الحملة ضد مونديال قطر.. الإعلام الغربي حبيسا لخطاب الاستشراق والتضليل

الحملة ضد مونديال قطر.. الإعلام الغربي حبيسا لخطاب الاستشراق والتضليل

مع اقتراب موعد مونديال قطر 2022، يصر الإعلام الغربي أن يبقى مرتهنا لخطاب الاستشراق الذي تغذيه ليس فقط المصالح السياسية، بل التحيزات الثقافية العميقة المتأتية بالأساس من الماضي الاستعماري.

 في الأيام الأخيرة قبيل إطلاق صافرة بداية مونديال قطر 2022 لكرة القدم، استشرست، على نحو غير مسبوق، حملة غربية ضد الدوحة، علت خلالها نبرة خطاب إعلامي صادر عن مؤسسات صحفية عريقة تصف هذا البلد الخليجي على أنه "دولة حديثة التأسيس"، تنتج "الغاز حصرا" دون أي شيء آخر، ويتملكها "رُهاب" مستحكم من المثليين، وتشيد فيها البنايات على "أجساد العمال المنهكين"، في الوقت الذي انبرت بعض الصحف البريطانية لإقامة ربط غريب بين بعض الحوادث المتفرقة ومونديال قطر كواقعة توقيف مواطن بريطاني في العراق بسبب عدم سداده لديون مستحقة لبنك قطري.

اللافت أن هذه التوصيفات نادرا ما قُدمت بلغة صحفية ناقدة ومتوازنة يُستدعى الطرف الآخر للرد عليها، بل تصاغ في شكل لازمة ترددها وسائل الإعلام الغربية، وتُحيل إلى  ما يشبه ماهية ثابتة لقطر، وفي أحيان أخرى انصرفت بعض العناوين تلميحا وتصريحا لرسم صورة كاريكاتورية تختزل ثقافة ومجتمعا ونظاما سياسيا في بضع صور نمطية، وتصنف قطر في خانة "الآخر" المخالف للنموذج الثقافي الغربي الحداثي والمتخلف عنه بالأساس، أما قضايا شائكة من حجم الاقتصاد السياسي المرتبط بالعمالة المهاجرة في غرب آسيا أو الجدل حول صناعة "الهويات الجنسية السائلة" فقررت صحف أخرى القفز عليها وحصرها في سياسات قطر " المحجفة اتجاه العمال" أو"المضطهدة للمثليين".

هكذا ينظر إلى قطر في الخطاب الإعلامي الغربي لا كبلد مضيف لمونديال 2022، بل كتكثيف لصورة مُستجدة عن "الشرق" العجائبي المختزنة في مخيال الغرب) بتعبير إدوارد سعيد في دراسته للاستشراق) والتي لا تريد الصناعات الإعلامية الغربية التخفف منها منذ عقود. والآن تسفر تلك الصورة عن نفسها بوضوح في خطاب إعلامي يربطه خيط ناظم يُؤلف بين عشرات المقالات في صحيفة الغارديان القريبة من اليسار البريطاني أو التايمز المملوكة لرجل الأعمال روبرت مردوخ أو على قناة سي إن إن الأمريكية الأكثر ميلا للديمقراطيين أو "فرانس 24" الممولة من الحكومة الفرنسية وغيرها، فيما يشبه شبكة مُتسقة تنظر إلى نفسها كمركز ولما سواها كهوامش.

هذه الحكايا تُنسج أيضا بالاعتماد على سلسلة من المعلومات المضللة، تجد لها في مواقع التواصل الاجتماعي فضاء رحبا للانتشار، سواء لعدم وجود قواعد صارمة تضمن فرزا مهنيا للأخبار الزائفة، أو لطبيعة آليات تداول المحتوى على هذه المنصات، القائمة أساسا على سلطة "الخوارزميات" التي تفرض على جمهور واسع من المتلقين مصادر غير موثوقة تُستمد منها المعلومات بشأن تنظيم قطر للمونديال، إما بشكل عَرضي/آلي، قد يعزى لـ"فوضى الخوارزميات" وسطوتها على بنيات التواصل في هذه الفضاءات الرقمية، أو بطريقة متعمدة حيث تمول حملات مدفوعة أو تحريضية مجهولة المصدر للتأثير على صورة قطر وأطوار تنظيمها لهذا الحدث الرياضي.

