روبرت فيسك.. "صحفي خنادق" أفنى حياته من أجل "لماذا؟"

روبرت فيسك.. "صحفي خنادق" أفنى حياته من أجل "لماذا؟"

لم يخلُ خبر وفاة الصحفي البريطاني روبرت فيسك، من جدل مشابه للجدل الذي أثارته معظم قصصه الصحفية التي عمل عليها على مدى أربعة عقود خلت. كما وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" ذات يوم، بأنه واحد من أكثر الصحفيين جدلا في عصره.

وما إن انتشر الخبر عن وفاة فيسك في منزله بمدينة دبلن الإيرلندية، حتى بدأ صحفيون ينعونه ويبدون مواقف متعددة حول مسيرته. فبين طرف رأى فيه أيقونة ناصعة لم يشُبها من نواقض المهنية الصحفية شيء، لا سيما أولئك الذين انطلقوا من مقاربة أعماله الصحفية المتعلقة بفلسطين والجهد الذي كرّسه في نقل سردية الفلسطينيين في الإعلام الغربي، وطرف آخر رأى أنه انتحر مهنيا منذ الأشهر الأولى التي تلت الثورة السورية؛ بسبب ما رأوه من "تلميع" لصورة بشار الأسد ونظامه في قصص فيسك الصحفية، حاول طرف ثالث أن يُنصف الرجل في تاريخه، إلا أنه وضعه تحت المساءلة في قضايا رأى أن فيسك حاد فيها عن أعراف المهنية الصحفية.

وبين هذه المواقف؛ يحث الدافع المهني على قراءة مسار روبرت فيسك الذي رحل عن دنيانا قبل أيام؛ من زاوية صحفية خالصة، "لا ملائكة ولا شياطين"، أو كما جرت عليها قواعد كتابة قصص عرض الشخصية صحفيًّا. 

برز اسم فيسك في عالم الصحافة عام 1972 كمراسل لصحيفة "التايمز" البريطانية في إيرلندا، وانتقل بعدها ليصبح مراسلا للشؤون الخارجية متنقلا بين عدة مناطق في البلقان والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وعلى مدى سنوات، تحوّل فيسك من مجرد صحفي، إلى ما يمكن اعتباره "عينا أخرى للغرب" في الشرق الأوسط.

فهذا البريطاني المولد، الإيرلندي الجنسية، بصم لوحده على تجربة صحفية مميّزة وثرية، عنوانها الانغماس في الميدان، ونقد الصورة المثالية التي يحملها البعض عن الصحافة الغربية، ونبذ "صحافة الفنادق" الكسولة لحساب "صحافة خنادق" شجاعة ومغامرة، تؤرخ للحروب بانتصابها لأداء الشهادة وقول الحقيقة، لا شيء غير الحقيقة.

 

نقد السردية الغربية في الإعلام

عن سن 74 عاما، فارق فيسك عالما عاش فيه بشغف مهني كبير، كتب فيه قصصا صحفية بارزة ساهمت بشكل كبير في تسليط الضوء على قضايا كان يمكن أن تموت في الظلام لولاه، فهو أول صحفي أخبر العالم بوقوع مجزرة في حماة السورية عام 1982 راح ضحيتها الآلاف، ارتكبها حافظ الأسد ضد معارضيه. وكان فيسك أيضا ضمن أول فريق صحفي دخل مخيمي صبرا وشاتيلا، وكشف للعالم فظاعة المجازر التي ارتُكبت فيهما بدعم من إسرائيل، إضافة إلى تغطيته لأبرز الأحداث التي غيرت وجه الشرق الأوسط، كالثورة الإيرانية والحرب الإيرانية العراقية. كما أنه أكثر الصحفيين الغربيين محاورة لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

قضى روبرت فيسك العقود الطويلة من تغطياته لشؤون المنطقة العربية مُناصبا العداء للسردية الغربية، ومهاجما الإعلام الغربي السائد القائم على قراءة كل ما يحدث في الضفة الجنوبية الشرقية للبحر المتوسط من منظور التناحر المذهبي والطائفي والعرقي، وتجاهل باقي العوامل والدوافع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمصالح الدولية التي غالبا ما تقف وراء مآسي ونكبات شعوب هذه المنطقة. 

