ينتقد الكثيرون أن الصحافة أصبحت "Churnalism" - مكتوبة بـ "Ch" - وهو تعبير عن حقيقة أن العديد من الصحفيين لا يستثمرون الوقت في جمع المعلومات اللازمة لإنتاج محتوى فريد يحقق وصولاً عالياً.
في وقت أصبح عند وسائل الإعلام تأثير كبير على حياتنا وعلى المجتمع بشكل عام، فإن أولئك الذين يمكنهم التأثير والسيطرة على وسائل الإعلام لديهم تأثير أكبر على تشكيل الرأي العام واتخاذ القرار، حيث أصبحت القوة والوصول والتأثير تقاس بعدد المتابعين أو عدد المشاهدات والمشاركات والتعليقات.
هذه المؤشرات دفعت وسائل الإعلام التقليدية (تلفزيون، راديو، صحافة مكتوبة) للبحث عن موطئ قدم على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل توفير المعلومات والوصول إلى المزيد من المشاهدين والاندماج مع الجمهور. ولكن مع ازدياد النزعة الاستهلاكية للمجتمع، أضحت الطريقة التي يجب أن تعمل بها وسائل الإعلام في خدمة الجمهور موضع تساؤل أيضًا.
في هذا التقرير نتحدث مباشرة مع الناشرين ومديري التحرير في عدد من وسائل الإعلام العربية في الشرق الأوسط في محاولة منا للمساعدة في فهم كيف يتم إنتاج وتقييم الأعمال الصحفية في العصر الرقمي؟ هل المعيار هو الأرقام والإحصائيات أم جودة المنتج الصحفي النهائي؟ هل يواجهون عقبات أو تحديات، وهل توجد اختلافات أو أوجه تشابه بين الأنواع المختلفة لغرف الأخبار، إذا كان الأمر كذلك فما هي؟
"أوقفنا الترويج على فيسبوك، لأننا لم نكن نريد أن نصرف جزءا من ميزانيتنا لدعم المنصة وتحقيق أرقام لا تعكس صورة حقيقية عن متابعينا ولا تعرفنا عليهم بشكل نستطيع بناء علاقة طويلة الأمد معهم".
درج- "المعيار الأساسي بالنسبة لنا هو تقديم محتوى يخدم المصلحة العامة"
علياء الإبراهيم، المديرة التنفيذية لمنصة "درج" في لبنان "التي تأسست بهدف تقديم قصة صحفية "ثالثة" متحرّرة من شروط التمويل السياسي الذي يحكم عمل المؤسّسات الإعلامية العربية السائدة، عبر أنواع من المحتوى تتراوح بين التحقيقات الاستقصائية ومقالات الرأي وقصص الأحداث بمضامين مكتوبة ومرئية ومسموعة" ترى أن المعيار الأساسي "بالنسبة لنا في "درج" هو تقديم مضمون يخدم المصلحة العامة، يسائل السلطة ويعطي صوتاً للفئات التي لا تحظى بالتغطية الإعلامية على الرغم من أحقية قضاياها، بالتالي نحن نركز بشكل أساسي على التحقيقات الاستقصائية سواء كان ذلك على المستوى المحلي وعبر شراكات دولية مع مؤسسات مثل الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ) ومشروع مكافحة الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP)والـــ"Forbidden Stories".
إلا أن ذلك لا يعني بحسب عليا إبراهيم "أنهم لا يعيرون موضوع الأرقام وتحدي الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من المتابعين أهمية كبرى و نعتبر هذا الأمر جزءا من مهمتنا و أهدافنا، فـ"درج" "منصة تسعى لتقديم مضمون فاعل و بالتالي فإلى جانب الشق الاستقصائي و الذي يركز على محاسبة من هم في السلطة عبر الكشف عن معلومات سعوا إلى إخفائها بما يتنافى مع المصلحة العامة، ثمة الشقان التفسيري و التفاعلي القائمان على خلق نقاش حول قضايا قد تكون خلافية و لكنها ذات أهمية كبرى للمجتمع".
