روبرت فيسك.. "صحفي خنادق" أفنى حياته من أجل "لماذا؟"

روبرت فيسك.. "صحفي خنادق" أفنى حياته من أجل "لماذا؟"

لم يخلُ خبر وفاة الصحفي البريطاني روبرت فيسك، من جدل مشابه للجدل الذي أثارته معظم قصصه الصحفية التي عمل عليها على مدى أربعة عقود خلت. كما وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" ذات يوم، بأنه واحد من أكثر الصحفيين جدلا في عصره.

وما إن انتشر الخبر عن وفاة فيسك في منزله بمدينة دبلن الإيرلندية، حتى بدأ صحفيون ينعونه ويبدون مواقف متعددة حول مسيرته. فبين طرف رأى فيه أيقونة ناصعة لم يشُبها من نواقض المهنية الصحفية شيء، لا سيما أولئك الذين انطلقوا من مقاربة أعماله الصحفية المتعلقة بفلسطين والجهد الذي كرّسه في نقل سردية الفلسطينيين في الإعلام الغربي، وطرف آخر رأى أنه انتحر مهنيا منذ الأشهر الأولى التي تلت الثورة السورية؛ بسبب ما رأوه من "تلميع" لصورة بشار الأسد ونظامه في قصص فيسك الصحفية، حاول طرف ثالث أن يُنصف الرجل في تاريخه، إلا أنه وضعه تحت المساءلة في قضايا رأى أن فيسك حاد فيها عن أعراف المهنية الصحفية.

وبين هذه المواقف؛ يحث الدافع المهني على قراءة مسار روبرت فيسك الذي رحل عن دنيانا قبل أيام؛ من زاوية صحفية خالصة، "لا ملائكة ولا شياطين"، أو كما جرت عليها قواعد كتابة قصص عرض الشخصية صحفيًّا. 

برز اسم فيسك في عالم الصحافة عام 1972 كمراسل لصحيفة "التايمز" البريطانية في إيرلندا، وانتقل بعدها ليصبح مراسلا للشؤون الخارجية متنقلا بين عدة مناطق في البلقان والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وعلى مدى سنوات، تحوّل فيسك من مجرد صحفي، إلى ما يمكن اعتباره "عينا أخرى للغرب" في الشرق الأوسط.

فهذا البريطاني المولد، الإيرلندي الجنسية، بصم لوحده على تجربة صحفية مميّزة وثرية، عنوانها الانغماس في الميدان، ونقد الصورة المثالية التي يحملها البعض عن الصحافة الغربية، ونبذ "صحافة الفنادق" الكسولة لحساب "صحافة خنادق" شجاعة ومغامرة، تؤرخ للحروب بانتصابها لأداء الشهادة وقول الحقيقة، لا شيء غير الحقيقة.

 

نقد السردية الغربية في الإعلام

عن سن 74 عاما، فارق فيسك عالما عاش فيه بشغف مهني كبير، كتب فيه قصصا صحفية بارزة ساهمت بشكل كبير في تسليط الضوء على قضايا كان يمكن أن تموت في الظلام لولاه، فهو أول صحفي أخبر العالم بوقوع مجزرة في حماة السورية عام 1982 راح ضحيتها الآلاف، ارتكبها حافظ الأسد ضد معارضيه. وكان فيسك أيضا ضمن أول فريق صحفي دخل مخيمي صبرا وشاتيلا، وكشف للعالم فظاعة المجازر التي ارتُكبت فيهما بدعم من إسرائيل، إضافة إلى تغطيته لأبرز الأحداث التي غيرت وجه الشرق الأوسط، كالثورة الإيرانية والحرب الإيرانية العراقية. كما أنه أكثر الصحفيين الغربيين محاورة لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

قضى روبرت فيسك العقود الطويلة من تغطياته لشؤون المنطقة العربية مُناصبا العداء للسردية الغربية، ومهاجما الإعلام الغربي السائد القائم على قراءة كل ما يحدث في الضفة الجنوبية الشرقية للبحر المتوسط من منظور التناحر المذهبي والطائفي والعرقي، وتجاهل باقي العوامل والدوافع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمصالح الدولية التي غالبا ما تقف وراء مآسي ونكبات شعوب هذه المنطقة. 

