المحنة المزدوجة للصحفيين الفريلانسرز بغزة

المحنة المزدوجة للصحفيين الفريلانسرز بغزة

منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بات العمل الصحفي في القطاع محفوفاً بالموت في واحدة من أعقد البيئات الجغرافية والسياسية والأمنية. وفي مواجهة هذا الموت يخوض الصحفيون المستقلون – أو من يُعرفون بـ"الفري لانسر" – معركة مزدوجة؛ معركة نقل الحقيقة في ميدان لا تتوانى فيه إسرائيل عن استهداف أي مدني، ومعركة إثبات الذات في ظل غياب الهيكل المؤسسي وانعدام مظلة الحماية القانونية والنقابية التي تكفل لهم أبسط حقوقهم الصحفية بحسب ما تنص عليه المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

وعلى الرغم من النصوص الواضحة لهذه المواثيق الدولية - كاتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول - التي تؤكد على حماية الصحفيين أثناء النزاعات والحروب باعتبارهم مدنيين؛ إلا أن الواقع العملي يكشف عن اختلال فادح في تطبيق تلك الحماية.

ويزداد هذا الخلل وضوحا حين يتعلق الأمر بالصحفيين المستقلين غير المنتسبين إلى مؤسسات إعلامية معترف بها؛ إذ يُستثنَون من لوائح التأمين والتعويضات، ولا توفر لهم معدات سلامة مهنية رغم أنهم يؤدون المهام ذاتها التي يقوم بها زملاؤهم ممن ينتسبون لمؤسسات إعلامية، ويتعرضون للمخاطر عينها التي يواجهونها أثناء التغطية.

هذا التناقض يبرز في أوضح صوره في قطاع غزة؛ حيث قتلت إسرائيل أكثر من 245 صحفياً منذ بدء الحرب من بينهم عدد كبير من الصحفيين المستقلين الذين قضوا أثناء تغطيتهم للأحداث دون أن يكونوا مُسجلين رسمياً في نقابة الصحفيين أو أي إطار مؤسسي آخر. ويجد الصحفيون المستقلون أنفسهم في مواجهة واقع معقّد تتداخل فيه ثغرات قانون العمل مع هشاشة الوضع المعيشي الذي فرضته إسرائيل، ويزيده وطأة تجاهل المؤسسات الإعلامية لحقوقهم ما بعد الاستشهاد أو الإصابة، لتغيب عنهم بذلك كل ضمانات الحماية أو الإنصاف.

من جهة أخرى، وفي واقع مأساوي يعيش فيه الصحفي بصفته جزءا من الخبر لا مجرد ناقل له وحسب، يجد نفسه هدفا مستباحا أمام آلة القتل الإسرائيلية التي بات يرعبها "الدرع الصحفي" ويعطيها الضوء الأخضر لتصفية من يرتديه.

ومع ذلك، يتشبث الصحفيون والصحفيات في غزة بمهنتهم ويواصلون التغطية، مع استمرار غياب الحماية الدولية لهم بصفتهم مدنيين وتذبذب مصادر الدخل، فضلا عن منع دخول معدات السلامة الصحفية وتعرضهم للتجويع الذي يهدد حياتهم بشكل يومي. وبالموازاة، مع ازدياد حجم الخطر على أرواحهم أثناء التغطية في الميدان قررت إسرائيل استباحة دم كل صحفي يقف أمام الكاميرا أو خلفها لأنه ببساطة يفضح جرائمها. ورغم هذا القهر والتهديد الدائم بالموت، يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: ما الذي يدفع الصحفي الفلسطيني إلى مواصلة قرع جدران الخزّان، حتى وهو يدرك أن العالم يتجاهل صوته؟

المصوّر الصحفي رمضان أبو سكران (32 سنة) من شمال قطاع غزة الذي يعمل بشكل مستقل مع عدد من المواقع الصحفية يحاول أن يجيب عن هذا السؤال: "نحن نعمل بلا تأمين أو غطاء من أي جهة رسمية، رغم المخاطر التي نواجهها يومياً في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية المعقدة التي تحيط بنا في غزة" موضحا أن هذا الواقع يعود لطبيعة الظروف السائدة في القطاع؛ إذ إنّ البيئة غير المستقرة لا تتيح غالباً فرصاً للعمل ضمن أطر آمنة أو بضمانات كافية، لا سيما للصحفيين العاملين بنظام القطعة، خصوصاً المصورين."

