الإعلام المساند للثورة في سوريا.. سياقات النشأة وإكراهات الاستدامة

الإعلام المساند للثورة في سوريا.. سياقات النشأة وإكراهات الاستدامة

بعد عقدٍ ونيّف من العمل الإعلامي تستعد مؤسسات إعلام سوريّة، جمعتها الثّورة الشعبيّة ضد نظام الأسد، لحجز مقعدٍ لها في الساحة الإعلاميّة عبر إعلان افتتاح مكاتبَ لها في سوريا.

ومع اقتراب تاريخ انطلاقة الثورة - الأول منذ تحرير سوريا - يستعرض المقال أبرز محطات تطور الإعلام السوري المساند للثّورة، والسياسات النّاظمة لعمله، وكيف أعاقت القوانين فرصته في تحقيق الحوكمة، تلافياً لعثرات الماضي واستشرافا لمستقبل أفضل لدور الصحافة في المرحلة الجديدة.

 

نشأة الإعلام المساند للثورة (2011 -2012)

امتاز الإعلام السوري المساند للثورة منذ بدْء الحِراك الشعبي عام 2011 بطابعٍ أهلي، ولد من رحم المجتمع المدني في سوريا. نشأ في البداية كمبادرات فردية تطوعية، استقطبت طلاباً وخريجي جامعات، عملوا جنباً إلى جنب مع لجانٍ ومجالسَ محلّية مدنية، قدّر عددها بـ 78 لجنة، تركزت في  المناطق الأولى التي خرجت عن سيطرة نظام الأسد؛ كريف دمشق وحمص وإدلب ودرعا، تدور جميعها في فلك ما عرف سابقاً باسم "التنسيقيات"، ضمّت صحفيين وناشطين في مجال حقوق الانسان، والطبقة العاملة في سوريا، وممثلين عن الجاليات السورية في الخارج، وقد تمكنت من احتواء الوضع السوري الجديد، فقسمت مهامها بين توثيق الحِراك الشّعبي في المدن والبلدات، وتنظيمِ المظاهرات، وبين سدّ الاحتياجات الطبِّية والتعليمية والإنسانية، ونشر قوائمَ بأسماء الضّحايا والمختفين قسرياً وبأعداد النازحين، وتسجيلِ نقاطِ خرق الهدنة الدولية..

وأمام سيل الشائعات والتّشكِيك بحقيقة ما يجري في سوريا، عمَد الناشطون في المجالس المحلية إلى رفع مستوى الثّقة بمحتواهم عبر حمل لافِتات تُظهر التاريخ ومَعالم المكان، وكل ما يمكنه دحض الشّكوك بصحّة الحدث. وهكذا تيقّنوا من أهمية الظهور الإعلامي تمكيناً لسردية الثورة، فأدلوا بشهاداتهم لقنواتٍ إخبارية رائدة، وأصبحوا بفضل تزويدهم بالأجهزة والمعدات والتدريب اللازم، مصادر إخبارية موثوقة في سوريا. فقناة "الجزيرة" على سبيل المثال اعتمدت على الناشطين بنسبة 46.3%، في حين اعتمدت على مصادرها الخاصة والحكومية والمعارضة السورية بنسبة 30.5%.

امتاز الإعلام السوري المساند للثورة منذ بدْء الحِراك الشعبي عام 2011 بطابعٍ أهلي، ولد من رحم المجتمع المدني في سوريا ونشأ في البداية كمبادرات فردية تطوعية، استقطبت طلاباً وخريجي جامعات، عملوا جنباً إلى جنب مع لجانٍ ومجالسَ محلّية مدنية.
 

ترافقت هذه الجهود مع ميلاد منافذ إعلامية، شكّلت في مجموعها باكورة وسائل الإعلام المساندة للثورة، بينها شبكات إخبارية وإذاعات وصحف، ولعل أبرزها "شبكة شام الإخبارية"، التي نشأت بتاريخ 22 فبراير/شباط عام 2011 وإذاعة "وطن" التي بثّت كأول إذاعة سورية معارضة من دمشق. أما الصحف، تخصصت في تغطية أخبار المنطقة المعنية بها، ونشر قائمة بأسماء المفقودين منها وصورهم، حظي بعضها بتمويل خاص من موارد الأعضاء المساهمين في التحرير والنشر "بغرض تقديم خطاب إعلامي مستقل عن خطاب الحكومة أو خطاب الثورة"، كجريدة "سوريتنا" (26 تشرين الثاني 2011) في دمشق، وصحيفة "عنب بلدي" في داريا بريف دمشق عام 2011، و"أكسجين" في الزبداني بريف دمشق مطلع عام 2012، و"هنتا" في السلمية بريف حماة وصحيفة "دودة" في السويداء. 
 

