الصحفية إرين هاينز وسؤال التنوّع والشمول في غرف الأخبار

الصحفية إرين هاينز وسؤال التنوّع والشمول في غرف الأخبار

إرين هاينز، رئيسة التحرير في موقع "ذا ناينتينث"، وهي منصة إخبارية غير ربحية تغطي شؤونا تتقاطع فيها قضايا المرأة والسياسة. أُطلِقَ الموقع أثناء انتشار جائحة كوفيد-19 وفي أوج الاستعدادات لاستحقاقات رئاسية في الولايات المتحدة في آب/أغسطس 2020، أما الاسم الذي اختير لهذا الموقع غير المتحيّز لطَيْف سياسي معيّن، فيشير إلى "التعديل رقم 19" في الدستور الأمريكي، والذي منح النساء البيض في أمريكا حق التصويت، أما النجمة في شعار الموقع فتشير إلى حالة الاستثناء، وهنّ النساء السود، وجميع النساء اللواتي حُرِمن من الإدلاء بأصواتهن، وما يزلن حتى اليوم يواجهن تحديات تحول دون أن يكون صوتهنّ مؤثرا. 

كتبت هاينز قبل الانضمام إلى الموقع والمساهمة في تأسيسه في مواضيع تتعلق بالعرق والإثنية على المستوى الوطني في الولايات المتحدة، لصالح الأسوشيتد برس، وقد قررت أن تكون جزءا من الموقع الجديد، ليس فقط من باب تأثرها برؤية الرئيسة التنفيذية إيميلي رامشو حول ضرورة أن تكون ثمة تغطية لشؤون النساء من قبل النساء، ولكن أيضا من أجل المساهمة في تطوير هذه الرؤية والثقافة وتعزيزهما، وهو أمر بدا ملحًّا للغاية في تلك الفترة الحرجة في البلاد وفي المشهد الإعلامي فيها. تقول هاينز: "نحن نسعى هنا إلى بناء ثقافة "جديدة" لا إلى إصلاح ثقافة تعاني من المشاكل، خاصة في تلك اللحظة من الاستحقاق الوطني. لقد كان لذلك أثر على العديد من غرف الأخبار في الولايات المتحدة، والتي تعدّ واحدة من مؤسسات هذه البلاد، وهي ليست بمنأى بطبيعة الحال عن هذا الجدل الدائر". 

عملت هاينز أيضا لصالح "إم سي إن بي سي" و"واشنطن بوست" و"لوس أنجلوس تايمز" و"ذا أورلاندو سينتينل"، وقد أسهمت في تسليط الضوء على قضية "بريونا تايلور"، متمكنة من الحديث مع أسرتها ضمن تغطية موقع "ذا ناينتينث" للقصّة، ونُشِرَت بشكل مشترك مع الواشنطن بوست. في هذا الحوار الذي أجراه الزملاء من نيمان ريبورتس حديثٌ عن هذه القضايا والموضوعات وغيرها. 

 

عن أسباب الانضمام إلى "ذا ناينتينث"

قبل عام ونصف، كنتُ أتابع الحملات الانتخابية الرئاسية، وشعرتُ بالإحباط حيال الطريقة التي جرت بها النقاشات حول الجندر والعرق، وبدا لي وكأننا لم نتعلم شيئا من انتخابات العام 2016 فيما يخص السرديات التي سادت عند الحديث عن أهمية هذه الجولة من الانتخابات، وتأثيرها في حالة البلاد ومستقبلها. مديرتي الآن، إيميلي رامشو، هي التي بادرت بالتواصل معي دون ترتيب مسبق، ولم أكن أعرفها حينئذ. 

أخبرتني برؤيتها بشأن إطلاق موقع إخباري، وقد أعجبتني الفكرة بالطبع، إلا أنني أخبرتها بأنني أرحب بالتعاون، في حال توفر المال لمثل هذا المشروع. فما كان من إيميلي إلا أن أخذت كلامي على محمل التحدي، فجمعت المال، ثم عادت إلي لاحقا، وقالت: "هيّا إذن، هلمّي إلينا ولنبدأ العمل". 