أمّا سها سكر (27 سنة) المتخصصة في إنتاج القصص الإنسانية فتؤكد أن غياب التأمين الرسمي والحماية المهنية لا يشكلان عائقاً أمام التزامها بمهمتها الصحفية، ذلك أن "سوق العمل في غزة يعاني من نقص حاد في الوظائف الثابتة والضمانات حتى في ظل الأوضاع العادية، فكيف الحال في الظروف الاستثنائية الحالية".

هذه التحديات تتعقد أكثر وفقا لما قاله الصحفي باسل أبو جعرور (28 سنة) حيث "إنّ معظم جهات التشغيل من الوكالات والقنوات العاملة في تغطية أحداث الحرب على غزة لا تقدم أي خدمات تتعلق بحماية المتعاونين معها أو التأمين على حياتهم وسلامتهم. وفي حال طلب الصحفي المستقل أي ضمانات من هذا النوع تنسحب هذه الجهات من اتفاق التعاون."  ويرى أن كثرة الصحفيين المستقلين العاملين بنظام القطعة يساعد هذه المؤسسات في التخلي عنهم بسهولة والبحث عن غيرهم، خاصة أن معظم من يعملون معهم يفتقرون إلى أبجديات السلامة المهنية وأصول التوظيف، أو الأحكام التي تحكم علاقتهم بالجهة المشغلة من حقوق قانونية ومهنية، ومعظم الذين انطلقوا في ميدان العمل الصحفي خلال الحرب الجارية جاؤوا من خلفيات وتخصصات غير الصحافة، وهو ما يشي بقصور كبير على مستوى الوعي بهذه الأحكام".

أمّا أسيل مطر (25 سنة) التي تعمل مصورة ومراسلة في قناة إمي تي في الجزائرية، إلى جانب عملها المستقل مع مواقع أخرى فتقول: "الدافع الأكبر بالنسبة لي هو شعوري العميق بالمسؤولية تجاه أولئك الذين لا يستطيعون إيصال أصواتهم. قد لا أمتلك جهة رسمية تحميني، لكن ضميري وواجبي أقوى من أي تغطية قانونية". كما تبرز أنها توثق بشكل مستمر الأحداث في مستشفى الشفاء الطبي على مدار الساعة، وهي بذلك لا تنقل الأخبار وحسب، بل تحمل معاناة الضحايا وتحاول إيصالها إلى العالم.

 سها سكر (27 سنة) المتخصصة في إنتاج القصص الإنسانية تؤكد أن غياب التأمين الرسمي والحماية المهنية لا يشكلان عائقاً أمام التزامها بمهمتها الصحفية، ذلك أن "سوق العمل في غزة يعاني من نقص حاد في الوظائف الثابتة والضمانات حتى في ظل الأوضاع العادية، فكيف الحال في الظروف الاستثنائية الحالية".

 

الدعم المالي والقانوني

يروي المصوّر الصحفي رمضان أبو سكران أنه تعرض لعدة إصابات خلال تغطيته الميدانية، كانت أخطرها بتاريخ 28 يناير/كانون الثاني 2024، حين أصيب بتمزق في الأمعاء والقولون، وفقد نحو 65% من قدرة يده اليسرى على الحركة. ورغم خطورة وضعه الصحي لم يجد سبيلًا لتغطية تكاليف العلاج سوى الاعتماد على حسابه الشخصي. وخلال تلقيه العلاج في مستشفى الشفاء في مارس/آذار، حاصر جيش الاحتلال مجمع الشفاء الطبي، وهو ما اضطره للفرار وهو على سرير العلاج إلى أحد مراكز الإيواء. وهناك أمضى ثمانية أيام في ظروف بالغة القسوة، دون مياه نظيفة أو علاج، واضطر لشرب مياه البحر، وعجز عن تبديل ضماداته والعناية بجراحه، واصفا تلك النجاة بأنها "معجزة"، قبل أن يتعرض لاحقًا لإصابة طفيفة خلال استهداف مستشفى المعمداني، وهو الهجوم الذي أودى بحياة أربعة من زملائه. ويؤكد أبو سكران أن نقابة الصحفيين لم تقدم له أي دعم يُذكر رغم عضويته، واكتفت بالاطمئنان عليه عبر الهاتف، ولم يتلقَ سوى مبلغ رمزيّ من مؤسسة "فلسطينيات".

