ترجمة: محمد أحداد
استيقظ براين من نومه على وقع رنين هاتفه المحمول. أمسك الهاتف بيده، فتحه، ثم انتبه إلى أن جميع الرسائل تقود مباشرة إلى مجموعة على تطبيق الواتساب لرجال شرطة متورطين في اغتيالات واعتداءات جنسية وعمليات ابتزاز، وهي المجموعة التي اخترقها في وقت سابق.
"نعم، لنقتل الصحفي"، يقول أحد رجال الشرطة بلغة تحريضية.
"نحن الآن في منزله، نحن الآن في منزله"، يعلن شرطيان آخران.
نهض مذعورا من السرير عندما سمع أحدهم يقرع الباب بعنف.
جاءه صوت "راستريادور"، وهو أحد مخبريه، كأنه صدى تناهى من عمق المنزل، يصرخ يائسا: "صديقي، اختبئ، اختبئ". ركض صوب الممر ليلج خزانة، دخلها، ووسط العتمة الشديدة في مخبئه، سينتبه إلى أن صوت أنفاسه سريعة الإيقاع ستفضحه لدى من جاؤوا لاغتياله.
بعد مدة قصيرة، استيقظ في حالة عصبية وجسده يتصبب عرقا، لقد عاودته رؤيته لموته في الحلم.
"يوميات موت معلن"
براين أبيلار (27 سنة، سان سلفادور)، هو صحفي مستقل، اشتغل لصالح مجلة فاكتوم (Factum)، ويكتب بشكل منتظم في عدة وسائل إعلام دولية مثل فايس نيوز (Vice News). لقد نشر على صفحات مجلة فاكتوم -إلى جانب مواطنه الأنثروبولوجي خوان خوسي مارتينيث دي أوبيسيون يوم 22 أغسطس 2017- استطلاعا صحفيا بعنوان: "الوجه الحميمي لفرقة الموت للشرطة" والذي كشفا عبر سطوره وجود شبكة مكونة من عناصر من الشرطة الوطنية المدنية ترتكب أعمالا خارج القانون؛ مثل الاعتداءات الجنسية وغيرها من الجرائم.
السلفادور واحدة من البلدان التي تسجل أعلى مستويات العنف في أمريكا اللاتينية؛ فبين عامي 2001-2019 اغتيل 25523 شخصا، بحسب الإحصائيات الرسمية. وفي هذا السياق، أعلنت الدولة حربا ضد مجموعات "باريو 18" و"لامارا سالباتروتشا". هذا في الوقت الذي تدفع فيه الدولة نفسها باتجاه خطاب متناقض، فهي من جهة تدافع عن شرعية مواجهة المجرمين، ومن جهة أخرى تحث على أعمال خارج القانون.
السلفادور هي أيضا واحدة من المجتمعات الأكثر انقساما في القارة، فالاستطلاع الذي أجراه أبيلار ومارتيني دي أوبيسيون، قسم المواطنين إلى فريقين: مجموعة الغاضبين من تورط رجال الشرطة في جرائم، ومجموعة أخرى من المصفقين لقيامهم بأعمال خارج القانون.
كان رجال الشرطة -عبر حسابات وهمية على شبكات التواصل الاجتماعي- أول من روج لتهديدات ضد أبيلار بعد نشره استطلاعه الصحفي، مثلما أن بعض تلك الرسائل كانت على شاكلة "سنقوم بقتلك"، "سوف نحرقك حيا"، "سوف تموت بسبب دفاعك عن مجرمين"، كما حكى ذلك بنفسه.
لصد الخطر، أقفل أبيلار على نفسه أبواب منزله عدة أيام، وبينما هو كذلك حضر إلى مكاتب مجلة فاكتوم في منطقة كوسكاتلان، وهي البلدية الأكثر أمنا والأفضل في مؤشرات التنمية البشرية في البلاد. خمسة أشخاص قدموا أنفسهم كمحامين تابعين للمفتشية العامة من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان، وهي مؤسسة حكومية أنشئت عام 1992 مهمتها التحقيق في التجاوزات التي ترتكبها الدولة في حق المواطنين، لكنهم كانوا يكذبون. لقد كانوا مجرد رجال للشرطة.