هل هو "العصر الذهبي"؟ (2013- 2015)

استطاعت وسائل الإعلام المساندة للثورة إِثراء السردية السورية في جعلها موحّدة ومدركة من قبل المجتمع الدولي على نحو واسع، وعزّز ثِقة المانحين الدوليين في دعمهم لمبادرات إعلامية متبنية لخطاب الثورة. يصف مدير وحدة الدراسات في مركز "جسور"، عبد الوهاب العاصي، هذه الفترة بـ "الذهبية" بالنسبة للإعلام السوري المساند للثورة، حيث استطاعت بعضها تخفيف العبء المادّي عبر استقطابِها مشاريعَ دولية غير ربحية لتمويلها، فيما "أدى بعضُ عامليها أدواراً في صنع القرار السوري عبر حضور اجتماعات مع الكونغرس الأمريكي والاتحاد الأوروبي"، لكن تصاعد الحرب دفع بوسائل الإعلام إلى التمركز في شمال غرب سوريا، قبل خروجها تباعاً نحو دول الجوار والعالم.

في دول المهجر، يواجه الإعلام السوري المساند للثورة فصلاً آخر من التحديات، فهو يعمل كوسائل إعلام "مستترة" تحت مسميات قانونية مختلفة، حرصاً على استئناف عمله. غير أن التحديات الأكبر تتجلّى في القوانين الداخلية الناظمة لعمل وسائل الإعلام، ولعل أبرز الصعوبات وفق مقابلات أجرتها الكاتبة مع إداريين حاليين وسابقين وصحفيين يعملون في تركيا وأوروبا، تتمثل في النشأة القانونية، الأمان الوظيفي، الرؤية الإدارية والتمويل.

 

1. النَّشأة القانونية في الشتات

حتى عام 2013 كان قرار انتقال مؤسسات الإعلام السوري المساند للثورة إلى المهجر خياراً غير مُلِحّ لدى العديد منها، خاصة وأنه كان باستطاعة معظمها العمل داخل سوريا، لكن الحصول على التّمويل اللازم لضمان استمرار عملها عبر فتح حسابٍ مصرفي شكّل مطلباً مشتركاً بين جميع المؤسسات بلا استثناء، وحافزاً لنقل مكاتبهم الرئيسة من سوريا نحو الخارج، وتحديداً إلى تركيا. 

تشترط الجهات المانحة بنوداً عامة لتمويل أي مؤسسة إعلامية أهمها أن تكون المؤسسة مسجّلة وتعمل وفق ترخيصٍ قانوني مُعلن، ولديها نظام داخلي ورؤية إستراتيجية توضح أهداف المؤسسة وآلية عملها، المبنية على حرية التعبير ونبذ العنصرية والتمييز بين الجنسين بالدرجة الأولى. 

في حديث لمجلة الصحافة، يرى المنسّق الإداري السابق لراديو روزنة، عمرو فاضل، أن عدداً غير قليل من مؤسسات الإعلام المساندة للثورة اضطرت للبحثِ عن بدائل قانونية تسمح لها بالعمل في تركيا، فكان الترخيص الأكثر رواجاً هو "مؤسسة غير ربحية" نظراً لمرونة شروطها في السماح باستئجار مكاتب، وشراء معدات ولوازم لوجستية، وفتح حساب بنكي لاستقبال حوالات التمويل، شريطة وجود محاسب قانوني مسؤول عن تزويد مصلحة الضرائب التركية بجميع حسابات المؤسسة، المرخصة أصولاً كـ "مؤسسة غير ربحية".  

 

قدّر عدد وسائل الإعلام المساندة للثورة خارج سوريا حتى عام 2019 بـ 55، بواقع 31 في تركيا، و11 في أوروبا، إلا أن عددها في تركيا انخفض عام 2023 ليصل إلى 22 مؤسسة إعلامية مع إغلاق قناة "أورينت" آخر مكاتبها في إسطنبول، وإعلان موقع "شبكة بلدي نيوز" توقفه عن العمل، فيما تم نقل مقر قناة "حلب اليوم" من غازي عينتاب إلى حلب عام 2020.

