أفسح السياسي فرانسوا ليوتار، صاحب التاريخ الماركسي الطويل المدافع عن حقوق النساء، مكانا في سيارته لصحفي من جريدة "ليبراسيون"، ثم شرع في شرح نظريته في الحياة وسط جو ممزوج بأغنية عربية: امرأة واحدة لا تكفي لجميع الأخطاء، ولا يمكن أن تستوعب ميل الرجل إلى الخطيئة. وجد ليوتار في اليوم الموالي نفسه محاصَرًا وقد صارت كلماته حديث الرأي العام. علق الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران فيما بعد: قلت له أن يكون حذرا من الصحفيين، السلطة والصحافة لا تجتمعان.
"وابل من القذارات"
خلال المناظرة التلفزيونية التقليدية، بدا إيمانويل ماكرون غاضبا جدا وهو يواجه منافسته في الانتخابات الرئاسية مارين لوبان، حينما وصفت الصحفيين بأنهم غير محايدين، وأنهم يعادون قيم الجمهورية. استثمر ماكرون العلاقة المتوترة بين زعيمة اليمين المتطرف وبين طيف من وسائل الإعلام ليبني معها، ما سمته جريدة "لوفيغارو" وقتها ب "جسر الحب".
جرت كثير من المياه تحت الجسر، وأصبح ماكرون رئيسا لفرنسا بتوجه يميني لا يحتمل الشك، ليدشن علاقة "فوقية" مع الجسم الصحفي، اختصرها حواره الحاد مع صحفي جريدة "لوفيغارو")1). مواضعات السلطة تُغيّر، لكن ليس إلى الحد الذي يقول فيه لصحفي نشر خبرا فقط عن اتصال بين فرنسا وممثلين من حزب الله - بيّنت المعطيات فيما بعد أنه صحيح- إنه "يسيء لفرنسا". الإساءة في عرف الدول وفي عرف الصحفيين لا تخضع لنفس المعايير، تماما مثل المصلحة العامة.
قال ماكرون للصحفي بعبارات حانقة: "ما قمت به تصرف غير مسؤول ضد فرنسا، كنت دائما أدافع عن الصحفيين، لكن ما اقترفته غير مسؤول". لقد تغيرت العلاقة بين مؤسسة الرئاسة والصحفيين في ظرف وجيز، مع ميل واضح نحو السيطرة على المعلومة وربط علاقات بصحفيين معيّنين يتناغمون مع خط السلطة حد التماهي.
العلاقة بين الرئيس/ السلطة والصحفيين في فرنسا تمثل جزءا من النقاش حول طبيعة العلاقة التي يجب أن تسود بين الطرفين. لقد اختار ماكرون القطيعة بعد انتخابه مباشرة، حيث أراد الرئيس الجديد أن يقطع مع ممارسات سابقه فرانسوا هولاند الذي كان على علاقة "شبه محرمة" مع الصحافة. وكذلك الشأن بالنسبة للرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي الذي كان يشتكي طوال فترته الرئاسية بأنه يتلقى دوما "وابلا من القذارات" كلما همّ بقراءة الجرائد صباحا.
يبدو أن إيمانويل ماكرون استلهم تجربته في التعامل مع الصحافيين من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. إنه يحب الصحافيين "اللطفاء". ( تصوير: شيب سومو ديفيا - غيتي).
"يريدوننا أن نتحدث بلطف"
إنه الأمر ذاته في الولايات المتحدة الأمريكية، فدونالد ترامب لا يريد صحفيين.. إنهم في نظره تافهون ومزعجون. بالمقابل، يريدهم! لكنه يريد صحفيين يستمعون إليه وينشرون ما يقول. هذا الوضع يعبّر عنه بوضوح حادث الصحفي جيم أكوستا )2) الذي دخل في نقاش ساخن مع الرئيس الأميركي حول التدخل الروسي لصالحه في الانتخابات التي أوصلته للبيت الأبيض؛ إلى الحد الذي كف فيه عن الجواب عن أسئلته. الصحفي أكوستا اختصر أمر العلاقة مع الرئيس بجملة قصيرة "إنهم يريدون منا فقط، التحدث بلطف عن الرئيس".