بعد ساعات، عاد الصحفي لاقتناء بعض الأغراض، وفي الطريق استوقفه رجل يستقل سيارة ظلت تواصل مسيرها، وأمره قائلا: "قف". لكنه أسرع الخطى، واستبعد فرضية أن يكون الأمر محاولة سلب أو مزحة من شخص مجهول. دلف إلى منزله، أغلق الباب بالمفتاح، وتسلق أحد جدران البهو لمراقبتهم والتقط صورا لهم، واتصل بالشرطة. الشخص الذي كان يرتدي ثيابا فضفاضة شبيهة بتلك التي يلبسها المجرمون، ظل يطرق الباب مطالبا بفتحه، ولم يرحل بمعية رفيقه إلا ثواني معدودة قبل ظهور دورية للشرطة.
أياما بعد ذلك، فر إلى كوستاريكا، بينما ذهب مارتينيث دي أوبيسون إلى غواتيمالا، ولم يعودا إلا بعد انقضاء شهر كامل. "لم يسبق لي أن عشت تجربة مماثلة، أعيش قلقا دائما"، يحكي.
لقد تغيرت حياته منذ تلك اللحظة: بات يعاني الأرق والتوتر والبارانويا ويقوم ببعض الحركات العصبية.
ما بين عامي 1995 و2020 اغتيل 14 صحافيا من السلفادور؛ وفق معلومة أدرجها تقرير لمنظمة "صحافيون بلا حدود" خاص بوضعية التحقيقات المرتبطة باغتيال صحفيين لأسباب مرتبطة بأنشطتهم الصحافية خلال الفترة ما بين عامي 1995-2005.
منذ عام 1979 وحتى مطلع 1992، عاش أصغر بلد في أمريكا الوسطى -وهنا نتحدث عن مساحته الجغرافية- حربًا أهلية تواجهت خلالها عصابات جبهة "فارابوندو مارتي للتحرير الوطني". كانت سنوات تأجج صراع الأيديولوجيا: الماركسيون اللينينيون يحلمون بإرساء ديكتاتورية شعبية بمعية كوبا والاتحاد السوفياتي باعتبارهما نموذجا، في مقابل الليبراليين المدافعين عن الرأسمالية والأفكار الغربية.
هذه الأفكار كانت تناقش رصاصة برصاصة، وفي الوسط سقط العشرات من المراسلين القادمين من كندا والمكسيك والولايات المتحدة. كما أن أغلبهم -وفق إدغار روميرو، رئيس منظمة خط العرض وهي المسؤولة عن إدارة برنامج مساعدة الصحفيين في حالة خطر- والتي تعمل في نيكاراغوا وهندوراس والسلفادور وغواتيمالا على تعليم الصحفيين كيفية التعامل مع الأخطار الجسدية والنفسية المرتبطة بمهنتهم. كان هؤلاء الصحفيون -وهم يحاولون الكشف عن قصص التمرد الذي أصبح هدفا متنقلا للقوات المسلحة والجماعات شبه العسكرية- يعرفون أن الموت هو مصيرهم المحتوم. ولكن، في الخندق الآخر، أصبح الصحفيون الوطنيون أهدافا ثابتة لجبهة "فارابوندو مارتي للتحرير الوطني" التي اعتبرتهم متحدثين باسم الأقوياء في ذلك الوقت.