 

أحصت الكاتبة (2025) 16وسيلة إعلام تنشط خارج سوريا، تركزت غالبيتها بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، تعمل خمسة منها بترخيص نشط في تركيا، وتعمل 5 أخرى بترخيص نشط في ألمانيا، فيما تعمل وسيلة واحدة في فرنسا وأخرى في الولايات المتحدة الأمريكية. بعد عام 2015 آثرت وسائل إعلام أخرى ترخيص نشاطها في دول أوروبية نظرا لسهولة الحصول على الترخيص فيها، ولضمان استمرارية عملها وصونها عن أي قرارات حكومية مفاجئة قد تعيق نشاطها في أي من الدول التي تعمل فيها. ووفق هذا النطاق، تعمل 4 مؤسسات إعلامية بتراخيص سارية، في آن واحد، في كل من تركيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.

يعتقد فاضل، المنسق الإداري السابق لراديو روزنة، أن "حصول مؤسسات إعلام سورية على تراخيص عمل كـمؤسسات غير ربحية، والتباين القانوني في الهيكلية الناظمة لعمل كلّ منها، مكّن غالبيتها، وتحديداً العاملة في تركيا، من بناء هيكليّة خاصّة ذات طبيعة مركزية، تعمل وفق رؤى فردية. سهّل هذا التفرد التنظيمي السائد بين عامي 2013- 2017 على مؤسسات إعلامية الالتفاف على حقوق الصحفيين، وتسبّب في غياب أولى ركائز الأمان الوظيفي، ممثلة بعقود العمل والتأمينات الصحية".

 

2. غياب الأمان الوظيفي

استندت عملية سبر الآراء وتجارب صحفيات وصحفيين حول الأمان الوظيفي إلى معيارين هما: 1) عقود العمل 2) الأجور الشهرية، المكافآت، الترقيات والتعويضات. بعضهم عملوا في مؤسسات إعلام سورية، وآخرين لا يزالون على رأس عملهم، امتنعوا عن ذكر أسمائهم لدواعٍ مهنية واعتبارات شخصية.

يعرف عقد العمل بأنه اتفاق قانوني مبرم بين طرفين، ينص على حقوق وواجبات، تخضع لقانون العمل المعمول به في الدولة. في الحالة السورية كان الوضع مغايراً. تصف أروى الباشا، وهي صحفية سورية، عملت في وسائل إعلام مختلفة، الواقع الإداري والقانوني داخلها بأنه عشوائي يفتقر إلى المؤسساتية، "معظمها أنشئ على عجل، فلا عقود عمل تُبرَم، ولا تأمينات تذكر". 

يتفق الصحفي السوري، يحيى الحاج نعسان، مع رأي الباشا في الإقرار بأن ثقافة العمل بالتراضي عمّت معظم المشاريع العاملة باسم الثورة، وليس فقط المشاريع الإعلامية. عمل يحيى صحفياً في وكالة "سانا" للأنباء حتى اندلاع الثورة عام 2011، فانشقّ وأسس مع زملاء له مجلات وصحف فردية نشطت في الغوطة الشرقية، ليلتحق عام 2018 بالعمل في قناة "أورينت" محررا ثم مديرا للموقع الإخباري حتى إغلاقها عام2023. 

 

وتصف صحفية أخرى (تحفظت عن اسمها لاعتبارات مهنية)، عقود عملها السابقة مع عدد من الوسائل بـ "عقود إخلاءٍ بالمسؤولية، تنصّ بصيغة بدائية على شروط العمل دون ضمان يحمي حقوق الصحفيين أو يصونهم من الفصل التعسفي". لكن عقود العمل حالياً باتت أكثر مؤسساتية على نحو ملموس، بحسب تعبيرها، بينما، يكشف صحفي آخر أن تغييراً خجولاً طرأ على عقود العمل في بعض مؤسسات الإعلام، تمثّل في اعتماد العقود مكتوبة، مع بقائها غير مسجلة في الدولة التي تنشط فيها المؤسسة الإعلامية حتى اليوم.