رغم كل ذلك، أنهى فيسك حياته بلغز كبير اسمه نظام بشار الأسد في سوريا، حيث ظلّ ركوبه قوافل الجيش السوري وقربه من كبار مسؤولي دمشق، واكتفاؤه بأحاديث فضفاضة عن المجازر التي ارتكبوها، بل التشكيك في بعض الروايات حول المجازر المرتكبة؛ موضوع تساؤلات واتهامات بالانحياز. 

 

من بلفاست إلى بيروت

ولد روبرت فيسك عام 1946 في بلدة "ميدستون" التي تبعد عن العاصمة البريطانية لندن بنحو 50 كلم، في أسرة مكونة من أب يعمل محاسبا مؤتمنا على صندوق مالية المدينة، بعدما شارك في الحرب العالمية الأولى وعجز عن خوض غمار الثانية لتقدمه في السن. 

أول رحلة لفيسك خارج بريطانيا كانت نحو فرنسا، حين كان في العاشرة من عمره ورافق والده في رحلة بحثه عن ذكرياته خلال فترة الحرب. كانت الأخبار السياسية -المتعلقة بالمستعمرات البريطانية خصوصا- فُطور روبرت شبه اليومي، حيث كان والده يحرص على الاستماع إلى الإذاعة، الأمر الذي جعل روبرت يلتحق بالمدرسة وهو حامل لمعرفة تاريخية غزيرة حول الحربين العالميتين وخطب تشرشل وما يجري في العالم، علاوة على كتب التاريخ العديدة التي أثثت فضاء طفولته.

التحق روبرت فيسك بمدرسة خاصة تمتاز بتدريس طلبتها اللغة اللاتينية، ثم واصل دراسته الجامعية متخصصا في اللسانيات واللغة اللاتينية وحاز فيها درجة الماجستير، ليلتحق مباشرة بعد ذلك بصحيفة "صنداي إكسبرس" اللندنية، ثم بعدها بصحيفة "التايمز" قبل أن "يسيطر عليها (روبرت) مردوخ ويدمّر نزاهتها".

ابتداء من العام 1976، أصبحت بيروت عاصمة لعمل فيسك الصحفي في منطقة الشرق الأوسط، حيث بات الشاهد الغربي الأكبر على أهم أحداث المنطقة، بدءا من حرب لبنان الأهلية والثورة الإيرانية وحربي الخليج الأولى والثانية والاجتياح الإسرائيلي للبنان، وصولا إلى حروب المنطقة خلال العقدين الأخيرين في كل من العراق وأفغانستان.

في العام 1989، انتقل فيسك من "التايمز" إلى "الإندبندنت" رافضا سياسة مردوخ في الأولى، ومقدرا حرص رؤساء التحرير في الثانية على "نشر ما يكتبه الصحفيون لا ما يريده المالكون"، علما بأنه ظل يوضح أن مالكي الصحيفة أيضا يريدون نشر ما يكتبه الصحفيون، وهو وضع "سحري" نادر. 

وكان مما سهّل نجاح فيسك -في تقديره- هو عدم سقوط الصحافة البريطانية في الطقس الأميركي القائم على عدم ترك المراسلين في نفس المكان لأكثر من ثلاث أو أربع سنوات، "فما إن يبدأ في تعلم اللغة والثقافة المحلية حتى ينقل إلى مكان آخر، هذا يجعلك تعرف كل شيء عن لا شيء، ولا شيء عن كل شيء".

تزوّج روبرت فيسك بالصحافة وحافظ على وفائه لها طيلة مساره، فالارتباط الأسري الرسمي الوحيد في حياته جمعه بصحفية أميركية اسمها "لارا مارلو". استمرت علاقتهما بين عامي 1994 و2006، لكنها انتهت كما بدأت، بدون أبناء. 

