على أبواب اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف الثالث من أيار/ مايو من كل عام، تواصل نقابة الصحفيين الأردنيين فرض قيودها وتضييقها على العمل الصحفي وممارسيه من غير المنتسبين إليها؛ إذ أوصت الهيئة العامة في النقابة بتطبيق القانون على منتحلي المهنة وتوعدتهم بالإحالة على المدعي العام، خلال اجتماعها السنوي، لتضع مئات الصحفيين أمام خطر الملاحقة القانونية لأنهم فقط "صحفيون".
لا يعد مثل هذا القرار إجراءً جديدا؛ فسبق أن عممت النقابة على المؤسسات الحكومية مذكرة لوقف التعامل مع أي صحفي من غير أعضاء النقابة، مستثمرة القوانين التي جعلت من نقابة الصحفيين الجسم القانوني الوحيد الممثل للصحفيين، وكل من يعمل خارج هذا الإطار يعد مخالفا للقانون وعرضة للمحاسبة القانونية. يُعــرِّف قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998 وتعديلاته الصحفــي بأنــه "عضــو النقابـة المسجل فــي سـجلها واتخـذ الصحافـة مهنـة لـه وفق أحكام قانونها"، في حين يُعرّف قانون نقابة الصحفيين رقم (15) لسنة 1998 الصحفي بأنه "عضـو النقابـة المسجَّل فـي سـجل الصحفيين، واتخذ الصحافـة مهنة لــه وفـق أحكام هذا القانون".
أوصت الهيئة العامة في نقابة الصحفيين بتطبيق القانون على منتحلي المهنة وتوعدتهم بالإحالة على المدعي العام، خلال اجتماعها السنوي، لتضع مئات الصحفيين أمام خطر الملاحقة القانونية لأنهم فقط "صحفيون".
مزيد من التضييق
لا تستغرب الصحفية الأردنية المستقلة روان نخلة مثل هذه التوصيات؛ إذ تراها "تتويجا للبيئة الخانقة للعمل الصحفي ومطاردة لكل غير منتسب للنقابة". تقول نخلة -وهي غير منتسبة لنقابة الصحفيين- لـ "مجلة الصحافة" إن "الصحفيين المستقلين غير المنتسبين يتصدرون المشهد الإعلامي في الأردن وغالبيتهم يتعاونون مع مؤسسات كبرى خارج الأردن وينقلون الأحداث بمهنية وحرفية، ومثل هذه التوصيات تشوه صورة الصحفي وتضعه في سياق المخالف للقانون والمسيء للمهنة، ومن المقلق إشعار الصحفي بأنه سيُتخلى عنه ويُعاقب بوصفه مجرما".
وترى نخلة في السياق نفسه أن "المشهد الصحفي هو جزء من المشهد السياسي في أي دولة؛ فمتى كانت هناك رحابة واتساع في العمل السياسي، أثر ذلك إيجابيا على العمل الصحفي، والعكس صحيح. إننا في الأردن نمر بمرحلة تدار بشكل أمني، تتطلب منا بوصفنا صحفيين التعامل معها مضطرين إلى خلق أدوات للتعامل مع تحديات باتت تتضاعف وتعرقل عملنا، كذلك أصبحنا نفكر أكثر من اللازم بإجراءات السلامة والحماية من خلال تفاصيل لا تتطلب كل ذلك".
عممت النقابة على المؤسسات الحكومية مذكرة لوقف التعامل مع أي صحفي من غير أعضاء النقابة، مستثمرة القوانين التي جعلت من نقابة الصحفيين الجسم القانوني الوحيد الممثل للصحفيين، وكل من يعمل خارج هذا الإطار يعد مخالفا للقانون وعرضة للمحاسبة القانونية.
من جانب آخر، يرى الصحفي في قناة رؤيا غير المنتسب للنقابة، عدي الصافي، أن "مثل هذا القرار جيد في حال كانت النقابة واضحة في تحديد أبعاده وتأثيراته والأسس التي سيقوم عليها وآلية تطبيقه، لكن من دون ذلك وبهذا الشكل سيكون مُعوَّما وفضفاضا، فهل يمكن ملاحقة مئات الصحفيين؟".