لطالما رغبت في أن أحظى بفرصة للعمل مع الأسوشيتد برس للعمل كاتبةً مختصة بالشأن المحلي في قضايا العرق، وقد حلمت بذلك منذ أن كنتُ متدربة معهم قبل وقت طويل. لكني قررتُ أخيرا أن أترك الأسوشيتد برس، وأبدأ في هذا المشروع الجديد؛ ذلك لأني شعرت بأن بقائي هناك لن يسهم بشكل منهجي في إحداث تغيير على بعض القضايا الجوهرية في التغطية الصحفية السياسية، وشعرت أن الطريقة الأنسب ستكون عبر البدء من جديد. وكذلك كان، فأطلقنا الموقع في كانون الثاني/يناير، قبل أسبوع من انتخابات مجالس أيوا. وبطبيعة الحال، لو كنت مراسلة تغطي الأخبار السياسية، فإن تغطية الانتخابات الرئاسية ستكون أشبه بتغطية مبارة "السوبر بول"، بل وأكثر من ذلك، بالنظر لطبيعة الاستقطاب الحاصل فيها، ما جعلني أشعر بأنها أكثر انتخابات مصيرية أقوم بتغطيتها. 

وُجودي في الميدان متنقلة من ولاية إلى أخرى لتغطية الحملات الانتخابية، من أيوا إلى نيوهامبيشير إلى ساوث كارولينا، وأنا أحمل بطاقة "ذا ناينتينث"، وشعوري بأن الكثيرين مثلي يشاركونني ذلك الشعور بمصيرية ما يجري، جعلني أدرك أننا قد انطلقنا في الوقت المناسب، وأن الموقع قد مثل حاجة ماسة في هذه المرحلة. 

 

قصّة اسم الموقع؟ 

انطلق موقع "ذا ناينتينث*" في الذكرى المئوية لمنح النساء في الولايات المتحدة الحق في الاقتراع، وهو ما احتفينا به، لكن بتلك النجمة. كان لدينا عِلْم قبل الانتهاء من تجهيز المشروع بأن إميلي ترغب في أن يكون هذا هو الاسم الذي يحمله، لكنها في الآن ذاته كانت مترددة؛ لعلمها بأن مجموعة من النساء بقين محرومات من هذا الحق وقت إقرار القانون. 

اقترحتُ من جهتي أن نستخدم النجمة للإشارة إلى هذه الحقيقة، والتذكير بالنساء السود، واللواتي تمت التضحية بحقوقهن؛ إذ حصلت المرأة البيضاء على الحق بالتصويت على حساب السوداء. وقد وافق الجميع على الاقتراح. 

لذلك؛ نحن نتعاطى مع هذا التقاطع بين العرق والسياسة والجندر، ونعتبر أننا غرفة أخبار تقاطعية إلى حد كبير، تنظر في الروابط مع المجموعات المهمشة الأخرى وتستمع إليها. 

لدينا كذلك قناعة بأن جميع القضايا هي قضايا النساء، وأننا نمثّل غالبية الناخبين، وأنه لا يمكن النظر إلينا وكأننا مجرد فئة ذات اهتمامات خاصة، وهذا ما سعينا إلى التأكيد عليه والتصرف وفقه في الأشهر التسعة الأولى من عمر الموقع. 

ثم حلّت الجائحة، والتي وفرت لنا في واقع الأمر عدسة إضافية في تغطيتنا تكشف عن حالة اللامساواة القائمة، ولا سيما فيما يخص النساء والملونين وغيرهم من الفئات المهمشة في المجتمع. 

وحين صارت الحملات والمهرجانات الانتخابية افتراضية بالكامل، تساءل الكثير من الصحفيين السياسيين عمّا يجب عليهم فعله في تلك الحالة. 

كيف غطى الموقع قصة بريونا تايلور

تصاعد الاهتمام بقضية بريونا تايلور بالتزامن مع قضية أحمد أربيري؛ إذ انتشر هاشتاغ (#Runningwithahmaud)، والذي حصد زخما وتفاعلا كبيرين على وسائل التواصل الاجتماعي. المحامي بين كرامب (محام أمريكي متخصص في قضايا الحقوق المدنية)، والذي تربطني به معرفة وثيقة منذ فترة طويلة تعود إلى وقت حادثة مقتل ترايفون مارتن، اتصل بي قائلا: "هناك قضية أخرى مروّعة وبالكاد التفت إليها أحد، وأريد مساعدتك في ذلك". 

