في الوقت الذي كان فيه جزء كبير من الصحافة الغربية يركز بشكل مكثف جدا على قصة الطالبة الإيرانية التي تعرت بالجامعة احتجاجا على ممارسات الأمن الإيراني، كانت المنظمات الدولية في مقدمتها مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن 70 في المئة من الشهداء في فلسطين بسبب حرب الإبادة الجماعية نساء وأطفال دون أن تحظى بنفس التغطية.
منذ غزو العراق واحتلال أفغانستان، وإلى حدود حرب الإبادة الجماعية على غزة وجنوب لبنان في عامي 2023 و2024، كشفت التغطيات الإعلامية الغربية عن تباين واضح في معالجة قضايا المنطقة، فقد أسهمت هذه التغطيات في تشكيل إطار إعلامي يحمل أهدافا سياسية وأيديولوجية، ما أدى إلى تصوير "الآخر" بصورة نمطية وسلبية(1)؛ ذلك أنها اعتمدت على إستراتيجيات بلاغية ولغوية لترويج هذه الصور، ووصفت المسلمين والعرب بعبارات حاطة من الكرامة، مثل "الحيوانات" و"الإرهابيين" و"أبناء الظلام"...
يُظهر هذا الأسلوب/ النمط أن الاعتماد على لغة إقصائية في وسائل الإعلام الغربية يمكن أن يسهم في تبرير العنف بحق بعض الشعوب، وأن تجاهل بعض الأطراف أو تهميشها يعززان من شرعيته؛ إذ إن عدم توفير تغطية إعلامية كافية يخفي الحقيقة عن الرأي العام العالمي ويفضي إلى استمرار الانتهاكات بحق الضحايا. لذلك، يُعد التأطير الإعلامي ممارسة مؤثرة وخطيرة توجه فهم المتلقي للأخبار وفقًا لتحيزات محددة، عبر استخدام صيغ ومصطلحات تخدم أهدافًا معينة. ويسهم هذا في إثارة التحيزات الشخصية واستغلال الدلالات الأخلاقية للأحداث، بغض النظر عن الموضوعية (2) و(3).
ينسحب هذا التأطير بشكل مكثف على التغطيات المتعلقة بقضايا النساء في المنطقة من قبل غالبية وسائل الإعلام الغربية، ويمكن ملاحظة عدم التوازن في التغطية لظروف النساء في مناطق النزاع؛ إذ توظف الأيديولوجيا باستخدام لغة محددة تُضخم أحيانا صورة الحكومات أو المنظمات أو الجماعات المحلية بوصفها جهات تسعى لإقصاء النساء واضطهادهن، بينما تؤطر النساء في أماكن أخرى ضمن "الأضرار الجانبية" كما يحدث في فلسطين.
يمكن ملاحظة عدم التوازن في التغطية لظروف النساء في مناطق النزاع؛ إذ توظف الأيديولوجيا باستخدام لغة محددة تُضخم أحيانا صورة الحكومات أو المنظمات أو الجماعات المحلية بوصفها جهات تسعى لإقصاء النساء واضطهادهن، بينما تؤطر النساء في أماكن أخرى ضمن "الأضرار الجانبية" كما يحدث في فلسطين
وبناء على ما سبق، نستعرض بعض نماذج التأطير لقضايا النساء في المنطقة التي يقدمها الإعلام الغربي. سنحلل ثلاث قضايا تتعلق بالنساء العربيات والمسلمات وكيفية تناولها في وسائل الإعلام الغربية، وهي: معاناة نساء غزة خلال الحرب (2023-2024)، وإجبار طالبان النساء في أفغانستان على ارتداء الحجاب الشرعي، وحادثة الطالبة الإيرانية التي خلعَت ملابسها في فناء جامعة آزاد الإسلامية في طهران احتجاجا على ممارسات الأمن الإيراني بحق النساء. وسنركز على عينة مختارة من الأخبار التي تناولتها بعض الصحف ومواقع الأخبار الغربية مثل الغارديان وسي أن أن ونيويورك بوست ورويترز ونيويورك تايمز، بهدف الكشف عن كيفية توظيف اللغة في الخطاب الإعلامي.