 

فيلم هتشكوك الملهم

شغف فيسك بالصحافة وُلد من رحم شغف آخر بالسينما والأفلام، فما جعله يصبح صحفيا ومراسلا دوليا، هو فيلم شاهده في سن الثانية عشرة عبر شاشة تلفزيون بالأبيض والأسود، لألفريد هتشكوك بعنوان "المراسل الأجنبي". ويحكي الفيلم قصة الصحفي الأميركي الذي انتقل إلى لندن لتغطية أطوار الحرب العالمية الثانية، ليتمكن من اكتشاف أكبر عميل نازي في عاصمة بريطانيا، ويصبح بالتالي هدفا لمطاردة مثيرة. ورغم كل ما تنطوي عليه هذه الحياة من مخاطر، فإن فيسك بات منذ ذلك الحين يحلم بتقمصها.

حصل روبرت فيسك سبع مرات على جائزة الصحافة البريطانية التي يطلق عليها لقب "أوسكار" الصحافة، في صنف الصحافة الدولية. كما نال جائزة "أورويل" وعددا من التكريمات التي استحقها نظير تغطياته المميزة لأحداث منطقة الشرق الأوسط، في حين كانت مساهماته البحثية والتكوينية في مجال الصحافة سببا لمنحه شهادات فخرية من عدد من جامعات العالم، من بينها الجامعة الأميركية في بيروت وجامعات بريطانية وإيرلندية.

وحاز هذا المراسل فوق العادة براءة اختراع مهني اسمه نبذ "صحافة الفنادق"، وهي العبارة التي أطلقها خلال وجوده في العراق لحظة اجتياح بغداد من طرف القوات الأميركية، ولاحظ كيف أن جلّ زملائه المراسلين الأجانب يكتبون عن الحرب من داخل غرفهم الفندقية الآمنة.

تبرُّم مزمن رافق هذا الصحفي طيلة حياته، من الصحفيين الكسالى الذين يزيّفون الحقائق ويدّعون الحضور في أماكن وأحداث لمجرد وجودهم في فنادق فخمة أمّنتها لهم دعوات سخية. 

"سوف يهينك الزملاء إذا كنت صحفيا متوسط النجاح"، قال روبرت فيسك في أحد تعليقاته، متهما في تعليقات أخرى الصحف باحتراف الكذب الذي أدى بالناس إلى هجرها نحو الإنترنت، ومعلنا في أحد حواراته الكبرى أن مهمة الصحفي الدائمة هي تحدي السلطات.

أبدى روبرت فيسك شراسة في انتقاد ومهاجمة صناع القرار الغربيين، خاصة في فترة تزامن جورج بوش وتوني بلير على رأس السلطتين التنفيذيتين في الولايات المتحدة وبريطانيا. 

وأثبت فيسك على الصحافة الغربية التحامها مع الطبقة السياسية والحاكمة في بلدانها، من خلال ترديد العبارات والمصطلحات التي "طبخها" السياسيون والعسكريون دون تساؤل أو تحقق، والخضوع للإملاءات وتوجيه البيانات الرسمية مع الانتقائية والانحياز في بث الأخبار والصور، مع الامتناع التام عن طرح الأسئلة الجوهرية والحقيقية، من قبيل سبب وجود القوات الأميركية في العراق مثلا.

 

لماذا حدثت هجمات 11 سبتمبر؟

برز روبرت فيسك كمرجعية مهنية مميزة في شؤون المنطقة العربية، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 التي ظل يردد أنها جريمة ضد الإنسانية لا إرهاب يتحمل مسؤوليته المسلمون. فعبارته الشهيرة تردّدت في الأركان الأربعة من العالم، وخلاصتها أن الإعلام توقّف عند سؤال "من فعلها؟" ولم يتساءل أبدا "لماذا حدث ذلك؟". 

