كانت الساعة تشير إلى الرابعة عصرا أمس (31 يوليو/ تموز)، مراسل الجزيرة في مدينة غزة إسماعيل الغول، والمصور رامي الريفي، وصحفيون آخرون، يغطون في مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة قرب منزل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، ردودَ فعل المواطنين على اغتياله في طهران.
فجأة ألقت الطائرات الإسرائيلية التي كانت تحلق بكثافة فوق المكان صاروخا سقط قرب الصحفيين، فاعتبروا ذلك إنذارا لهم بإخلاء المكان، فركبوا سيارتين وتحركوا بمسارين مختلفين خوفا من الاستهداف. تحرك مراسل الجزيرة إسماعيل الغول والمصور رامي الريفي اللذان كانا يرتديان درعيهما في المركبة نفسها التي وُضعت عليها من الخارج شارة الصحافة، وما هي إلا دقائق معدودة حتى ورد خبر استهداف السيارة بصاروخ موجه.
بهذه الكلمات وصف الصحفي إسلام بدر، مراسل التلفزيون العربي في شمال قطاع غزة في حديث لـ"مجلة الصحافة"، اللحظات الأخيرة التي سبقت استشهاد الصحفيَّين إسماعيل الغول ورامي الريفي باستهداف إسرائيلي غربي مدينة غزة. "ما جرى هو استهداف مباشر ومقصود لسيارة الصحفي إسماعيل الغول، ولا يمكن أبدا اعتباره غير ذلك، وما يؤكد الأمر هو نهج إسرائيل في الاعتداء على الصحفيين؛ إذ بلغ عدد الشهداء منهم 165 شهيدا منذ بداية هذه الحرب في أكتوبر 2023"، يقول الصحفي بدر.
ما جرى هو استهداف مباشر ومقصود لسيارة الصحفي إسماعيل الغول، ولا يمكن أبدا اعتباره غير ذلك، وما يؤكد الأمر هو نهج إسرائيل في الاعتداء على الصحفيين؛ إذ بلغ عدد الشهداء منهم 165 شهيدا منذ بداية هذه الحرب في أكتوبر 2023
تفاصيل الاغتيال
الصحفي أسامة العشي كان أول الصحفيين الواصلين إلى مكان استهداف مركبة المراسل إسماعيل الغول، ويوضح في شهادته لـ"مجلة الصحافة" أنه كان حاضرا وقت الحدث قرب مخيم الشاطئ وسمع صوت الاستهداف الأول الذي تبين لاحقا أنه لمنطقة قريبة من الصحفيين الذين يغطون من منزل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الراحل إسماعيل هنية.
بعد بدقائق، عمّ المكان صوت استهداف أقرب، فخرج العشي، حاملا معداته باحثا عن مكان الاستهداف لتوثيقه، يقول: "شاهدت جثة طفل ملقاة على الأرض فلفتني إلى جانبها ميكروفون يحمل شعار قناة الجزيرة، فأدركت على الفور أن المستهدف هو مراسلها إسماعيل الغول لأنه هو الوحيد الذي يغطي بالمنطقة لصالح القناة".
تحرك العشي صوب المركبة المستهدفة فورا، فوجد جسدي الغول والريفي جثتين هامدتين بعدما قُطِع رأس الأول وتفتّت الجزء العلوي من جسد الثاني، على حد وصفه.
ويُقدر الصحفي الذي يعمل لصالح عدة وسائل إعلام عربية وأجنبية أن الاستهداف كان مباشرا بشكل لا لبس فيه؛ لأن المركبة عندما قُصِفت كانت مسرعة، وهذا لا يمكن أن يتم إلا عبر صاروخ ذكي وموجه، مضيفا أن "الصاروخ أصاب الصحفيين الغول والريفي بشكل مباشر كما شاهد".
كان إسماعيل يرتدي درع الصحافة ورامي يحمل معداته التي يستخدمها في توثيق الأحداث وتصويرها، وفي كرسي المركبة الخلفي بعض الأدوات الأخرى التي تلزم للتغطية، كما أن السيارة كانت تحمل شارة تدل على أن من بداخلها صحفيون، حسب شهادة العشي، مبينا أن "ذلك يدل على أن ما جرى هو استهداف مباشر لإسماعيل ورامي اللذين أصرا على مواصلة التغطية في شمال قطاع غزة رغم الظروف القاسية".
إنسانية إسماعيل الغول
يعد مراسل الجزيرة إسماعيل الغول من بين الصحفيين الذين رفضوا الاستجابة لأوامر النزوح الإسرائيلية في بداية الحرب على غزة في أكتوبر/ تشرين 2023، وأصرّ على مواصلة التغطية من شمال القطاع رغم ما مرّ به من تحديات وعقبات؛ إذ تعرض للاعتقال والاستجواب على يد الجيش الإسرائيلي، واستُشهد شقيقه بقصف إسرائيلي، وتوفي والده خلال رحلة علاجه بالخارج.
ويشهد زملاء إسماعيل من الصحفيين في شمال قطاع غزة له بإنسانيته ومهنيته العالية، رغم حداثة سنه وقصر مدة عمله مراسلا تلفزيونيا.
يعد مراسل الجزيرة إسماعيل الغول من بين الصحفيين الذين رفضوا الاستجابة لأوامر النزوح الإسرائيلية في بداية الحرب على غزة في أكتوبر/ تشرين 2023، وأصرّ على مواصلة التغطية من شمال القطاع رغم ما مرّ به من تحديات وعقبات؛ إذ تعرض للاعتقال والاستجواب على يد الجيش الإسرائيلي، واستُشهد شقيقه بقصف إسرائيلي، وتوفي والده خلال رحلة علاجه بالخارج.
قبل عدة أسابيع، نشر "الشهيد الغول" عبر حساباته على منصات التواصل مقطع فيديو لطفل اسمه محمد، يبكي ويركض نحوه بعد استهداف منزل عائلته بمخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة ويقول: "عمو إسماعيل، ماما وأخوي لسا تحت الردم وأنا بس طلعت منيح من القصف". كان هذا الطفل هو نجل الصحفي سائد حسونة الذي قال لـ"مجلة الصحافة": "في ذلك الموقف احتضن إسماعيل ابني وتعامل معه بروح أبوية وخفف عنه وطأة الصدمة التي رآها في عينيه".
هاتف إسماعيل بعد ذلك زميله "حسونة" معزيا باستشهاد زوجته وابنه مهدي ومطمئنا إياه على حالة نجله محمد الذي نجا من القصف، ويصف الأخير كلمات الغول خلال ذلك الاتصال بـ"الصادقة والمطمئنة والمعبرة عن إنسانية عالية سكنت في نفسه".