وبالمثل فإن باسل أبو جعرور وسها سكر أكدا عدم حصولهما على أي دعم قانوني أو مالي من أي جهة إعلامية. ويحكي أبو جعرور أنه رغم محاولاته المتكررة لمراسلة بعض الجهات بناءً على توصيات من زملائه للحصول على دعم لتعويض المعدات التي خسرها خلال فترات القصف المتكررة وموجات النزوح، فإنه لم يتلق أي استجابة، وغالباً لم يتم حتى تأكيد استلام طلبه، كما لا توجد أي آلية لمتابعة الطلب أو معرفة مصيره، أما سها فتصرح أن "بيت الصحافة" هو الجهة التي تلجأ إليها في حال وجود أي مشكلة قانونية، بينما كان الدعم المالي الوحيد الذي تلقته هو مبلغ مالي رمزي من مؤسسة "فلسطينيات".

 

معدات الحماية

وفيما يتعلق بتوفر معدات الحماية وطرق الحصول عليها، تباينت إجابات الصحفيين الأربعة؛ فبينما يؤكد أبو سكران أنه اشتراها على نفقته الخاصة بما فيها السترة الواقية، توضح سكر أنها لا تملك معدات حماية مثل الدرع الواقي، مؤكدة أن نقابة الصحفيين أو بيت الصحافة يجب أن يوفروا هذه المعدات مجاناً، خصوصاً لمن فقدوها خلال الحرب. وأشارت إلى أنهم في شمال غزة لم يحصلوا على هذا الدعم على عكس بعض الصحفيين في الجنوب، وأن شراء الدرع الآن يعني تحمل تكلفته من مالها الخاص، وهو أمر صعب في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة ودخلها المحدود.

أما أبو جعرور فيرى أنه لا يمتلك أي معدات حماية، موضحا أن ذلك يشكل عقبة كبيرة أمام تغطيته الصحفية الميدانية، ورغم محاولاته المتكررة للحصول على معدات من الجهات التي عمل معها أو التي تدعم الصحفيين لكنه لم يتلقَ أي استجابة، أما أبو مطر فتؤكد أن معداتهم الأساسية تقتصر على كاميرا الهاتف المحمول، وأنه لا توجد جهة رسمية توفر لها معدات حماية، وهو ما يدفعها لشرائها من مالها الشخصي أو تبادلها مع زملائها.

يروي المصوّر الصحفي رمضان أبو سكران أنه تعرض لعدة إصابات خلال تغطيته الميدانية، كانت أخطرها بتاريخ 28 يناير/كانون الثاني 2024، حين أصيب بتمزق في الأمعاء والقولون، وفقد نحو 65% من قدرة يده اليسرى على الحركة. ورغم خطورة وضعه الصحي لم يجد سبيلًا لتغطية تكاليف العلاج سوى الاعتماد على حسابه الشخصي.

 

النجاة من الموت

تبرز مسألة النجاة من الاستهداف كونها أحد أكثر التحديات حضوراً في وجه الصحفيين في غزة؛ حيث لا يقتصر الخطر على طبيعة الميدان بل يتجاوز ذلك إلى الاستهداف المباشر، ومن خلال إجاباتهم تتّضح الصورة القاتمة حول الظروف التي يعيشونها من القصف والتعرض لإصابات بالغة والنجاة.

يروي أبو سكران تجربته حين ذهب لتصوير استهداف في حي الزيتون جنوب مدينة غزة، حيث تعرض منزل مجاور للمكان الذي كانوا يصورون فيه للقصف. كما يصف تغطيته لنزوح أهالي حي الشجاعية وشمال غزة بالخطيرة؛ عندما أطلق عليهم جيش الاحتلال النار بشكل مباشر، عدا عن لحظات الخوف والتوتر التي تلازمه وزملاءه في مستشفى المعمداني؛ حيث تقوم طائرات "الكواد كابتر" بإطلاق النار عليهم بشكل مستمر.