ظل الرجل إلى آخر أيام حياته مصرًّا على وجود علاقة تواطؤ غير صحي ولا مفيد بين الصحافة الغربية والسلطة، وقدّم في موقفه هذا حزمة متماسكة من الإثباتات والأدلة، أهمها القاموس الذي تعتمده الصحافة الغربية في وصف ما يجري بمنطقة الشرق الأوسط، حيث تصبح فلسطين المحتلة "أرضا متنازعا عليها"، وجدار العزل العنصري الإسرائيلي مجرد حاجز أمني.

إلمام فيسك الكبير بقواعد وتقنيات حماية الصحفيين أثناء تغطيتهم للحروب والكوارث، لم يشغله عما ظل يعتبره أهم وأخطر.. "إنه انقيادهم السهل وقبولهم التلقائي بالروايات الحكومية المبتذلة واللطيفة والمضللة، وترديدهم إياها في تقاريرهم". وكان أول ما بدأ به أن نبه صحيفته "الإندبندنت" إلى أن الحرب الأميركية في العراق ليست حربا على الإرهاب ولا حربا من أجل الديمقراطية، بل هي حرب على أعداء أميركا، وربما على أعداء إسرائيل في المنطقة. 

منذ التحاقه بمنطقة الشرق الأوسط مكلَّفا بتغطية أحداثها، هاجم روبرت فيسك بعنفٍ تعاطي الصحافة الغربية مع قضايا المنطقة، واستنكر قبول كبريات الصحف والقنوات بتحوّل السلطة إلى رئيس التحرير الفعلي، والانخراط في القواميس التي تمتح من مرجعيات دينية مسيحية متعصبة، تعتبر الغرب مصدر "الخير" والآخرين مصدر الشرور. 

عاتب فيسك كبريات الصحف الأميركية التي مهّدت لحرب بوش في العراق بتقارير وقصص تختلق صلات بين أسامة بن لادن وصدام حسين، كما شجب دخول هذا الإعلام لعبة الربط بين ياسر عرفات وزعيم القاعدة. ولم يستبعد فيسك وهو يحاضر في سبتمبر/أيلول 2002 في برشلونة الإسبانية، أن تصبح دمشق ثم بيروت -ولم لا الرياض- الأهداف التالية للهجمات بعد كابل وبغداد.

هذا الموقف المنتصر للمهنية والحياد، كان روبرت فيسك قد عبّر عنه قبل أكثر من عشر سنوات من أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث خرج بمجرد اندلاع حرب الخليج الثانية التي استهدفت العراق إثر اجتياحه الكويت عام 1991، ليدين ارتداء صحفيي قناة "سي.أن.أن" الأميركية الزي العسكري للجيش الأميركي. 

ورغم خروج القناة لتوضح أن الصحفيين أجبروا على ذلك من طرف الجيش، فإنه ظل مصرا على أن الصحفي لا يملك أي مبرر لمثل هذا السلوك، وأن "الصحفيين لا شأن لهم بإطاعة الأوامر العسكرية التي تجعلهم يبدون كالمقاتلين".

 

"وحشيتنا سبب وحشيتهم"

"أحداث 11 سبتمبر لم تغيّر العالم.. أرجو من زملائي أن يكفوا عن نشر وبث هذه الكلمات"، هكذا تحدث روبرت فيسك في الذكرى الأولى للهجمات على برجي التجارة العالمي في نيويورك، خلال محاضرة ألقاها بمركز ثقافي في مدينة برشلونة الإسبانية. 

"إنها واحدة من كبرى الأكاذيب التي يروّجها الصحفيون"، يضيف فيسك مصرا على موقفه، ومتابعا أن "أحداث 11 سبتمبر ربما منحت ذريعة لجورج بوش لتغيير العالم والتلاعب بمشاعر الخوف والحزن، لإطلاق حرب لا علاقة لها بما وقع في نيويورك".