أخبرني بقصة بريونا تايلور، وكانت تفاصيلها مرعبة حقا، وقال لي إنها قُتِلَت في مارس؛ أي قبل شهرين من حديثه معي على الهاتف. فقلت له: "كيف يمكن أن ينقضي شهران، دون أن يسمع أحد عن ذلك، خاصّة أنها موظفة في المستشفى، تعمل فنيّة في قسم الطوارئ؟!".

فأوضح لي أن أحدا لم يكتب عن قصتها على المستوى الوطني، و"أن أمها وأختها تشعران بالإحباط بسبب ذلك، وأنهما ترغبان في الحديث وتسليط الضوء على تفاصيل ما جرى، وأعتقد أنهما بحاجة للحديث معك". 

رحّبتُ بالفكرة، وأخبرته أنني مستعدّة لذلك وقلتُ له: "سنفعل ذلك؛ لأنه يلزم أن نكتب عن قصتها. كيف يمكن أن ينتشر هاشتاغ عن مقتل أحمد، ويتفاعل الجميع مع قصته، على حساب قصة بريونا تايلور؟! هذا لا يعني أن قصة أحمد لا تستحق الاهتمام بها، لكن لا بد من الاهتمام بقدر مماثل بقصة تايلور".

لم يطل الحوار بيننا. وحين أخبرتُ الزملاء بالأمر، لم ير أي منهم أن القصة مناسبة بشكل مباشر للموقع. لكن هذا هو السر في النجمة (*) التي ألحقناها بالشعار، والتي تعبّر عنا وعن اختلافاتنا، وهكذا يصبح السؤال عن النجمة وسبب وجودها معادلًا للسؤال عن معنى "ذا ناينتينث"، وكيف يمكن لقصة مثل قصة تايلور أن تكون قصة تستحق أن تُنشَر على الموقع؟ 

فالنجمة بالنسبة إلي كانت تشير إلى أن "الجندر" هو أحد تلك المتغيرات التي تفسّر ضعف الاهتمام بقصة تايلور، بالإضافة طبعا إلى عدم وجود مقاطع فيديو ولا صور توضح ما حصل معها. 

صحيح أن مقاطع الفيديو تضمَنُ عادة توليد قدر أعلى من الاهتمام والتفاعل؛ لما تمثله من أدلة تزيد من مصداقية القصّة وتأثيرها، وأنها تحدث بالفعل. لكن في قصة تايلور، اجتمع كونها امرأة، مع حقيقة أنها سوداء، وأن قصتها لم تحصد أي تفاعل معها بسبب عدم توفر ما يوثّق الجريمة التي وقعت عليها. وهذا كلّه أقنعني بضرورة تناول قصتها، وهو ما حصل في نهاية المطاف، وترتّب عليه زيادة الاهتمام بقصة تايلور وتصدرها في وسوم رواد وسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة. 

حصل التقرير الذي نشرناه في الموقع حول القصّة، بصفته أول تقرير يُكتَب عمّا حدث مع تايلور في الصحافة الوطنية، كان على قدر كبير من التفاعل والانتباه بين كثير من الناس؛ فراج الحديث عمّا حدث، وتزايد الفضول بشأن تلك الفتاة. وكل ذلك كان متسقا مع مهمتنا في الموقع، وبدا ما فعلناه ذا أهميّة وأثر. ولا يمكن بالطبع هنا إنكار أن القصّة الصحفية برمّتها أتت بالأساس ثمرةً لبناء المصادر لدى الصحفي، وهو ما تسنى لي القيام به عبر فترة طويلة من العمل في الميدان. 

 

تغطية العنصرية 

كانت مشاركة باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية هي ما جعل محرر الأخبار أكثر حساسية لموضوع العرق في التغطية الإخبارية، وأنه محرِّك قد يثير الاهتمام بالمحتوى الذي يقدمونه لقرائهم. إلا أنهم أساؤوا التقدير، حين صدّق بعضهم أسطورة "ما بعد العنصرية"، وأن انتخاب أوباما رئيسا للولايات المتحدة يدلّ على نهاية هذه المسألة أمريكيا. لكنّنا في الواقع نعرف تماما الآن، أن ما حصل مع أوباما قد أطلق موجة من الوعي بمعضلة جوهرية مسكوت عنها منذ وقت طويل، حتى قبل الانتخابات. 

