الحقيقة وترمب (Truth Trump)، باللعب بهاتين الكلمتين قررت مجلة نيمان ريبورت، المتخصصة بالصحافة والصادرة عن جامعة هارفارد الأميركية عنونة عددها الصادر خريف 2016، لمراجعة مهنية التغطيات الصحفية للانتخابات الأميركية الأخيرة وتأثير فوز الرئيس الأميركي المثير للجدل دونالد ترامب على الحقيقة (التي من المفترض أن تنقلها الصحافة).. فتداعيات فوزه (ترامب) ما زالت تفرض نفسها ما بين معارض ومعارض ثم مؤيد بدا كأنه طيف على شاشات التلفزة وشبح في مواقع التواصل الاجتماعي.
لا شك أن شخصية ترامب وتصريحاته وسيرته الذاتية بشكل عام كانت محطّ استهجان من فئات كثيرة وشخصيات فنية شهيرة أعلنت موقفها السلبي من ترشحه وفوزه كما صرح الممثل الهوليوودي روبرت دي نيرو قبل صدور نتائج الانتخابات ثم ما صرحت به نظيرته ميريل ستريب خلال حفل تسلم جوائز الغولدن غلوب عقب فوز ترامب.
وتظل تلك التصريحات مدرجة في إطارات فردية طالما أن أصحابها يمثلون أنفسهم.. لكن ماذا عن الصحافة؟
لن تتسع المقالة للعناوين الصحفية الأميركية التي أظهرت انحيازا واضحا للمرشحة هيلاري كلينتون وألحقتها بعناوين أخرى بعد فوز ترامب بالانتخابات لم توفّر حتى علاقته الشخصية بزوجته.
فيديوهات لا حصر لها بدأت تلتقط تفاصيل إيماءاته ووقوفه مع أفراد عائلته وخصوصا زوجته وتقارنها بالرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، تقودنا لرسم علامة استفهام ضخمة عن مفهوم الموضوعية والمهنية في ظل مصلحة وطنية "نسبية".
لنا أن نتساءل عن الحجة التي تريد وسائل الإعلام استخدامها ضد رئيس منتخب نفترض أنها (الحجة) تتعلق بحقوق الإنسان وخصوصا المواطن الأميركي الذي منحه صوته.
بيد أن معظم ما نشر كان يتعلق بمسائل شخصية أهمها علاقته بزوجته، افترضت وسائل الإعلام وأرادت أن تفرض على المتابعين أن هناك ارتباطا وثيقا بين علاقة الحاكم بزوجته وقراراته السياسية، وإذا سقنا أمثلة من التاريخ القديم والحديث والمعاصر فستنسف تلك الحجة، كما أنها لا تعكس دراسة عملية عميقة لنتائج قرارات ترامب المنتمي لفريق من ذوي الاتجاه اليميني.
قد نتفهم موقف وسائل الإعلام التي ترى أن وجود ترمب خطر على الأمة التي تعيش بها، لكن طريقتها في إظهار هذا الخطر تبدو متواضعة جدا وغير موضوعية.
وسائل الإعلام العربية لم تخرج عن هذا الإطار، وهي عادة ليست جديدة في الانسياق وراء المعالجة الغربية، وخصوصا فيما يتعلق بالتغطيات "المكتبية" لا "الميدانية".. فالأخبار والفيديوهات المتداولة في وكالات الأنباء لم تلق أي نقد من طرف وسائل الإعلام العربية التي أخذتها كما هي ولم تضف عليها جديدا لا في الطرح ولا في المعالجة وفي معظم الأحيان حتى في الجمل والتعليقات.
هذا لا ينفي وجود تقارير ومقالات تحليلية لم تخضع لـ"التفكير الجمعي" وحافظت على رصانتها أمام طوفان المواد التي ركزت على النقد الشخصي دون أن تنسى أن ترامب لا يقوم إلا بتنفيذ وعوده التي انتُخب لأجلها.
ترامب نفسه صرّح أن وسائل الإعلام لم تكن موضوعية وانتهز فرصة المؤتمر الذي عقد بعد فوزه لمهاجمة قناة السي أن أن، عن طريق منع مراسلها من طرح السؤال عليه.
لقد كان ترشح ترمب امتحانا للموضوعية والمهنية التي تتغنى بها وسائل الإعلام الأميركية لكن أيضا تغليبا لما اعتقدت معظم الوسائل الإعلامية أنه يصب في الصالح العام الأميركي.. وجهة نظر لا تتبعها على الأغلب في تغطيات خارج حدود أراضيها.