أما المكافآت، فتكاد تكون منعدمة في غالبية المؤسسات الإعلامية، لاسيما وأنها تبقى مرهونة أولا بعلاقة مهنية وطيدة مع المدير، وهذا العرُف القائم أفسد مهنة الصحافة، وجعل لغة "الوساطة" أقوى من المؤهل العلمي واللغة السليمة والخبرة، بحسب الباشا والحاج نعسان، فيما يعتقد قلة من الصحفيين الذين حاورتهم أن معيار الكفاءة هو الذي يحكم الترقية وتقدير الجهد. 

 

الرؤية الإدارية: "هل من يموّل يقرر؟"

تميل المنظومة الإدارية الحاكمة لعمل مؤسسات إعلام سورية إلى التمايز عن بعضها البعض تبعاً لمقر عملها. في تركيا، تسود الرؤى الفردية على القوانين الداخلية لمعظم وسائل الإعلام، ما يجعلها تبدو كمؤسسات الفرد الواحد، وهو ما تسبب بحدوث شرخ في هويتها، فبينما تنطوي الهوية الأولى على تعريف الوسيلة أمام الجمهور والجهات المانحة بصفتها ملك للشعب السوري وناطق بلسان حاله، يسبغ المدير سمة "الوصائية" على هويتها الداخلية، فتبدو أقرب ما تكون إلى ملكية فردية. إنّ هذا النهج بحسب المنسق الإداري السابق لراديو روزنة، عمرو فاضل، كرّس مع الوقت اعتقاداً بأن مدير المؤسسة هو المالك الحصري لها، وبأن التفكير بتغييره أو بمناقشة الفكرة هو أمر غير مطروح للنقاش، "فطوال فترة عملي السابقة لم أسمع بتغير مدير تنفيذي ضمن الوسط الإعلامي إلاّ قلّة قليلةٍ جدّاً لا تتجاوز 1 بالمئة من وسائل الإعلام السورية".

تميل المنظومة الإدارية الحاكمة لعمل مؤسسات إعلام سورية إلى التمايز عن بعضها البعض تبعاً لمقر عملها. في تركيا، تسود الرؤى الفردية على القوانين الداخلية لمعظم وسائل الإعلام، ما يجعلها تبدو كمؤسسات الفرد الواحد، وهو ما تسبب بحدوث شرخ في هويتها.
 

ولعل أبرز تجلّيات هذا النهج تمثّلت في رسم بعض الإداريين سياسةً تحريرية تحاكي تطلعات الجهات المانحة. يفيد مسؤول سابق عن تمويل مؤسسات الإعلام في الشرق الأوسط بأنه "في حين تفصح جهات عن تمويل مؤسسات معنية بقضايا محددة؛ كالنساء أو الأطفال، تسعى مؤسسات إعلامية، بداعي رفع فرص تمويلها، إلى توسيع نطاق أجندتها الإعلامية بما ينسجم وأهداف المانحين، ويفضي هذا إلى استنتاج ميل الجهات المانحة بالنأي عن التدخل في إدارة شؤون مؤسسات الإعلام السوري، "باستثناء إدارة الأموال تلافياً لأي خلل". 

على الجانب الآخر، وجدت مؤسسات إعلام سورية في أوروبا أن دمج الأدوار الإدارية بالمهام التحريرية هو إجراء أكثر مرونة وأقل بيروقراطية.. تمكّن هذه الإستراتيجية من اتساق الرؤى التحريرية والإدارية، والتي قد تمنح للإداريين فهماً أعمق لاحتياجاتهم كصحفيين، وتلبي حاجتهم للبقاء على قيد العمل وفق تكاليف محدودة.

 

تخضع "الجمهورية"، وهي منصة إعلامية سورية مرخصة في أوروبا، لقانون العمل الألماني من حيث العقود وساعات العمل، ومتوسط الأجور، الخبرات والمهارات. وخلافاً لعقود العمل في تركيا، يبين قاسم البصري، الصحفي والعضو في مجلس إدارة منصة "الجمهورية" في حديث لمجلة الصحافة أن "لكل وظيفة في الجمهورية عقد عمل يعرف باسم " TOR" في ألمانيا، يحدد الحقوق والمسؤوليات، وعندما تتغير المهام بموجب اتفاق مع الموظف/ة أو منحه منصباً معيناً، يتم تغيير الـ TOR". وحول نية "الجمهورية" بدء العمل في سوريا، يجيب البصري "لقد بدأنا ذلك بالفعل".