على هذا النحو، لا يمكن خلق نقاش فعال لا يأخذ بعين الاعتبار أهمية الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المتابعين مع اختلاف الفئات العمرية، والاهتمامات وأيضاً المناطق الجغرافية التي يتواجدون فيها، "وهذه أمور تجعل التحدي أصعب؛ لأن الوصول إلى من نحاول الوصول إليهم يعمل بطريقة لا تتناسب مع الخوارزميات المعتمدة من قبل منصات التواصل الاجتماعي والتي تسعى بشكل أساسي لتحقيق الأرباح".
في ضوء كل هذا تقول عليا: "وضعنا سياسة تعتمد على المزج بين أولوياتنا. فريق البيانات لدينا يعمل وبشكل يومي على إعداد تقارير تظهر لنا كيف يتم التعاطي مع موادنا، ما هي أفضل العناوين، توقيت النشر، المنصات المناسبة لنشر كل مادة وما إلى ذلك. القرار النهائي يؤخذ من جانب التحرير ولكن على ضوء تحليل هذه المعطيات وأخذها بعين الاعتبار.
لعل السؤال الأساسي الذي يطرح على مؤسسة "درج" هو: هل يخضعون لضغط الأرقام والوصول أمام ضغوطات الممول المهتم بأرقام تفسر له حجم التأثير؟
ترد عليا: "لدينا علاقة قائمة على الشفافية والثقة مع الممولين، وبالتالي نحن لا نخضع للعبة الأرقام لإرضاء أي طرف، إنما لخدمة صحافتنا بأفضل شكل ممكن. فمثلاً في العام ٢٠١٩ اتخذنا قرار وقف كل أنواع الترويج من أجل الوصول إلى شرائح عبر فيسبوك لا تشكل جزءاً من متابعينا الأوفياء. بمعنى آخر، لم نكن نريد أن نصرف جزءا من ميزانيتنا لدعم المنصة وتحقيق أرقام لا تعكس صورة حقيقية عن متابعينا ولا تعرفنا عليهم بشكل نستطيع بناء علاقة طويلة الأمد معهم.
وتضيف "بالطبع انعكس هذا الأمر على أرقامنا، وفي بعض الأحيان كان هذا الأمر محبطاً ولكن من جهة أخرى كانت لدينا ثقة أننا نستطيع بناء خطط واقعية بناء على متابعين حقيقيين. اليوم حوالي خمسين بالمئة من متابعي "درج" يأتون مباشرة إلى الموقع أي أنهم ممن يعتمدون على "درج" كمصدر رئيسي للمعلومات ويعني أيضا أن هناك الكثير الذي يمكننا تحقيقه على مستوى التوزيع على مواقع التواصل الاجتماعي وهذا أمر نسعى إلى معالجته كأولوية خلال هذه السنة".
تلفزيون سوريا- الأرقام ليست الأداة الوحيدة لقياس جودة المحتوى
ربما في التلفزيون يكون الأمر أسهل، بيان الخانجي من تلفزيون سوريا في تركيا، تقول "نحن في تلفزيون سوريا نعتمد على الأرقام كمؤشر لأداء المحتوى، لكن لا تكون هي الأداة الوحيدة، فدائما ما يتم البحث من قبل الإدارة على إنتاج محتوى فريد "بعيد عن الترند أو القصص الإنسانية". مثلا "فإن أحد الزملاء في الموقع قام بزيارة ميدانية للبوسنة لمعرفة أحوال السوريين وكتب عنهم عدة تقارير، ربما هذه التقرير لن تحصد مشاهدات عالية لكنه ذو محتوى فريد وغني بالمعلومات".
وتضيف بيان: "نعتمد على المؤشر الجغرافي بشكل كبير في الإحصائيات وبعيدا عن أي ترويج ADS على الفيسبوك، فكما تعلمون نحن مُحرم علينا الدخول إلى دمشق أو مناطق سيطرة النظام السوري لكننا بحاجة لمقياس لمعرفة حجم متابعتنا هناك خصوصا وأننا نركز بشكل كبير على الداخل السوري، وهنا تصبح المناطق الجغرافية معيارا لنجاح المحتوى، إن كنت تتحدث عن دمشق فلابد أن تكون المدينة الأولى في المشاهدة". (مرفق صورة)
تشير بيان بأن "للخوارزميات دورا في توجيه المحتوى؛ ذلك لأنه لا يمكن تناول الجرائم أو ما يحدث للسوريين في اليونان أو تركيا أو حتى في سوريا حيث تقوم الخوارزمية بإخفاء المحتوى الحساس عن العامة".