ومن الأمثلة على ذلك، مقتل أربعة صحفيين هولنديين في 17 مارس 1982م؛ هم: كوس جاكوبس أندريس كوستر، وجان كورنيليوس كايبر يوب، وهانس لوديويجك تير لاغ، ويوهانس يان ويليمسن، جاؤوا إلى السلفادور لتقديم تقارير لتلفزيون مملكة هولندا IKON عن الانتخابات والوضع السياسي بشكل عام، والحياة في المناطق التي تسيطر عليها جبهة "فارابوندو مارتي للتحرير الوطني". والطريقة الوحيدة للدخول كانت من خلال تصريح سري صادر عن المتمردين. لكن القوات المسلحة اكتشفتهم، وقتلهم أحد أفراد قوات الكوماندوز التابعة لها؛ لاعتقاده أنهم ينشرون معلومات تضر الحكومة، بحسب تحقيقات أجرتها لجنة الحقيقة التابعة للأمم المتحدة.
في ذلك الوقت -ووفقا لحسابات روميرو- الذي كان مراسلا لوكالة دولية أثناء الحرب، قُتل في البلاد حوالي 34 صحافيا.
دكتاتورية الثورة
في عام 1992م وقعت جبهة "فارابوندو مارتي للتحرير الوطني" والحكومة السلفادورية اتفاقيات للسلام وبدأت حقبة جديدة. تم إصلاح المؤسسات وتعديل القوانين، وحصلت طفرة في الحقوق المدنية والسياسية. كما شكل المتمردون السابقون حزبا سياسيا للمشاركة في انتخابات حرة. ومع ذلك، بدأت حرب أخرى، حرب ذات حدود أكثر خطورة وتعقيدا.
تحول المثلث الشمالي لأمريكا الوسطى (غواتيمالا والسلفادور وهندوراس) من الحروب الأيديولوجية إلى الحروب المختلطة؛ ففي السابق، كانت الأطراف محددة بوضوح، بينما في الحرب الجديدة، تضاعفت الأطراف التي يمكن أن تتشكل من عصابات وتجار مخدرات أو من السياسيين أو الفاسدين أو مديري الشركات العابرة للحدود أو المتّجرين بالبشر أو أي شخص آخر يتصرف بشكل غير قانوني.
ولكي أوضح: "فعندما يحاول الصحفيون سرد قصص عن هذه الجماعات، يتعرضون للهجوم".
في 16 مارس 2019، كان أليكس عائدا برفقة عائلته، من أنتيغوا غواتيمالا في طريقهم إلى منزلهم الواقع في العاصمة. حدث ذلك في منتصف الليل تقريبا؛ إذ تباطأت السيارة التي أمامهم، وراحت تسرع ثم تفرمل، لقد فعل السائق ذلك مرارا وتكرارا، وسد طريقهم.
كان ابنه الأكبر هو من يقود سيارته، لم يعرف ماذا يفعل.
•أبي: ماذا أفعل؟
•مر بسرعة يا بني، مر بسرعة، أمره أليكس.
في المقعد الخلفي كانت زوجة أليكس وابنتهما الصغرى. مروا بالسيارة، سمعوا الأصوات الحادة لطلقتين ناريتين.
•أبي، لقد أطلقوا النار علي! صرخ ابن أليكس.
•لا تتوقف، لا تتوقف! أصر عليه.
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يتعرض فيها أليكس كروز -المعروف بين المصورين الصحفيين في أمريكا الوسطى باسم كانيا- لاعتداء؛ ربما نتيجة لعمله في صحيفة "إيل بريوديكو.
ففي عام 2015، حاول كروز وصحفي استقصائي آخر الدخول -بدون دعوة- إلى مؤتمر صحفي عقدته روكسانا بالديتي، نائبة الرئيس آنذاك. كانت "إيل بريوديكو" نشرت -قبل أسابيع قليلة- تقارير صورت فيها العشرات من المنازل والأراضي الفخمة التي اشترتها نائبة الرئيس بأموال مسروقة من حكومة غواتيمالا.
خلال المؤتمر، أهانت بالديتي الصحفيين الذين كشفوا تلك الحقائق للعلن. بعد المؤتمر، اقترب منها كروز وشريكه، لكن حراس نائب الرئيس قاموا بضربهما وكسر معداتهما.
في 9 أكتوبر 2018، حكم على بيريث بالسجن 15 عاما بتهمة الفساد. ولا يزال بيريث مولينا مسجونا بسبب نفس الجرائم، ولكن لم تتم تبرئته أو إدانته بعد.