 

تحريرياً، ينفي المسؤول السابق عن تمويل مؤسسات الإعلام في الشرق الأوسط تدخل الجهات المانحة في تحديد السياسة التحريرية لأي من مؤسسات الإعلام السورية، وهو ما أكده الصحفي قاسم البصري بخصوص منصة "الجمهورية"، إلا أن المنسق الإداري السابق لراديو روزنة عمرو فاضل يؤكد أن وصائية المانحين على السياسة التحريرية تنعكس في إلزام الوسائل بتغطية أحوال السوريين خلال الحرب في سوريا لا بمجرياتها العسكرية، والنأي بالنفس عن التدخل في شؤون البلدان المضيفة، حيث تعمل فيها. 
 

رهان الاستدامة

أحيا تمويل الجهات المانحة النشاط الإعلامي، ومكّن الكثير من الشباب من "كسب لقمة العيش"، وأعاد الاعتبار للصحافة السورية بصفتها مهنة تكسّب مجزية ماديا. يجري التمويل عادة وفق طريقتين؛ الأولى عبر إعلان الجهات المانحة عن رغبتها في تمويل مؤسسات إعلامية، تسبقها دراسة لوضع البلاد التي تنتمي إليها مرفقة بمسح شامل عن المؤسسات الفاعلة منها. أما الطريقة الثانية - بحسب المسؤول السابق عن تمويل مؤسسات الإعلام في الشرق الأوسط - فهي أكثر نجاعة؛ لأنها مرهونة بمهارة الصحفيين في التشبيك وتوطيد علاقات مهنية مع الجهات المانحة والمشاركة في مؤتمرات صحفية عالمية.

أصبح التمويل عاملاً هاماً في تحديد التبعية الإدارية لمؤسسات الإعلام المساندة للثورة. طوال السنوات السابقة حظيت غالبية مؤسسات الإعلام السورية في الخارج بنوعين من التمويل هما: ١) التمويل الشخصي: القائم على شخص أو رجال أعمال، ذات هدف ربحي أو سياسي ٢) التمويل الخارجي والذي يتفرع إلى مصدرين: أ) التمويل الأوروبي، ب) التمويل الأمريكي. 
 

لاحقاً، أصبح التمويل عاملاً هاماً في تحديد التبعية الإدارية لمؤسسات الإعلام المساندة للثورة. طوال السنوات السابقة حظيت غالبية مؤسسات الإعلام السورية في الخارج بنوعين من التمويل هما: ١) التمويل الشخصي: القائم على شخص أو رجال أعمال، ذات هدف ربحي أو سياسي ٢) التمويل الخارجي والذي يتفرع إلى مصدرين: أ) التمويل الأوروبي، ب) التمويل الأمريكي. 

يتسم التمويل الأوروبي بأنه بعيد المدى، يشترط حصول المؤسسة على ترخيص قانوني يسمح لها بمزاولة العمل الإعلامي، وحساب مصرفي باسم الجهة المانحة لتنظيم ورقابة التمويل. في الحالة السورية، أسهمت الجهات الأوروبية المانحة في نشوء عدد لا بأس به من وسائل الإعلام تقوم على منح تمويل جزئي يغطي جانباً من نشاطات كل مؤسسة؛ كأن يجري تمويل برنامج إذاعي، أو نشرات الأخبار، أو تمويل أجور الإداريين، أو تغطية النفقات اللوجستية. 

أما التمويل الأمريكي فيعرف باسم التمويل "الغاشم"، يعتبر المسبب الأبرز لإنهاء عمل عدد من مؤسسات الإعلام المساند للثورة. يقوم على تمويل مفتوح برأس مال ضخم لإنشاء مؤسسة إعلام حيث يحق لمدير المؤسسة التصرف بحرية في إنفاقه دون الالتزام بوقت محدد ودون رقابة على أوجه الإنفاق. وق تسبب السخاء المالي الأمريكي بتوثيق حالات من الفساد الإداري والمالي في مؤسسات إعلام عدة.

لكن التسليم بتوقف التمويل عن وسائل إعلام سورية كسبب رئيسي لتسويغ إغلاقها هو بحسب المسؤول السابق عن تمويل مؤسسات الإعلام في الشرق الأوسط غير دقيق؛ "فتمويل الجهات المانحة مستمر على نحو ثابت وبمقدار معين، دون نقصان، وإنما تتغير وجهته بانتظام نحو أكثر الدول حاجة لدعم مشاريعها الإعلامية. وطوال السنوات العشر الأخيرة، بدأ ضخ أموال الجهات المانحة لصالح الإعلام العامل من أجل سوريا، بينما توقف عن العراق وفلسطين، وتقلص خلال فترة كوفيد عام 2019 وانكمش على نحو كبير مع اندلاع مع الحرب الأوكرانية". 