لم يكن الحديث يطول بروبرت فيسك حتى يكشف أنه يقصد منطقة الشرق الأوسط تحديدا، كهدف لهذا التلاعب الذي كان يرى أن الإعلام الغربي شريك رئيسي فيه.. "أخشى أنها ستكون المحاولة التي تثير أكبر قدر من الرعب لتغيير خريطة الشرق الأوسط منذ الانتصار الفرنسي البريطاني على الإمبراطورية العثمانية"، يقول فيسك في نبوءته المبكرة هذه، متوقعا انخراط جل مراسلي القنوات التلفزيونية في ترديد عبارة "الحرب على الإرهاب" بمجرد انطلاق المعارك.

عاش روبرت فيسك حاملا هوسا خاصا بالتاريخ، واعتبر نفسه دائما بمثابة المؤرخ للحظات والأحداث التي عاشها، والتي لم يكن اختيارها عبثيا، فكانت تجربته المهنية موزعة بين نقاط الخط الملتهب الذي خلفته توافقات ما بعد الحرب العالمية الثانية، أي الحدود التي رسمت في كل من إيرلندا ويوغسلافيا والشرق الأوسط. وعندما كان يواجَه بسؤال "لماذا لم تصبح مؤرخا؟"، كان يردّ بتوتّر واضح، منبّها إلى أن المراسل الدولي يقوم بوظيفة التأريخ أيضا؛ "إذا كنت مراسلا دوليا فإنك مؤرخ نوعا ما".

عندما انتقل إلى الحدود الباكستانية الأفغانية لتغطية الحرب الأميركية على أفغانستان، وأصبح هدفا للغاضبين من الهجوم الغربي ضد المنطقة، وتعرّض لإصابات دامية، لم يمنعه ذلك من تحويل الموقف إلى "فرصة" مهنية، حيث نشر تفاصيل ما حدث معه معلّقا أن "وحشيتنا سبب وحشيتهم". 

فرغم تعرّض سيارته لهجوم عنيف بالحجارة، وبعدما كاد يقتل يومها، فإن ما حرص فيسك على تذكره هو تلك اليد التي امتدت إليه من عالم دين أفغاني أنقذه من يد الغاضبين، وروى الحادث من زاوية تفسّر لماذا أقدموا على مهاجمته.. "أنا أكره القصص الإخبارية التي تركز على ماذا وأين، لكنها تغفل سؤال لماذا؟"، يقول فيسك في إحدى محاضراته.

 

كتب وأفلام

إلى جانب مقالاته الصحفية، خصّص روبرت فيسك كتابا كاملا لتوثيق موقفه النقدي تجاه الغرب وسياساته الموجهة إلى المنطقة العربية، اختار له عنوان "الحرب العظمى من أجل الحضارة.. غزو الشرق الأوسط". كما أثمر مقامه الطويل في لبنان ومعايشته فصول الأحداث الكبرى لهذا البلد العربي كتابا بعنوان "ويلات أمة"، سوف تتم ترجمته لعدة لغات بعد نشره عام 1990.

"كانت كتاباته شفافة وجريئة في تفكيك العقل السياسي العربي، وجمع بين مهارات الكتابة الصحفية والتفكيك الثقافي لقرابة خمسين عاما" يقول محمد الشرقاوي خبير الإعلام وأستاذ تسوية النزاعات في جامعة "جورج ميسون" الأميركية ، مضيفا أن فيسك اختار لنفسه منحى نقديا يجمع بين المهارة الإعلامية ورؤية السوسيولوجي.

لم يقتصر عمل روبرت فيسك على المكتوب، بل أنتج عام 1993 فيلما وثائقيا يحمل عنوان "من بيروت الى البوسنة"، عالج فيه واقع معاناة المسلمين، والأسباب التي تفسر نقمتهم على الغرب. أظهر الفيلم مشاهد مروعة لأطفال تناثرت أشلاء أجسامهم الصغيرة بقنابل إسرائيلية، وحين سئل عن تلك المشاهد، اكتفى بالقول: "إنها بالضبط ما شاهدته في الواقع".