بالنسبة لكانيا -كما هو الحال بالنسبة لأي صحفي آخر في هذه الأصقاع- استمرت الحياة على حالها، وبعد بضعة أشهر ذهب لإعداد تقرير مصور عن العصابات في بلاده. سافر على متن سيارة لصحيفة إيل بريوديكو، وفي الطريق عبرت بجانبه سيارة أخرى وسدت طريقه. نزل رجل مسلح من الباب مشيرا إليه. فتح الباب، وأخذ حقيبته، ثم راح يفتش في صندوق السيارة وفي حجرة القفازات، في جميع مخابئ السيارة، كان الأمر مثلما لو أنه يبحث عن شيء ما، شيء محدد.
لكنه أدرك على الفور أنه ليس لصا عاديا؛ لأن اللصوص في أمريكا الوسطى يسرقون ويهربون، بيد أن هذا اللص ظل يتصرف كشرطي.
منذ حادثة إصابة ابنه برصاصة في ساقه، قرر كروز عدم تغطية قضايا الفساد أو الجريمة المنظمة. كان قراره نهائيا: الخبر لا يستحق أن تكون حياة عائلته ثمنا له.
وفقا للتقارير الخاصة بـ "القتل والتحرش والاختفاء، واقع صحفيي أمريكا اللاتينية في القرن الحادي والعشرين، مساهمات في التقرير الدوري الرابع لدولة غواتيمالا الدورة 122 للجنة حقوق الإنسان، مقتل الصحافيين واختفاءهم سنويا (1987-2020)"، فإنه ما بين عامي 1995 و2020 اغتيل في غواتيمالا 51 صحفيا.
إنهم يأكلون على المائدة نفسها
في غواتيمالا والسلفادور وهندوراس، يأكل الفساد السياسي والاقتصادي والجريمة المنظمة على المائدة نفسها، ففي 5 فبراير 2021، قدم مكتب المدعي العام للولايات المتحدة، في المنطقة الجنوبية من نيويورك، وثيقة يمكن أن نقرأ فيها أن رئيس هندوراس خوان أورلاندو هيرنانديث تلقى رشا من مهربي المخدرات مقابل حمايتهم.
منذ انقلاب عام 2009، وهو العام الذي أطيح فيه بالرئيس خوسيه مانويل زيلايا روساليس، تعرض صحفيو هندوراس للتهديد والاضطهاد، وفي أسوأ الأحوال، للاغتيال.
يقول أمادا بونس، المدير التنفيذي للجنة حرية التعبير (C-Libre) وهي منظمة مكونة من صحفيين ونشطاء يروجون ويدافعون عن الحقوق المدنية في هندوراس "أدى الانقسام في الإطار المؤسسي إلى مزيد من تركيز السلطة، ما سمح بزيادة الاتجار بالمخدرات داخل الدولة والشركات الخاصة".
ووفقا للإحصاءات التي جمعتها لجنة حرية التعبير، فقد اغتيل 85 صحفيا بين عامي 2009 و2020، 90% منهم بعد الانقلاب الذي تم على إثره تنصيب روبرتو ميتشيليتي رئيسا للبلاد، ثم ورفيريو لوبو سوسا لاحقا.
في هذه الجرائم، تمت إدانة سبعة مشتبه بهم. وهؤلاء إما قتلوا في السجن أو في الشوارع بعد الإفراج عنهم بسبب ثغرات في الإجراءات القضائية. لقد كانوا جميعهم أدوات تنفيذية، لكن الدولة لم تقم قط بمساءلة من أعطوا الأوامر.
كان سيزر عمر سيلفا روساليس يستعد لبث برنامجه المباشر "المشي مع سيلفا" في شارع وسط تيغوسيغالبا، لا حظ المصور أنه على بعد خطوات من مكان تواجدهم، وقف رجل يشتمهم:
- لنتجاهله، طلب سيلفا من فريقه.