غير أن اتكال مؤسسات إعلامية على مصدر تمويل واحد، وانكفائها على نفسها دون السعي إلى خلق تعاون مشترك مع وسائل إعلام أخرى جعلها عرضة للإغلاق المفاجئ، ولعل أبرز الوسائل الإعلامية التي عملت بتمويل أمريكي وتوقفت بعد سقوط نظام الأسد، هي قناة "حلب اليوم" و"راديو الكل".

ورغم تعدد الأسباب، بقي التمويل عاملاً حاسماً يؤثر على فرص استمرارية الإعلام السوري المساند للثورة؛ فغالبية الإذاعات التي عملت بشكل فردي انتهت بالإغلاق، بينما تعمل أخرى مع منفذ رديف لها (موقع، قناة) ضمن منظومة إعلامية مشتركة. في حين أجبرت العديد منها على الاكتفاء بمواصلة النشر عبر منصاتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي. 

 التمويل الأمريكي يعرف باسم التمويل "الغاشم"، يعتبر المسبب الأبرز لإنهاء عمل عدد من مؤسسات الإعلام المساند للثورة. يقوم على تمويل مفتوح برأس مال ضخم لإنشاء مؤسسة إعلام حيث يحق لمدير المؤسسة التصرف بحرية في إنفاقه دون الالتزام بوقت محدد ودون رقابة على أوجه الإنفاق. وق تسبب السخاء المالي الأمريكي بتوثيق حالات من الفساد الإداري والمالي في مؤسسات إعلام عدة.

تبدو قيادة المرحلة الانتقالية إعلامياً من وجهة نظر الصحفيين والصحفيات محفوفة بتحديات فرضها الواقع السوري، تتمثل في قلة عدد مؤسسات الإعلام وضعف الكفاءات، وغياب تماس معظمها مع الشارع السوري، وبالتالي الافتقار إلى فهم الجمهور السوري واحتياجاته وتطلعاته الإعلامية. كل ذلك يمكن احتواؤه بدراسة الجمهور المستهدف، ووضع سياسات إعلامية توافق احتياجاته ورؤية التغيير والنهوض بالبلاد، مع إشراك الصحفيين ممن عملوا داخل سوريا، ودعم العمل الصحفي بالدورات والورشات التدريبية، والاستفادة من تجربة الإعلام السوري في المهجر.
 


ملاحظة المحرر: جرى الاتفاق مع الكاتبة على إخفاء هويات بعض الصحفيين والمسؤولين الإداريين لمسوغات مهنية، مع احتفاظ المجلة بأسمائهم وصفاتهم الحقيقية.

More Articles

Intersections of Journalism and Social Sciences in the Field

The field is where journalism and the social sciences meet at their most dynamic edge. As the world grows more complex, journalists increasingly take on the role of sociologists, without abandoning their core mission to question power and expose uncomfortable truths. By drawing on the methods and insights of social science, journalism deepens its coverage, grounds stories in real-world contexts, and resists the temptation of surface-level narratives.

Mohammed Ahddad
Ahdad Mohamed Published on: 23 Aug, 2025
Anas Al-Sharif’s Killing and the Israeli Media Narrative

Following the assassination of journalist Anas Al-Sharif, Palestinian journalists have been framed in Israeli media as legitimate military targets—part of a deliberate strategy to silence those who bear witness to the truth. This article explores how Hebrew-language media outlets have engaged in rhetoric that incites and legitimises the killing of journalists in Gaza.

Anas Abu Arqoub
Anas Abu Arqoub Published on: 19 Aug, 2025
New Media Reforms in Bangladesh Introduced to Replace Hasina-Era Journalism

Bangladesh’s interim government, led by Muhammad Yunus, has launched ambitious media reforms to undo the legacy of Sheikh Hasina’s 15-year rule, which was marked by censorship, media monopolies, and the notorious Digital Security Act. However, despite promises of greater freedom, journalists remain wary, as self-censorship, restrictive laws, and public scepticism continue to cast doubt on genuine change.

