"الصّمت هو الموت، الكلام هو الحياة، أما الكتابة هي إكسِير العيش"، تختزل هذه المقولة ثلاثَ محطات نتوقّف عندها لتسليط الضوء على الممارسة الإعلامية في الجزائر، بشكلها المتنوّع ما بين المكتوب والمسموع والمرئي والإلكتروني، وبمضامينها بين الحكومي (العمومي) والخاص (المستقلّ ماليا عن الدّولة).
يمكن الحديث عن المشهد الإعلامي الجزائري الحالي بالعودة قليلا إلى الوراء، بين حقبتين: الأولى أحادية الفكرة، اتسمت فيها الممارسة الصحفية بالخطاب الرسمي والرسالة الأحادية الاتجاه، والثانية حِقبة التعددية الإعلامية بعد بسط التعددية السياسية، إذ استغلت الصحافة المستقلة هامش الحرية في تنويع مخرجاتها.
لم يكن المشهد الإعلامي الحاصل اليوم وليد الصدفة أو الارتِجال، بل هو نتيجة لسِلسلة من التّراكمات وَجَب إلقاء نظرة عليها في فترة من المدّ والجزر، عَبَرت خلالها مراحل من طور التكوين فالولادة ثم طور التّصحيح، لتأتي مرحلة التحوّل ثم التّغيير.
ملامح النَّشأة
قبل الدخول في تفاصيل المشهد الإعلامي الحالي في الجزائر، ينبغي التذكير بأنّه نشأ وترعرع على أرضية معبّأة بتراكمات عميقة، إذ كانت ولادة الإعلام الجزائري بطيئة عقِب الاستقلال بعد استعمار فرنسي عمَّر قرنا وثلاثين سنة (1830-1962). كانت السياسة الجزائرية تجاه الصحافة المكتوبة لا تخضع لخطّة معينة، وكانت في طور البناء والتشكيل بسبب مخلّفات الاستعمار.
قبل ستة عقود من الزمن، وضعت السياسة الجزائرية نصب عينيها تحقيق ثلاثة أهداف: "جزأرة الصحافة الموروثة عن حقبة الاستعمار أي وضعها تحت تصرف الحكومة الجزائرية، وهيمنة الحكومة على النشاط الصحفي، ثم إقامة نظام اشتراكي للصحافة تنخرط أساسا في السياسة العامة للجزائر، حتى استوت الصحافة وقتذاك أداة من أدوات الدولة.
إلى غاية 1972، ظلّت الصحف الجزائرية تتقدم بخطوات متأنية، إلى غاية مرحلة التّصحيح التي وُسِمت، وقتها، بموجة التّعريب في جميع الإدارات ومنها الإعلام، ولعبت دور الدعاية للترويج لمشاريع التنمية الحكومية.
وحتى العام 1982، صدر أول قانون سَنَّ لوائح لتسيير عمل الصحفيين وتنويع الصحافة وإصدار صحف جهوية وأخرى متخصّصة، حافظت على نوعها الحكومية من حيث الملكيّة.
ومثّلت هذه المرحلة مرآة تعكِس بداية نُضج الإعلام الجزائري، أسهم في ذلك توق المجتمع الجزائري إلى المطالبة بحريّات التّعبير تزامنًا مع أحداث 5 تشرين الثاني/أكتوبر 1988، بوصفها احتجاجات طالبت بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ونقلت الجزائر من حكم الحزب الواحد، وهو "جبهة التحرير الوطني"، إلى التعددية السياسية والإعلامية، بعد إقرار أول دستور تعددي، في 23 شباط/فبراير 1989، الذي فتَح الباب واسعا أمام جملة من الحريات العامة، كحرية الرأي والتعبير، والقواعد المحدّدة لممارسة حقّ الإعلام.
المحطة الأولى: الصّمت والموت
انعكست هذه التغييرات على أداء المهنيين وأحدثت تحولات عميقة على مستوى الخريطة الإعلامية، غير أن السياسة حرمت الصحفيين من تذوق طعم حرية التعبير، في بدايات تسعينيات القرن الماضي.