إن الرئيس لا يحب عمل الصحفيين في التحقق من الوقائع وتمحيص الحقائق، والصحفي يدافع عن دوره في نقل الحقائق، وهو -إلى حد بعيد- على عكس السياسي الذي يسوغ لنفسه الكذب إذا رأى أن وراءه مكسبا.. إنه قد يؤثر التضليلَ على حساب الحقيقة، لكن الصحفي يفضحه. أكوستا يعلق على ذلك بالقول "إن ما نتحدث عنه كل يوم هو حقيقة ما يحدث في العالم.. الرئيس غاضب مما نفعله في (سي أن أن) بسبب أننا نراقبه.. إننا ننفق الكثير من الوقت لتدقيق الحقائق وتصحيح ما يقول.. نكشف الأخطاء التي يرتكبها.. يعتقد البعض أننا نهاجمه، لكننا فقط نصحح التصريحات حتى يفهم الناس الوقائع".
هكذا تبدو العلاقة بين الصحافة والرئيس في البلدين. في فرنسا كما في الولايات المتحدة. لكن قد يحدث أن يلقي الصحفي بنفسه في أحضان السلطة، أو يمارس الجنس معها، بتعبير الصحفي أوليفييه جيسبيرت. هذه العلاقة "الحميمية" بين الصحفي والسلطة يدافع عنها إتيان جيرنيل الذي خلف جيسبيرت على رأس مجلة "لو بوان" (Le point)، ويعتبرها وسيلة للحصول على المعلومات. أكثر من ذلك، فهي لا تضر بحرية الصحفي، بقدر ما تخلق وسائل هذه الحرية، فلا حرية بدون معلومة.
لكن هذه الأطروحة ليست دائما بدون ثمن. ذلك أن المعلومة قد يعاد تشكيلها وتكييفها، وبالتالي التلاعب بها بما يخدم وجهة نظر السلطة، وهو ما يقوي حدة النقد الموجه للصحافة. وبالرغم من أن جيرنيل يعتبر "انتقاد وسائل الإعلام مشروعا ومعبرا عن ربيع ديمقراطي"، فإنه "عندما يصبح ممنهجا يصبح ربيعا للشعبوية التي ترى -سواء من اليمين أو اليسار- أن كل شيء (الإعلام) فاسد".
بين السياسي والصحفي
العلاقة بين السياسي والصحفي (3) علاقة يفترض أنها محكومة بتوتر طبيعي بين فاعليْن يشكل التأثير في الرأي العام رهانا مشتركا بينهما، وهما في الوقت نفسه يختلفان في الإستراتيجية والوظيفة والإمكانيات. جزء كبير من التشريعات والأخلاقيات وضعت لتأطير هذه العلاقة التي يمكن أن تنزاح، في أي لحظة، عن مجراها المعياري وحدودها الأخلاقية، لتسقط إما في حالات الاستعمال والتواطؤ والتبعية، أو في حالات القذف واختلاق الأخبار وخدمة أجندات لا علاقة لها بالمهنة.
لذلك تكون الحدود دائما ملتبسة، وشروط المهنية والاستقلالية التحريرية توجد يوميا تحت اختبار النزاهة واحترام معايير المهنية في تقديم الخبر والرأي وتجنب السقوط في خدمة سلطة سياسية أو اقتصادية أو مالية.
هذا النقاش موجود في كل العالم الذي ينطلق من فكرة المجتمع الديمقراطي المؤمن بسلطة الصحافة والرأي العام، وتضاف إلى ذلك إشكالات جديدة من ضمنها أثر الاستعمال المكثف لوسائط التواصل الاجتماعي على عملية صناعة الخبر، وسهولة الانزياح نحو تعميم الأكاذيب وتصفية الخصوم، وقطعا استحالة احترام شروط التأكد من صحة الأخبار المتداولة، والقتل اليومي لأبجديات الصحافة من طرف وسائط التواصل. جزء من هذا النقاش تعيشه فرنسا على إيقاع مشروع قانون يهمّ الأخبار الكاذبة داخل فضاءات الإنترنت (4).
كتاب "الصحافي والرئيس" يفكك بعمق توترات الصحافة والسلطة الراغبة في رسم حدود للعمل الإعلامي. (مارك ويلسون - غيتي).
في العالم العربي.. الحدود ملتبسة
الوضع في العالم العربي أكثر هشاشة، والعلاقة أكثر التباسا، لأننا لا نملك تقاليد قوية في حقل الصحافة، ولأن فكرة استقلالية الصحفي فكرة حديثة في المشهد الصحفي العربي، وهي أحد أسباب سوء الفهم الكبير بين السياسي والصحفي.
في شرح ذلك، يمكن القول بأن السياسي يستبطن في الغالب ذاكرة من التفوق في العلاقة مع الصحفي، تعود إلى سنوات طويلة من سيادة الإعلام الرسمي حيث الصحافة في خدمة السلطة، ومن سيادة الإعلام الحزبي (خاصة في الصحافة المكتوبة) حيث يتحرك الصحفي في سياق تحريري يحدده السياسي، مما يجعل هامش المهنية تحت رحمة صاحب القرار السياسي.