يظهر تحليل المواد الإخبارية أن وسائل الإعلام الغربية موضوع التحليل تتبنى نهجا موحدا من الانحياز ضد الحكومة الإيرانية، وقد تجلى ذلك في تغطيتها للأحداث؛ فقد استخدمت كل من الغارديان وسي أن أن ونيويورك بوست عبارات توضح الفعل والفاعل في تغطية احتجاج الطالبة على ممارسات رجال الأمن، مستعينة بكلمات تعبر عن الاستنكار، إضافة إلى اقتباسات من منظمات حقوقية مثل منظمة العدل الدولية لتعزيز موقفها؛ فعلى سبيل المثال، نشرت صحيفة الغارديان عنوانا لافتا مؤداه: "إيران تعتقل امرأة خلعت ملابسها احتجاجا على 'الرقابة المسيئة' لقواعد اللباس"(4)، ويبدو أنها استخدمت عبارة "الرقابة المسيئة" ذات الطابع العاطفي، بدلا من استخدام مصطلحات أكثر حيادية، وهو ما قد يوحي للقارئ بحكم مسبق يميل نحو نظرة سلبية تجاه إيران ويعزز صورة نمطية عنها. من ناحية أخرى، نشرت صحيفة الإندبندنت عنوانا مشابها: "إيران تعتقل طالبة جامعية خلعت ملابسها احتجاجاً على التحرش(5)، مع التركيز على الفعل بطريقة درامية مستندة إلى تصريحات دولية، والتركيز على قضايا حقوق الإنسان والتحديات الاجتماعية التي تواجه المرأة الإيرانية بطريقة مكثفة، وهو ما أخل بتوازن السرد.
وسارت معظم الصحف والمواقع الإخبارية الغربية على نهج مشابه عند تناول قضايا النساء الأفغانيات؛ ففي إحدى مقالات صحيفة الغارديان، اُستخدم عنوان "قانون 'مرعب' من طالبان يحظر على النساء التحدث في الأماكن العامة(6)، إذ تعكس كلمة "مرعب" تحيزا واضحا وتضفي طابعا عاطفيا قد يمنع القارئ من استكشاف جوانب أخرى من القضية. وبأسلوب مماثل، استخدمت نيويورك بوست عنوانا دراميا في تقريرها عن السياسات الجديدة لطالبان، وقد عنونت إحدى مقالاتها بـ"زعيم طالبان يتعهد بإعادة تنفيذ عقوبتي الرجم والجلد بحق النساء الأفغانيات"(7). تميل هذه العناوين إلى تضخيم الأحداث بشكل درامي يجذب القارئ ويحد من قدرته على النظر إلى القضايا بموضوعية. من الضروري التأكيد على أن قضايا المرأة في المنطقة، مثل مسألة الحجاب واللباس الإسلامي في دول كإيران وأفغانستان، تعكس رموزا سياسية ودينية تبنتها الحكومات في إطار تطبيق الشريعة الإسلامية بغض النظر عن التضييق على النساء بسبب استخدام الدين لأغراض سياسية. في المقابل، غالبا ما تفسر وسائل الإعلام الغربية صور النساء المحجبات بوصفها دليلا على قمعهن(8).
وعلى النقيض تماما، وعند مقارنة كيفية تصوير وسائل الإعلام الغربية للنساء الإيرانيات والأفغانيات مع تغطيتها لمعاناة نساء غزة، نجد أن هناك تباينا واضحا في طريقة المعالجة الإعلامية؛ إذ تُتناول معاناة نساء غزة بشكل متواضع، من دون الإشارة إلى المسؤولين عنها، ما يؤدي إلى إغفال جوانب مهمة من القصة، ويجردها من طابعها الإنساني.
وعلى النقيض تماما، وعند مقارنة كيفية تصوير وسائل الإعلام الغربية للنساء الإيرانيات والأفغانيات مع تغطيتها لمعاناة نساء غزة، نجد أن هناك تباينا واضحا في طريقة المعالجة الإعلامية؛ إذ تُتناول معاناة نساء غزة بشكل متواضع، من دون الإشارة إلى المسؤولين عنها، مما يجردها من طابعها الإنساني
على سبيل المثال، عرض تقرير مصور من شبكة سي أن أن معاناة سيدة فلسطينية بعنوان "لا توجد رعاية صحية، لا عيادات، لا تطعيمات: الأمهات في غزة يكافحن للحصول على الرعاية المناسبة" (9)، ولم يذكر العنوان الجهة التي تسببت في هذه الظروف، ولم يوضح التقرير أن القيود الصحية ناتجة بالأساس عن الاحتلال الإسرائيلي والحصار المفروض على القطاع. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من دخول حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة وجنوب لبنان عامها الثاني على التوالي، فقد تجاهلت بعض الصحف الإخبارية معاناة النساء هناك، وأقصتهن من تغطياتها الإعلامية. من ناحية أخرى، ضخمت الصحف نفسها حادثة الاغتصاب التي روج لها إعلام الاحتلال الإسرائيلي والغربي غداة السابع من أكتوبر، وزعمت أن حماس هي المسؤولة عن تلك الحادثة، ولم تتردد في وصف أعضائها بالإرهابيين، كما كتبت "نيويورك تايمز": "حماس تخلف الرعب في إسرائيل" (10).