لكن ليست هذه المرة الأولى التي يتمعن العالم العربي في صورة ملامحه على مرآة وسائل الإعلام الغربية، ليتعرف على قسماته كما يصر الغرب على تشكيلها نيابة عنه. وهي ملامح تغيَب فيها قوة الإنجاز، بينما تُستحضر الطباع الغرائبية والأوصاف المُتخلفة، وتُحشر السياقات شديدة التركيب التي تحكم البنيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لهذه المنطقة في مجال رؤية تبسيطي ضيق، عالق بين ثنائيات من قبيل أشرار/ أخيار، تقدم/ تخلف، أو ديمقراطية/ استبداد، حرية/ قمع... إلخ

هذا الخطاب الإعلامي تجاه المنطقة يُعلِن عن نفسه بجلاء في الأحداث الكبرى، ويدفع بالتالي للافتراض أن هذه الحملة ضد قطر يغذيها أيضا شيء آخر أعمق، ثاو في البنية الذهنية لمن ينتج بوعي كامل هذا الخطاب في وسائل الإعلام الغربية ولمن يصر عمدا على صناعة صورة تعيد عبرها شبكة الهيمنة الغربية إنتاج سردياتها عن العالم، وتثبيت سلطتها الاقتصادية والسياسية والثقافية.

فقبل أشهر قليلة، مع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، كان طيف واسع من وسائل الإعلام الغربية مستغرقا في عقد المقارنات بين اللاجئين الأوكرانيين "الشُقر" و"المتحضرين" الذين يتقاسمون مع "الغرب" نفس منظومة القيم الحداثية، وبين اللاجئين القادمين من سوريا والعراق وأفغانستان المتمايزين عنهم والمنتمين إلى صنف "الآخر" المتصف بالفقر والجهل والتخلف.

وليست هذه المرة الأولى، أيضا، التي تخوض فيها وسائل الإعلام الغربية حملة ممنهجة ضد الدول المنظمة لأحداث رياضية كبرى والواقعة حسب رؤية المركزية الغربية لتقسيمات الجغرافيا الحضارية في "العالم الثالث" (البرازيل، جنوب أفريقيا) أو حتى تلك المصنفة فيما يمكن أن نطلق عليه "العالم المنافس" (الصين وروسيا).

إلا أن غُلو الحملة ضد قطر يجعلها مثالا مناسبا لاستدعاء أدبيات ما بعد الاستعمار (Postcolonialism) كعُدة نظرية لتفحص الخطاب الإعلامي الاستشراقي، وجدلية "الأنا" و"الغير" على الشاشات الغربية، ولغة الاستعلاء العرقي، فضلا عن سياسات الهوية التي تغلف المعالجة الصحفية لمثل هذه الأحداث الكبرى، دون إغفال الدور المحوري لوسائل التواصل الاجتماعي في نشر هذا الخطاب بفضل الثغرات التي تُوفرها هذه المنصات لتداول المعلومات المضللة.

 

هل يصور الإعلام الغربي الواقع كما هو.. في نظرية التمثيل

 

في منطقة عربية متعطشة لتجربة الانتقال الديمقراطي لعبت فيها وسائل الإعلام سواء في نسختها الرقمية أو التقليدية الجماهيرية دورا فاعلا في الحراك الديمقراطي الشعبي، قد يبدو مفهوما الاحتفاء بليبرالية وسائل الإعلام الغربية وتعدديتها واستقلاليتها وشساعة فضائها العام، بالمقارنة مع بيئات سياسية أخرى، لكن لا يجب أن يدفعنا ذلك للقفز على تاريخ من النقد الحاد وُجه للصناعات الإعلامية الغربية.

تعد مدرسة فرانكفورت النقدية إحدى أبرز من انتقد هذه الصناعة منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي. تصنف أدبيات هذا التيار الصناعات الإعلامية في الغرب في خانة التي لا يحركها الرأسمال كعامل اقتصادي فحسب بل كمعطى ثقافي أيضا، فالرأسمال الغربي نفسه، إلى الآن، لم يتخلص من إرثه الاستعماري ومن ممارساته النيوليبرالية، وأي فهم لخطاب الإعلام الغربي اتجاه المستعمرات السابقة يجب أن يستحضر شبكات المصالح هذه، وقوى الهيمنة التي تبدو في ظاهرها إعلامية وثقافية بيد أنها تنطوي على أبعاد اقتصادية وسياسية.