أثرت الخوارزميات بشكل أو بآخر على المحتوى السياسي، خصوصا أن قرارات فيسبوك ويوتيوب وتويتر منذ 2019 تغيرت تماما وكان لها توجه جديد، مع انتشار تيك توك بشكل كبير دفع بهذه المنصات إلى اتخاذ قرارات لدعم المحتوى المرئي أكثر من محتوى اللينك أو الرابط، "لذلك لا يمكن تناول أمور سياسية طوال اليوم فعلينا كسر "هذه الرتابة" ببعض من القصص الإنسانية والمنوعات من فنانين أو نجاحات سورية أو برومو لمسلسل يتم عرضه على الشاشة".
في تلفزيون سوريا نعتمد على الأرقام كمؤشر لأداء المحتوى، لكن لا تكون هي الأداة الوحيدة، فدائما ما يتم البحث من قبل الإدارة على إنتاج محتوى فريد "بعيد عن الترند".
وترى بيان أن تلفزيون سوريا معني بالدرجة الأولى بتقديم الأخبار عن سوريا والسوريين في كل مكان، لكن ارتباط القضايا السياسية متشابك لا سيما أنهم لا تجمعهم دولة إنما دول، و"المفاجأة أن البرامج الدولية لها شعبيتها وحضورها من قبل الشارع العربي والعالمي، وأنا لا أتكلم هنا فقط عن مشاهدات وإنما ساعات المشاهدة والمعيار هنا هو يوتيوب، الذي يعطي صورة واضحة عن المتابعة لأن المشاهدات حقيقية على عكس فيسبوك الذي قد يتم بــ"الأوتو بلايز".
سراج، نركز على المحتوى القادر على خلق التأثير حتى وإن تطلب ذلك العمل لسنوات
في الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية "سراج" التي أسسها مجموعة من الصحفيين السوريين في المنفى، يشير الصحفي الاستقصائي، علي الإبراهيم، المؤسس المشارك ومدير التحرير، إلى أن وسائل الإعلام التقليدية بحاجة للوصول لأكبر عدد من القراء والمشاهدين على حساب الدقة لتحقيق التفاعل على قصص وتقارير تنشرها لتحقيق أرقام يمكن عرضها لاحقاً على المعلنين لجذبهم، لكن بالنسبة لنا في سراج فإننا نحرص على الدقّة والتحقق من البيانات والمعلومات قبل نشرها وإعلانها بأي صيغة كما نستخدم منهجيات التقصي ونحرص على أن ينشر التحقيق بأكمل صورة وهو ما قد يخلق التأثير والمحاسبة التي نسعى إليها في التحقيقات الاستقصائية.
ويرى علي أن "ما نسعى إليه في وحدة سراج هو التركيز على إنتاج تحقيقات ذات جودة عالية مدعومة بالوثائق والأدلة فريدة من نوعها ويتم الكشف عنها للمرة الأولى لإحداث التأثير والمحاسبة بعد فترة زمنية وهو ما حصل معنا بالفعل حيث أضاف الاتحاد الأوروبي عشر شخصيات وكيانات سورية إلى قائمة العقوبات الأوروبية، التي تشمل تجميد الأصول وحظر السفر بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث تورّطت هذه الشخصيات بتجنيد مرتزقة للقتال إلى جانب القوات الروسية".
ورد اسم شركة الصياد، ضمن تحقيقٍ استقصائي نشرته "سراج" بالتعاون مع شريكها الدولي صحيفة "التلغراف" البريطانية ومنظمة "لايت هاوس ريبورت" الاستقصائية الهولندية بعنوان من هم المرتزقة السوريون المستعدون للموت من أجل بوتين؟ ونشرت النسخة العربية منه على موقع درج. بالتالي، فإن الإستراتيجية التي نركز عليها في سراج هي إنتاج تحقيقات قادرة على خلق التأثير حتى وإن تطلب ذلك العمل لسنوات.