وحتى قبل أن أتولى بشكل رسمي مهامي بصفتي كاتبة عن الشؤون العِرْقية على المستوى الوطني في الولايات المتحدة مع الأسوشيتد برس، تشكّل لدي اعتقاد بأن العرق مسألة غير محسومة بعد في هذه التجربة الديمقراطية، وأنها سمة أساسية للحياة الأمريكية، وعصب مركزي في العمل الصحفي؛ لأنها تكاد تمسّ كل جوانب الحياة. ومع ذلك لم أشعر أن تلك التغطية ستصنّفني في خانة معينة، أو أنّها ستؤثر على مسيرتي المهنية سلبا بشكل أو بآخر. 

أما الآن، فأشعر في عملي كصحفية سياسية، بأنه من الأسهل تعلم تغطية الشأن السياسي مقارنة بتغطية قضايا العنصرية، وهذا أمر يمكن ملاحظته أثناء متابعة التغطية السياسية؛ فمعظم هؤلاء الناس ليست لديهم أي فكرة عما يجب عليهم النظر إليه عند التعامل مع سؤال العرق وتمظهراته في القضايا السياسية، برغم مركزية هذه القصّة في الوقت الحاضر. 

إلا أني لم أتردد يوما في تبني زاوية النظر هذه، وربما يعود ذلك إلى الدافع الذي جعلني أختار هذا العمل في الصحافة في المقام الأول؛ فقد بدأت مسيرتي في أطلنطا، مع مجلة "أطلنطا ديلي وورلد" الأسبوعية، وكنت ما أزال حينئذ طالبة في الجامعة، أبحث عن فرصة لاكتساب خبرة عملية. توجهت إلى المجلة وقلت لهم إنني قادرة على المساعدة، فوافقوا مباشرة وقالوا لي: "هل يمكن أن تبدئي اليوم؟" وافقت بالطبع، وتعلمت في ذلك العام الذي قضيته هناك أن قصصنا كانت مهمّة. 

إن الكتابة عن السود تتمثل في تناول شؤونهم العامة في نطاق واسع من القضايا، وليس مجرد تناول أخبار الحوادث المأساوية أو تسليط الضوء على ما هو سلبي وحسب، بل معالجة مختلف شؤون حياتهم. وتصدُّرُ قصصهم الصفحة الأولى في تلك الصحيفة، علَّمني بأن قصصنا لها أهمية وذات معنى، وأن تناولها ومعالجتها صحفيا لا يحتاج تسويغا استثنائيا. 

هذا كان ديدني طوال مسيرتي المهنية، وقد حصدتُ فائدة كبيرة من وراء ذلك. ثم بعد سنوات عديدة، حظيتُ بهذه الفرصة لأكون ضمن فريق "ذا ناينتينث"، وأتيحت لي للمرة الأولى ترف التفكير في الجندر بنفس الطريقة التي أفكر بها بالعرق. 

حين نتحدث عن النسوية، وكيف أنها نطاق اهتمام وانشغال النساء البيض، فإن ذلك عائد إلى أنهنّ (أي النساء البيض) لا ينشغلن بالتفكير بمسألة العرق كثيرا؛ فينصَبّ تركيزهن على مسألة الجندر، إلى حدّ أن تصبح عدسة ثقيلة لرؤية الأشياء من خلالها. 

أما بالنسبة لي، فقد أمضيتُ حيزا كبيرا من حياتي وعملي وأنا أحاول التفكير بمعنى أن تكون أسود في أمريكا، إلا أن الأمر تضاعف الآن، بإضافة مسألة الجندر، ومعنى أن تكوني امرأة في أمريكا، ثم الورطة الكبرى، بأن تكوني امرأة سوداء في أمريكا! 