رغم كل ذلك، أنهى فيسك حياته بلغز كبير اسمه نظام بشار الأسد في سوريا، حيث ظلّ ركوبه قوافل الجيش السوري وقربه من كبار مسؤولي دمشق، واكتفاؤه بأحاديث فضفاضة عن المجازر التي ارتكبوها، بل التشكيك في بعض الروايات حول المجازر المرتكبة؛ موضوع تساؤلات واتهامات بالانحياز. 

 

من بلفاست إلى بيروت

ولد روبرت فيسك عام 1946 في بلدة "ميدستون" التي تبعد عن العاصمة البريطانية لندن بنحو 50 كلم، في أسرة مكونة من أب يعمل محاسبا مؤتمنا على صندوق مالية المدينة، بعدما شارك في الحرب العالمية الأولى وعجز عن خوض غمار الثانية لتقدمه في السن. 

أول رحلة لفيسك خارج بريطانيا كانت نحو فرنسا، حين كان في العاشرة من عمره ورافق والده في رحلة بحثه عن ذكرياته خلال فترة الحرب. كانت الأخبار السياسية -المتعلقة بالمستعمرات البريطانية خصوصا- فُطور روبرت شبه اليومي، حيث كان والده يحرص على الاستماع إلى الإذاعة، الأمر الذي جعل روبرت يلتحق بالمدرسة وهو حامل لمعرفة تاريخية غزيرة حول الحربين العالميتين وخطب تشرشل وما يجري في العالم، علاوة على كتب التاريخ العديدة التي أثثت فضاء طفولته.

التحق روبرت فيسك بمدرسة خاصة تمتاز بتدريس طلبتها اللغة اللاتينية، ثم واصل دراسته الجامعية متخصصا في اللسانيات واللغة اللاتينية وحاز فيها درجة الماجستير، ليلتحق مباشرة بعد ذلك بصحيفة "صنداي إكسبرس" اللندنية، ثم بعدها بصحيفة "التايمز" قبل أن "يسيطر عليها (روبرت) مردوخ ويدمّر نزاهتها".

ابتداء من العام 1976، أصبحت بيروت عاصمة لعمل فيسك الصحفي في منطقة الشرق الأوسط، حيث بات الشاهد الغربي الأكبر على أهم أحداث المنطقة، بدءا من حرب لبنان الأهلية والثورة الإيرانية وحربي الخليج الأولى والثانية والاجتياح الإسرائيلي للبنان، وصولا إلى حروب المنطقة خلال العقدين الأخيرين في كل من العراق وأفغانستان.

في العام 1989، انتقل فيسك من "التايمز" إلى "الإندبندنت" رافضا سياسة مردوخ في الأولى، ومقدرا حرص رؤساء التحرير في الثانية على "نشر ما يكتبه الصحفيون لا ما يريده المالكون"، علما بأنه ظل يوضح أن مالكي الصحيفة أيضا يريدون نشر ما يكتبه الصحفيون، وهو وضع "سحري" نادر. 

وكان مما سهّل نجاح فيسك -في تقديره- هو عدم سقوط الصحافة البريطانية في الطقس الأميركي القائم على عدم ترك المراسلين في نفس المكان لأكثر من ثلاث أو أربع سنوات، "فما إن يبدأ في تعلم اللغة والثقافة المحلية حتى ينقل إلى مكان آخر، هذا يجعلك تعرف كل شيء عن لا شيء، ولا شيء عن كل شيء".

تزوّج روبرت فيسك بالصحافة وحافظ على وفائه لها طيلة مساره، فالارتباط الأسري الرسمي الوحيد في حياته جمعه بصحفية أميركية اسمها "لارا مارلو". استمرت علاقتهما بين عامي 1994 و2006، لكنها انتهت كما بدأت، بدون أبناء. 

 

فيلم هتشكوك الملهم

شغف فيسك بالصحافة وُلد من رحم شغف آخر بالسينما والأفلام، فما جعله يصبح صحفيا ومراسلا دوليا، هو فيلم شاهده في سن الثانية عشرة عبر شاشة تلفزيون بالأبيض والأسود، لألفريد هتشكوك بعنوان "المراسل الأجنبي". ويحكي الفيلم قصة الصحفي الأميركي الذي انتقل إلى لندن لتغطية أطوار الحرب العالمية الثانية، ليتمكن من اكتشاف أكبر عميل نازي في عاصمة بريطانيا، ويصبح بالتالي هدفا لمطاردة مثيرة. ورغم كل ما تنطوي عليه هذه الحياة من مخاطر، فإن فيسك بات منذ ذلك الحين يحلم بتقمصها.