بناء على كل ما سبق، ترى زينة ارحيم، وهي صحفية تعمل كمستشارة إعلام وتواصل مع عدّة مؤسسات دولية في منطقة الشمال الأوسط وشمال أفريقيا، "أنه عندما نتكلم عن الإعلام غير الحكومي، يحرر التمويل الأيديولوجي الأحادي المؤسسات الإعلامية من فوبيا الأرقام وتتبعها، إذ أن استمرارها ليس مرهوناً بالإعلانات، وضعف الوصول أو التأثير أو حتى الخسارة المادية لن يؤثر على استمرارية الوسيلة الإعلامية وإنتاجها، وهذا الوضع مختلف عن المؤسسات التي تضطر إما للاعتماد على المعلنين والمبيعات أو على تمويل الجهات المانحة.
في حالة وسائل الإعلام المُعتمدة على الإعلانات -ولا أستطيع التفكير بأي وسيلة عربية تعتمد بالكامل على الإعلانات- فبالتأكيد الأرقام هي أساس الوجود والاستمرارية.
لكن في حالة المؤسسات الإعلامية المُعتمدة على التمويل الدولي، ورغم أن بعض الجهات المانحة لديها معايير مختلفة لقياس التأثير عن الأرقام، فمثلا مؤسسات حقوقية قد يهمها تمويل تحقيقات مهنية متعلقة بكشف انتهاكات حقوق إنسان، أكثر من عدد المتابعين/ات الذي سيصل إليهم/ن، لكن المؤسسة ستكون مضطرة في النهاية لأنْ تستخدم الأرقام عندما تتقدم بطلبات التمويل لأية مؤسسة، أو حتى عندما تتقدم بطلب شراكة في إنتاج محتوى ما، فهي بشكل أو بآخر محكومة بالأرقام ومضطرة لأن تراعي ما يرغب به الجمهور و "الترند".
"إن الإستراتيجية التي نركز عليها في سراج هي إنتاج تحقيقات قادرة على خلق التأثير حتى وإن تطلب ذلك العمل لسنوات".
جُمار: المحتوى السريع أفقد القارئ صبره
يطرح جُمّار وهو موقع صحفي عراقيّ مستقل، أسئلة تشغل العراقيين، ويلتزم بالدقّة في إنتاج محتواه، كما يؤكد في باب "من نحن" على موقعه، إذ على المواد أن تخضع للفحص والتثبّت من مصادرها، مثل تدقيق الحقائق وفي الحقوق الفكرية للآخرين في حال وجود اقتباسات، كما يحتم وجود تصريح صوتي أو خطّي للأشخاص الواردة أسماؤهم في المادة بقبول إجراء المقابلات معهم ونشر التصريح بأسمائهم أو من عدمه.
أمام هذا التعهد يرى عمر الجفال رئيس التحرير بأن "الإعلام المستقلّ في العراق هو تحدّ هائل، والخوض فيه مجازفة كبيرة. ذلك أن لا تمويل داخلي له، إذ انعدمت ثقافة التبرّع للمشاريع الثقافية والإعلامية، وغالبية رجال الأعمال متورّطون بملفات فساد أو تلاعب، لذا فإن العمل معهم قد يحدّ من حريّة المُنتج، ولا يوجد من حل سوى المنظمات والجهات الدوليّة، والكثير منها، لا تضع العراق على قائمة الدول التي تدعمها".
بالنسبة لعمر، فإن التمويل، في بلد باتت المعيشة فيه مُكلفة إلى درجة كبيرة، يُعد أساسياً لتشغيل كوادر صحفيّة وفنيّة بإمكانها تقديم محتوى مُحترف، حتى وإن كانت نادرة اليوم لأن الإعلام السياسي هو المكان الأكثر ترجيحاً للعمل الإعلامي، إذ يكاد -المموّل بسخاء من سياسيين مشتبه بسرقتهم الأموال العامة- يسيطر على الفضاء العام، وهو كثير ويصعب إحصاؤه. الإعلام المستقل يواجه تحديات التمويل وقلة الكفاءات وبناء علاقة صحية مع الجمهور وليس علاقة إثارة وتلاعب بالحقائق أو التنازل عن أساسيات أخلاقية. ولبناء مثل هذه العلاقة، فإن أي وسيلة إعلام تحتاج إلى وقت طويل من المثابرة والجهد والصبر والمال لتوطيدها. فالجمهور تعرّض إلى حجم إعلام مهول خلال العقدين الماضيين، وهو على وشك فقدان بوصلته بخصوص فهم المعلومة المضللة من عدمها. الأخبار والفضائح الممولة على وسائل التواصل الاجتماعي تنهال عليه في كل مكان. والمحتوى السريع من فيديوهات أفقده صبره على قراءة مقال يبلغ حجمه 800 كلمة".