خلافا لما تصوره وسائل الإعلام خلال الدعاية لنفسها من نقلها للواقع كما هو، إلا أن نظريات علوم الاتصال تؤكد أن أدوارها أكثر تعقيدا من مجرد امتلاك جرأة "نقل الواقع"، بتعبير السوسيولوجي البريطاني "ستيوارت هول" وسائل الإعلام ليست محض عاكس للواقع الصرف، بل إنها من تصنع تصورنا عن العالم وتصوغ معناه، وتملك سلطة تشكيل تمثلاته في أذهاننا، متكئة على قوتها الرمزية التي تمنحها القدرة على "الإظهار" و"الإخفاء" أو ما يطلق عليه ستيوارت هول نظرية التمثيل (Representation theory) أي سلطة اختيار الكيفية التي تظهر بها فئات اجتماعية أو عرقية أو ثقافات محددة، وآلية التمثيل هذه تتم عبر عدسات المصورين وأقلام الصحفيين وأصوات المذيعين ومن خلال سياسات التحرير. وبهذا المعنى تكون عملية إنتاج الخطاب مقابلا لإعادة إنتاج ناعم لشبكات الهيمنة الثقافية والسياسية الغربية.

يبدو أن الخطاب الغربي بعناية "تمثيل" قطر على شاشاته وصفحاته وفق شبكات المصالح تلك وعبر آلية "الإخفاء" و"الإظهار"، لتصبح صورة قطر المتداولة هي ما اختارت هذه المنصات الترويج له ووصفه وتقديمه للجمهور باعتباره واقعا حقيقيا. فقطر التي يعرفها المتلقي الغربي هي سلسلة الأوصاف التي اختارت وسائل الإعلام إظهارها والحديث عنها، فيما حجبت صفات أخرى وأخفت مشاهد موازية.

تقدم لنا الدراسات الثقافية النقدية نظريات أخرى قد تبدو مفيدة في تحليل هذا السلوك الإعلامي الغربي، من أهمها نظرية "الغير" (Othering theory) حيث تظهر وسائل الإعلام الغربية وكأنها بحاجة لتنصيب قطر في هيئة ذلك "الآخر" أو "الغير" الذي ينتهك حقوق العمال والمثليين، بهدف التأكيد على وجود "غرب" أو "الأنا" كذات حضارية متفوقة حقوقيا وديمقراطيا وحتى ثقافيا.

فالغرب وفق هذه الرؤية لا يستطيع الوعي بذاته بمعزل عن وجود ذات أخرى مقابلة له جغرافيا وحضاريا وتلقبها بـ “الآخر". هكذا لا يبدو مستغربا مثلا تذكير صحيفة الغارديان في أغلب مقالاتها بأن قطر دولة واقعة في شبه الجزيرة العربية، وأنها حديثة النشأة ويعتمد اقتصادها أساسا على الغاز وأنها بلد ذو ثقافة محافظة لا تكترث لحقوق الإنسان، فيما يشبه تذكيرا بعناصر هوية ثابتة للشخصية القطرية، وصفات تقدم على أنها سلبية، لصيقة بها كجوهر أصيل (Essentialism) ، وهذا النوع من الخطاب كما يرى ستيوارت هول أحد السمات الأساسية التي تصور بها الثقافة الغربية الشعوب المختلفة عنها بهدف تكريس تفوقها.

لكن الملامح الحضارية لقطر في الخطاب الإعلامي الغربي تنبني أيضا على ما يمكن وصفه بالصورة المتناقضة التي تقدمها تارة في هيئة فاعلٍ إقليمي وشريك دولي حاسم في الوساطات وفي تدبير الأزمات الدولية الكبرى، وتارة في صورة الدولة الخليجية التي تنتمي إلى غياهب الشرق السحيق، لا يمكن أن توكل إليها مهمة تنظيم حدث "غربي" بامتياز لرياضة هي "صنيعة الحداثة الغربية" وصناعة أبطالها تتم حصرا على أراض غربية.