ويرى الصافي أن القرار "سينعكس سلبيا على الصحفي وعلى المحتوى الإعلامي ليجعله سطحيا ومُعوّما، بعيدا عن التغطيات المعمقة، ويجعلنا نفرض رقابة ذاتية شديدة، تضاف إلى القوانين التي تقيد من عملنا وتجعلنا أكثر حذرا وبعيدين عن التابوهات المغلقة خوفا من أي ملاحقات قانونية. واليوم نتفاجأ بقرار جديد وتقييد جديد صادر عن نقابة الصحفيين التي من المفترض أن تسهل عملنا وتحمينا".
تقول نخلة -وهي غير منتسبة لنقابة الصحفين- إن "الصحفيين المستقلين غير المنتسبين يتصدرون المشهد الإعلامي وغالبيتهم يتعاونون مع مؤسسات كبرى خارج الأردن ومثل هذه التوصيات تشوه صورة الصحفي وتضعه في سياق المخالف للقانون والمسيء للمهنة".
توصية بحدها الأدنى
يبرر عضو مجلس نقابة الصحفيين، خالد القضاة، التوصيات بأنها "جاءت نتيجة للعديد من الممارسات التي تلمسها النقابة، وتتمثل في إطلاق بعض الأشخاص على أنفسهم وصف صحفي عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق غايات معينة، ما أضر بالعمل الصحفي وأعاقه وخلق حالة من الازدحام".
يؤكد القضاة في حديثه لـ مجلة الصحافة أن "تطبيق التوصية لن يذهب إلى الحد الأقصى وسيراعي كل حالة على حدة لتطبيق قرار الهيئة العامة، وسيكون هناك فرز للأشخاص وطبيعة عملهم ومسمياتهم وعلاقتهم الوظيفية مع المؤسسات الإعلامية التي يعملون بها".
ويشرح القضاة تفاصيل القرار قائلا: "سنحيل على المدعي العام من لا يعملون مع مؤسسات إعلامية وينتحلون صفة إعلامي، وسنعالج -بالتوازي مع ذلك- القضايا الأخرى مثل الحديث مع مؤسسات لتوصيف الصحفيين بمسميات وظيفية صحيحة وتعديل القوانين لتشمل الصحفيين الأردنيين العاملين لصالح مؤسسات إعلامية عربية أو دولية أو أردنيين عاملين خارج الأردن".
لا ينكر القضاة أن قانون النقابة الحالي قاصر عن ضم كل الصحفيين الذين يعملون في مؤسسات إعلامية محلية أو عربية أو دولية، وأن القانون بمسمياته الحالية لم يراع التطور والتقدم وتعدد المهن الصحفية، إلا أنه يصر على أن عضوية النقابة يجب أن تكون شرطا لممارسة العمل الصحفي قائلا: " ما زلنا نصر على أنه يجب أن تكون عضوية النقابة هي الحامي لكل العمل الإعلامي، ولكن يجب أن يكون قانونها منصفا وعادلا ومراعيا ويستشرف المستقبل، وأن تكون مظلة تحمي المؤسسات الإعلامية وقطاع الإعلام والمجتمع".
يبرر عضو مجلس نقابة الصحفيين، خالد القضاة، التوصيات بأنها "جاءت نتيجة للعديد من الممارسات التي تلمسها النقابة، وتتمثل في إطلاق بعض الأشخاص على أنفسهم وصف صحفي عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق غايات معينة، ما أضر بالعمل الصحفي وأعاقه وخلق حالة من الازدحام".
أما عن الحل فيرى القضاة أنه لا بد أن تكون ممارسة المهنة مشروطة بإجازة وفق نصوص القانون؛ "فبعد التخرج من كليات الإعلام يخضع الصحفي لعامين من التدريب ويجتاز امتحانا ليتمكن من ممارسة المهنة والعمل بشكل قانوني".