يضيف عمر "الإعلام المستقل، والحال هذه، عليه الخوض في كل هذه التحديّات، ولكن عليه أيضاً أن يضمن بقاءه مستقلاً. إنه تحدّ هائل، لكن تجربتنا في جمّار، دلّت على أن هناك جمهوراً عراقياً، من الشباب خاصة، يبحث عن إعلام يأتي بالهامش إلى المركز، وينظر للمركز بعين فاحصة، إعلام يفكّر بأسئلته اليومية، ويحاول مثله عبور المحاذير؛ وليس إعلام ينقل الخبر بسرعة، ومن ثم يعبر إلى الخبر الذي يليه دون من يدقّق في تفاصيله ويلاحق الفراغات الواردة فيه".
راديو روزنة، تغير سلوك الجمهور أمر مرهق
تدور النقاشات السابقة حول الصحافة المكتوبة والتلفزيون لكن كيف هو الحال في الراديو في العصر الرقمي؟
تُجيب الصحفية لجين حاج يوسف رئيسة تحرير راديو روزنة الذي يبث رقمياً من فرنسا باللغة العربية بأن المفتاح الأساسي لتحقيق الوصول هو جودة المنتج الصحفي، أي أن الوصول الصحيح يتطلب جودة محتوى عالية.
وتقول في هذا الصدد: " لأن روزنة مؤسسة إعلامية تمتلك كادرا صغيرا نوعيا ومهنيا، طورنا أدواتنا وأساليب عملنا وفق نموذج غرف الأخبار المدمجة منذ نحو 7 سنوات، وعملنا على بناء قدرات الفريق ليكون متعدد المهارات حيث يعتمد الفريق على المحتوى التفاعلي عبر جميع منصاته كإحدى أدوات جذب الجمهور المستهدف، من أجل زيادة الجمهور والمتابعة، مع مراعاة خصوصية عمل كل منصة.
وترى لجين أن التحدي هو تغير سلوك الجمهور في متابعة وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام على حد سواء، هناك نسبة كبيرة بدأت الانسحاب من فيسبوك نحو تيك توك وإنستغرام بالإضافة إلى التغيير الدائم في سياسات منصات التواصل الاجتماعي وتضارب المصالح بينهم".
وتشير لجين أن هذه المتغيرات أمر مرهق لجميع وسائل الإعلام ولكنه يزداد صعوبة لمؤسسة تمتلك كادر اصغيرا، وبناء على ذلك، فإن الحضور والتأثير لا يرتبط فقط بجودة المنتج الصحفي.
لذلك فريق روزنة يراجع دوما التغيرات الدائمة في سياسات منصات التواصل الاجتماعي أثناء بناء خطة المحتوى، فما كان مسموحا بنشره سابقاً لم يعد مقبولا اليوم، كما أن ضعف إدارة المحتوى باللغة العربية من قبل هذه المنصات هو تحد كبير بالنسبة لنا، ما يجعلنا دوما نعمل على رفع وعي صانعي المحتوى في المؤسسة، ونعمل دوما على تحليل التغيرات في الأرقام والوصول ومقارنتها وفهمها وشرحها للفريق والجهات المانحة. بالطبع تؤكد أن الجميع بمن فيهم الجهات المانحة اليوم بات يعي تغير السياسات الدائم لمنصات التواصل الاجتماعي عموماً، والانزياح في بعض الأحيان للجمهور داخل سوريا حسب ظروف البلاد. هذه المتغيرات تحتم على فريقنا وضع حلول واقتراحات لتحسين الوصول والتفاعل طوال الوقت.