Sumaiya Ali
Sumaiya Ali Published on: 17 Aug, 2025
Monitoring of Journalistic Malpractices in Gaza Coverage

On this page, the editorial team of the Al Jazeera Journalism Review will collect news published by media institutions about the current war on Gaza that involves disinformation, bias, or professional journalistic standards and its code of ethics.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 11 Aug, 2025
The Washington Post: When Language Becomes a Veil for Pro-Israel Bias

How did The Washington Post's coverage differ between Israel’s bombing of Gaza hospitals and Iran’s strike on an Israeli hospital? Why does the paper attempt to frame Palestinian victims within a “complex operational context”? And when does language become a tool of bias toward the Israeli narrative?

Said Al-Azri
Said Al-Azri Published on: 6 Aug, 2025
The Human Story in Gaza: The Deadly Dilemma of “Who Do We Tell About?”

In the accelerating context of genocide, is the “pace” of death in Gaza outstripping journalists’ ability to capture human stories? How can they be expected to take their time crafting narratives amid hunger, displacement, and death? And to what extent can postwar documentation hold journalistic value in preserving collective memory and pursuing accountability for the perpetrators?

Mirvat Ouf
Mirvat Ouf Published on: 3 Aug, 2025
The Battle to Keep Journalists Alive in Gaza

Hungry journalists covering the story of starvation in Gaza, surviving on salt to stay alive, selling their work equipment to secure a “sack of flour” for their children, shedding the “shame” of publicly asking for food, and enduring the harshest media environment just to maintain “continuous coverage”.

Mona Khodor
Mona Khodor Published on: 26 Jul, 2025
Balancing Productivity and Privacy: How Female Journalists Use AI Chatbots

Female journalists in Jordan are harnessing AI chatbots to boost productivity, enhance digital safety, and find emotional support, but their growing reliance also raises critical concerns about privacy, ethics, and the responsible use of emerging technologies in journalism. This article explores how these tools are reshaping their workflows while navigating the challenges of trust and accountability.

Afnan Abu Yahia
Afnan Abu Yahia Published on: 20 Jul, 2025
From "Death Announcement" to "Eulogy": The Obituary as a Journalistic Genre

Obituaries for influential public figures have become a recognised journalistic genre, handled by seasoned reporters in major media outlets. How did this practice evolve, what defines it professionally, and how ethically acceptable is writing obituaries in advance?

Mahfoud G. Fadili
Mahfoud G. Fadili Published on: 17 Jul, 2025
Canadian Mainstream Media’s Orientalist Stance Towards Palestinians

Canadian mainstream media manufactures consent to support Israel through biased language, withholding historical context, and conflating any criticism of the Israeli state with antisemitism. When the Canadian mainstream media covers the question of Palestine, they usually frame it as a religious issue and withhold the historical and socio-political context.

Sarah Samuel
Sarah Samuel Published on: 14 Jul, 2025
Bias by Omission: How Israeli Occupation Crimes Are Filtered in Western Media

Western media coverage of the war on Gaza does not stop at bias in what it chooses to publish; it practices a deeper form of bias: bias by omission. Testimonies are excluded, massacres are marginalized, and the narrative is reshaped to serve a single version of events. This analysis explores how “gatekeepers” in Western newsrooms play a direct role in silencing the Palestinian voice and entrenching the Israeli narrative.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 11 Jul, 2025
From Rwanda to Palestine: How Media Becomes a Partner in Genocide

July 4 each year coincides with Liberation Day in Rwanda, which marks the end of the genocidal war against the Tutsi. This article explains the reasons behind the media’s neglect of the genocide and how the press failed to help prevent it. It also offers a critical perspective on how the same practices are being reproduced in coverage of the genocidal war on Palestine.

Mohammed Ahddad
Ahdad Mohamed Published on: 5 Jul, 2025
How Much AI is Too Much AI for Ethical Journalism

As artificial intelligence transforms newsrooms across South Asia, journalists grapple with the fine line between enhancement and dependency

Saurabh Sharma
Saurabh Sharma Published on: 1 Jul, 2025
How to Tell the Stories of Gaza’s Children

Where does compassion end and journalism begin? How can one engage with children ethically, and is it even morally acceptable to conduct interviews with them? Palestinian journalist Reem Al-Qatawy offers a profoundly different approach to human-interest reporting. At the Hope Institute in Gaza, she met children enduring the harrowing aftermath of losing their families. Her experience was marked by intense professional and ethical challenges.

Rima Al-Qatawi
Rima Al-Qatawi Published on: 26 Jun, 2025
How Is Western Media Framing the Famine Catastrophe in the Gaza Strip?