أما الصحفية سكر فتؤكد أنها معرضة لخطر دائم سواء أثناء التغطية أو في تنقلها اليومي متذكرة يوم استهدافها وهي منهمكة في تصوير قصة صحفية، كما نجت أيضاً من استهداف أثناء عودتها من عملها في وسط مدينة غزة، ومن استهداف آخر عندما كانت تجري مقابلة داخل مستشفى المعمداني وسط منطقة "حمراء" شديدة الخطورة.

يقدم أبو جعرور وجهة نظر مختلفة قليلا موضحا أن عمله الصحفي لا يتطلب تغطية ميدانية مباشرة، وهو ما يخفف من حجم تعرضه للخطر أثناء العمل. لكنه -رغم ذلك- يبقى محاصراً بالخطر الدائم في غزة كلها، ويروي حادثة نجاته من القصف الذي استهدف منطقة المواصي بخان يونس، حين دفنته صواريخ الاحتلال تحت تل من الرمال الذي غطى خيمته وعددا من الخيام المجاورة.

تستحضر أبو مطر تجربة مروعة عن وقوع انفجار قريب أثناء وجودها في موقع التصوير، وكيف تمسكت بالكاميرا ووثقت الحادثة رغم شعورها بأن روحها توشك أن تفارقها، وكذلك تستذكر فقدانها زميلاً عزيزاً قضى بقصف مباشر آخر، كان يسبقها بخطوات قليلة: "إن النجاة بالنسبة لها لا تعني فقط النجاة من القصف، بل تتعداها إلى النجاة من اليأس وفقدان المعنى في ظروف الحرب القاسية".

 

شهادة من الميدان

ورغم إصرار الصحفيين المستقلين على أداء واجبهم المهني والإنساني وسط غياب الحماية والاعتراف المؤسسي، فإن الثمن يكون في كثير من الأحيان حياتهم ذاتها، كما حدث مع الصحفي الفريلانسر مؤمن أبو العوف (18 سنة) الذي شكّل استشهاده صدمة كبيرة لأسرته ولمجتمع الصحفيين في غزة.

وتحكي والدة أبو العوف -نورة أبو العوف - أن ابنها كان منذ بداية الحرب من أوائل من قدموا الدعم للصحفيين من خلال توفير الطعام ومرافقة فرق الإسعاف، فضلًا عن نقل الأخبار وشحن المعدات بنفسه.

"عمل مؤمن دون أي غطاء قانوني أو تأمين، وتلقى أجره من إحدى القنوات التي كان يعمل معها لأول مرة في اليوم الذي استشهد فيه، ولم يحصل على أي دعم مادي من المؤسسات الصحفية الأخرى رغم عمله مع شبكات مرموقة، وكان يتحمل المخاطر وحده". هكذا تقول والدة مؤمن بمرارة، قبل أن تضيف أن أبو العوف "في أيامه الأخيرة، عانى من ضغوط نفسية شديدة بسبب المشاهد اليومية التي يوثقها في الميدان، وتعرض للتهديد أكثر من مرة. وفي الليلة الأخيرة، أخبر والدته بنيّته المبيت في المنزل لكنها تلقت لاحقاً اتصالًا من أحد زملائه يؤكد استشهاده".

وتتذكر والدة أبو العوف أنها لم تتلقَ أي اتصال من أي جهة رسمية بعد استشهاده باستثناء تعازي رمزية، حتى  أنها لم تتلقَ أي  دعم معنوي أو مادي من نقابة الصحفيين ولا من الجهات التي كان يعمل معها سوى قناة الجزيرة مؤكدة أن مؤمن ظل يعمل بشجاعة وإصرار حتى لحظاته الأخيرة، مدفوعاً برغبته في أداء رسالته الصحفية، رغم كل ما كان ينقصه من دعم وحماية".