عهد جديد من التضييق والتشدد
انتهجت التشريعات الأردنية الناظمة للعمل الصحفي نهج التشديد، والحال أن المشرع الأردني ربط ممارسة مهنة الصحافة بشرط الانتساب إلى عضوية النقابة انتسابا إجباريا، وهذا يشكل انتهاكا صارخا لحق دستوري وارد في المادة (15) من الدستور، يضمن للأردنيين حرية الرأي والتعبير، بحكم أن الصحافة تعد مظهرا من مظاهر هذه الحرية، كذلك يعد هذا التقييد تجاوزا صارخا لمبادئ أرستها المواثيق الدولية، وفق دراسة بعنوان "إلزامية العضوية في نقابة الصحفيين كقيد لممارسة العمل الصحفي".
ولا بد من الإشارة إلى أن هذه القيود تشكل إخلالا بالتزامات الأردن الدولية؛ فقد تلقت الحكومة الأردنية من قبل منظمة مراقبة حقوق الإنسان في عام 2005، رسالة تفيد بتأييد إلغاء إلزامية عضوية نقابة الصحفيين، لأنها تشكل خرقا واضحا للاتفاقيات والمواثيق الدولية وتخل بالالتزامات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والمترتبة على الأردن؛ ذلك أن دور النقابة يقوم على أساس المشاركة الحرة بعيدا عن القيود الإلزامية التي تعوق العمل الصحفي وحرية الصحافة. وأضافت هذه الرسالة أن التمسك بإلزامية العضوية مبني على حجج واهية غير مقنعة تتمثل في "تعزيز المعايير الصحفية الرفيعة والحد من النفوذ الأجنبي وحماية حرية الصحافة، التي تعد حججا غير منطقية هدفها فقط تبرير إلزامية العضوية للنقابة، التي تؤدي بدورها إلى انتهاك عدد من حقوق الإنسان".
ويتقاطع المحامي المختص في حقوق الإنسان، أيمن هلسة، مع رأي القضاة ويرى في تصريح لمجلة الصحافة أن "نقابة الصحفيين تعمل بموجب القانون وتطبق نصوصه معتقدة أنها بهذه الطريقة ستحمي مهنة الصحافة؛ فعلى الرغم من أن المعايير الدولية جميعها تؤكد أن الانتساب للنقابة يعد أمرا اختياريا ولأي شخص الحق في ممارسة المهنة، فإنها تنص على أن ممارسة المهنة مرتبطة بعضويتها".
يرى هلسة أن فكرة وجود نقابة الصحفيين جاءت لأمر تنظيمي بحت، لا يفترض منه أن يحد من حرية الرأي والتعبير أو من حق الأشخاص الراغبين في ممارسة المهنة، قائلا: "هذا القرار سيقلل من نسبة العاملين في المهنة ولا سيما في إطار عدم استيفاء كثيرين للشروط التي تضعها النقابة للانضمام إلى عضويتها، ومن ثَم ستصبح الصحافة حكرا على فئات محددة، وكل من يحاول أن يمارس المهنة سيجد نفسه أمام خطر الملاحقة القانونية نتيجة لنصوص فُصّلت على مقاسه".
وبهذه التوصيات يدخل مئات الصحفيين الأردنيين في دوامة عهد جديد من التضييقات والتشديدات على عملهم الصحفي في ظل مناخ تشريعي يرهن ممارساتهم الصحفية لقوى رسمية نقابية، رغم أن اجتهاد اللجنــة المعنية بحقــوق الإنســان، والمحكمــة الأوروبيـة لحقـوق الإنسـان، ومحكمـة الـدول الأمريكيـة لحقـوق الإنسـان، والمحكمـة الأفريقيـة لحقـوق الإنسـان، ينص على عـدم جـواز فـرض أي قيـد يحـد مـن ممارسـة العمـل الصحفـي؛ فقـد أشارت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان إلى أن مفهـوم الصحفـي ليس مرتبطا بأي اشتراطات مثل التسجيل في نقابــة للصحفيين.