حصل روبرت فيسك سبع مرات على جائزة الصحافة البريطانية التي يطلق عليها لقب "أوسكار" الصحافة، في صنف الصحافة الدولية. كما نال جائزة "أورويل" وعددا من التكريمات التي استحقها نظير تغطياته المميزة لأحداث منطقة الشرق الأوسط، في حين كانت مساهماته البحثية والتكوينية في مجال الصحافة سببا لمنحه شهادات فخرية من عدد من جامعات العالم، من بينها الجامعة الأميركية في بيروت وجامعات بريطانية وإيرلندية.

وحاز هذا المراسل فوق العادة براءة اختراع مهني اسمه نبذ "صحافة الفنادق"، وهي العبارة التي أطلقها خلال وجوده في العراق لحظة اجتياح بغداد من طرف القوات الأميركية، ولاحظ كيف أن جلّ زملائه المراسلين الأجانب يكتبون عن الحرب من داخل غرفهم الفندقية الآمنة.

تبرُّم مزمن رافق هذا الصحفي طيلة حياته، من الصحفيين الكسالى الذين يزيّفون الحقائق ويدّعون الحضور في أماكن وأحداث لمجرد وجودهم في فنادق فخمة أمّنتها لهم دعوات سخية. 

"سوف يهينك الزملاء إذا كنت صحفيا متوسط النجاح"، قال روبرت فيسك في أحد تعليقاته، متهما في تعليقات أخرى الصحف باحتراف الكذب الذي أدى بالناس إلى هجرها نحو الإنترنت، ومعلنا في أحد حواراته الكبرى أن مهمة الصحفي الدائمة هي تحدي السلطات.

أبدى روبرت فيسك شراسة في انتقاد ومهاجمة صناع القرار الغربيين، خاصة في فترة تزامن جورج بوش وتوني بلير على رأس السلطتين التنفيذيتين في الولايات المتحدة وبريطانيا. 

وأثبت فيسك على الصحافة الغربية التحامها مع الطبقة السياسية والحاكمة في بلدانها، من خلال ترديد العبارات والمصطلحات التي "طبخها" السياسيون والعسكريون دون تساؤل أو تحقق، والخضوع للإملاءات وتوجيه البيانات الرسمية مع الانتقائية والانحياز في بث الأخبار والصور، مع الامتناع التام عن طرح الأسئلة الجوهرية والحقيقية، من قبيل سبب وجود القوات الأميركية في العراق مثلا.

 

لماذا حدثت هجمات 11 سبتمبر؟

برز روبرت فيسك كمرجعية مهنية مميزة في شؤون المنطقة العربية، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 التي ظل يردد أنها جريمة ضد الإنسانية لا إرهاب يتحمل مسؤوليته المسلمون. فعبارته الشهيرة تردّدت في الأركان الأربعة من العالم، وخلاصتها أن الإعلام توقّف عند سؤال "من فعلها؟" ولم يتساءل أبدا "لماذا حدث ذلك؟". 

ظل الرجل إلى آخر أيام حياته مصرًّا على وجود علاقة تواطؤ غير صحي ولا مفيد بين الصحافة الغربية والسلطة، وقدّم في موقفه هذا حزمة متماسكة من الإثباتات والأدلة، أهمها القاموس الذي تعتمده الصحافة الغربية في وصف ما يجري بمنطقة الشرق الأوسط، حيث تصبح فلسطين المحتلة "أرضا متنازعا عليها"، وجدار العزل العنصري الإسرائيلي مجرد حاجز أمني.

إلمام فيسك الكبير بقواعد وتقنيات حماية الصحفيين أثناء تغطيتهم للحروب والكوارث، لم يشغله عما ظل يعتبره أهم وأخطر.. "إنه انقيادهم السهل وقبولهم التلقائي بالروايات الحكومية المبتذلة واللطيفة والمضللة، وترديدهم إياها في تقاريرهم". وكان أول ما بدأ به أن نبه صحيفته "الإندبندنت" إلى أن الحرب الأميركية في العراق ليست حربا على الإرهاب ولا حربا من أجل الديمقراطية، بل هي حرب على أعداء أميركا، وربما على أعداء إسرائيل في المنطقة. 