"عمل مؤمن دون أي غطاء قانوني أو تأمين، وتلقى أجره من إحدى القنوات التي كان يعمل معها لأول مرة في اليوم الذي استشهد فيه، ولم يحصل على أي دعم مادي من المؤسسات الصحفية الأخرى رغم عمله مع شبكات مرموقة، وكان يتحمل المخاطر وحده". هكذا تقول والدة مؤمن بمرارة

 

مسؤولية نقابة الصحفيين

وللتوازن بين الأصوات الميدانية والمواقف الرسمية، كان لا بد من العودة إلى الجهة التي تمثل الصحفيين في فلسطين، لمعرفة رؤيتها حيال هذه التحديات المتصاعدة. وفي هذا السياق، يشير تحسين الأسطل نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين إلى أن "الصحفي الذي لا يقدّم بياناته أو يُعرّف بطبيعة عمله ومهامه الميدانية يصعّب على النقابة تتبّع حركته أو متابعة ظروف عمله، وهو ما يجعل من الصعب تحمّل أي مسؤولية مباشرة إذا ما تعرّض للخطر أو أصيب أو استُشهد" مؤكدا أن المسؤولية الأساسية في مثل هذه الحالات تقع على المؤسسة الصحفية التي يعمل معها الصحفي، باعتبارها الجهة المشغّلة والمخوّلة بضمان حقوقه.

وحول قضية التأمين، يرى الأسطل أن هناك اتفاقا مع الاتحاد الدولي للصحفيين لتوفير تغطية تأمينية للصحفيين غير المؤمنين ضمن مؤسساتهم، إلا أن التكلفة العالية للتأمين وضعف الوعي لدى بعض الصحفيين حول أهمية الانتساب للنقابة تُعد من أبرز العوائق، موضحا في نفس السياق "نسعى جاهدين لتفعيل صندوق دائم لدعم الصحفيين وتعويضهم، وقد أنشأنا نظام الزمالة الصحفية لهذا الغرض، لكن الأمر يتطلب شراكة حقيقية بين النقابة والزملاء الصحفيين، بالإضافة إلى دعم المؤسسات الشريكة المحلية والدولية".

ويشرح الأسطل " لا نميّز في النقابة بين الصحفيين، سواء كانوا منتسبين رسمياً أو مستقلين (فريلانسر)، طالما أن عملهم يتم ضمن الإطار الصحفي المهني الواضح، ومع مؤسسات إعلامية معروفة، المهم بالنسبة لنا أن نكون قادرين على توثيق العلاقة بين الصحفي والمؤسسة التي يعمل معها؛ لأن غياب هذا التوثيق يعيق حمايتهم أو المطالبة بحقوقهم."

 

الرؤية القانونية الدولية

وحول الحماية القانونية الدولية، يرى الدكتور صلاح عبد العاطي رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)أن الصحفيين العاملين بشكل مستقل (الفريلانسر) يتمتعون بالحماية القانونية ذاتها التي تُمنح لجميع الصحفيين في مناطق النزاع، رغم غياب الأطر المؤسسية التي تضمن حقوقهم العمالية كما هو الحال في المؤسسات الإعلامية الكبرى.

ويعتقد عبد العاطي أن القانون الدولي الإنساني يقرّ بأن الصحفيين هم في المقام الأول مدنيون، ويمنحهم حماية خاصة نظراً لطبيعة مهنتهم في نقل الحقيقة وكشف الانتهاكات، وهو ما يجعل استهدافهم أو قتلهم جريمة حرب مركبة ذات خطورة بالغة.

ويُحمَّل القانونُ الدولي  وفق تصريحات عبد العاطي  - لا سيما اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية والمجتمع الدولي - مسؤوليةَ حماية الصحفيين ومحاسبة من يرتكبون الانتهاكات بحقهم، عبر المساءلة القانونية الدولية، إضافة إلى السعي لتعويض المتضررين ووقف تكرار الجرائم، ورغم المخاطر التي يواجهها الصحفيون المستقلون في مناطق النزاع، لا توفِّر لهم قوانين العمل المحلية أي ضمانات أو حماية؛ إذ يُعتبر عملهم "بالقطعة"، وهو ما يعفي المؤسسات الإعلامية من الالتزامات القانونية تجاههم.

يرى عبد العاطي أن نقابة الصحفيين يقع عليها دور مهم في دعم منتسبيها عبر برامج التضامن والتأمين الصحي، مشيراً إلى أن إنشاء صناديق دعم خاصة هو خطوة أخلاقية ضرورية، رغم عدم إلزاميتها قانونياً.

