ترجم الحوار عن موقع مركز الصحافة الأوروبي
قبل مدة استضفنا جلسة حوار مباشرة على ديسكورد عن أوراق باندورا مع بيير روميرا، المدير التنفيذي للتكنولوجيا في الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين.
في حوارنا معه الذي امتد ساعة كاملة، جاب بنا روميرا كواليس تحقيق أوراق باندورا. وشرح لنا الكيفية التي نقب بها مئات الصحفيين أكثر من 12 مليون وثيقة مسربة تكشف ثروات مخفية وعمليات تحايل على الضرائب وفي بعض الأحيان عمليات غسيل أموال قام بها أصحاب الثروة والسلطة.
ومن خلال أسئلة الجمهور، ناقشنا كل شاردة وواردة، ابتداءً من الأدوات البرمجية لمعالجة البيانات وصولاً إلى الأمن الرقمي، بالإضافة إلى العمليات التشغيلية اللازمة لإدارة هذا التحقيق الضخم.
https://soundcloud.com/datajournalism/episode-38-conversation-with-pierre-romera-icij
- أخبرنا عن أوراق باندورا. ما أهميتها وما قصّة هذا الاسم؟
أوراق باندورا، هي أكبر تعاون صحفي شهده التاريخ على الإطلاق، حيث عمل عليها مئات الصحفيين لإعداد ونشر أفضل التقارير الصحفية التي يمكنك تخيلها. هذا تحقيق مؤثر جدًّا، مادّته الأساسيّة هي 12 مليون وثيقة مسربة من أكثر من 14 شركة خدمات مالية أجنبية، وهي شركات تعرِض خدمات حفظ الثروات خارج حدود السلطات الضريبية عن طريق شركات تعرف بشركات "الأوفشور"، أي الشركات المسجّلة في الخارج. يسمى هذا المشروع "أوراق باندورا" لأنه بني على إرث أوراق بنما وأوراق باراديس، ونبع الاسم من أسطورة صندوق باندورا الذي يفيض عند فتحه بما لا يحصى من المشاكل والكوارث. داخل هذا القدر الكبير من الوثائق اكتشفنا حقائق كثيرة لطالما كانت طيّ التحفّظ والخفاء، وفتح الباب عليها في هذا التحقيق يجعل الاسم مناسبًا.
- حدثنا عن عملك في الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين. ما الذي يعنيه منصب المدير التنفيذي للتقنية في غرفة أخبار استقصائية؟
الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين منظمة صغيرة للغاية لا يعمل بها سوى 40 فردًا. وما يميزها هو أن نصف موظفيها متخصصون في البيانات والتقنية. لدينا ما يقارب 20 زميلًا يتوزعون على تخصصات هامة مثل صحافة البيانات والبرمجة وهندسة الأنظمة وتصميم تجربة المستخدم، وهذا رقم معتبر من الأشخاص الذين يستخدمون التقنية بشكل احترافي لإنتاج مواد صحفية. جزء كبير من عملي هو التنسيق بين جهودهم والمساعدة في إنتاج منصة للعمل الاستقصائي، تسخر البيانات لتساعد الصحفيين على إعداد التقارير والقصص الصحفية والتواصل مع المصادر. الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين هو مؤسسة تعتمد على التقنية إلى حد كبير، ولهذا نحن بحاجة لكثير من الموارد والأشخاص والتقنيات. وأعتقد أن هذا هو سبب نجاحنا في إنتاج مثل هذه التحقيقات على خلاف من سبقونا، إذ لدينا الفريق الملائم لتأدية المهمة.
- أخبرنا عن نظام العمل في مشروع أوراق باندورا.
بدأ الأمر قبل عامين حين تواصلنا مع أحد المصادر. في هذه الحالة يكون المصدر مكتوم الهويّة، وهو حريص على أن يبقى كذلك. كنا نعرف هذا المصدر، وحين سنحت الفرصة للحديث، بدأنا في مناقشة الوثائق وما الذي بوسعه تزويدنا به. ثم التقينا به، وحصلنا على الوثائق. وكانت تلك هي الخطوة الأولى في التحقيق.
وما إن حصلنا على الوثائق، حتى بدأت العملية على قدم وساق. كان علينا إتاحة المادة كلها لجميع الصحفيين. بدأنا العمل على خوادمنا الآمنة وبدأنا في فهرستها. وجهزنا لها محرك بحث حتى يسهل البحث فيها. وقبل بداية التحقيق بدأ فريقنا في إعداد ما نسميه بقوائم البلدان. ففي هذه المرحلة نحاول تمحيص الوثائق بحثًا عن الروابط والوقائع المرتبطة بكل بلد في العالم.