منذ التحاقه بمنطقة الشرق الأوسط مكلَّفا بتغطية أحداثها، هاجم روبرت فيسك بعنفٍ تعاطي الصحافة الغربية مع قضايا المنطقة، واستنكر قبول كبريات الصحف والقنوات بتحوّل السلطة إلى رئيس التحرير الفعلي، والانخراط في القواميس التي تمتح من مرجعيات دينية مسيحية متعصبة، تعتبر الغرب مصدر "الخير" والآخرين مصدر الشرور. 

عاتب فيسك كبريات الصحف الأميركية التي مهّدت لحرب بوش في العراق بتقارير وقصص تختلق صلات بين أسامة بن لادن وصدام حسين، كما شجب دخول هذا الإعلام لعبة الربط بين ياسر عرفات وزعيم القاعدة. ولم يستبعد فيسك وهو يحاضر في سبتمبر/أيلول 2002 في برشلونة الإسبانية، أن تصبح دمشق ثم بيروت -ولم لا الرياض- الأهداف التالية للهجمات بعد كابل وبغداد.

هذا الموقف المنتصر للمهنية والحياد، كان روبرت فيسك قد عبّر عنه قبل أكثر من عشر سنوات من أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث خرج بمجرد اندلاع حرب الخليج الثانية التي استهدفت العراق إثر اجتياحه الكويت عام 1991، ليدين ارتداء صحفيي قناة "سي.أن.أن" الأميركية الزي العسكري للجيش الأميركي. 

ورغم خروج القناة لتوضح أن الصحفيين أجبروا على ذلك من طرف الجيش، فإنه ظل مصرا على أن الصحفي لا يملك أي مبرر لمثل هذا السلوك، وأن "الصحفيين لا شأن لهم بإطاعة الأوامر العسكرية التي تجعلهم يبدون كالمقاتلين".

 

"وحشيتنا سبب وحشيتهم"

"أحداث 11 سبتمبر لم تغيّر العالم.. أرجو من زملائي أن يكفوا عن نشر وبث هذه الكلمات"، هكذا تحدث روبرت فيسك في الذكرى الأولى للهجمات على برجي التجارة العالمي في نيويورك، خلال محاضرة ألقاها بمركز ثقافي في مدينة برشلونة الإسبانية. 

"إنها واحدة من كبرى الأكاذيب التي يروّجها الصحفيون"، يضيف فيسك مصرا على موقفه، ومتابعا أن "أحداث 11 سبتمبر ربما منحت ذريعة لجورج بوش لتغيير العالم والتلاعب بمشاعر الخوف والحزن، لإطلاق حرب لا علاقة لها بما وقع في نيويورك".

لم يكن الحديث يطول بروبرت فيسك حتى يكشف أنه يقصد منطقة الشرق الأوسط تحديدا، كهدف لهذا التلاعب الذي كان يرى أن الإعلام الغربي شريك رئيسي فيه.. "أخشى أنها ستكون المحاولة التي تثير أكبر قدر من الرعب لتغيير خريطة الشرق الأوسط منذ الانتصار الفرنسي البريطاني على الإمبراطورية العثمانية"، يقول فيسك في نبوءته المبكرة هذه، متوقعا انخراط جل مراسلي القنوات التلفزيونية في ترديد عبارة "الحرب على الإرهاب" بمجرد انطلاق المعارك.

عاش روبرت فيسك حاملا هوسا خاصا بالتاريخ، واعتبر نفسه دائما بمثابة المؤرخ للحظات والأحداث التي عاشها، والتي لم يكن اختيارها عبثيا، فكانت تجربته المهنية موزعة بين نقاط الخط الملتهب الذي خلفته توافقات ما بعد الحرب العالمية الثانية، أي الحدود التي رسمت في كل من إيرلندا ويوغسلافيا والشرق الأوسط. وعندما كان يواجَه بسؤال "لماذا لم تصبح مؤرخا؟"، كان يردّ بتوتّر واضح، منبّها إلى أن المراسل الدولي يقوم بوظيفة التأريخ أيضا؛ "إذا كنت مراسلا دوليا فإنك مؤرخ نوعا ما".

عندما انتقل إلى الحدود الباكستانية الأفغانية لتغطية الحرب الأميركية على أفغانستان، وأصبح هدفا للغاضبين من الهجوم الغربي ضد المنطقة، وتعرّض لإصابات دامية، لم يمنعه ذلك من تحويل الموقف إلى "فرصة" مهنية، حيث نشر تفاصيل ما حدث معه معلّقا أن "وحشيتنا سبب وحشيتهم". 