ويؤكد عبد العاطي أن المسؤولية الاجتماعية والتكافلية تقع على الدولة في المقام الأول، التي من المفترض أن تتكفل بتعويض مواطنيها - ومنهم الصحفيون - عن جرائم الاحتلال، ثم متابعة دعاوى قانونية جنائية ومدنية ضد الاحتلال، لكن الواقع يكشف عن تهرّب السلطة من هذه الالتزامات في ظل حرب إبادة جماعية، وهو ما يستدعي بشكل عاجل إنشاء "صندوق وطني لتعويض المدنيين" لتوفير الحد الأدنى من الكرامة والحماية للمتضررين. ويرى عبد العاطي أن نقابة الصحفيين يقع عليها دور مهم في دعم منتسبيها عبر برامج التضامن والتأمين الصحي، مشيراً إلى أن إنشاء صناديق دعم خاصة هو خطوة أخلاقية ضرورية، رغم عدم إلزاميتها قانونياً.

تظل قضية الصحفيين الفريلانسر في غزة شاهداً حياً على التحديات المعقّدة التي يواجهها الإعلام المستقل في مناطق الحرب، وسط غياب منظومة حماية قانونية واضحة، وشحّ في الموارد، وتهديد دائم للحياة؛ ففي الوقت الذي يواصلون فيه أداء واجبهم المهني والإنساني في نقل الحقيقة وكشف الانتهاكات تبقى حقوقهم الأساسية من حمايةٍ وتأمينٍ وتعويضٍ ومساءلةٍ قانونيةٍ غائبةً أو منقوصةً.

هذا الواقع يفرض على المؤسسات الرسمية المحلية والدولية، ونقابات الصحفيين، ضرورة التحرك الجاد لتأطير عملهم ضمن بيئة آمنة ومستقرة تحفظ كرامتهم وحقوقهم وتوفّر الحد الأدنى من الأمان لهم ولأسرهم، فاستمرار تجاهل هذا الملف لا يهدد حياة الصحفيين فقط، بل يهدد حق الشعوب في المعرفة، ويقوّض حرية الصحافة في واحدة من أكثر ساحات العمل الإعلامي خطورة في العالم.

More Articles

Intersections of Journalism and Social Sciences in the Field

The field is where journalism and the social sciences meet at their most dynamic edge. As the world grows more complex, journalists increasingly take on the role of sociologists, without abandoning their core mission to question power and expose uncomfortable truths. By drawing on the methods and insights of social science, journalism deepens its coverage, grounds stories in real-world contexts, and resists the temptation of surface-level narratives.

Mohammed Ahddad
Ahdad Mohamed Published on: 23 Aug, 2025
New Media Reforms in Bangladesh Introduced to Replace Hasina-Era Journalism

Bangladesh’s interim government, led by Muhammad Yunus, has launched ambitious media reforms to undo the legacy of Sheikh Hasina’s 15-year rule, which was marked by censorship, media monopolies, and the notorious Digital Security Act. However, despite promises of greater freedom, journalists remain wary, as self-censorship, restrictive laws, and public scepticism continue to cast doubt on genuine change.

Sumaiya Ali
Sumaiya Ali Published on: 17 Aug, 2025
Canadian Journalists for Justice in Palestine: A Call to Name the Killer, Not Just the Crime

How many journalists have to be killed before we name the killer? What does press freedom mean if it excludes Palestinians? In its latest strike, Israel killed an entire Al Jazeera news crew in Gaza—part of a systematic campaign to silence the last witnesses to its crimes. Canadian Journalists for Justice in Palestine (CJJP) condemns this massacre and calls on the Canadian government to end its complicity, uphold international law, and demand full accountability. This is not collateral damage. This is the targeted erasure of truth.

Samira Mohyeddin
Samira Mohyeddin Published on: 14 Aug, 2025
Monitoring of Journalistic Malpractices in Gaza Coverage

On this page, the editorial team of the Al Jazeera Journalism Review will collect news published by media institutions about the current war on Gaza that involves disinformation, bias, or professional journalistic standards and its code of ethics.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 11 Aug, 2025
Anas Al Sharif; Killed by Israel, but His Final Words Will Echo far Beyond His Death

For over a year and a half, Anas Jamal al-Sharif refused to leave northern Gaza, documenting the destruction and loss that others tried to hide. Tonight, Israel silenced his voice, but his final words, written on April 6, will echo far beyond his death.