 

أهمية التمثيل الشمولي في غرفة الأخبار 

التجربة في العمل مع "ذا ناينتينث" وبناء هذا الموقع رسّخت لديّ مدى أهمية التمثيل؛ حيث كنا بفضل الوعي بهذا المعيار قادرين على خلق فِرَق عملٍ أكثر تنوعا من الصحفيين السياسيين مقارنة بمعظم المشاريع الأخرى. ولم تمض تسعة شهور على عمر الموقع حتى صار عدد الفريق أكثر من 24 صحفيا وصحفية، بعد أن بدأنا بفريق صغير من تسعة أفراد فقط. 

كما توسعنا بشكل خاص خلال فترة الجائحة، وتمكنا من أداء مهامنا بفضل فريق أكثر تنوعا، ويُعدّ النجاح في ذلك دليلا إضافيا على أنه لا شيء يحول دون تحقيق شرط التنوّع في التغطية الصحفية؛ فهؤلاء الأشخاص موجودون من حولنا وبوفرة أيضا، وإمكانية التواصل معهم والوصول إليهم متاحة، ولا يمكن التذرع بأي حجة لتغييب هذا التنوع.

كما أننا كثيرا ما نسمع أشخاصا يقولون إنهم يجدون أنفسهم في هذه التغطية، بمعنى أنهم يجدون تعبيرا عن أنفسهم من خلالها، وإن صوتهم حاضر في الحوارات التي نخوضها والاتجاهات التي نود أن نسلكها، على نحو لم يجدوه في وسائل إعلام أكثر عراقة وأكثر تسيّدًا.  يعني لنا ذلك الكثير؛ لأن هذا أحد أسباب وجودنا، خاصة أن شبكة مراسلينا لا تتركز في واشنطن وحسب، بل تتوزع في مختلف أرجاء البلاد. 

ينعكس هذا التنوع إيجابا على وجهة النظر في عملنا الصحفي، وأعتقد أن جزءا من ذلك يتعلق كذلك بمعرفة القيمة في تجارب الناس وتقدير أهميتها للصحفي. 

 

أفكار حول التمويل 

بالنسبة لنماذج التمويل، فإننا في "ذا ناينتينث" نؤمن بنموذج العمل غير الربحي بالنسبة لغرف الأخبار، ونشعر أن هذا هو المستقبل. لقد منحنا ذلك بعض المرونة والقدرة على التأقلم السريع وتطوير قدرتنا على استغلال الدعم المالي المتوفر لصالح غرفة الأخبار. 

تجاوزنا التوقعات فيما يخص الدعم الذي تمكنا من تحصيله من عدد من الجهات الخاصة والخيرية، إضافة إلى التبرعات السخية الصغيرة من بعض الأفراد الذين لديهم إيمان بما نفعل ويرغبون في دعم الصحافة التي نمارسها. وقد كنا واضحين منذ البداية بأن عملنا الصحفي متاح للجميع مجانا للراغبين بقراءته أو بإعادة نشره. 

إلا أن هذا لا يمكن أن يحصل من دون دعم من شبكة من الممولين الذين حرصنا على التواصل معهم منذ اليوم الأول، كما أنّه لدينا دعم من بعض الشركات، إلا أنه ليس مصدر تمويل رئيسا يمكن الاكتفاء به. ولم يكن التمويل ليكون بهذه الوفرة لولا الظروف التي فرضتها الجائحة. 

 

حول ممارسة التنوع والمساواة والشمول 

عرفنا مبكرا الوصفة اللازمة من أجل تعزيز التنوّع في التغطية وفي غرف الأخبار. وقد أوضحت لجنة كيرنر جميع ما يلزم في هذا الصدد، وعلينا أن نعيد الاهتمام بتلك الوثيقة من جديد، ونلتزم بالتوصيات التي اشتملت عليها، وهي نقطة انطلاقة مهمّة لكل معنيّ بمسألة التنوّع. 

العنصر الأساسي هنا هو وجود الرغبة والعزم الصادق على تحقيق التنوع. أعتقد في هذا السياق مثلا أن ما تقوم به صحيفة لوس أنجلوس تايمز لافت ويستحق التعلّم منه؛ إذ يبدو أنهم يتعاملون مع المسألة بشكل جدي؛ فمديرة مكتب الصحيفة في واشنطن حاليا هي كيمبريل كيلي، وهي من أصول أفريقية، وهذا أمر في غاية الأهمية. 