بعد سنتين من القطيعة مع فترة الأحادية الفكرية، دخلت الصحافة دوامة الاغتيالات في مرحلة عُرفت إعلاميا بـ "العشرية السوداء". أحصت الجزائر في تل الفترة اغتيال 120 صحفيا، أبرزهم الكاتب الصحفي الطاهر جاووت في الثاني من حزيران/يونيو 1993، بعد أن تعرض لمحاولة اغتيال في 26 أيار/مايو من العام نفسه، وهو صاحب المقولة التي ما زالت ليومنا هذا معبرا عن موقف العديد من الصحفيين: "إذا تكلّمتَ تموت، وإذا سكتَّ تموت، إذن تكلّم ومُت".
في الفترة ما بين 1990-1999، شهدت حرية التعبير قفزة نوعية. استفاد الجهاز التحريري في المؤسّسات الصحفية القائمة وقتذاك من تسهيلات منحتها السلطة القائمة، تزامنت مع التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها الجزائر، في فضاء لم يسبِق للجزائر أن خَبرته منذ الاستقلال سنة 1962.
ما ميّز هذه الحقبة، تأزم الأوضاع الأمنية، إذ تأثّر المحيط العام الإعلامي بما يحدث في أعلى هرم الدولة، بداية من قرار إلغاء الدّور الثّاني من الانتخابات التّشريعية بعد فوز حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ (المنحلّة)، ثم استقالة الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد (1979-1992) من منصبه في 11 كانون الثاني/يناير 1992. وبعدها، تأسيس المجلس الأعلى للدولة الذي حلّ محلّ الرئيس ومارس سلطاته، وإعلان حالة الطوارئ في 9 شباط/فبراير 1992، ثم حادثة اغتيال الرئيس محمد بوضياف في 29 حزيران/يونيو 1992.
المحطة الثانية: الكلام هو الحياة
كلّ العوامل والأحداث السابقة انعكست سلبا على قطاع الإعلام وقتذاك، وأحكمت السلطة قبضتها على الصحف، ونجم عن ذلك اعتقال صحفيين ووقف بعض الصحف عن الصدور. هكذا تراجعت الحريات العامة وحرية التعبير، وارتفع منسوب الرّقابة الصحفية والمتابعات القضائية لكلّ من يطرح قضية ذات علاقة بالنظام الحاكم، أو بقضية تحرّك الرأي لارتباطها الوثيق بالتدهور الأمني في الجزائر، وهو ما أثّر سلبا على وجود الصحافة في هذه الفترة وما بعدها وعلى طرق اشتغالها.
بلغت هذه الأزمة أوجها سنة 2001 مع صعود عبد العزيز بوتفليقة إلى سدّة الحكم (1999-2019)، حيث أقدم على تعديل قانون العقوبات، الصادر بتاريخ 26 حزيران/ يونيو 2001 الذي نجم عنه غلق صحف بسبب ضغط السلطة. في غضون ذلك توقفت 21 صحيفة عن الصدور، كما لوحِقَ بعد هذه الفترة العديد من الصحفيين قضائيا، وزُجّ بهم في السّجونِ، ووقفوا خلالها أمام مقصلة الدولة.
المحطة الثالثة: إصلاحات الاستمرارية
المتأمّل لما سبق طرحه، يستشف أن السياسة الإعلامية الجزائرية شهدت عدّة إصلاحات، وقد أسهمت التعددية المنبثِقة من دستور 1989 في تبنّي توجهٍ جديد اتسم بالإيجابية في تفاعله مع حاجات المجتمع الجزائري، المتمثلة في مزيد من الحريات.
كانت سنة 2012 مُحمَّلة بجملة من الإصلاحات، حيث تمّ الإعلانُ عن الإصلاح المتعلّق بقانون السلطات المحليّة والانتخابات والإعلام، وما يناط بالأنشطة الإعلامية السمعية البصرية.
لقد عرف المشهد الإعلامي عدّة إصلاحات، ومُنِح الحقُّ لتأسيس قنوات خاصة، إضافة إلى وضع قانون جديد للإعلام صدر 2012، تمكنت الصحافة وفقه من تجنب قوانين العقوبات، باستثناء عقوبة الغرامة المالية، وهذا مدعاة للتوازن بين حرية الصحافة وحماية الحقوق والحريات وقيم الديمقراطية، وإنشاء ما يعرف بسلطة الصحافة المكتوبة، تضطلع بدور تشجيع التعددية الإعلامية وتجويد رسائلها.