السؤال الذي كان يسكن فيسك وحاول أن يجيب عنه عبر ثلاثية "من بيروت إلى البوسنة"، هو: ما الذي يحمل عددا كبيرا من المسلمين على كره الغرب؟ وصوّر مشاهده في كل من لبنان والضفة الغربية وداخل إسرائيل وغزة ومصر، وفي البوسنة وكرواتيا. 

لكن الفصل الأخير من حياة روبرت فيسك كان الأكثر غموضا وإثارة للجدل، فالرجل كان الصحفي الغربي الأقرب إلى مصادر الخبر والقرار الرسميين في سوريا، وغاصت أقدامه تدريجيا في وحل الاتهام بموالاة بشار الأسد وتلميع صورته، وتكرّس ذلك عام 2018 حين حاول التشكيك في صحة التقارير التي تتهم نظام الأسد باستعمال السلاح الكيميائي في مدينة دوما.

مهما كان الجدل حول حياة الرجل، إلا أنه طبع مسار الصحافة العالمية، ولاشك أن رحيله سيشكل خسارة لقضايا الشرق الأوسط التي ما يزال الإعلام الغربي يتعامل معها بنظرة المصالح لا بنظرة الحياد. 

 

مصادر:  

1-  https://tbsnews.net/world/robert-fisk-journalists-job-challenge-authority-all-time-152770

2-  https://tbsnews.net/world/robert-fisk-journalists-job-challenge-authority-all-time-152770

3- https://aayadi.wordpress.com/2010/06/02/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%88%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%81%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85/

4-  http://www.cccb.org/rcs_gene/fisk.pdf

5-  https://tbsnews.net/world/robert-fisk-journalists-job-challenge-authority-all-time-152770

6-  https://www.facebook.com/mohammed.cherkaoui.129/posts/10164497084485637   

 

 

 

More Articles

Do Foreign Journalists Matter in Covering Genocide? A Look into Bosnia, Rwanda, and Gaza

How did foreign journalists cover the killings in both Bosnia-Herzegovina and Rwanda? Did they contribute to conveying the truth and making an impact? Would the entry of foreign journalists into the Gaza Strip change the reality of the ongoing genocide? And would their coverage of the famine and massacres add to the daily coverage of local journalists? Why is the local press's coverage of wars seen as deficient compared to Western journalism, even though they incur greater losses and casualties?

Saber Halima
Saber Halima Published on: 20 Jun, 2025
Monitoring of Journalistic Malpractices in Gaza Coverage

On this page, the editorial team of the Al Jazeera Journalism Review will collect news published by media institutions about the current war on Gaza that involves disinformation, bias, or professional journalistic standards and its code of ethics.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 17 Jun, 2025
Newspapers: An Industry Adapting to Survive Through Digital Transformation

As digital transformation reshapes the media landscape, newspapers in Cameroon are navigating unprecedented challenges and opportunities. This evolution compels them to adapt their strategies to engage a new generation of readers amidst fierce online competition, decreasing government subsidies, and a decline in print sales.

Akem
Akem Nkwain Published on: 16 Jun, 2025
The Mental Toll on India’s Minority-Focused Freelance Journalists

Freelance journalists in India, particularly those reporting on marginalised communities and conflict zones like Kashmir, endure immense emotional and psychological strain, often without any institutional support. What are the hidden costs of reporting on violence, where telling the truth can come at a steep personal price?

Hanan Zaffa
Hanan Zaffar Published on: 10 Jun, 2025
The Role of Social Science Tools in Enhancing Journalism

When French sociologist Pierre Bourdieu was asked about the contribution of the suburbs to elections, he replied that decades of colonialism and complex problems cannot be summarised in 10 minutes. The value of social sciences in supporting journalism is demonstrated when they address issues of society, power, and identity for the sake of better journalism.