- أنت قذر، تشجع على العنف، بسببك تحولت البلاد إلى كارثة. تابع الدخيل.
بدؤوا ببث الإرسال، وغادر الرجل الذي كان يشتمهم. مرت بضع دقائق، ثم عاد وبيده سكين واتجه لطعن الصحفي، لكنه لم ينجح في محاولته، وانبرى بعض الناس لتهدئة المهاجم.
"لو لم أتفاد الطعنة لقتلني"، يتذكر سيلفا.
يحكي الصحفي أن الاعتداء عليه بدأ فجر 28 يونيو 2009، تاريخ الإطاحة بمانويل زيلايا. فقد عين لتغطية الانتخابات في المناطق الداخلية من البلاد. في الطريق، قام بتشغيل الراديو في سيارته، ولاحظ أن جميع المحطات الإذاعية تبث الموسيقى الوطنية. تلقى مكالمة تخبره باستيلاء الجيش على السلطة. توقف في أقرب بلدة ليرى الأجواء، وعندما غادر لاحظ أن دورية شرطة تلاحقه. زاد من سرعته حتى أضاعها. وصل إلى إحدى البلدات، لكن رجال شرطة آخرين كانوا ينتظرونه بالفعل للقبض عليه.
- أنا سيزر سيلفا، أنا صحفي، إنهم بصدد اعتقالي! صرخ من أجل لفت الانتباه.
تجمهر الناس حوله وتبعوه إلى الزنزانة، ثم سرعان ما شرعوا في المطالبة بالإفراج عنه. وبحسب ما يتذكره، كان هناك حوالي 500 شخص محتجزين في مركز الاعتقال، بينما وقف حوالي ثمانية ضباط فقط لحراسة المخفر. أطلق سراحه في نهاية المطاف.
يوم 28 ديسمبر من العام نفسه، تم اختطافه. غطوا رأسه وضربوه بالعصي على باطن قدميه وخنقوه بالماء.
- أين هي الأسلحة؟ سأله مختطفوه.
- لا أدري، لا علم لي.
- أين هم المحاربون؟ عادوا لسؤاله.
- لا علم لي، لا علم لي. يجيب.
يوم 30 ديسمبر 2009، أطلق سراحه، ووفق روايته فقد كان المختطفون من الجيش، كما أنه كان قيد الاحتجاز داخل ثكنة عسكرية، يعني أنه كان بقبضة الدولة. وفي الأيام الأولى لشهر يناير 2010 تمكن من الهرب صوب نيكاراغوا وبعدها إلى الولايات المتحدة. عاد إلى هندوراس خلال شهر أغسطس من العام نفسه.
بعد اغتيال الصحافي ألفريدو بيلاريال، قامت الحكومة بتعيين حرس خاص للمراسلين الدوليين بهندوراس؛ بسبب وجود تهديدات بالاغتيال. بالمقابل -وبعد عدة أشهر- قام داسيف أغيلار، وهو مراسل قناة "هيسبان تي في" الإيرانية بالاستغناء عن حراسه؛ لأنه شعر بالضيق من وجودهم. وبعد ذلك بثلاثة أسابيع، كان المراسل بمنزل والديه عندما سمع قرعا لجرس الباب، فتح شقيقه الأصغر الباب، ووجد أمامه عدة أشخاص يبحثون عن داسيف. خرج داسيف ووجد نفسه أمام عشرة عسكريين يغطون وجوههم بقبعات "بالاكلافا"، وجهوا نحوه فوهات بنادقهم، وطلبوا منه الخروج إلى الشارع.
- جئنا لاعتقالك؛ لأنك تتاجر بالأسلحة والمخدرات.
حاول مقاومة اعتقاله وصرخ، ثم استغاث بوالديه اللذين انكبا لمساعدته، قاوموهم، وهو ما استرعى انتباه الجيران، فتجمهر الناس حوله مطالبين بإطلاق سراحه، ولم يكن أمام المختطفين حل آخر غير ذلك.