ثنائية متحرِّكة
يعتقد مهنيو القطاع أن الإعلام بنوعيه (العمومي والخاص) قطَعَ شوطا كبيرا، منذ التعددية السياسية والإعلامية، لكنه ظل يترنّح بين ممارسة الحرية في تغطية الأحداث، والإفلات من رقابة السلطة، وبين الدعاية للأخيرة.
ويتضح هذا المعطى من خلال ظروف سياسية عرفتها الجزائر منذ الحَراك الشعبي (22شباط/فبراير 2019)، وخطوات التقدم في بدايات الاحتجاجات في الشارع الجزائري، ثم العودة لكبح جماح حرية التعبير، بالتضييق على النشطاء السياسيين والإعلاميين أيضا.
في الشارع أصوات رافضة للأوضاع، تطالب بتنحِّي منظومة سياسية عمِّرت عقدين من الزمن، بينما الإعلام يخوض معركة الحفاظ على المكتسبات التي استمرت لثلاثة عقود، دوره اليوم مهم في البناء الديمقراطي التي تنشده السّلطة السياسية الحالية في العَلَن، في جدلية ثنائية، تتطلّب فتح المجال لمساحة أوسع للحريات، وتقييد السلطة الرابعة في السرّ. صراع بينهما مستمرّ لتحقيق مطالب التّغيير.
مسالك شاقّة نحو الحرية
لم تتوفر للإعلام في الجزائر -في كل مرحلة أو تطور- البيئةُ الضرورية للنشوء والتشكّل، إذ لم تكن ولادة الصحافة المستقلة في تسعينيات القرن الماضي ولادة طبيعية. وجاءت في ظروف ملتبسة سياسيا، ودون أن تتوفر الأسس والبيئة القانونية والأدوات التي تسمح، أولا، ببروز صحافة مستقلة حقيقية، كما حدث الأمر نفسه في المجال السمعي البصري؛ إذ برزت القنوات التلفزيونية وما زالت، تحت طائلة غموض قانوني تعاني منه حتى الآن، وينطبق الأمر ثانيا على الإعلام الإلكتروني الذي لم تكتمل بيئته القانونية بعد.
لم يكن المشهد الإعلامي اليوم وليد الصدفة أو الارتِجال، بل هو نتيجة لسِلسلة من التّراكمات وَجَب إلقاء نظرة عليها في فترة من المدّ والجزر، عَبَرت خلالها مراحل من طور التكوين فالولادة ثم طور التّصحيح، لتأتي مرحلة التحوّل ثم التّغيير.
عقب ثلاثين عاماً من التعددية الإعلامية، يفترض اليوم طرح عدّة أسئلة تتّصل بمحتوى الإعلام، وثانيا بيئته التشريعية والقانونية، وثالثا بالظروف التي يعمل فيها الصحفيون وسط التطوّر التكنولوجي الحاصل وبروز الصحافة الرقمية كمنافِسة شرسة رغم أنها ما زالت تسيرها الفوضى في الجزائر، أما السؤال الرابع يتعلّق أساسا بعلاقته بالسّلطة.
هذه الأسئلة، يرى فيها الإعلاميون في الجزائر تحديات كبرى تمارَس فيها المهنة، في جو من الضبابية، إذ يحكمه؛ تارةً اقترابه من السلطة والتماهي مع خطاباتها، وتارة أخرى ابتعاده عنها والالتفات لمتطلبات المواطن.
يرى المدير التنفيذي لشبكة "أخبار الوطن" رياض هويلي أن "أكبر تحديات الإعلام في الجزائر هي "فوضى التشريع"، أي أننا أمام ترسانة قانونية لم تطبّق إطلاقا، مما فتح الباب لغير المتمكّنين من الولوج إلى المهنة والعبث فيها"، كما نبّه هويلي الذي يشغل منصب المنسق العام لنقابة ناشري الإعلام في الجزائر (حديثة النشأة) إلى غياب الشفافية في التمويل والتسيير، سيما في ظل احتكار الحكومة لسوق الإشهار (الإعلان) الذي تحول من عملية تجارية الى أداة سياسية للتحكم في افتتاحيات المؤسسات الإعلامية.