هذا التناقض في الخطاب لا يعني ازدواجية في سياسات قطر الخارجية، كما تعرف الدولة نفسها وسياساتها إلى العالم، ولكنه يعكِس بالأساس وعيا مشوشا لدى الغرب عن قطر، أو ما تصطلح عليه أدبيات ما بعد الاستعمار بنظرية التناقض (Ambivalence theory)، هذا التناقض نابع من اعتقاد راسخ لدى منتجي خطاب وسائل الإعلام الغربية بدورهم "التوجيهي" اتجاه الشعوب والدول التي تحتل في نظرهم مراتب أقل في سلم التقدم، مقدمين خطابهم في صيغ "توجيه" أو "تلقين" على افتراض أن تلك الدول خلال محاولتها التدرج في سلم التنمية لبلوغ نموذجها الغربي، بحاجة لهذا النوع من الخطاب للاسترشاد والتعلم.

بهذا المعنى لا يجب التعامل مع خطاب الاستشراق، خاصة حين يتسرب إلينا محمولا عبر لغة وسائل الإعلام، كتراث نظري ينتمي إلى ماضي العلاقة المتوترة بين المستعمِر والمستعمَر، ماضٍ يدفع كُثر أن حتميات العولمة الاقتصادية وعالمية حقوق الإنسان قد تجاوزته، في الوقت الذي مازال يشكل منظومة فكرية تحركها عقيدة المركزية الغربية ويتغدى عليها خطاب وسائل الإعلام التي تضطلع بمهمة نقلها إلى الثقافة الشعبية بهدف استدامة وعي جمعي غربي يختزن صورة ذهنية عن شرق فاقد حتى لحدوده كرقعة جغرافية، ليصبح دلالة عن "الآخر" الممتد في كل مكان، شرط وجوده أن يتخلف عن الغرب.

 

ماوراء الخطاب الحقوقي لوسائل الإعلام الغربية

 

منذ الإعلان عن قبول ترشيح قطر لتنظيم كأس العالم 2022 أصر الإعلام الغربي على استدراجها إلى ساحات حقوق الإنسان وعلى تفحص سجل الدولة في هذا المجال، حيث نَسَج أيضا خطابا ملتبسا حول قضية حقوق العمال، إحدى أبرز مواطن الجدل بين الدوحة ووسائل الإعلام الغربية.

قد يبدو مفهوما ومقبولا استغلال حدث رياضي بهذا الحجم للضغط من أجل تحسين ظروف العمال في أي بلد مضيف، إلا أن اختزال قضية بالغة التعقيد والتداخل كالعمالة الوافدة في غرب آسيا باعتبارها مشكلة قطرية صرفة ينطوي على ازدواجية واضحة.

في هذا السياق تفسح أدبيات الاقتصاد السياسي على سبيل المثال لا الحصر، آفاقا شاسعة لمقاربة قضية يتداخل فيها البعد الحقوقي المحلي، مع نضالات البروليتاريا (الطبقة الفقيرة وفق أدبيات الفكر اليساري) العابرة لكل الأمكنة بما فيها الرقعة الجغرافية الغربية نفسها وتشتبك من خلالها الإشكاليات البنيوية المرتبطة بالرأسمالية المُعولمة العابرة للحدود التي أنتجت هذه الظاهرة، مع ما يعرف بالنظام العنصري للعمالة. إنه إرث قديم تحرص الشركات الغربية نفسها على استمراره، فيما تتطلب معالجته حلولا هيكلية يشترك في صياغتها مختلف المسؤولين عن هذه الظاهرة في مختلف محطات العبور والهجرة التي يمر عبرها هؤلاء العمال.

يلاحظ أن هذا النوع من الربط النقدي غائب عن خطاب وسائل الإعلام الغربية حين تطرقها لظروف العمال في قطر، مع إصرار يبدو أيضا متعمدا في تشكيل صورة عن "أزمة حقوق العمال" تصَوَب إلى قطر تهمة صناعتها حصرا عبر قوانين عمل رغم إصلاحها من قبل السلطات القطرية، لكنها لا تقنع صحفيي ومراسلي ومحللي القنوات والصحف الغربية.

 

مع اقتراب موعد كأس العالم في قطر، بدأ أيضا سيل من العناوين على وسائل الإعلام الغربية يحذر من أخطار محدقة بالمثليين أثناء تواجدهم على الأراضي القطرية، وأطلقت بمختلف اتجاهاتها ما يمكن وصفه بمعركة الحضور العادل للمثليين في المونديال، مع وسم قطر بـ "رهاب المثلية".