جرح أغيلار، خلال عام 2018، في إحدى المظاهرات، ومرة أخرى في العام التالي، مثلما قام بعض المتظاهرين بتحطيم معدات عمله، وقدم عدة شكاوى، لكن لم يُفتح أي تحقيق.
على المستوى الدولي هناك ثمانية معايير لتقييم حالة حرية التعبير والإعلام في كل البلدان: التهجم عبر القانون، العنف، توظيف الإنترنت، التكنولوجيا الحديثة، الرقابة، الاحتجاج الاجتماعي، الوصول إلى المعلومات العامة والتعبيرات الفنية.
كورونا تغتال الصحفيين
أعلنت السلفادور يوم 11 مارس 2020 عن تطبيق إجراءات الحجر الصحي للحد من انتشار فيروس كورونا، وهو ما يتضمن إغلاق الحدود البرية والجوية وإلغاء غالبية الأنشطة الاقتصادية، والمكوث الإجباري للمواطنين في بيوتهم وغيرها من الإجراءات. وفي يوم 18 مايو قام الرئيس نجيب بوكيلي بنشر أربع صور لاجتماعات له مع أغنياء البلاد.
ساعات بعد ذلك عقد مؤتمرا صحافيا، وإبان ذلك حاول الصحفي "نيلسون راودا ثبالا" -وهو صحفي تابع لصحيفة "إيل فارو"- طرح سؤال حول احتمال إعادة إطلاق الأنشطة الاقتصادية، لكن بالمقابل واجه الرئيس سؤاله بالذم.
لم ينته الأمر عند هذا الحد، فمباشرة بعد ذلك قامت مجموعة من الحسابات الوهمية على شبكات التواصل الاجتماعي بشتم الصحفي وتهديده. وخلال تلك اللحظة لم يدرك ما الذي كان يحدث، فببساطة ظهر له جواب الرئيس مثيرا للضحك، وبعد نهاية المؤتمر الصحفي ذهب إلى حال سبيله لكتابه تقريره. وفي اليوم التالي ألقى نظرة على شبكات التواصل الاجتماعي واكتشف أنه -بالإضافة إلى الشتائم والتهديدات بالقتل- تم نشر صور لأفراد من عائلته. "كتب أحدهم لي أنه يريد أن يضع ثلاث رصاصات في رأسي"، يروي لـ "مجلة الصحافة".
في مواجهة الذباب
في نوفمبر 2020 أصدرت الجمعية التشريعية -عبر لجنة خاصة للتحقيق في التعنيف الذي يتعرض له الصحفيون في مختلف وسائل الإعلام نتيجة مزاولة عملهم- تقريرا يشير إلى أن الرئيس بوكيلي وموظفي حكومته فيدريكو انليكر، أرنستو سانابريا، أليخندرو ثيلايا، وكذلك حلفاءه السياسيين؛ مثل والتر أراوخو وهيرمان بروتش "تكلفوا بالتحرش، ونزع الشرعية، والتقليل من المصداقية والتهديد" في حق الصحفيين. وليكون لرسائلهم تأثير أكبر فإنهم "يوظفون متطرفين موالين لهم يتسترون خلف أسماء وهمية، يقومون بمواصلة هجماتهم"، بحسب التقرير.
كارين فيرنانديث، صحفية بقناة 33، تمت مهاجمتها عبر شبكات التواصل الاجتماعي من قبل حسابات وهمية، ووجهت لها رسائل من قبيل "أرغب في أن يتم اغتصابك وقتل والدتك"، و"أيتها الفاسدة، انتظري حتى يغتصبوك وبعدها أريد أن أسمع رأيك" و"أتمنى أن يقوم المنحرفون باغتصابها"؛ وذلك لأنها وضعت الرئيس بوكيلي موضع المساءلة.