Rehab Zaheri
Rehab Zaheri Published on: 6 Jun, 2025
Journalism Colleges in Somalia: A Battle for Survival

Journalism colleges in Somalia are struggling to survive due to outdated curricula, lack of practical training, insufficient funding, and a shortage of qualified educators, leading to declining student enrollment and interest. Despite efforts by institutions like Mogadishu University and Hormuud University to revive journalism education, these challenges persist, threatening the future of journalism in the country.

Al-Shafi Abtidon
Al-Shafi Abtidon Published on: 30 May, 2025
Philippine Activists Fight Archive Erasure and Revive Dictatorship-Era Memories

In the Philippines, archivists fight to preserve evidence of the country’s bloodied past, in hope that it will provide lessons for the future.

Tristan James Biglete
Tristan James Biglete Published on: 27 May, 2025
News Fatigue and Avoidance: How Media Overload is Reshaping Audience Engagement

A study conducted on 12,000 American adults revealed that two-thirds feel “exhausted” by the overwhelming volume of news they receive. Why is the public feeling drained by the news? Are audiences actively avoiding it, and at what psychological cost? Most importantly, how can the media rebuild trust and reconnect with its audience?

Othman Kabashi
Othman Kabashi Published on: 25 May, 2025
Journalism Associations' Fragmentation Weakening Press Freedom in Cameroon

Cameroon's fragmented media landscape has weakened collective advocacy, allowing government repression of journalists to go largely unchallenged. As press freedom declines, voices like Samuel Wazizi's are silenced, while disunity among journalists enables impunity to thrive.

Njodzeka Danhatu
Njodzeka Danhatu Published on: 20 May, 2025
Weaponized Artificial Intelligence: The Unseen Threat to Fact-Checking

How has artificial intelligence emerged as a powerful tool during wartime, and what strategies are fact-checkers adopting to confront this disruptive force in newsrooms? The work of fact-checkers has grown significantly more challenging during the genocide in Palestine, as the Israeli occupation has relied heavily on artificial intelligence to disseminate misinformation.

Ahmad Al-Arja
Ahmad Al-Arja Published on: 18 May, 2025
Indian Media Fuels Panic with Disinformation

Amid heightened India-Pakistan tensions in early May, Indian mainstream media flooded the public with fake news, doctored visuals, and sensationalist coverage, fueling mass anxiety and misinformation. Fact-checkers and experts condemned the media’s role, calling it a national embarrassment that undermined journalistic integrity and misled citizens during a critical geopolitical moment.

Junaid Kathju
Junaid Kathju Published on: 15 May, 2025
Reporting from the Ruins; Why We Must Keep Myanmar’s Journalists Alive and Online

In Myanmar, journalism has become a courageous act of resistance. As the military junta tightens its grip on information, journalists face growing technological, political, and security barriers. This article explores the urgent need to support Myanmar’s embattled media workers before the country slides into a full information blackout.

Annie Zaman
Annie Zaman Published on: 13 May, 2025
Palestinian Journalist Lama Ghosheh Refuses to Be Silenced Under Occupation

Despite ongoing repression under Israeli occupation, Palestinian journalist Lama Ghosheh continues her work with unwavering resolve, documenting the lived realities of her people. Her story is one of resistance, family, and the high cost of speaking truth in the face of systemic silencing.

Synne Furnes Bjerkestrand
Synne Bjerkestrand Published on: 9 May, 2025
Fact-Checking: The Last Line of Defense Against Occupation Propaganda in Palestine

Manipulation of information, intensive propaganda campaigns, and widespread disinformation were key features of the "narrative" battle that accompanied the war on Gaza. From the very beginning, the occupation sought to provide media cover for potential war crimes, but the work of fact-checkers exposed the foundations of its propaganda.

Khaled Attia
Khaled Attia Published on: 7 May, 2025
The Media Landscape in Sudan During the War

The ongoing war in Sudan has dismantled many media institutions, creating a vacuum filled by a vast stream of rumors and false information that has fueled internal conflict. A large segment of the public has turned to social media platforms in search of the truth, while some traditional media outlets continue to operate despite the targeting of their offices and journalists.

