في مقاله الأخير لصحيفة واشنطن بوست، كان جمال خاشقجي يبحث في مؤشر حرية الصحافة للعام 2018 الذي نشرته مؤسسة "فريدوم هاوس" ليصل إلى نتيجة خطيرة. هنالك دولة واحدة فقط في العالم العربي نالت تصنيف "حرة" هي تونس، وصنّفت دول قليلة "حرة جزئيا"، بينما كانت الغالبية العظمى "ليست حرة".
قتل جمال خاشقجي قبل أيام من نشر مقاله على يد أبناء جلدته، وفي قنصلية بلاده في إسطنبول. في ذكرى وفاته الثانية، عدنا لتفقد مؤشر الحرية للعام 2020، لنجد الأمر على حاله كما تركه جمال، وربما أسوأ على أرض الواقع.
تساءلنا في هيئة التحرير عن قيمة الصحافة اليوم بين دول عربية مستبدة لا تكف عن ملاحقة الصحفيين، ودول "ديمقراطية" غربية منحت "الحكومات العربية حرية إسكات الإعلام". الدول الديمقراطية التي تمول مشاريع تدريب الصحفيين ودعم قيم الحرية والنزاهة والديمقراطية، هي نفسها التي تدعم أنظمة مستبدة تنكل بهؤلاء الصحفيين.
كيف يمكن للصحفي اليوم أن يواصل عمله دون شعور باليأس والإحباط أمام قائمة استهداف طويلة بالقتل والإخفاء والاعتقال والتهديد والاتهام بإطالة اللسان وتعكير صفو دولة صديقة والتحريض على الكراهية والتشهير، ونبش الحياة الخاصة، وإطلاق أسراب الذباب الإلكتروني في إثره؟
كان جمال واعيا بهذه القائمة الطويلة لكنه لم يدرك أن بانتظاره أبشع عقوبة فيها. دفع ثمن أشواقه للحرية لأنه آمن بسلطة الكلمة، وقدرتها على إزعاج تلك الأنظمة. غرد جمال ذات يوم مخاطبا نفسه وربما الصحفيين "قل كلمتك وامش"، حتى لو مشيت بلا رجعة.
يقول الأديب إلياس فركوح "إنسان لا يهتم بالشأن العام فائض عن الحاجة". والصحفي لا يقبل أن يكون فائضا عن الحاجة مهما كان الثمن، ينشغل بهموم الناس وأوجاعهم، وهم ملاذه الأخير عندما يتخلى عنه الجميع ويتركونه عاريا في مواجهة الظلم والاستبداد.