لا تزال قضية الاعتراف بالمواطن الصحفي تتردد في أروقة المنظمات الدولية، باعتبارها حالة طارئة على عالم الصحافة الاحترافية القائمة على حدود واضحة، فهذا الوصف لا يقتصر على الشخص الذي يسعى للتعبير عن نفسه، بل يتسع ليشمل عنواناً واسعاً هو "المهن الإعلامية الجديدة" مثل معدِّلي المحتوى، ومحرري مواقع التواصل الاجتماعي، والمصورين العاملين في هذه الشبكات.
لنقاش هذا الملف التقَت مجلة "الصحافة" في العاصمة القطرية الدوحة الأستاذ منير زعرور،مدير البرامج التدريبية ومنسق العالم العربي والشرق الأوسط في الاتحاد الدولي للصحفيين، الذي يتخذ من العاصمة البلجيكية بروكسل مقراً له، وينضوي تحت مظلته أكثر من 60 ألف صحفي منتشرين في 131 دولة حول العالم.
أولا- ما موقف الاتحاد الدولي للصحفيين من الصحفي المواطن؟
يرى ضيفنا أن هذا الموضوع غير محسوم فيه داخل الاتحاد الدولي للصحفيين، فهناك نقابات صحفية مختلفة لها مواقف متنوعة من قضية المواطن الصحفي، وبعضها تمنح عضويات مشاركة أو عضويات فخرية للمواطنين الصحفيين الناشطين في إنتاج مدونات أو محتويات صحفية.. طبعاً هذا اعتراف نقابي وطني بأهمية الدور الذي لعبه المواطن الصحفي، لكن هذا يحدث غالباً في الدول المستقرة.
ويتابع: المشكلة في العالم العربي أن مهنة الصحافة لا تزال هشة، وهناك خلط كبير بين الصحفي والعمل الصحفي وبين حرية التعبير وقدرة المواطنين على التعبير عن أنفسهم؛ المُعبَّر عنها من خلال المواطن الصحفي بكل أدواته، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو مواقع التدوين. هذا الأمر خلق تشويشاً كبيراً في المنطقة، ولغاية هذه اللحظة يعتبر الاتحاد أن هذه الضبابية وعدم الوضوح يشكلان خطراً على الصحافة المهنية. لكن في النهاية، لا يخلط الاتحاد بين الصحفي والمواطن الصحفي لأن الصحافة بالنسبة له مهنة، والصحفي عنده هو من يتخذ من الصحافة مهنة له ويتقاضى عليها أجراً، فالفرق واضح بين الصحفي وبين المواطن الصحفي الذي يساهم في التعبير عن رأيه.
يتابع ضيفنا أنَّ الاتحاد يدرك في ذات الوقت أننا دخلنا عصراً يحتوي على رغبة من الجمهور في التعبير عن نفسه إلى جانب التعامل مع المحتويات الصحفية التي ينتجها المواطنون الصحفيون. ولا بد من أخذ هذا بعين الاعتبار، فالمؤسسات الصحفية التي تتجاهل هذه الحقيقة قد تكون في طريقها إلى الانحدار بصورة غير جاذبة للجمهور، وبالتالي فإن الجميع مضطر للتعامل مع هذه الإنتاجات لأنها في ذات الوقت تشكِّل فرصة لاكتشاف قدرة الصحافة على التعبير عن رغبات وطموحات واحتياجات الجمهور، وفرصة أكبر لإدماج المواطنين وما يتلقونه ويحصلون عليه من معلومات في عملية الإنتاج الصحفي.
يؤكد منسق العالم العربي والشرق الأوسط أن الاتحاد الدولي للصحفيين قدّم تقارير عديدة حول النماذج الجديدة في الإنتاج الصحفي باستخدام المواطنين، كما أن هناك مؤسسات صحفية عريقة تستخدم ما يمكن تسميته "صحافة الحشود" سواء لمراجعة ملفات صحفية على مستوى هائل، أو لإنتاج تقارير صحفية وطنية في قضايا معينة، وهذا موجود في مؤسسات عريقة مثل "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست"، و"الغارديان" ، فهذه المؤسسات لديها قسم خاص اسمه "صحافة الحشود"، ودوره هو استغلال رغبة الناس واستعدادهم للمشاركة مع قضايا متنوعة بهدف إنتاج محتويات صحفية.
لكن الاتحاد -يتابع ضيفنا- يرفض الخلط في هذه المسألة، كأن نقول عن المواطن الصحفي إنه صحفي.
ثانيا- هل يبذل الاتحاد الدولي للصحفيين أي جهود أو مساع لتطوير حالة المواطن الصحفي، ومساعدة النقابات الوطنية على دمج المواطنين الصحفيين؟ نتحدث هنا عن بلدان مستقرة كالمغرب أو مصر وتونس وغيرها.