هشاشة الوضع
الظاهر اليوم أن الإعلام الجزائري ورث كومة هائلة من ترسبات تأزم الأوضاع الأمنية الناجمة عن فترة العشرية السوداء (1991-2000)، حيث تأثّر المحيط العام الإعلامي بما حدث، في مقابل تحكّم السلطة في الصحف الخاصة لفترة طويلة، وصولاً إلى ما عرف بـ "الربيع العربي" الذي أطاح بعدد من الأنظمة السياسية، وازدادت مطالب الحريات. وقد استفاد الإعلام الجزائري آنذاك من بروز قنوات تلفزيونية خاصة، على الرغم من أن ولادتها بقيت "عرجاء" حتى الآن.
يقول الصحفي عثمان لحياني: "إن مشكلة الصحافة الجزائرية تعود إلى غياب رؤية واضحة للواقع، كما أنها تأتي نتيجة العلاقة المشوشة بين السلطة والمؤسسة الإعلامية".
وإلى جانب ذلك، يمكن الإشارة إلى غياب المؤسسات التعديلية، والضابطة للممارسة الإعلامية، كالمجلس الأعلى للإعلام، وهشاشة التركيبة، وصلاحيات سلطة ضبط السمعي البصري، وهذه المؤسسات كفيلة بتصحيح بعض الاختلالات الناجمة عن الممارسة دون الحاجة إلى الضوابط الردعية الأخرى.
عمليا، وإضافة إلى عطب النصوص التشريعية، التي لم يُستكمَل صدورها حتى الآن، فإن أكبر مشكلات الإعلام في الجزائر هو افتقاره إلى وسائل الإنتاج. في المرحلة السابقة كانت السلطة تستخدم المطابع والإشهار (الإعلان) ومسالك التوزيع كأدوات ضغط على الصحف والمنشورات الإعلامية، بحيث يمكن إيقاف صدورها في أي وقت تراه السلطة ضرورة تأديبية.
في الحالة الراهنة، ومع بروز القنوات ووسائط الإعلام الإلكتروني، فضلت السلطة بعد مرور أكثر من ثماني سنوات من فتح السمعي البصري، تعطيل التسوية القانونية لهذه الوسائط، والاستمرار في مراقبة والتحكم في مسالك الإشهار.
ومن هذا المنطلق، تعتقد الصحفية إيمان عويمر، أن أكبر التحديات التي يواجهها الإعلام الجزائري هي تقنين السمعي البصري الخاص، فالقنوات التلفزيونية لا تزال عبارة عن مكاتب أجنبية، بالإضافة إلى التضييق في القانون الجديد المؤطر للصحافة الإلكترونية.
كما تقلّص هامش الحريات بشكل رهيب، تضيف عويمر، بل وباتت نظرة السلطة للصحفيين سلبية، لافتة إلى أن وضع صحفيين تحت الرقابة القضائية لقرابة عام بسبب مقال عن فيروس كوفيد-19 يعتبر مشكلة حقيقية، لأن عامل التّضييق أثّر على نفسية الصحفيين وقلّص من مساحة الاجتهاد في تقديم مادة إعلامية دسمة من شأنها أن تهتم بشؤون الشأن العام وتهمّ المتلقّي وتجذبه، كما من شأنه التأثير على صورة البلد.
خطوات إلى الوراء
الملفِت للانتباه، أن الإعلام بعد الحراك الشعبي (22 شباط/فبراير 2019)، أصبح في نظر الإعلاميين مشتّتا وفاقدا للبوصلة، وهي الحالة التي كان عليها في غالب الأحيان. لكن مصداقيته تراجعت ولم يعد مقنعا للجمهور، بسبب توقفه عن تغطية مسيرات الحراك؛ والحديث هنا -بالتحديد- عن القنوات التلفزيونية الخاصة؛ لأن المواقع الإخبارية ظلت تقوم بمهامها إلى غاية تعليق الحراك بسبب الأزمة الصحية.
مهنيو القطاع في الجزائر يعيشون لحظات الخيبة وعدم الرّضا، في وسط إعلامي باتت تشوبه السّطحية، دون التمكّن من فتح نقاشات سياسية جادة. كما لا تزال موضوعات مسكوت عنها مركونة في خانة الممنوع (التابوهات)، مثل صحة الرئيس التي كانت ملفّا يمنع الخوض فيه في فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (1999-2019). زد على ذلك، غياب المعلومة، وانتشار المعلومات المزيفة؛ ما فسح المجال واسعا لترويج الإشاعات وتناولها أحيانا كأنها "أخبار يلفّها القليل من المصداقية والكثير من التوجيه".