يحاول هذا الخطاب الإيحاء بأن نضالاته تتلخص في الانتصار للتطبيع مع سلوك جنسي أو التسامح مع فئة مختلفة مضطهدة، دون الإشارة إلى أن قضية المثلية تتجاوز السلوك الجنسي إلى معضلة إنتاج هوياتٍ جنسية وذواتٍ عابرة للجندر، ودون الأخذ بعين الاعتبار أن هناك ثقافة تتوجس من حمولة الأيديولوجيا الراغبة في خلق "إنسان جديد" سائل الهوية. هكذا يبدو أن خطاب وسائل الإعلام الغربية يختار صيغة تبسيطية متخفية وراء مقاربة حقوقية من جديد لطرح قضية "المثلية" في مونديال قطر، وبغض النظر عن كل الأبعاد الإشكالية لهذا الموضوع الذي مايزال حتى في الغرب محل نقاش أكاديمي وتربوي لا ينقطع منذ عقود. 

 

سلاح الخوارزميات والمعلومات المضللة

 

لم تكتف الحملة الإعلامية ضد قطر بصياغة خطاب استشراقي يعلي من شأن "الأنا" الغربية، ولكن الحملة قامت أيضا على سلسلة من المعلومات المضللة والأخبار الزائفة، حرفت وقائع وأحداثا ووضعاها خارج سياقها لتربطها بشكل غير مُتسق بمونديال قطر.

فمثلا، ما صور على أنها حملة مقاطعة لمدن فرنسية من بينها العاصمة باريس لمتابعة مباريات كأس العالم في الساحات العامة، اجتزأت من سياقها العام وارتباطها بقرارات داخلية على صلة بخفض مستويات استهلاك الطاقة في هذه المدن، فيما ربطت صحف أخرى مثلا حوادث كمقتل كلاب في ضواحي العاصمة الدوحة قبل أشهر أو اعتقال مواطن بريطاني في العراق بسبب تخلف عن سداد دين سابق لبنك قطري بتنظيم قطر لمونديال 2022.

هذا الخطاب الذي تروجه وسائل الإعلام الغربية في نسختها التقليدية الجماهيرية لصورة قطر، له رجع صدى قوي على مواقع التواصل الاجتماعي لسرعة انتشار مثل هذه الأخبار المضللة على هذه المنصات. فمواقع التواصل تعد بيئة خصبة لحملات التضليل ونشر خطابات الكراهية، ومرد ذلك لعوامل عدة تتعلق بعضها بطبيعة هذه المواقع وضعف آليات المراقبة والتحقق من مصادر الأخبار المتداولة على صفحاتها، وأخرى مرتبطة بالخوارزميات التي تعد الآليات الأساسية للتحكم في تداول المعلومات على المنصات الرقمية، والتي قد توجه الرأي العام بقصد أو بدون قصد لدعم الحملة الإعلامية الغربية ضد قطر.

نجهل على وجه الدقة الجهات التي تتحكم في سلوك هذه الخوارزميات، ونفترض إما أنها بشكل عَرضي تسهم في نشر الأخبار المغلوطة ضد مونديال قطر، أو أن هناك جهات معينة تدفع في هذا الاتجاه.

 

 هل يستطيع " التابع" أن يتكلم؟

 

هل يستطيع "التابع" أن يتكلم؟ هذا السؤال الذي طرحته المفكرة البنغالية "غاياتري سبيفاك" قبل أربعة عقود خلال نقاشها لمفهوم التابع كما صاغته أدبيات مابعد الاستعمار "كذات خلفها المحتل وراءه مثخنةً بكل صنوف الندوب"، قد يُستدعى أيضا في سياق استكشاف الرد القطري على هذه الحملة، ولكن في صيغة سؤال آخر ربما، هل استعاد " التابع" أخيرا حقه في الكلام؟

رغم تاريخ الاستبداد الطويل في المنطقة العربية، مثلت المنصات الإعلامية التي مولتها قطر أول ظهور لفضاء عام عربي بديل) بتعبير الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس (عن الفضاءات العمومية الواقعية التي خنقتها عقود من الاستبداد.