يقول ضيفنا إن الاتحاد لا يملك تعريفا واضحا للمواطن الصحفي، والتمييز لديه قائم على اشتراطات خاصة لمن يستحق العضوية النقابية في منظمات صحفية وطنية، وهذا أيضاً خاضع بالضرورة لتصورات النقابات الوطنية، بمعنى أن شروط العضوية في الأردن غير شروط العضوية في مصر وغيرها في تونس أو المغرب أو تركيا، فالتعامل مع المواطنين الصحفيين والمدونين وكل ما يندرج في هذا الإطار يقع على عاتق النقابات الوطنية، ومن جهتنا نحاول أن نفتح حواراً مع هذه النقابات في المنطقة العربية وكل العالم حول تعريف المهن الإعلامية الجديدة، بمعنى أن هناك مدونين هم اليوم صحفيون يتلقون أجراً على التدوين، وبالتالي في نهاية المطاف هو صحفي، لكن هم لغاية اللحظة في المنطقة العربية غير معترف بهم كصحفيين ولا توجد نقابة تقبلهم، رغم أنَّ هؤلاء ينظرون لذاتهم ويقدمون أنفسهم على أنهم صحفيون.. هنا لا بد من الحديث عن الاجتماع الإقليمي الخاص بالاتحاد الدولي للصحفيين المزمع عقده الصيف المقبل، والذي سيتعامل مع مسألتين: الأولى الصحفيون الشباب الذين يشتغلون في الإعلام الرقمي واحتياجاتهم، والثانية هي كيفية التعامل مع العاملين في المهن الإعلامية الجديدة. فبالنسبة للاتحاد فإن المستقبل يسير نحو هذا الاتجاه، وإذا أهمِلت هاتان المسألتان ستجد الصحافة نفسها معزولة مع تقدُّم الزمان.
ثالثاً- هناك من يرى أن المنظمات الدولية تحمل في خطابها أو تعاملها حالة استعلاء على المواطن الصحفي؟
ينفي منير زعرور أي حالة استعلاء على النشاط الذي يقدمه المواطنون الصحفيون، فما يهم الاتحاد هو تعريف المهنة والأدوات التي يتعامل من خلالها الصحفي في إنتاجه الصحفي، فالأمر يتعلق بضمان الأجور بين المستخدِم والمُستخدَم، وهنا يشير ضيفنا إلى الملفات التي تابعها الاتحاد وتخص قضايا لصحفيين مواطنين.
رابعاً- كيف يرى الاتحاد مستقبل المواطن الصحفي؟
يرى ضيفنا أن مستقبل هذا الواقع لا يتعلق باستمرار الوضع الحالي، وإنما يتعلق بالإنتاج الذي يقدمه هؤلاء الناشطون، فالاعتماد على المحتوى المجاني سيظل خياراً متاحاً أمام المؤسسات الإعلامية. كما يعتبر منير زعرور أن هذه المرحلة مشوشة جداً، فالقلق والخوف الموجود عند الصحفيين المحترفين على مهنتهم مشروع ويجب عدم الاستهانة به مطلقاً، فهذا الخوف مدفوع بالتحولات التقنية والاقتصادية في قطاع الإعلام، لكن أيضاً يجب ألا يُغفَل الدور الذي يلعبه المواطنون الصحفيون في هذا الاتجاه.
خامساً- مِن مهام الاتحاد الدولي واهتماماته، الدفاع عن الصحفيين والمطالبة بهم أثناء الاعتقال أو الاختطاف ومتابعة ملفاتهم في هذا الإطار، حدثنا عن دور الاتحاد في هذا الاتجاه؟
يؤكد ضيفنا أن الاتحاد يعود في هذه المسائل إلى التنسيب النقابي فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية التي تدور حول الخلافات مع أصحاب المؤسسات الإعلامية، أما في حالة الاختطاف أو الاعتقال فإن الفعل التلقائي هو الدفاع عن الصحفيين. وفي ما يخص المواطنين الصحفيين فإن المسألة هنا تتعلق بالموقف المبدئي من حرية التعبير، وهؤلاء يدخلون في هذا الباب. فالمسألة هنا تخضع للسؤال التالي: هل نشر هذا المواطن الصحفي مواد ضمن اعتبارات الاتحاد الدولي للصحفيين؟ بمعنى أنه ما دام هناك أجر مدفوع على هذه المادة، فإنَّ هذه النقطة تمكِّن الاتحاد من الدفاع أو الدخول في عملية متابعة الملف الخاص بالمواطن الصحفي.
وهنا يتوسع ضيفنا في الحديث عن صعوبة المتابعة غالباً نظراً لقلة الموارد البشرية التي تعمل في هذا الإطار، لكنه يشير إلى إحدى أكبر الحملات التي قادها الاتحاد الدولي للصحفيين عقب اغتيال المواطنة الصحفية المدوِّنة المالطية "دافني كروانا غاليتيسيا".
خاتمة
ويختم منير زعرور حديثه لمجلة "الصحافة" بالقول:
إن الأهمية الرمزية لمسألة وقضية المواطن الصحفي تتعلق بالدرجة الأولى بالتحول المفهومي في دور ناقل المعلومة، فأبعاد التعامل مع قضايا وحالات المواطن الصحفي لا تقتصر فقط على تجارب محددة، بل هي أعمق من ذلك بكثير. واليوم نشهد انفتاحا هائلا في وسائل الاتصال سواء عبر الشبكات الاجتماعية أو التكنولوجية، وهذه الشبكات تدير -بشكل منهجي- حربا مفتوحة على العمل الصحفي المحترف، يصفها ضيفنا بالعملية الممنهجة، فهناك مئات من المؤسسات التي تديرها شركات متنوعة تضخ محتوى رقميا واسع الانتشار، وهذا النوع من النشاط أدى بشكل مباشر أو غير مباشر إلى إلغاء مئات الوظائف لصحفيين حول العالم، وفي ذات الوقت فإن هذه المعادلة غير خاضعة على الدوام للقوانين التي يخضع لها الصحفيون المحترفون بطبيعة الحال.