ضخمت الصحف نفسها حادثة الاغتصاب التي روج لها إعلام الاحتلال الإسرائيلي والغربي غداة السابع من أكتوبر، وزعمت أن حماس هي المسؤولة عن تلك الحادثة، ولم تتردد في وصف أعضائها بالإرهابيين، كما كتبت "نيويورك تايمز": "حماس تخلف الرعب في إسرائيل"
فضلا عن ذلك، سلطت بعض المواقع الإخبارية الضوء على معاناة النساء الإسرائيليات بشكل مكثف عبر منصاتها المختلفة، وكان هدفها واضحا في محاولة كسب التعاطف لصالح الرواية الإسرائيلية. على سبيل المثال، أنتجت وكالة رويترز حلقة بودكاست بعنوان "بعد عام من هجمات حماس المفاجئة.. نتحدث إلى نساء من إسرائيل وغزة عن آلامهن التي لم تنقطع(12) (11) " وقد استُضيفت أم إسرائيلية فقدت ابنها في أحداث 7 أكتوبر 2023، ولم تتردد في الإشارة إلى أن حماس هي المسؤولة عن معاناتها، وقد جرى التركيز على تفاصيل قصتها بأسلوب يثير التعاطف ويعمق البعد الإنساني لمعاناتها. في المقابل، لم تحصل الأم الفلسطينية التي استُضيفت في الحلقة على القدر نفسه من التركيز اللغوي والدرامي، ما أدى إلى تهميش معاناتها وإغفال الجانب الإنساني لقصة فقدها في ظل الأحداث. ليتبين أن الوكالة عرضت سردا يعتمد على تكثيف العبارات العاطفية لصالح الرواية الإسرائيلية، وهو ما يضفي طابع "الأنسنة" على معاناة الإسرائيليات وتجاهل معاناة الفلسطينيات.
من الواضح أن التغطيات تظهر تفاوتا ملحوظا في تسليط الضوء على معاناة النساء في المنطقة العربية والإسلامية، فتارة تُستخدم عبارات مبالغ فيها لتضخيم أحداث معينة في دول محددة، وتارة أخرى تُهمَّش أحداث أو جوانب محددة تتعلق بالنساء كما هو الحال في فلسطين وغزة تحديدا، ومن ثَمّ يتلقى الجمهور سياقا قد يكون بعيدا عن الواقع. يؤدي هذا النهج إلى طمس الصورة الكاملة، ويعوق تحقيق العدل والمساواة، خصوصًا فيما يتعلق بمعاناة النساء الفلسطينيات اللواتي يواجهن تمثيلا إعلاميا ضعيفا جدا، وهو ما يزيد تفاقم معاناتهن وتهميشهن.
المراجع
- معهد الجزيرة للإعلام. (2024، 19 مارس). آليات الإعلام البريطاني السائد في تأطير الحرب الإسرائيلية على غزّة. مجلة الصحافة. https://institute.aljazeera.net/ar/ajr/article/2596
- مجلة الصحافة، فيديو تأطير، انستقرام https://www.instagram.com/ajr_arabic/reel/C-48K3ysqwS/
- Kassam, A., & agencies. (2024, November 3). Iran arrests woman who stripped in protest at ‘abusive’ dress code policing. The Guardian. https://www.theguardian.com/world/2024/nov/03/woman-arrested-in-iran-after-stripping-during-anti-harassment-protest
- Sharma, S. (2024, November 3). Iran arrests female student who stripped to protest harassment. The Independent. https://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/iran-arrest-student-protest-hijab-b2640469.html
- Kelly, A., & Joya, Z. (2024, August 26). ‘Frightening’ Taliban law bans women from speaking in public. The Guardian. https://www.theguardian.com/global-development/article/2024/aug/26/taliban-bar-on-afghan-women-speaking-in-public-un-afghanistan
- Propper, D. (2024, March 28). Taliban leader vows to start stoning and flogging Afghan women again: Report. New York Post. https://nypost.com/2024/03/28/world-news/taliban-leader-vows-to-start-stoning-afghan-women-again-report/
- Nezhadhossein, E. (2020). Canadian and US mass media representation of Iranian women and their activities in social movements (Master's thesis, Memorial University). Memorial University Research Repository. Retrieved from https://research.library.mun.ca/14845/1/thesis.pdf
- CNN. 'There's no healthcare, no clinics, no vaccinations': Moms in Gaza struggle with adequate care. CNN. https://edition.cnn.com/videos/world/2024/01/29/exp-gaza-pregnant-women-karadsheh-012910aseg2-pkg-cnni-world.cnn
- The New York Times. (2023, October 10). Hamas leaves trail of terror in Israel. The New York Times. https://www.nytimes.com/2023/10/10/world/middleeast/israel-gaza-war-hamas-deaths-killings.html
- Reuters. (2024, October 5). October 7: The ongoing pain and the politics. Reuters. https://www.reuters.com/podcasts/october-7-ongoing-pain-politics-2024-10-05/
- زيدان، م. (2024، 10 أكتوبر). عامٌ على حرب الإبادة في فلسطين.. الإعلام الغربي وهو يساوي بين الجاني والضحيّة. مجلة الصحافة، معهد الجزيرة للإعلام. https://institute.aljazeera.net/ar/ajr/article/2871