طبعا، هذا لا يعني أنه لا يمكن الحديث عن المهنية في سياق إعلام عمومي حقيقي أو في ظل صحافة حزبية منفتحة، لكن القصد أن النظر إلى الصحفي كمجرد امتداد إعلامي للفاعل السياسي بمنطق الدعاية التقليدية، أو كمجرد معارض سياسي بمنطق السلطوية التي تعادي نشوء أي سلطات مضادة، هو ما يزال يحكم جزءا كبيرا من الثقافة السياسية في العالم العربي، وهو ما يفسر العطب الكبير الذي يحول دون تأسيس علاقة طبيعية بين الصحفي والسياسي.
إن العلاقة بين السياسي والصحفي يحكمها المجال الذي يؤطر الممارسة الديمقراطية في أي بلد، وعلى هذا المستوى يمكن الحديث عن نماذج للسياسيين ونماذج للصحفيين (5). ففي بيئة ديمقراطية تحفظ الحقوق والحريات وتنتصر للقانون، تكون العلاقة علاقة توازن بمنطق "السلطة تحدّ السلطة"، وهي ليست بالضرورة علاقة صراع، بل علاقة تلعب فيها الصحافة دورها في الإخبار وكشف الحقائق وتقديم المعطيات السيئة التي يجتهد السياسي في إخفائها، إما لدواع انتخابية، أو فقط لأنها تضعف الصورة التي يحاول تقديمها للحفاظ على الوضع القائم وعدم منح الشرعية لأي احتجاجات شعبية.
بهذا الشكل، تساهم الصحافة في شفافية الحياة العامة التي تعتبر أساسية في أي نظام ديمقراطي، ولهذا نجد السياسيين الديمقراطيين لا ينزعجون من عمل الصحافة، بل يقدّرونها. في المقابل، من واجب السياسي أيضا تأطير مجال الحرية التي بدونها لا يمكن الحديث عن صحافة، وهذا التأطير يجب أن يتم عن طريق القانون والقضاء في احترام تام للقواعد الدولية التي تنظم ممارسة حرية الرأي والتعبير. فالإعلام أيضا سلطة باعتباره السلطة الرابعة إلى جانب السّلَط الثلاث التقليدية، وحيث إن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، فمن الضروري وضع قواعد لهذه السلطة حتى لا تتحول عن أهدافها، وحتى لا تصبح مجرد أداة في أيادٍ خارج صالات التحرير، بالرغم من أنه في بنية سلطوية، لا يمكن الحديث إلا عن نموذج السياسي الذي لا يرى في الصحافة سوى رجع صدى لمبادراته وخطاباته وقراراته.
في هذا السياق، يشرح الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند عصارة تجربته مع الصحفيين قائلا: "بين الصحفي والسياسي علاقة خاصة، إذا لم يفهم كل واحد منهما طبيعتها ومتطلباتها فستتحول إلى علاقة صراع وسوء فهم. في الحقيقة هي علاقة فيها قدر كبير من التكامل، إذ لا يستقيم دور أحدهما بدون الآخر، فالصحفي يستقي معظم مواد عمله من السياسي إذا كان مشتغلا في الصحافة السياسية. أما السياسي فيظل بحاجة إلى الصحفي لمخاطبة الرأي العام وتمرير المواقف وأداء أدوار التأطير والتفاعل. يبقى أن كل واحد منهما يجب أن يكون حذرا ومتفهما لطبيعة أدوار وإكراهات الطرف الآخر. وحينما تتحول العلاقة إلى علاقة إنسانية فيجب تدبيرها بالكثير من الحذر، لأن حس الصحفي ونزعته المهنية غالبا ما يتفوقان على حسه الإنساني السياسي، فهو عادة ما يبحث عن وسائط لتصريف ضغط الإكراهات المحيطة بعمله. إذا احتفظ كلا الطرفين بنبل مهمته وقيمها الجميلة وأدوارها الديمقراطية، فلا يمكن أن تكون العلاقة بينهما إلا إيجابية محكومة بكثير من التعاون. أما حينما تُمارَس المهمتان بخبث فإن العلاقة تتحول إلى صراع ومحاكم ونزاعات".
يتحدث التقرير عن استمرار الأزمة التي تعانيها الصحافة الرقمية عالميا، وهي تحاول التكيّف مع التغييرات المتواصلة التي تفرضها المنصات، وهي تغييرات تتقصد عموما تهميش الأخبار والمحتوى السياسي لصالح المحتوى الترفيهي، ومنح الأولوية في بنيتها الخوارزمية للمحتوى المرئي (الفيديو تحديدا) على حساب المحتوى المكتوب.