تلك المنصات، ومع استحضار النقد الموجه إليها مهنيا أو تحريريا، استطاع بفضلها المواطن العربي أن يتداول قضاياه ويستعيد حقه في الكلام والكتابة دون أن تتكبد الصحف والقنوات الغربية عناء نقل صوته، بل أسهمت تلك القوة الناعمة في إشعال فتيل لحظة تاريخية كالربيع العربي، ليستعيد منذ ذلك الحين "التابع المتخيل" في الخطاب الغربي حقه في التعبير ويحاول في أكثر من ساحة عربية انتزاع فرصته في التنمية، رغم كل الكوابح والأعطاب التي تعيشها المنطقة، ومازال هذا المعترك الشاق متواصلا ولم يستقر بعد على نهايات واضحة.

توجيه النقد للغة الصحافة الغربية ضد قطر لا يعني أن شعوب هذه المنطقة يجب أن تركن لنظريات المؤامرة، أو أن تتحفظ على أي خطاب يواكب ويناقش تحولاتها وينتقد تراجع الحريات في منظوماتها، ولكنها لا تحتاج أيضا إلى وسطاء للحديث نيابة عنها، لأنها تمتلك الآن بفضل التحول الرقمي الهائل في مجال الاتصال أكثر من بديل لفعل ذلك.

بناء على هذه الرؤية، فإن الرد على الحملة الغربية ضد قطر قد لا يتطلب إنتاج خطاب مضاد بالضرورة، يكرس النظر إلى الغرب كـ "آخر" متغطرس وعنصري واستشراقي، ولكن يجب على المنصات الإعلامية خاصة الأكثر تأثيرا وانتشارا أن تمتلك وعيا حادا بخطورة هذا الخطاب وأن تعيد التفاوض على موازين القوى التحريرية وملامح الصورة وعبارات اللغة وأشكال التمثيل وأن تدفع في اتجاه كشف الأخبار الزائفة وحملات التضليل الإلكترونية وتوعية الجمهور بأساليبها.

على هذه المنصات أن تنسج أيضا خطابا إعلاميا يتخفف من أجندات وأولويات الغرب الإخبارية، ويقدس حق شعوب هذه المنطقة في إعلام يعيد إليها حقها في "الكلام" دون حواجز.. خطاب يواكب نضالها لأجل الديمقراطية.

 

 المراجع:

1. Said Edward. Orientalism. Vintage Book, 1979.

2. Hall, Stuart. Representation: cultural representations and signifying practices. Sage, 1997.

3. Banaji, Shakuntala, ‘’Representing underdeveloped others’’, Critical approach to Media Communication and development, 18 October 2022, LSE. 

4. Vora, Neha, and Babar, Zahra. "The 2022 World Cup and Migrants' Rights in Qatar: Racialised Labour Hierarchies and the Influence of Racial Capitalism." Wiley Online Library, 2022, https://doi.org/10.1111/1467-923X.13154.

 

 

 

More Articles

Revisioning Journalism During a Genocide

Western media’s coverage of the Gaza genocide has revealed fundamental cracks in the notion of journalistic objectivity. Mainstream outlets have frequently marginalized or discredited Palestinian perspectives, often echoing narratives that align with Israeli state interests. In stark contrast, Palestinian journalists—reporting from within a besieged landscape—have become frontline truth-tellers. Through raw, emotional storytelling, they are not only documenting atrocities but also redefining journalism as a form of resistance and a reclaiming of ethical purpose.

Ana Maria Monjardino
Ana Maria Monjardino Published on: 4 Apr, 2025
How Media Drives Collective Adaptation During Natural Disasters in Oman

This paper highlights how Omani media, during times of natural disasters, focused on praising government efforts to improve its image, while neglecting the voices of victims and those affected by the cyclones. It also examines the media’s role in warning against and preventing future disasters.

Shaimaa Al-Eisai
Shaimaa Al-Eisai Published on: 31 Mar, 2025
Systematic Bias: How Western Media Framed the March 18 Massacre of Palestinians

On March 18, Israel launched a large-scale assault on Gaza, killing over 412 Palestinians and injuring more than 500, while Western media uncritically echoed Israel’s claim of “targeting Hamas.” Rather than exposing the massacre, coverage downplayed the death toll, delayed key facts, and framed the attacks as justified pressure on Hamas—further highlighting the double standard in valuing Palestinian lives.