كما نشرت الصحيفة مؤخرا سلسلة ضخمة تتناول المسألة العرقية، حيث تحلل الصحيفة أرشيف تغطيتها في السابق ومقاربتها لهذا العمل، إضافة إلى كواليس وثقافة غرف الأخبار فيها، وهذه خطوة بالغة الأهمية في مسيرة الصحيفة، ومن المهم كذلك أن تدرك غرف الأخبار أن هذه مسيرة بالفعل. 

وأودّ أن أنوّه هنا إلى خطورة أن يتسلل إلى الزملاء في هذا المجال ما يمكن أن أصفه بـ "إعياء الوعي العرقي"، حيث يصل الصحفي بعد اهتمام استمر ثلاثة شهور مثلا إلى مرحلة من التعب، يقول عندئذ إن الأمر صعب ولا يمكن تداركه، وإن من المستحيل الاستمرار في هذه المسيرة. إن كنا جادين حقا في معالجة هذا الواقع، فعلينا أن نعترف بأننا جميعنا ما زلنا في بداية رحلة العلاج، وأن الأمر لا يتعلق بنشر تغطية ما في فترة من العام، ثم التعامل مع ذلك بصفته مسوغا للتوقف عن الاهتمام بالأسئلة الصعبة المتعلقة بالتنوع. 

لا بد أن يكون العمل متواصلا على هذه الجبهة وفق التزام عميق وثابت، يبدأ من الاعتراف الصادق بحجم المشكلة، والتواصل مع الفئات المهمشة في غرف الأخبار على مستوى الكوادر والتغطية. فإن لم يكن في فريقك التنوع الكافي، فعليك أن تسأل نفسك عن السبب الذي يمنع من تحقيق ذلك، وما الخطوات التي ستتخذها من أجل تدارك الأمر. 

لا يعني ذلك بالطبع أن نعمد إلى تسريح الزملاء البيض ونفصلهم من العمل. بل المطلوب هو أن تكون صريحا بشأن الالتزام بتوظيف المزيد من الصحفيين والصحفيات من خلفيات متنوعة، وإضافة أشخاص إلى كادر العمل لتعزيز التنوع بما يعكس حقيقة المجتمع الذي نعيش فيه، وهذا هو التحدّي الأساسي. 

كثيرا ما أجد نفسي أقول "علينا أن نتذكر ضرورة إعادة التفكير بالهويّة "البيضاء" ووضعها باستمرار تحت طائلة المساءلة النقدية في هذا العصر. علينا أن نسأل أنفسنا، ما الذي يعنيه أن تكون مواطنا أبيض في أمريكا الآن؟ وأن نعرض الحقائق كاملة فيما يخصّ المسألة. 

وكثيرا ما أتلقى استفسارات من صحفيين بيض يسألونني عمّا إذا كان يجدر بهم تغطية قصص معينة في مجتمعات ملونة، فأقول لهم: إن كنتم مهتمين بمسألة العرق، فلم لا تبدؤون من مجتمعاتكم؟ فثمة الكثير من القصص التي يمكن أن تخرجوا بها لو أردتم تسليط الضوء على هذا الموضوع.

هذا خيار تحريري يلزم غرف الأخبار أن تبدأ بالتفكير به، دون الاقتصار على المجموعات المتطرفة، بل مجمل البيض، ورأيهم في هذه الديمقراطية وكيفية أثرها عليهم وعلى سلوكهم في المجتمع وتعاطيهم مع المختلف فيه. 

 

عن الوصول إلى جميع النساء 

نلتزم في "ذا ناينتينث*" بمحاولة أن نكون صوتا لجميع النساء، من مختلف الأطياف والتوجهات والخلفيات، ولا سيما من نعتقد أنهنّ حريصات على الانخراط الصادق في حوارات بناءة بشأن هذه الديمقراطية. 

ثمة من يتخذون مواقف متطرفة بطبيعة الحال، ولسنا معنيين بهؤلاء؛ لأنه مهما كانت القصص التي نكتبها متنوعة، ومهما حاولنا العناية بالتنوع والشمولية، فإن هذه الفئة من الأشخاص ستبقى عصية على الإقناع والحوار الإيجابي، ونقر بهذا من منطلق واقعيّ. 