بعد تسعة أشهر من حرب الإبادة الجماعية على فلسطين، كيف يمكن أن يحكي الصحفيون القصص الإنسانية؟ وما القصص التي ينبغي التركيز عليها؟ وهل تؤدي التغطية اليومية والمستمرة لتطورات الحرب إلى "التطبيع مع الموت"؟
رغم التقدم الحاصل على مؤشر منظمة "مراسلون بلا حدود" لحرية الصحافة، يعيش الصحفيون الأردنيون أياما صعبة بعد حملة تضييقات واعتقالات طالت منتقدين للتطبيع أو بسبب مقالات صحفية. ترصد الزميلة هدى أبو هاشم في هذا المقال واقع حرية التعبير في ظل انتقادات حادة لقانون الجرائم الإلكترونية.
تقترن تحيزات وسائل الإعلام الغربية الكبرى ودفاعها عن السردية الإسرائيلية بالاستشراق والعنصرية والإمبريالية، بما يضمن مصالح النخب السياسية والاقتصادية الحاكمة في الغرب، بيد أنّها تواجه تحديًا من الحركات العالمية الساعية لإبراز حقائق الصراع، والإعراب عن التضامن مع الفلسطينيين.
كشفت المناقشات بشأن مشروع قانون الهجرة الجديد في فرنسا، عن الاستقطاب القوي حول قضايا الهجرة في البلاد، وهو جدل يمتد إلى بلدان أوروبية أخرى، ولا سيما أن القارة على أبواب الحملة الانتخابية الأوروبية بعد إقرار ميثاق الهجرة. يأتي ذلك في سياق تهيمن عليه الخطابات والمواقف المعادية للهجرة، في ظل صعود سياسي وشعبي أيديولوجي لليمين المتشدد في كل مكان تقريبا.
من توثيق جرائم الاحتلال على المنصات الاجتماعية إلى تغطية حرب الإبادة الجماعية على قناة الجزيرة، كان الصحفي أنس الشريف، يتحدى الظروف الميدانية الصعبة، وعدسات القناصين. فقد والده وعددا من أحبائه لكنه آثر أن ينقل "رواية الفلسطيني إلى العالم". في هذه المقابلة نتعرف على وجه وملامح صحفي فلسطيني مجرد من الحماية ومؤمن بأنّ "التغطية مستمرة".
تأرجحت موريتانيا على هذا المؤشر كثيرا، وخصوصا خلال العقدين الأخيرين، من التقدم للاقتراب من منافسة الدول ذات التصنيف الجيد، إلى ارتكاس إلى درك الدول الأدنى تصنيفاً على مؤشر الحريات، فكيف نفهم هذا الصعود اليوم؟
ثمة مفهوم يكاد يكون خاطئا حول تحديث مناهج تدريس الصحافة، بحصره في امتلاك المهارات التقنية، بينما يقتضي تخريج طالب صحافة تعليمه حرية الرأي والدفاع عن حق المجتمع في البناء الديمقراطي وممارسة دوره في الرقابة والمساءلة.
في سياق سيادة البروباغندا وحرب السرديات، يصبح موضوع تغطية حرب الإبادة الجماعية في فلسطين صعبا، لكن الصحفي الإسباني إيليا توبر، خاض تجربة زيارة فلسطين أثناء الحرب ليخرج بخلاصته الأساسية: الأكثر من دموية الحرب هو الشعور بالقنوط وانعدام الأمل، قد يصل أحيانًا إلى العبث.
في عالم أصبحت فيه القضايا الإنسانية أكثر تعقيدا، كيف يمكن للصحفي أن ينمي قدرته على تحديد زوايا معالجة عميقة بتوظيف خلفيته في العلوم الاجتماعية؟ وماهي أبرز الأدوات التي يمكن أن يقترضها الصحفي من هذا الحقل وما حدود هذا التوظيف؟
يمكن لقصة وائل الدحدوح أن تكثف مأساة الإنسان الفلسطيني مع الاحتلال، ويمكن أن تختصر، أيضا، مأساة الصحفي الفلسطيني الباحث عن الحقيقة وسط ركام الأشلاء والضحايا.. قتلت عائلته بـ "التقسيط"، لكنه ظل صامدا راضيا بقدر الله، وبقدر المهنة الذي أعاده إلى الشاشة بعد ساعتين فقط من اغتيال عائلته. وليد العمري يحكي قصة "أيوب فلسطين".