بعد إعدادنا لقائمة مناسبة، وجمعنا لما يكفي من المعلومات لإيصالها إلى شركائنا، قمنا بالاتصال بهم وإطلاعهم على المسألة، وأوضحنا لهم أن لدينا معلومات مرتبطة بعدد من الشخصيات، وطلبنا من شركائنا الانضمام إلينا في المشروع. حينها ينضم الشريك، وبعدها نبدأ بتدريبهم على استخدام منصتنا واستخدام طبقات الأمن الرقمي المتوفّرة لدينا. ونحاول كذلك لفت أنظارهم إلى القصص المثيرة التي قد تهمهم داخل وثائقنا.
بعد ذلك نبدأ عملية مطولة لإيصال النتائج إلى في غرف الأخبار الرقمية الخاصة بنا. تدعى هذه المنصة iHub. في هذا المنصة نحاول فرز البيانات المرتّبة بعد استخلاصها من الوثائق. كما تعرف، تكون هذه الوثائق غير مرتبة وبصيغ رقمية مختلفة ويصعب استخراج معانٍ ومعلومات مفيدة منها وهي في شكلها الخام. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه العملية تستغرق وقتًا طويلاً، وصولًا إلى تجهيزها للنشر.
وقبل النشر نتأكد من الحقائق الواردة كلها. ونقدمها للمراجعة القانونية ونتأكد من أن كل ما ننشره تم التحقق منه بدقة بالغة. هذا جزء لا غنى عنه من العملية وهو بمثابة "سر النجاح"، الذي يساعدنا في تفادي الملاحقة القانونية بسبب نشر معلومات خاطئة. وقبل شهر من النشر نتواصل مع الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في تقاريرنا طلبًا للحصول على تعليقات منهم على المسألة. ثم ننشر التقارير.
- ما الأدوات الأساسية التي استخدمتموها لإدارة وتنسيق هذا المشروع؟
إحدى أهم المنصات المركزية في عملنا تسمى Datashare. وهي أداة تستخدم لتقسيم عملية استخراج النص من الوثائق على خوادم عدة. لنتخيل تسريبًا بحجم أوراق باندورا، باستخدام هذه الأداة يمكننا أن نطلب من عشرات الخوادم العمل على الوثائق لوضعها في محرك بحث واستخراج النصوص منها. وتقدم كذلك واجهة لسبر الوثائق والبحث فيها.
ولدينا كذلك منصة مهمة للغاية في العمل على الوثائق المسربة تسمى iHub. تمثل هذه المنصة غرفة الأخبار الرقمية الخاصة بنا وتسمح للصحفيين بمشاركة النتائج والمصادر والشهادات والأدلة ومقاطع الفيديو وأي شيء مرتبط بالتحقيق. على هذه المنصة طورنا مفهوم المشاركة الشاملة. ويعني ذلك أننا نشجع شركاءنا على مشاركة كل ما يكتشفونه ويقع بين أيديهم، حتى لو لم يبد جيدًا وذا قيمة للوهلة الأولى. هذا هو الأمر الذي جعل مؤسستنا قادرة على نشر تقارير في كثير من البلدان بشكل متزامن، حتى لو كان هناك رقابة مفروضة على الصحافة في تلك البلدان. إن لم يتمكن صحفي من نشر تقريره بسبب الضغوط السياسية في بلده، فسيتمكن صحفيون آخرون من نشره في بلدان أخرى.
- ما أهمية الأمن الرقمي في عمل الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين؟
الأمن الرقمي جزء مهم جدًّا من عملنا، وهو أحد الجوانب الإلزامية القليلة التي يجب معرفتها ومراعاتها قبل الانضمام إلى أي مشروع تحقيق صحفي. فلا بد أن تكون قادرًا على تشفير رسائلك الإلكترونية وأن تستخدم برنامج PGP لفعل ذلك. وبعد أن يتعلم المستخدم استخدام البرنامج، يرسل إلينا مفتاح التشفير الخاص به لإدخاله في النظام للتواصل بأمان معه.