ما نؤمن به أننا حريصون، كلّ الحرص، على الوصول إلى جميع من هم خارج لعبة الاستقطاب المتطرف من كلا طرفي الطيف، وهذا الحرص هو ما نشعر بأنه ضائع على المستوى العام، في ديمقراطيتنا، كما هو ضائع في عالم الصحافة. 

 

More Articles

Ethical Dilemmas of Photo Editing in Media: Lessons from Kate Middleton’s Photo Controversy

Photoshop—an intelligent digital tool celebrated for enhancing the visual appearance of photographs—is a double-edged sword. While it has the power to transform and refine images, it also skillfully blurs the line between reality and fiction, challenging the legitimacy of journalistic integrity and the credibility of news media.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 26 Mar, 2024
Monitoring of Journalistic Malpractices in Gaza Coverage

On this page, the editorial team of the Al Jazeera Journalism Review will collect news published by media institutions about the current war on Gaza that involves disinformation, bias, or professional journalistic standards and its code of ethics.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 25 Mar, 2024
Breaking Barriers: The Rise of Citizen Journalists in India's Fight for Media Inclusion

Grassroots journalists from marginalized communities in India, including Dalits and Muslims, are challenging mainstream media narratives and bringing attention to underreported issues through digital outlets like The Mooknayak.

Hanan Zaffa
Hanan Zaffar, Jyoti Thakur Published on: 3 Mar, 2024
Why Journalists are Speaking out Against Western Media Bias in Reporting on Israel-Palestine

Over 1500 journalists from various US news organizations have signed an open letter criticizing the Western media's coverage of Israel's actions against Palestinians. They accuse newsrooms of dehumanizing rhetoric, bias, and the use of inflammatory language that reinforces stereotypes, lack of context, misinformation, biased language, and the focus on certain perspectives while diminishing others. They call for more accurate and critical coverage, the use of well-defined terms like "apartheid" and "ethnic cleansing," and the inclusion of Palestinian voices in reporting.

Belle de Jong journalist
Belle de Jong Published on: 26 Feb, 2024
Silenced Voices and Digital Resilience: The Case of Quds Network

Unrecognized journalists in conflict zones face serious risks to their safety and lack of support. The Quds Network, a Palestinian media outlet, has been targeted and censored, but they continue to report on the ground in Gaza. Recognition and support for independent journalists are crucial.

Yousef Abu Watfe يوسف أبو وطفة
Yousef Abu Watfeh Published on: 21 Feb, 2024
Artificial Intelligence's Potentials and Challenges in the African Media Landscape

How has the proliferation of Artificial Intelligence impacted newsroom operations, job security and regulation in the African media landscape? And how are journalists in Africa adapting to these changes?

Derick M
Derick Matsengarwodzi Published on: 18 Feb, 2024
Media Monopoly in Brazil: How Dominant Media Houses Control the Narrative and Stifle Criticism of Israel

An in-depth analysis exploring the concentration of media ownership in Brazil by large companies, and how this shapes public and political narratives, particularly by suppressing criticism of Israel.

Al Jazeera Logo
Rita Freire & Ahmad Al Zobi Published on: 1 Feb, 2024
The Perils of Unverified News: A Case of Nonexistent Flotillas

Can you hide one thousand ships in the middle of the Mediterranean Sea? I would say not. But some of my fellow journalists seem to believe in magic.  

Ilya
Ilya U Topper Published on: 16 Jan, 2024
In the Courtroom and Beyond: Covering South Africa's Historic Legal Case Against Israel at The Hague

As South Africa takes on Israel at the International Court of Justice, the role of journalists in covering this landmark case becomes more crucial than ever. Their insights and reporting bring the complexities of international law to a global audience.

Hala Ahed
Hala Ahed Published on: 12 Jan, 2024
Did the NYTimes Manipulate the Sexual Violence Allegations of October 7?