Can the media subject the issue of famine in Palestine to so-called professional balance even after UN agencies and the International Court of Justice have acknowledged it? Why have many Western media outlets avoided precise legal and ethical terms such as “famine” or “starvation,” opting instead for vague expressions like “food shortage” or “nutrition crisis”? Doesn’t this practice reflect a clear bias in favor of the Israeli narrative and serve to justify the policy of “systematic starvation”?

Fidaa Al-Qudra
Fidaa Al-Qudra Published on: 23 Jun, 2025
Do Foreign Journalists Matter in Covering Genocide? A Look into Bosnia, Rwanda, and Gaza

How did foreign journalists cover the killings in both Bosnia-Herzegovina and Rwanda? Did they contribute to conveying the truth and making an impact? Would the entry of foreign journalists into the Gaza Strip change the reality of the ongoing genocide? And would their coverage of the famine and massacres add to the daily coverage of local journalists? Why is the local press's coverage of wars seen as deficient compared to Western journalism, even though they incur greater losses and casualties?

Saber Halima
Saber Halima Published on: 20 Jun, 2025
Newspapers: An Industry Adapting to Survive Through Digital Transformation

As digital transformation reshapes the media landscape, newspapers in Cameroon are navigating unprecedented challenges and opportunities. This evolution compels them to adapt their strategies to engage a new generation of readers amidst fierce online competition, decreasing government subsidies, and a decline in print sales.

Akem
Akem Nkwain Published on: 16 Jun, 2025
The Mental Toll on India’s Minority-Focused Freelance Journalists

Freelance journalists in India, particularly those reporting on marginalised communities and conflict zones like Kashmir, endure immense emotional and psychological strain, often without any institutional support. What are the hidden costs of reporting on violence, where telling the truth can come at a steep personal price?

Hanan Zaffa
Hanan Zaffar Published on: 10 Jun, 2025
The Role of Social Science Tools in Enhancing Journalism

When French sociologist Pierre Bourdieu was asked about the contribution of the suburbs to elections, he replied that decades of colonialism and complex problems cannot be summarised in 10 minutes. The value of social sciences in supporting journalism is demonstrated when they address issues of society, power, and identity for the sake of better journalism.

Rehab Zaheri
Rehab Zaheri Published on: 6 Jun, 2025
Journalism Colleges in Somalia: A Battle for Survival

Journalism colleges in Somalia are struggling to survive due to outdated curricula, lack of practical training, insufficient funding, and a shortage of qualified educators, leading to declining student enrollment and interest. Despite efforts by institutions like Mogadishu University and Hormuud University to revive journalism education, these challenges persist, threatening the future of journalism in the country.

Al-Shafi Abtidon
Al-Shafi Abtidon Published on: 30 May, 2025
Philippine Activists Fight Archive Erasure and Revive Dictatorship-Era Memories

In the Philippines, archivists fight to preserve evidence of the country’s bloodied past, in hope that it will provide lessons for the future.

Tristan James Biglete
Tristan James Biglete Published on: 27 May, 2025
News Fatigue and Avoidance: How Media Overload is Reshaping Audience Engagement

A study conducted on 12,000 American adults revealed that two-thirds feel “exhausted” by the overwhelming volume of news they receive. Why is the public feeling drained by the news? Are audiences actively avoiding it, and at what psychological cost? Most importantly, how can the media rebuild trust and reconnect with its audience?

Othman Kabashi
Othman Kabashi Published on: 25 May, 2025
Journalism Associations' Fragmentation Weakening Press Freedom in Cameroon

Cameroon's fragmented media landscape has weakened collective advocacy, allowing government repression of journalists to go largely unchallenged. As press freedom declines, voices like Samuel Wazizi's are silenced, while disunity among journalists enables impunity to thrive.

Njodzeka Danhatu
Njodzeka Danhatu Published on: 20 May, 2025
Weaponized Artificial Intelligence: The Unseen Threat to Fact-Checking

How has artificial intelligence emerged as a powerful tool during wartime, and what strategies are fact-checkers adopting to confront this disruptive force in newsrooms? The work of fact-checkers has grown significantly more challenging during the genocide in Palestine, as the Israeli occupation has relied heavily on artificial intelligence to disseminate misinformation.

Ahmad Al-Arja
Ahmad Al-Arja Published on: 18 May, 2025