والسرية مهمّة للغاية كذلك في عمل مؤسستنا وهي جزء من منظومة الأمن لدينا. كل مؤسسة إعلامية شريكة توقّع على تعهّد عدم إفصاح، ونحاول ضمان حفظ الخصوصية والسريّة المطلقة حتى وقت النشر. ولقد نجحنا في ذلك بشكل كبير حتى الآن وأظن أن هذا هو السبب وراء قوة إجراءات الضبط للأمن الرقمي والخصوصية من أول لحظة في التحقيق حتى نهايته. وأشير هنا إلى أننا وقبل نشر التحقيق بيوم واحد تعرضنا لهجوم DdoS، وهو تهديد أمني رقمي خطير، ولحسن الحظ تمكن فريق النظام لدينا من صد الهجوم وإحباطه.
- كيف اختلف عمل الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين بين تحقيق أوراق باندورا وتحقيق أوراق بنما؟
الاختلاف الأبرز هو حجم المشروع، لكن المنهجية كانت واحدة في المشروعين تقريبًا. كانت الخطوات هي نفسها. قمنا بفهرسة البيانات وأعددنا قوائم البلدان وتواصلنا مع كل الشركاء. تطبق هذه العمليات على كل التحقيقات التي نجريها. ولعل السبب الأبرز الذي مكننا من إشراك كل هؤلاء المراسلين هو أننا لم نحاول إعادة اختراع العجلة. بل حاولنا البناء على المنهجية التي طبقتها مؤسستنا بالفعل في تحقيقات سابقة.
من وجهة نظر صحفية، كان من المشاكل التي واجهت تحقيق أوراق باندورا الحفاظُ على اهتمام الجمهور تجاه قضية الأموال في الملاجئ الضريبية في الخارج. كان علينا أن نجد قصصًا غير مسبوقة للحفاظ على اهتمام القراء.
- ما الذي تعلمتموه من هذا التحقيق؟
حتى لو كان لدى المؤسسة خبرة كبيرة في مشاريع التعاون الكبيرة، فإننا لم نكن مستعدين للتعامل مع هذا العدد الهائل من الصحفيين. كان الأمر شاقًّا واستغرق وقتًا وموارد كثيرة. خصوصًا أن حجم المؤسسة لم يختلف عما كان عليه قبل عامين. وعلينا كذلك أن نطور منصاتنا للعمل مع عدد كبير من الصحفيين. هذا هو الدرس الأهم الذي استخلصناه من هذا التحقيق. حتى لو كانت الأدوات التي استخدمناها في تحقيق أوراق باندورا هي نفسها التي استخدمناها في أوراق بنما، كان من الضرورة إدخال التحسينات والتطويرات عليها. على سبيل المثال كان علينا أن نطور الخوادم لتقبل عددًا كبيرًا من الطلبات من المستخدمين وأن تعالج هذا الحجم الهائل من البيانات.
وتعلمنا الكثير كذلك عن عملية التحقق من الحقائق على مدار هذا التحقيق. هناك الكثير من التقارير التي لم ننشرها لأننا أدركنا أننا لا نملك ما يكفي من الأدلة. قد نمتلك مزيدًا من الأدلة التي تمكننا من نشر تقارير مهمة مستقبلا وأدركنا أن هذه الوثائق تحمل من المعلومات ما قد يجعلها مهمة لسنوات كثيرة بعد النشر. يبدو أننا سنستمر لوقت طويل في إنتاج التقارير في هذا التحقيق.
- أخيرًا، ما النصيحة التي تقدمها لمن يتطلعون للعمل في مجال صحافة البيانات؟
نصيحتي الأولى هي أن يتعلموا البرمجة. إذا أردت العمل على تقارير تفاعلية ووسائل سرد تفاعلية عليك أن تتعلم الجافا سكريبت وD3. لكن بافتراض أنك ترغب في التركيز أكثر على استخراج البيانات وتحليلها، عليك في هذه الحال تعلم لغتي البايثون وآر. هذا ما سيميزك عن بقية الصحفيين الذين لا يجيدون البرمجة. وسيساعدك هذا على العمل مع المطورين. إن استطعت فهم عملهم فسيكون التعاون معهم أيسر بكثير.
ومن المهم كذلك أن تتمتع بعقلية تركز على البيانات في غرفة الأخبار. على سبيل المثال، حين تكون هناك قصة جديدة، هل يهتم زملاؤك بجانب البيانات في تلك القصة؟ إن أردت أن تطور مهاراتك الخاصة في صحافة البيانات، عليك أن تثقف زملاءك وتحرص على تدريبهم على التفكير بعقليّة البيانات.