فرغم تعرّض سيارته لهجوم عنيف بالحجارة، وبعدما كاد يقتل يومها، فإن ما حرص فيسك على تذكره هو تلك اليد التي امتدت إليه من عالم دين أفغاني أنقذه من يد الغاضبين، وروى الحادث من زاوية تفسّر لماذا أقدموا على مهاجمته.. "أنا أكره القصص الإخبارية التي تركز على ماذا وأين، لكنها تغفل سؤال لماذا؟"، يقول فيسك في إحدى محاضراته.

 

كتب وأفلام

إلى جانب مقالاته الصحفية، خصّص روبرت فيسك كتابا كاملا لتوثيق موقفه النقدي تجاه الغرب وسياساته الموجهة إلى المنطقة العربية، اختار له عنوان "الحرب العظمى من أجل الحضارة.. غزو الشرق الأوسط". كما أثمر مقامه الطويل في لبنان ومعايشته فصول الأحداث الكبرى لهذا البلد العربي كتابا بعنوان "ويلات أمة"، سوف تتم ترجمته لعدة لغات بعد نشره عام 1990.

"كانت كتاباته شفافة وجريئة في تفكيك العقل السياسي العربي، وجمع بين مهارات الكتابة الصحفية والتفكيك الثقافي لقرابة خمسين عاما" يقول محمد الشرقاوي خبير الإعلام وأستاذ تسوية النزاعات في جامعة "جورج ميسون" الأميركية ، مضيفا أن فيسك اختار لنفسه منحى نقديا يجمع بين المهارة الإعلامية ورؤية السوسيولوجي.

لم يقتصر عمل روبرت فيسك على المكتوب، بل أنتج عام 1993 فيلما وثائقيا يحمل عنوان "من بيروت الى البوسنة"، عالج فيه واقع معاناة المسلمين، والأسباب التي تفسر نقمتهم على الغرب. أظهر الفيلم مشاهد مروعة لأطفال تناثرت أشلاء أجسامهم الصغيرة بقنابل إسرائيلية، وحين سئل عن تلك المشاهد، اكتفى بالقول: "إنها بالضبط ما شاهدته في الواقع".

السؤال الذي كان يسكن فيسك وحاول أن يجيب عنه عبر ثلاثية "من بيروت إلى البوسنة"، هو: ما الذي يحمل عددا كبيرا من المسلمين على كره الغرب؟ وصوّر مشاهده في كل من لبنان والضفة الغربية وداخل إسرائيل وغزة ومصر، وفي البوسنة وكرواتيا. 

لكن الفصل الأخير من حياة روبرت فيسك كان الأكثر غموضا وإثارة للجدل، فالرجل كان الصحفي الغربي الأقرب إلى مصادر الخبر والقرار الرسميين في سوريا، وغاصت أقدامه تدريجيا في وحل الاتهام بموالاة بشار الأسد وتلميع صورته، وتكرّس ذلك عام 2018 حين حاول التشكيك في صحة التقارير التي تتهم نظام الأسد باستعمال السلاح الكيميائي في مدينة دوما.

مهما كان الجدل حول حياة الرجل، إلا أنه طبع مسار الصحافة العالمية، ولاشك أن رحيله سيشكل خسارة لقضايا الشرق الأوسط التي ما يزال الإعلام الغربي يتعامل معها بنظرة المصالح لا بنظرة الحياد. 

 

مصادر:  

1-  https://tbsnews.net/world/robert-fisk-journalists-job-challenge-authority-all-time-152770

2-  https://tbsnews.net/world/robert-fisk-journalists-job-challenge-authority-all-time-152770

3- https://aayadi.wordpress.com/2010/06/02/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%88%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%81%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85/

4-  http://www.cccb.org/rcs_gene/fisk.pdf

5-  https://tbsnews.net/world/robert-fisk-journalists-job-challenge-authority-all-time-152770

6-  https://www.facebook.com/mohammed.cherkaoui.129/posts/10164497084485637   

 

 

 

More Articles

Gender Inequity in Sports Reporting: Female Journalists Demand Equality

Gender inequality persists in sports journalism, with female reporters significantly under-represented, as shown by studies revealing that only 5.1% of sports articles are written by women. Advocates call for equal representation, more inclusive hiring practices, and a broader focus on women's sports to challenge stereotypes, improve coverage, and give women a stronger voice in shaping sports narratives.