Mei Shigenobu مي شيغينوبو
Mei Shigenobu Published on: 18 Mar, 2025
Misinformation in Syria: Natural Chaos or Organised Campaign?

Old videos inciting “sectarian strife,” statements taken out of context attacking Christians, scenes of heavy weaponry clashes in other countries, fabricated stories of fictitious detainees, and a huge amount of fake news that accompanied the fall of Bashar al-Assad’s regime: Is it the natural chaos of transition or a systematic campaign?

Farhat Khedr
Farhat Khedr Published on: 11 Mar, 2025
Trump and the Closure of USAID: A Candid Conversation on "Independent Media"

The impact of U.S. President Donald Trump's decision to halt foreign funding through the U.S. Agency for International Development (USAID) on Arab media platforms has largely gone undiscussed. Some of these platforms have consistently labelled themselves as "independent" despite being Western-funded. This article examines the reasons behind the failure of economic models for Western-funded institutions in the Arab world and explores the extent of their editorial independence.

Ahmad Abuhamad Published on: 9 Mar, 2025
The Sharp Contrast: How Israeli and Western Media Cover the War on Gaza

Despite being directly governed by Israeli policies, some Israeli media outlets critically report on their government’s actions and use accurate terminology, whereas Western media has shown complete bias, failing to be impartial in its coverage of Israel’s aggression in Gaza.

Faras Ghani Published on: 5 Mar, 2025
International Media Seek Gaza Access; What Do Palestinian Journalists Say?

As international media push for access to Gaza, Palestinian journalists—who have been the primary voices on the ground—criticize their Western counterparts for failing to acknowledge their contributions, amplify their reports, or support them as they risk their lives to document the war. They face systemic bias and exploitation, and continue to work under extreme conditions without proper recognition or support.

NILOFAR ABSAR
Nilofar Absar Published on: 26 Feb, 2025
Journalism and Artificial Intelligence: Who Controls the Narrative?

How did the conversation about using artificial intelligence in journalism become merely a "trend"? And can we say that much of the media discourse on AI’s potential remains broad and speculative rather than a tangible reality in newsrooms?

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 23 Feb, 2025
The Whispers of Resistance in Assad’s Reign

For more than a decade of the Syrian revolution, the former regime has employed various forms of intimidation against journalists—killing, interrogations, and forced displacement—all for a single purpose: silencing their voices. Mawadda Bahah hid behind pseudonyms and shifted her focus to environmental issues after a "brief session" at the Kafar Soussa branch of Syria’s intelligence agency.

Mawadah Bahah
Mawadah Bahah Published on: 18 Feb, 2025
Culture of silence: Journalism and mental health problems in Africa

The revealing yet underreported impact of mental health on African journalists is far-reaching. Many of them lack medical insurance, support, and counselling while covering sensitive topics or residing in conflicting, violent war zones, with some even considering suicide.

Derick Matsengarwodzi
Derick Matsengarwodzi Published on: 13 Feb, 2025
Tweets Aren’t News: Why Journalism Still Matters

Twitter, once key for real-time news, has become a battleground of misinformation and outrage, drowning out factual journalism. With major newspapers leaving, the challenge is to remind audiences that true news comes from credible sources, not the chaos of social media.

Ilya
Ilya U Topper Published on: 10 Feb, 2025
Will Meta Become a Platform for Disinformation and Conspiracy Theories?

Meta’s decision to abandon third-party fact-checking in favor of Community Notes aligns with Donald Trump’s long-standing criticisms of media scrutiny, raising concerns that the platform will fuel disinformation, conspiracy theories, and political polarization. With support from Elon Musk’s X, major social media platforms now lean toward a "Trumpian" stance, potentially weakening global fact-checking efforts and reshaping the online information landscape.

Arwa Kooli
Arwa Kooli Published on: 5 Feb, 2025
October 7: The Battle for Narratives and the Forgotten Roots of Palestine

What is the difference between October 6th and October 7th? How did the media distort the historical context and mislead the public? Why did some Arab media strip the genocidal war from its roots? Is there an agenda behind highlighting the Israel-Hamas duality in news coverage?