Al Jazeera Journalism Review
Al Jazeera Journalism Review Published on: 11 Aug, 2025
The Human Story in Gaza: The Deadly Dilemma of “Who Do We Tell About?”

In the accelerating context of genocide, is the “pace” of death in Gaza outstripping journalists’ ability to capture human stories? How can they be expected to take their time crafting narratives amid hunger, displacement, and death? And to what extent can postwar documentation hold journalistic value in preserving collective memory and pursuing accountability for the perpetrators?

Mirvat Ouf
Mirvat Ouf Published on: 3 Aug, 2025
The Battle to Keep Journalists Alive in Gaza

Hungry journalists covering the story of starvation in Gaza, surviving on salt to stay alive, selling their work equipment to secure a “sack of flour” for their children, shedding the “shame” of publicly asking for food, and enduring the harshest media environment just to maintain “continuous coverage”.

Mona Khodor
Mona Khodor Published on: 26 Jul, 2025
Balancing Productivity and Privacy: How Female Journalists Use AI Chatbots

Female journalists in Jordan are harnessing AI chatbots to boost productivity, enhance digital safety, and find emotional support, but their growing reliance also raises critical concerns about privacy, ethics, and the responsible use of emerging technologies in journalism. This article explores how these tools are reshaping their workflows while navigating the challenges of trust and accountability.

Afnan Abu Yahia
Afnan Abu Yahia Published on: 20 Jul, 2025
In the War on Gaza: How Do You Tell a Human Story?

After nine months of genocidal war on Palestine, how can journalists tell human stories? Which stories should they focus on? And does the daily, continuous coverage of the war’s developments lead to a “normalisation of death”?

Yousef Fares
Yousef Fares Published on: 8 Jul, 2025
How Much AI is Too Much AI for Ethical Journalism

As artificial intelligence transforms newsrooms across South Asia, journalists grapple with the fine line between enhancement and dependency

Saurabh Sharma
Saurabh Sharma Published on: 1 Jul, 2025
How to Tell the Stories of Gaza’s Children

Where does compassion end and journalism begin? How can one engage with children ethically, and is it even morally acceptable to conduct interviews with them? Palestinian journalist Reem Al-Qatawy offers a profoundly different approach to human-interest reporting. At the Hope Institute in Gaza, she met children enduring the harrowing aftermath of losing their families. Her experience was marked by intense professional and ethical challenges.

Rima Al-Qatawi
Rima Al-Qatawi Published on: 26 Jun, 2025
How Is Western Media Framing the Famine Catastrophe in the Gaza Strip?

Can the media subject the issue of famine in Palestine to so-called professional balance even after UN agencies and the International Court of Justice have acknowledged it? Why have many Western media outlets avoided precise legal and ethical terms such as “famine” or “starvation,” opting instead for vague expressions like “food shortage” or “nutrition crisis”? Doesn’t this practice reflect a clear bias in favor of the Israeli narrative and serve to justify the policy of “systematic starvation”?

Fidaa Al-Qudra
Fidaa Al-Qudra Published on: 23 Jun, 2025
Newspapers: An Industry Adapting to Survive Through Digital Transformation

As digital transformation reshapes the media landscape, newspapers in Cameroon are navigating unprecedented challenges and opportunities. This evolution compels them to adapt their strategies to engage a new generation of readers amidst fierce online competition, decreasing government subsidies, and a decline in print sales.

Akem
Akem Nkwain Published on: 16 Jun, 2025
The Mental Toll on India’s Minority-Focused Freelance Journalists

Freelance journalists in India, particularly those reporting on marginalised communities and conflict zones like Kashmir, endure immense emotional and psychological strain, often without any institutional support. What are the hidden costs of reporting on violence, where telling the truth can come at a steep personal price?