Akem
Akem Nkwain Published on: 18 Nov, 2024
How Does Misinformation Undermine Public Trust in Journalism?

Reports reveal a growing loss of trust in the media, driven by the extent of misinformation that undermines professional journalism's ability to influence public discourse. The platforms of misinformation, now supported by states and private entities during conflicts and wars, threaten to strip the profession of its core roles of accountability and oversight.

Muhammad Khamaiseh 1
Muhammad Khamaiseh Published on: 13 Nov, 2024
What Explains the Indian Media’s Silence on Muslim Lynchings?

A review of why the Indian media is biased in its coverage of cow vigilantes' lynchings, highlighting how the killing of a Hindu boy by such vigilantes sparked widespread outrage, while the lynching of a Muslim man over similar allegations was largely ignored, reflecting deeper anti-Muslim bias under the ruling BJP government.

Saif Khaled
Saif Khalid Published on: 11 Nov, 2024
Freedom of the Press in Jordan and Unconstitutional Interpretations

Since the approval of the Cybercrime Law in Jordan, freedom of opinion and expression has entered a troubling phase marked by the arrest of journalists and restrictions on media. Musab Shawabkeh offers a constitutional reading based on interpretations and rulings that uphold freedom of expression in a context where the country needs diverse opinions in the face of the Israeli ultra right wing politics.

Musab Shawabkeh
Musab Al Shawabkeh Published on: 8 Nov, 2024
Corporate Dominance and the Erosion of Editorial Independence in Indian Media

Corporate influence in Indian media has led to widespread editorial suppression, with media owners prioritising political appeasement over journalistic integrity, resulting in a significant erosion of press freedom and diversity in news reporting.

headshot
AJR Correspondent Published on: 3 Nov, 2024
Monitoring of Journalistic Malpractices in Gaza Coverage

On this page, the editorial team of the Al Jazeera Journalism Review will collect news published by media institutions about the current war on Gaza that involves disinformation, bias, or professional journalistic standards and its code of ethics.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 23 Oct, 2024
Atrocity Inc.: What Max Blumenthal's New Documentary Reveals About Western Media's Complicity in Israeli Propaganda

A digest of Max Blumenthal's new documentary, Atrocity Inc., in which he uncovers how the Israeli PR machinery and propaganda efforts were carefully and intentionally designed to manufacture consent for a campaign of mass death against Palestinians. It reveals how the Western media, especially in the United States, supported Israel's misinformation war.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 13 Oct, 2024
A Year of Genocide and Bias: Western Media's Whitewashing of Israel's Ongoing War on Gaza

Major Western media outlets continue to prove that they are a party in the war of narratives, siding with the Israeli occupation. The article explains how these major Western media outlets are still refining their techniques of bias in favor of the occupation, even a year after the genocide in Palestine.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 9 Oct, 2024
Failing Gaza: Pro-Israel Bias Uncovered Behind the Lens of Western Media

Journalists at CNN and the BBC expose the inner workings of their newsrooms, a year into Israel’s war on Gaza.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 8 Oct, 2024
Guns, Threats, and Poverty: The Daily Struggles of an African Journalist

The welfare of African journalists continues to deteriorate, from poor wages to security risks, arrests, detention, and even death. This common, ongoing trend generally affects the wellbeing of journalists during their discharge of duties, and these overlooked difficulties tend to affect the quality and output of their work.

Derick Matsengarwodzi
Derick Matsengarwodzi Published on: 26 Sep, 2024
Testimonies of the First Witness of the Sabra & Shatila Massacre

The Sabra and Shatila massacre in 1982 saw over 3,000 unarmed Palestinian refugees brutally killed by Phalangist militias under the facilitation of Israeli forces. As the first journalist to enter the camps, Japanese journalist Ryuichi Hirokawa provides a harrowing first-hand account of the atrocity amid a media blackout. His testimony highlights the power of bearing witness to a war crime and contrasts the past Israeli public outcry with today’s silence over the ongoing genocide in Gaza.

Mei Shigenobu مي شيغينوبو
Mei Shigenobu Published on: 18 Sep, 2024
How to Bring more Balance to Western Media Coverage of Israel and Palestine

How can journalists accurately cover Palestine without becoming unbalanced or biased? Here are some concrete tools and techniques for reporters to keep in mind.