Said El Hajji
Said El Hajji Published on: 21 Jan, 2025
Challenges of Unequal Data Flow on Southern Narratives

The digital revolution has widened the gap between the Global South and the North. Beyond theories that attribute this disparity to the North's technological dominance, the article explores how national and local policies in the South shape and influence its narratives.

Hassan Obeid
Hassan Obeid Published on: 14 Jan, 2025
Decolonise How? Humanitarian Journalism is No Ordinary Journalism

Unlike most journalism, which involves explaining societies to themselves, war reporting and foreign correspondence explain the suffering of exoticised communities to audiences back home, often within a context of profound ignorance about these othered places. Humanitarian journalism seeks to counter this with empathetic storytelling that amplifies local voices and prioritises ethical representation.

Patrick Gathara
Patrick Gathara Published on: 8 Jan, 2025
Mastering Journalistic Storytelling: The Power of Media Practices

Narration in journalism thrives when it's grounded in fieldwork and direct engagement with the story. Its primary goal is to evoke impact and empathy, centering on the human experience. However, the Arab press has often shifted this focus, favoring office-based reporting over firsthand accounts, resulting in narratives that lack genuine substance.

AJR logo
Zainab Tarhini Published on: 7 Jan, 2025
I Resigned from CNN Over its Pro-Israel Bias

  Developing as a young journalist without jeopardizing your morals has become incredibly difficult.

Ana Maria Monjardino
Ana Maria Monjardino Published on: 2 Jan, 2025
Digital Colonialism: The Global South Facing Closed Screens

After the independence of the Maghreb countries, the old resistance fighters used to say that "colonialism left through the door only to return through the window," and now it is returning in new forms of dominance through the window of digital colonialism. This control is evident in the acquisition of major technological and media companies, while the South is still looking for an alternative.

Ahmad Radwan
Ahmad Radwan Published on: 31 Dec, 2024
Independent Syrian Journalism: From Revolution to Assad's Fall

Independent Syrian journalism played a pivotal role in exposing regime corruption and documenting war crimes during the 13-year revolution, despite immense risks to journalists, including imprisonment, assassination, and exile. Operating from abroad, these journalists pioneered investigative and open-source reporting, preserving evidence, and shaping narratives that challenged the Assad regime's propaganda.

Ahmad Haj Hamdo
Ahmad Haj Hamdo Published on: 17 Dec, 2024
Bolivia’s Mines and Radio: A Voice of the Global South Against Hegemony

Miners' radio stations in the heart of Bolivia's mining communities, played a crucial role in shaping communication within mining communities, contributing to social and political movements. These stations intersected with anarchist theatre, educational initiatives, and alternative media, addressing labour rights, minority groups, and imperialism.

Khaldoun Shami PhD
Khaldoun H. Shami Published on: 16 Dec, 2024
How Does Misinformation Undermine Public Trust in Journalism?

Reports reveal a growing loss of trust in the media, driven by the extent of misinformation that undermines professional journalism's ability to influence public discourse. The platforms of misinformation, now supported by states and private entities during conflicts and wars, threaten to strip the profession of its core roles of accountability and oversight.

Muhammad Khamaiseh Published on: 13 Nov, 2024
Challenging the Narrative: Jeremy Scahill on the Need for Adversarial Journalism

Investigative journalist Jeremy Scahill calls for a revival of "adversarial journalism" to reinstate crucial professional and humanitarian values in mainstream Western media, especially regarding the coverage of the Gaza genocide.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 10 Nov, 2024
Freedom of the Press in Jordan and Unconstitutional Interpretations

Since the approval of the Cybercrime Law in Jordan, freedom of opinion and expression has entered a troubling phase marked by the arrest of journalists and restrictions on media. Musab Shawabkeh offers a constitutional reading based on interpretations and rulings that uphold freedom of expression in a context where the country needs diverse opinions in the face of the Israeli ultra right wing politics.

Musab Shawabkeh
Musab Al Shawabkeh Published on: 8 Nov, 2024
Voting in a Time of Genocide

The upcoming U.S. presidential election occurs against the backdrop of the ongoing genocide in Gaza, with AJ Plus prioritising marginalised voices and critically analysing Western mainstream media narratives while highlighting the undemocratic aspects of the U.S. electoral system.

Tony Karon Published on: 22 Oct, 2024