Hanan Zaffa
Hanan Zaffar Published on: 10 Jun, 2025
Journalism Associations' Fragmentation Weakening Press Freedom in Cameroon

Cameroon's fragmented media landscape has weakened collective advocacy, allowing government repression of journalists to go largely unchallenged. As press freedom declines, voices like Samuel Wazizi's are silenced, while disunity among journalists enables impunity to thrive.

Njodzeka Danhatu
Njodzeka Danhatu Published on: 20 May, 2025
Indian Media Fuels Panic with Disinformation

Amid heightened India-Pakistan tensions in early May, Indian mainstream media flooded the public with fake news, doctored visuals, and sensationalist coverage, fueling mass anxiety and misinformation. Fact-checkers and experts condemned the media’s role, calling it a national embarrassment that undermined journalistic integrity and misled citizens during a critical geopolitical moment.

Junaid Kathju
Junaid Kathju Published on: 15 May, 2025
Palestinian Journalist Lama Ghosheh Refuses to Be Silenced Under Occupation

Despite ongoing repression under Israeli occupation, Palestinian journalist Lama Ghosheh continues her work with unwavering resolve, documenting the lived realities of her people. Her story is one of resistance, family, and the high cost of speaking truth in the face of systemic silencing.

Synne Furnes Bjerkestrand
Synne Bjerkestrand Published on: 9 May, 2025
In The Cross Fire: The Perils of Rural Journalism in India's Conflict Zones

In India’s conflict-ridden regions like Bastar and Manipur, local journalists—especially freelancers and women—risk their lives daily to report on corruption, displacement, and state violence, often without institutional support or protection. Their work, largely invisible to national media, exposes a stark reality where telling the truth can cost them everything, even their lives.

Quratulain Rehbar
Quratulain Rehbar Published on: 10 Apr, 2025
Western Media Bias and Complicity with Israel is Beyond Borders

Once again, Western media framed civilians within the context of "collateral damage" while covering Israeli attacks on Syria. The language of international law was absent, and the tragedy of civilians affected by military strikes was completely obscured, while justifications and cover for the occupation prevailed under the banner of "maintaining national security."

Zainab Afifa
Zainab Afifa Published on: 23 Mar, 2025
Rise and Fall of Kashmir’s First Independent Magazine, Kashmir Walla

Jailed, silenced, and erased—how a fearless journalist built Kashmir’s most vital independent news platform, only to see it brutally shut down by the state. The Kashmir Walla, known for its bold coverage of politics, conflict, and human rights, became too powerful to ignore—so they ensured it disappeared.

Safina
Safina Nabi Published on: 15 Mar, 2025
Misinformation in Syria: Natural Chaos or Organised Campaign?

Old videos inciting “sectarian strife,” statements taken out of context attacking Christians, scenes of heavy weaponry clashes in other countries, fabricated stories of fictitious detainees, and a huge amount of fake news that accompanied the fall of Bashar al-Assad’s regime: Is it the natural chaos of transition or a systematic campaign?

Farhat Khedr
Farhat Khedr Published on: 11 Mar, 2025
Journalists in DR Congo Face New Threats, Censorship in a Decades-long Conflict

Countless journalists have been arbitrarily arrested, kidnapped or have disappeared in the fog of the protracted war tearing the eastern Democratic Republic of Congo apart. The renewed M23 offensive augurs a more uncertain future for these ‘soldiers of the pen’.

Nalova Akua
Nalova Akua Published on: 3 Mar, 2025
The Whispers of Resistance in Assad’s Reign

For more than a decade of the Syrian revolution, the former regime has employed various forms of intimidation against journalists—killing, interrogations, and forced displacement—all for a single purpose: silencing their voices. Mawadda Bahah hid behind pseudonyms and shifted her focus to environmental issues after a "brief session" at the Kafar Soussa branch of Syria’s intelligence agency.

Mawadah Bahah
Mawadah Bahah Published on: 18 Feb, 2025
Charged with Being a Journalist in Sudan

Between the barricades of the conflicting parties, sometimes displaced, and sometimes hiding from bullets, journalist Iman Kamal El-Din lived the experience of armed conflict in Sudan and conveyed to Al-Sahafa magazine the concerns and challenges of field coverage in a time of deception and targeting of journalists.

Iman Kamal El-Din is a Sudanese journalist and writer
Eman Kamal El-Din Published on: 2 Feb, 2025