"لقد خلق الرئيس جوا من الكراهية بشكل جعل أتباعه قادرين على ارتكاب جرائم في سبيل التعبير عن دعمه"، يقول في لهجة تحذيرية إدغار روميرو من منظمة "خط العرض"، وهو ما حصل -وفق رأيه- يوم 31 يناير 2021؛ عندما قام حراس خاصون تابعون لوزارة الصحة بقتل مناضلين من حزب جبهة "فارابوندو مارتي للتحرير الوطني" رميا بالرصاص.
أبولونيو توبار، النائب العام المكلف بالدفاع عن حقوق الإنسان بالسلفادور، وصف تصرفات الموظفين بـ "الخطأ الفادح"؛ لأنها "تزيد من درجة المواجهة والاصطدام"، وتحث على التمييز ضد الصحفيين بسبب مزاولتهم عملهم.
"نخشى أن الهجمات المنظمة عبر شبكات التواصل الاجتماعي ستتحول إلى اعتداءات جسدية" تعلق أنخيليكا كاركامو، رئيسة جمعية صحفيي السلفادور.
خلال عام 2019 تلقت الجمعية 77 شكوى بالاعتداء على الصحفيين وفي العام التالي وصلت إلى 125 شكوى.
سوني فيغويرا، صحفي من غواتيمالا، اشتغل مع صحف "سوي 502"، و"دياريو لاهورا"، و"وكالة أسوشيتيد بريس". يقوم حاليا بتطوير صحيفته الإلكترونية الخاصة التي أسماها "بوكس بوبولي". كان يعتقد بداية الأمر أن تعرضه للقذف والتشهير والشتائم والتهديد عبر شبكات التواصل الاجتماعي سيؤثر على تقديره لنفسه وسمعته. ففي مرات عديدة قامت عشرات الحسابات الوهمية بنعته بقاطع الطريق والمبتز واللص، وهو ما جعله يظن أن قراءه في نهاية المطاف سيصدقون هذه التهم، لكن ذلك لم يحصل.
منذ شهر مارس 2020، قام -بمعية صديقه ماربين إيل سيد- بنشر سلسلة من الاستطلاعات الصحفية حول شبهة فساد تحوم حول أليخاندرو جياماتي، رئيس غواتيمالا ومحيطه القريب. وعلى سبيل المثال؛ نذكر الاستطلاع الصحفي الخاص بـ عملية "التبرع" التي قام بها أحد الهاربين من قبضة العدالة لصالح الحكومة، وأهدى مصعدا لمكاتب الرئيس. وفي استطلاع آخر كشفا كيف أن هذه المجموعة والحزب يعملون على التلاعب بالقوانين الانتخابية بدفع أهم منظري الاستراتيجيات الانتخابية إلى تبني استراتيجيات غير قانونية لإعادة جياماتي للسلطة. وبعدها يتحولون إلى مستشارين له ويحصلون على الكثير من الامتيازات (سيارات، حرس خاص تدفع رواتبهم من ميزانية الدولة، أجور مرتفعة... إلخ) دون أن تكون أسماؤهم مسجلة في أي من قوائم العاملين بالمكتب الرئاسي. وفي تحقيق صحفي آخر تحت عنوان "مزرعة وطريق بـ 58 مليون كيتزال (عملة غواتيمالا)"، شرحا كيف أن الدولة قامت بتشييد طريق، بمبلغ سبعة ملايين دولار، لتسهيل الولوج إلى إحدى المزارع التي تملكها عائلة رئيس البلاد.
"الشبكات الاجتماعية تروج إلى أن هناك من اشترى ذمتنا بالمال، وأن عائلتي اشتهرت بالابتزاز وخطيبتي مجرد عاهرة"، يتذكر الصحفي الذي أنجز القصة الاستقصائية.
ما بين عامي 1995 و2020، اغتيل 141 صحفيا في المثلث الشمالي لوسط أمريكا اللاتينية؛ بسبب ممارستهم مهنة الصحافة. إنها ثالث أخطر منطقة في أمريكا اللاتينية لممارسة هذه المهنة بعد البرازيل والمكسيك. ولذلك، فإن اغتيال الصحفيين ما عاد خبرا أبدا.