Mohammed Babiker Al-Awad
Mohammed Babiker Al-Awad Published on: 2 May, 2025
Western Media’s Double Standards on Muslim Women’s Suffering

When an Iranian student publicly protested against security forces by undressing, the moment garnered widespread attention in Western media. Meanwhile, even as 70 percent of those killed in Palestine are women and children, this ongoing violence—including the systematic killing, torture, and detention of Palestinian women—receives minimal coverage. This disparity raises urgent questions: How do Western media represent women’s issues in the Islamic world, and to what extent are such portrayals shaped by double standards?

Shaimaa Al-Eisai
Shaimaa Al-Eisai Published on: 24 Apr, 2025
Weaponizing the Law: SLAPPs Against Journalists and Press Freedom

SLAPPs—abusive lawsuits designed to silence journalists and activists—are surging across Southeast Asia, exploiting vague laws and weak protections to punish those who speak truth to power. As legal harassment intensifies, journalists face not only imprisonment and censorship but also emotional trauma, exile, and long-term damage to their careers.

AJR Contributor Published on: 17 Apr, 2025
Predicting the Future of Media in 2025

The rise of citizen journalism, the rethinking of long-form content, the evolution of video, and the exploration of AI opportunities are key elements of the media landscape forecast for 2025, according to a report from Harvard University's Nieman Lab.

Othman Kabashi
Othman Kabashi Published on: 15 Apr, 2025
In The Cross Fire: The Perils of Rural Journalism in India's Conflict Zones

In India’s conflict-ridden regions like Bastar and Manipur, local journalists—especially freelancers and women—risk their lives daily to report on corruption, displacement, and state violence, often without institutional support or protection. Their work, largely invisible to national media, exposes a stark reality where telling the truth can cost them everything, even their lives.

Quratulain Rehbar
Quratulain Rehbar Published on: 10 Apr, 2025
How Media Drives Collective Adaptation During Natural Disasters in Oman

This paper highlights how Omani media, during times of natural disasters, focused on praising government efforts to improve its image, while neglecting the voices of victims and those affected by the cyclones. It also examines the media’s role in warning against and preventing future disasters.

Shaimaa Al-Eisai
Shaimaa Al-Eisai Published on: 31 Mar, 2025
Is India Targeting Independent Media Through Tax Status Revocation?

In a move that’s sent shockwaves through India’s independent media landscape, tax authorities have revoked The Reporters’ Collective's non—profit status, claiming journalism doesn’t serve a “public purpose.” Critics warn this unprecedented action, echoed in similar crackdowns on other outlets, is part of a broader campaign to throttle investigative journalism and stifle dissent financially.

Bilal Kuchay
Bilal Kuchay Published on: 27 Mar, 2025
Western Media Bias and Complicity with Israel is Beyond Borders

Once again, Western media framed civilians within the context of "collateral damage" while covering Israeli attacks on Syria. The language of international law was absent, and the tragedy of civilians affected by military strikes was completely obscured, while justifications and cover for the occupation prevailed under the banner of "maintaining national security."

Zainab Afifa
Zainab Afifa Published on: 23 Mar, 2025
Rise and Fall of Kashmir’s First Independent Magazine, Kashmir Walla

Jailed, silenced, and erased—how a fearless journalist built Kashmir’s most vital independent news platform, only to see it brutally shut down by the state. The Kashmir Walla, known for its bold coverage of politics, conflict, and human rights, became too powerful to ignore—so they ensured it disappeared.

Safina
Safina Nabi Published on: 15 Mar, 2025
Misinformation in Syria: Natural Chaos or Organised Campaign?

Old videos inciting “sectarian strife,” statements taken out of context attacking Christians, scenes of heavy weaponry clashes in other countries, fabricated stories of fictitious detainees, and a huge amount of fake news that accompanied the fall of Bashar al-Assad’s regime: Is it the natural chaos of transition or a systematic campaign?

Farhat Khedr
Farhat Khedr Published on: 11 Mar, 2025