يحرر التمويل الأيديولوجي الأحادي المؤسسات الإعلامية من فوبيا الأرقام وتتبعها، إذ أن استمرارها ليس مرهوناً بالإعلانات، وضعف الوصول أو التأثير أو حتى الخسارة المادية.
يفكك الباحث في الصحافة الرقمية خلف علي الخلف الحاصل على الماجستير في الصحافة الدولية من جامعة سودرتدورن في السويد، هذا التناقض وإحالته إلى الأصل حيث يرى بأن "صحافة الإثارة والصحافة الصفراء أو صحافة التابلويد، هي نوع من الصحافة نشأ قبل بداية الصحافة إذا جاز التعبير، كانت تعتمد على التداول الشفهي للأخبار، وبالطبع تنقل أخبار الفضائح والجرائم والمشاهير وكل ما يطلق عليه الأخبار السلبية.
إذاً، حسب خلف، "منذ نشأة الصحافة حتى الآن تحظى الأخبار الساخنة أو الصحافة الساخنة بمعدل وصول ودوران أعلى من الصحافة الجيدة أو الصحافة الإيجابية، واستمر هذا وتضاعف في عصر الإنترنت، هذا أمر يبدو طبيعياً".
في المقابل يعتبر خلف أن الصحافة التجارية، أي الصحف التي تعتمد على مواردها الذاتية كشركة وتعتمد على تحقيق الأرباح في استمرار عملها أنها تعاني معضلة حقيقية لتحقيق التوازن، فهي من ناحية مطالبة بالتوسع والانتشار لتحقيق الأرباح لتستمر، وبنفس الوقت مطالبة بالحفاظ على المعايير الصحفية والأخلاقية.
حتى في الدول التي لديها تشريعات صحفية مستقرة ومنظمات مهنية قوية وميثاق أخلاقي متفق عليه تحدث انتهاكات مستمرة للمعايير المهنية والأخلاقية في التغطيات والمواضيع الصحفية والتي هدفها بالنتيجة جذب القراء، وغالبا يحدث هذا ضد أفراد أو جماعات ضعيفة لا تستطيع مقاضاة وسيلة الإعلام. لكن ذلك كان محدوداً نظرا لقلة الناشرين أياَ كان عددهم.
ويستطرد خلف: "مع الانتقال للنشر أونلاين، أصبح الأمر أكثر تعقيداً، فمعدل الزيارات أمر حيوي لأي وسيلة إعلام تجارية لأنها أصبحت مصدرا مولدا للدخل، لكنه دخل متغير جديد على الإعلام، فقد أصبح الجمهور منتجا للأخبار، واتجه بالطبع نحو الأخبار الساخنة بل والأخبار المفبركة. وأصبح ذلك نموذج عمل لعدد متزايد من البشر لأنه أصبح مدرا للدخل".
مع اتضاح المنافسة بين الجمهور ووسائل الإعلام التقليدية فرض "المغربلون الجدد" إيقاعهم على مساحة النشر أونلاين خصوصا عبر شبكات التواصل الاجتماعي. والمغربلون حسب خلف "وكما وصفتهم في ورقة سابقة هم الأشخاص الذين لا علاقة لهم بمهنة الإعلام وليس لديهم فكرة عنها وذوو تحصيل علمي وفكري ضعيف فأصبحوا منتجين للأخبار ولديهم متابعين بالملايين. المشكلة لم تعد في الصحافة الصفراء ولا في المغربيلين الجدد بل في تحول الإعلام تدريجيا إلى نهجهم حيث أصبحت صياغة العناوين والمحتوى تجنح لأسلوبهم "الساخن".
المؤسسة ستكون مضطرة في النهاية لأنْ تستخدم الأرقام عندما تتقدم بطلبات التمويل لأية مؤسسة، فهي بشكل أو بآخر محكومة بالأرقام ومضطرة لأن تراعي ما يرغب به الجمهور و"الترند".
في النهاية يرى خلف علي الخلف استناداً إلى أبحاث عديدة أجراها حول الصحافة الرقمية، على مدار عقدين من الزمن، أن الصحافة الإيجابية والصحافة المهنية تحظى بمتابعة جيدة قد تتجاوز أرقام الصحافة الساخنة إذا جعلنا فترة القياس الزمني طويلة نسبيا.