المتتبِّعُ للممارسة الإعلامية في الجزائر منذ الحراك الشعبي، يألف عدم استفادته من الغليان في الشارع الجزائري، بحسب الكاتب الصحفي نجيب بلحيمر، إذ "لم تتعامل وسائل الإعلام مع الحراك باعتباره فرصة لتوسيع هوامش الحريات". أضف إلى ذلك أن الصحفيين عجزوا عن مواكبة هذا الحدث التاريخي. وباستثناء بعض التحركات غير المنظمة والتي طُبعت بالطابع الفردي، خلال الأسبوعين الأولين، لم يفعل الصحفيون شيئا من أجل الاستفادة من ضغط الشارع الذي كان يرفع مطلب تحرير وسائل الإعلام ضمن مطالبه الرئيسية منذ بداية المظاهرات التي استمرت 53 أسبوعا.
يفسّر بلحيمر هذا الوضع بأنه "ناتج عن غياب أي تنظيم لمهنة الصحافة، وعدم وجود نقابات تمثيلية، بالإضافة إلى سيطرة السلطة على وسائل الإعلام العمومية والخاصة سواء من خلال الضغط وباحتكار الإعلانات". كما يشير بلحيمر إلى علاقة مُلّاك وسائل الإعلام بدوائر السلطة وحرصهم على مصالحهم المرتبطة بالاستفادة من عوائد الإشهار والامتيازات الأخرى التي تمنحها لهم السلطة.
تنوع مبلقن
بعد أكثر من ثماني سنوات على ظهور القنوات الخاصة في الجزائر، ما زالت القواعد المعتمدة في تنظيم هذا الحقل غير معروفة، إذ تنشط 37 قناة تلفزيونية خارج الأطر القانونية ودون ترخيص من وزارة الاتصال، بينما يتم التعامل مع خمس قنوات معترف بها كمكاتب أجنبية تنشط في الجزائر.
لم يحدث أي تقدم في التشريعات الإعلامية وعلى مستوى تنظيم مهنة الصحافة وضمان حرية وسائل الإعلام، بل إن آخر قانون صدر على شكل مرسوم تنفيذي ينظم قطاع الصحافة الإلكترونية اعتبره العاملون في القطاع أشبهَ بمجموعة عوائق قانونية جاءت لتمنع بروز صحافة إلكترونية حرة وخارجة عن سيطرة السلطة.
إلى هنا، نكون قد بسطنا المسألة من وجهة نظر ممارسي المهنة، غير أن الحديث عن الواقع الإعلامي في الجزائر اليوم، يُعرّي نوعية المناخ الحالي، إذ يتّسم بـ "الجمود والركود" رغم بصيص الأمل لتحسين ظروف المهنة.
ويُلاحظ محمد تليلي، أستاذ الإعلام بكلية الصحافة بجامعة وهران غربي العاصمة الجزائرية، أن هناك تمايزا بين الإعلام العمومي والخصوصي في الجزائر من حيث المخرجات الإعلامية، إذ "يكتفي الأول بالخطابات الرسمية بما يمليه الخط التحريري، بينما يحاول الثاني القفز على هذه الخطوط الرسمية متجاوزا موقف السلطة".
وبناءً على ذلك، فالمشهد الإعلامي حسب تليلي محكوم بالتحوّلات الحاصلة في الواقع السياسي والاجتماعي، وطرق اشتغال الإعلاميين وتتبعهم لهذه التحولات، وذلك محكوم أيضا بالتطورات التي تشهدها وسائل الإعلام التي تطوّر بدورها آليات العمل اليومي، وتغيير منظارها للأحداث، مستفيدة من التجارب السابقة.
الإعلام في الجزائر لا يزال يتلمس خطواته الأولى نحو الحرية. وإذا كان الحراك قد أتاح الفرصة من أجل رفع مطلب تحريره بشكل نهائي، فإن الصحفيين في الجزائر، والوضع السياسي المعقد، جعل عملية التحرير شاقة وبعيدة المنال.