تعرضت القيم الديمقراطية التي انبنى عليها الإعلام الغربي إلى "هزة" كبرى في حرب غزة، لتتحول من أداة توثيق لجرائم الحرب، إلى جهاز دعائي يلقي اللوم على الضحايا لتبرئة إسرائيل. ما هي أسس هذا "التكتيك"؟
هل يمكن أن تعيد قرارات محكمة العدل الدولية الاعتبار لإعادة النظر في المقاربة الصحفية التي تصر عليها وسائل إعلام غربية في تغطيتها للحرب الإسرائيلية على فلسطين؟
تقتضي القراءة التحليلية لتغطية الصحافة الغربية لحرب الاحتلال الإسرائيلي على فلسطين، وضعها في سياقها التاريخي، حيث أصبحت الصحافة متماهية مع خطاب النخب الحاكمة المؤيدة للحرب.
لا ينبغي لكليات الصحافة أن تبقى معزولة عن محيطها أو تتجرد من قيمها الأساسية. التعليم الأكاديمي يبدو مهما جدا للطلبة، لكن دون فهم روح الصحافة وقدرتها على التغيير والبناء الديمقراطي، ستبقى برامج الجامعات مجرد "تكوين تقني".
التحالف بين الأيديولوجيا والرأسمال، يمكن أن يكون التفسير الأبرز لانحياز جزء كبير من الصحافة الفرنسية إلى الرواية الإسرائيلية. ما أسباب هذا الانحياز؟ وكيف تواجه "ماكنة" منظمة الأصوات المدافعة عن سردية بديلة؟
من قاموس الاستعمار تنهل غالبية وسائل الإعلام الإسرائيلية خطابها الساعي إلى تجريد الفلسطينيين من صفاتهم الإنسانية ليشكل غطاء لجيش الاحتلال لتبرير جرائم الحرب. من هنا تأتي أهمية مساءلة الصحافة لهذا الخطاب ومواجهته.
كيف نستعرض أرقام الذين قتلهم الاحتلال الإسرائيلي دون طمس هوياتهم وقصصهم؟ هل إحصاء الضحايا في التغطية الإعلامية يمكن أن يؤدي إلى "السأم من التعاطف"؟ وكيف نستخدم الأرقام والبيانات لإبقاء الجمهور مرتبطا بالتغطية الإعلامية لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة؟
من وظائف الصحافة رصد الانتهاكات أثناء الأزمات والحروب، والمساهمة في فضح المتورطين في جرائم الحرب والإبادات الجماعية، ولأن الجرائم في القانون الدولي لا تتقادم، فإن وسائل الإعلام، وهي تغطي حرب إسرائيل على فلسطين، ينبغي أن توظف أدوات القانون الدولي لتقويض الرواية الإسرائيلية القائمة على "الدفاع عن النفس".
تعتمد رواية الاحتلال الموجهة بالأساس إلى الرأي العام الغربي على ركائز تجد تفسيرها في الذاكرة التاريخية، محاولة تصوير الإسرائيليين كضحايا للاضطهاد والظلم مؤتمنين على تحقيق "الوعد الإلهي" في أرض فلسطين. ماهي بنية هذه الرواية؟ وكيف ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تفتيتها؟
أصبحت وسائل الإعلام الأوروبية، متقدمةً على نظيرتها الأنغلوساكسونية بأشواط في الانحياز للسردية الإسرائيلية خلال تغطيتها للصراع. وهذا الحكم، ليس صادراً عن متعاطف مع القضية الفلسطينية، بل إن جيروم بوردون، مؤرخ الإعلام وأستاذ علم الاجتماع في جامعة تل أبيب، ومؤلف كتاب "القصة المستحيلة: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ووسائل الإعلام"، وصف التغطية الجارية بــ" الشيء الغريب".
توجد الصحافة، اليوم، في قلب نقاش كبير حول التأثيرات المفترضة للذكاء الاصطناعي على شكلها ودورها. مهما كانت التحولات، فإن الجانب الإنساني لا يمكن تعويضه، لاسيما فهم السياق وإعمال الحس النقدي وقوة التعاطف.
هل يستطيع التعليم الأكاديمي وحده صناعة صحفي ملم بالتقنيات الجديدة ومستوعب لدوره في البناء الديمقراطي للمجتمعات؟ وهل يمكن أن تكون الدورات والتعلم الذاتي بديلا عن التعليم الأكاديمي؟
رغم أن مفهوم "الفريلانسر" في الصحافة يطلق، عادة، على العمل الحر المتحرر من الالتزامات المؤسسية، لكن تطور هذه الممارسة أبرز أشكالا جديدة لجأت إليها الكثير من المؤسسات الإعلامية خاصة بعد جائحة كورونا.