An in-depth examination of the New York Times's investigation of alleged sexual assaults by Hamas during the Israeli war on Gaza, highlighting ethical concerns, and the impact of its reporting on the victims' families. It questions the journalistic integrity of the Times, especially in the context of Western media's portrayal of the Israeli-Palestinian conflict.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 7 Jan, 2024
Is The New York Times Reproducing Allegations of 'Sexual Violence' to Downplay Israeli Crimes?

The New York Times' report on alleged sexual violence by Palestinian militants raises profound concerns about discrepancies in key testimonies and a biased reporting that aligns with Israeli narratives and downplays Israeli crimes in Gaza.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 31 Dec, 2023
Embedded journalism: Striking a balance between access and impartiality in war zones

The ethical implications of embedded journalism, particularly in the Israeli invasion of Gaza, raise concerns about the compromise of balance and independence in war coverage.

Abeer Ayyoub
Abeer Ayyoub Published on: 19 Dec, 2023
Through a Mexican lens: Navigating the intricacies of reporting in Palestine

A Mexican journalist's journey through the complexities of reporting on Palestine and gives tips on how to manage this kind of coverage.

Témoris Grecko
Témoris Grecko Published on: 10 Dec, 2023
Echos of Israeli Discourse in Latin American Media on Gaza

Heavily influenced by US and Israeli diplomatic efforts, Latin American media predominantly aligns with and amplifies the Israeli perspective. This divergence between political actions and media representation highlights the complex dynamics shaping Latin American coverage of the Gaza conflict.

Rita Freire Published on: 23 Nov, 2023
Critique of German media's handling of Gaza Conflict

The German media's coverage of the Gaza conflict has been criticized for being biased, presenting a distorted view of the conflict, focusing only on the Israeli perspective, and downplaying the suffering of Palestinians. This biased reporting undermines the media's role as an objective source of information and fails to provide a balanced view of the conflict.

AJR Contributor Published on: 16 Nov, 2023
Colonial legacy of surveillance: hidden world of surveillance technology in the African continent

African nations’ expenditure on surveillance technology from China, Europe and the US is a direct threat to the media, democracy and freedom of speech, and an enduring legacy of colonial surveillance practices.

Derick M
Derick Matsengarwodzi Published on: 14 Nov, 2023
How the New York Times fuelled a crackdown on journalists in India

Vague reporting and a piece ‘laden with innuendo’ by the New York Times gave Indian authorities the excuse they needed to crack down on news website Newsclick

Meer Faisal
Meer Faisal Published on: 31 Oct, 2023
Journalists feel the pain, but the story of Gaza must be told  

People don’t always want to hear the historical context behind horrifying events, resorting even to censorship, but the media must be free to provide it

Aidan
Aidan White Published on: 30 Oct, 2023
Queen Rania is absolutely right - Western media’s double standards on Gaza

Why does international media use loaded and dehumanising language about the Palestinians when reporting on the Israeli bombardment of 2.2 million people in Gaza?

Abeer Ayyoub
Abeer Ayyoub Published on: 27 Oct, 2023
'War propaganda' - Brazil’s media has abandoned journalistic standards over Gaza

Brazil’s mainstream media, in its unwavering support for Israel, is out of step with public and social media responses to the bombardment of Gaza

Bruno
Bruno Lima Rocha Beaklini Published on: 25 Oct, 2023
‘Emotional truth’ is not a cover for fabricating stories

Comedians who engage with the news should not be free to ignore the rules of ethical journalism

Akanksha
Akanksha Singh Published on: 16 Oct, 2023
Get this straight, Western media: Palestinians aren’t sub-human

Dehumanisation of Palestinians is as central to Israel’s war strategy as the deadly missiles it wields

Mitrovica
Andrew Mitrovica Published on: 10 Oct, 2023
Victims of the Mediterranean: ‘Migrants’ or ‘Refugees’?

The term ‘migrant’ insufficient to describe victims of the horror unfolding in the Mediterranean Sea; it dehumanises these people and is a failure of journalism

A picture of the author, Mohammad Ahdad.
Mohammad Ahdad Published on: 2 Oct, 2023
Why is a Western news organisation funding propaganda in India?

ANI, the world’s largest source of Indian news, receives funding from Thomson-Reuters, despite widespread condemnation for its misinformation about Muslims

MM
Morley Musick Published on: 18 Sep, 2023