشات التشريعية هي النزر اليسير من المعلومات التي يمكن نقلها للجمهور، يليها العمل الرقابي المتمثل في الأسئلة النيابية والمذكرات والجلسات الرقابية واجتماعات اللجان. لذلك، عليك أن تبقى يقظاً طوال الوقت حول المعلومات التي يتم تداولها واختيار المناسب لتحويله إلى متابعة أو قصة إخبارية، فكل سؤال رقابي نيابي عبارة عن قصّة قد تقود إلى كشف قضية فساد، وكل استجواب نيابي عبارة عن محاكمة للوزراء على الملأ، وكل محادثة خاصة بين وزير وعضو برلمان قد تكشف حالة احتواء حكومي ناعم للبرلمانيين.
10- أحضر جهاز التسجيل والحاسب المحمول دوماً:
قد تمكث في البرلمان مدة طويلة مقارنة بالمؤتمرات والندوات والفعاليات المتعارف عليها، ولن تستطيع كتابة كل ما يجري بدقة خلال النقاشات والسجالات، لذلك فإن الاعتماد على الكتابة وحدها لن يكون كافياً، الأمر الذي سيوقعك في أخطاء النقل ونسب الاقتباسات واجتزاء الجمل. ولأن موضوعك قد يكون عرضة لتنصّل النواب من تصريحات نسبت إليهم، أدر جهاز التسجيل طوال الوقت لغايات التوثيق والدقة، حيث يمكنك العودة للتأكد من الاقتباسات والجمل حين تشاء.
كما ستحتاج إلى كتابة الأخبار في مقر البرلمان إن لم يكن خلال انعقاد الجلسة، لذلك احرص على بقاء الحاسب المحمول جاهزاً للاستخدام وقت الحاجة.
11- ابحث عن زاوية مميزة للخبر مع مراعاة السرعة:
لن تكون الصحفي الوحيد في البرلمان، لذلك عليك أن تبحث عن أكثر من زاوية جديدة تبدأ فيها موادك الصحفية، فيصبح المحتوى الذي تقدّمه مختلفاً عن السائد في التغطيات البرلمانية، وهو ما يعطي قيمة مضافة لخبرك. لكن تجنّب البحث طويلاً في هذه الزاوية، فالمنافسة عالية على نقل أخبار البرلمان، وعليك أن تكون مواكباً إن لم تكن الأسرع.
كنصيحة من هذا الميدان، على الصحفي البرلماني كتابة مذكّراته الصحفية وملاحظاته بشكل دوري لغايات التوثيق، فالوجود في البرلمان يعني أن تكون شاهداً على فترة في حياة الدولة السياسية، لذلك فإن الكتابة عن هذا المجال في كتاب منفصل بعد سنوات طويلة من التغطية سيكون أمراً ممتعاً ومهمّاً تفتقر إليه الحياة السياسية في الوطن العربي حالياً.