A picture of the author, Megan O'Toole
Megan O'Toole Published on: 16 Sep, 2024
Journalist Mothers in Gaza: Living the Ordeal Twice

Being a journalist, particularly a female journalist covering the genocide in Palestine without any form of protection, makes practicing journalism nearly impossible. When the journalist is also a mother haunted by the fear of losing her children, working in the field becomes an immense sacrifice.

Amani Shninu
Amani Shninu Published on: 15 Sep, 2024
Anonymous Sources in the New York Times... Covering the War with One Eye

The use of anonymous sources in journalism is considered, within professional and ethical standards, a “last option” for journalists. However, analysis of New York Times data reveals a persistent pattern in the use of “anonymity” to support specific narratives, especially Israeli narratives.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 8 Sep, 2024
Monitoring of Journalistic Malpractices in Gaza Coverage

On this page, the editorial team of the Al Jazeera Journalism Review will collect news published by media institutions about the current war on Gaza that involves disinformation, bias, or professional journalistic standards and its code of ethics.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 5 Sep, 2024
India’s Social Media Crackdown; Broader Implications for Journalism

India’s crackdown on X-Twitter accounts documenting hate crimes highlights the increased risks faced by journalists who report on these issues. The suppression of such accounts significantly hampers the ability of journalists to access and report critical information on hate crimes.

Rushda Fathima Khan
Rushda Fathima Khan Published on: 3 Sep, 2024
Cameroonian Journalists at the Center of Fighting Illegal Fishing

While the EU’s red card to Cameroon has undeniably tarnished its image, it has paradoxically unlocked the potential of Cameroonian journalists and ignited a movement poised to reshape the future. Through this shared struggle, journalists, scientists, conservationists, storytellers, and government officials have united, paving the way for a new era of ocean advocacy.

Shuimo Trust Dohyee
Shuimo Trust Dohyee Published on: 21 Aug, 2024
The Gaza Journalist and the "Heart and Mind" Struggle

Inside the heart of a Palestinian journalist living in Gaza, there are two personas: one is a human who wants to protect his own life and that of his family, and the other is a journalist committed to safeguarding the lives of the people by holding on to the truth and staying in the field. Between these two extremes, or what journalist Maram Hamid describes as the struggle between the heart and the mind, the Palestinian journalist continues to share a narrative that the occupation intended to keep "away from the camera."

Maram
Maram Humaid Published on: 18 Aug, 2024
India and Pakistan; Journalists building Bridges for Understanding

Amid decades of tension, journalists from India and Pakistan are uniting to combat hostile narratives and highlight shared challenges. Through collaboration, they’re fostering understanding on pressing issues like climate change and healthcare, proving that empathy can transcend borders. Discover how initiatives like the Journalists' Exchange Programme are paving the way for peace journalism and a more nuanced narrative.

Safina
Safina Nabi Published on: 12 Aug, 2024
Journalists Recount the Final Moments of Ismail Al-Ghoul

Journalists remembering the slain reporter of Al Jazeera in Northern Gaza, Ismail Al Ghoul. "He insisted on continuing his coverage from the northern part of the Gaza Strip, despite the challenges and obstacles he faced. He was arrested and interrogated by the Israeli army, his brother was killed in an Israeli airstrike, and his father passed away during treatment abroad."

Mohammad Abu Don
Mohammad Abu Don Published on: 11 Aug, 2024
Analysis: Media Disinformation and UK Far-Right Riots

Analysis on the impact of media disinformation on public opinion, particularly during UK riots incited by far-right groups. A look at how sensationalist media can directly influence audience behavior, as per the Hypodermic Needle Theory, leading to normalized discrimination and violence. The need for responsible journalism is emphasized to prevent such harmful effects.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 8 Aug, 2024
Challenges for Female Journalists in Crisis Zones of Cameroon

Testimonies of what female journalists in Cameroon are facing and how they are challenging these difficulties.

Akem
Akem Nkwain Published on: 30 Jul, 2024
Daughters of Data: African Female Journalists Using Data to Reveal Hidden Truths

A growing network of African women journalists, data scientists, and tech experts is amplifying female voices and highlighting underreported stories across the continent by producing data-driven projects and leveraging digital technologies in storytelling.

Nalova Akua
Nalova Akua Published on: 23 Jul, 2024
Are Podcasts the Future of African Broadcasting?

The surge of podcasts across Africa is a burgeoning trend, encompassing a wide array of themes and subjects, and swiftly expanding across various nations.

Derick Matsengarwodzi
Derick Matsengarwodzi Published on: 11 Jul, 2024