ترجم هذا المقال بالتعاون مع نيمان ريبورت - جامعة هارفارد
في أعقاب المطاردة التي وقعت في مدينة " ووترتاون"، كتب "هونغ كو"، الزميل الزائر بمؤسسة نيمان، مقالًا على موقع "Neiman Reports" عن تويتر والمصداقية. قرأته عدة مرات، وقد اشتمل المقال على العديد من النقاط المثيرة والمفيدة، إلا أن فيه أمرًا ناقصًا!
يعمل هونغ على تطوير أداة تسمى "Keepr" لمساعدة الصحفيين على تمييز الغث من السمين على موقع تويتر كي يتسنى لهم الوصول إلى المعلومات. حيث هونغ خلال المطاردة أداة Keepr لإنشاء قائمة بأكثر مصادر المعلومات ذكراً حول العملية، ثم أجرى تدقيقاً على هذه المصادر ليصل إلى تلك التي يغلب عليها تقديم الأخبارالموثوقة من الموقع نفسه. وكتب عن ذلك "اعتمدت على أربعة عوامل باعتبارها مؤشرات للمصداقية: الإفصاح عن المكان، التحقق من المصادر المتعددة، اللقطات الأصلية غير المعدلة، والتزام الدقة بشكل متواصل". وتمكن عبر استخدام هذه المعايير من تشكيل قائمة بالأشخاص الذين يمكنه متابعتهم.
الصحفي شاهد عيان:
يمكن أن نفترض بكل ثقة أن عدد غير الصحفيين الذين نقلوا الأحداث في تفجير ماراثون بوسطن والقريبين من مطاردة ووترتاون كان أكثر من عدد الصحفيين المحترفين، إلا أن 18 من أصل 20 حساباً بموقع تويتر ضمن القائمة التي أسسها هونغ للمصادر الأكثر مصداقية والتي نقلت التغريدات من قلب الحدث- كانت لصحفيين متدربين أو طلاب صحافة-، وإذا كان موقع تويتر وشبكات التواصل الاجتماعي الأخرى تفي بوعدها لتكون منصات يسيرة الدخول من أجل صحافة المواطن، فلماذا لم تضم هذه القائمة مزيداً من الأشخاص العاديين من خلفيات غير صحفية؟
لعل جانباً من الإجابة يكمن في الطريقة التي أُنشئت بها هذه القائمة. إذ أن الصحفيين الذين يكونون "شهود عيان" على الأحداث الرئيسية يمتلكون غالباً عدداً كبيراً من المتابعين على موقع تويتر، وهو ما يمكن أن يدفع بهم ليعتلوا قوائم"Keepr". لكني أعتقد أيضاً أن الصحفيين المهنيين سيطروا على هذه القائمة لأن جودة التغريدات التي نشروها كانت أفضل بكثير من تغريدات شهود العيان من المواطنين العاديين. لقد تعلّمنا كصحفيين محترفين عدم إقحام انفعالاتنا الشخصية فيما نكتب، وهكذا فإن متابعينا على تويتر يتلقون أقل قدر من التغريدات عديمة الفائدة التي يعبر فيها المغرد عن رعبه أو خوفه من موقف شاهده، وأكبر قدر من التغريدات ذات المعلومات القيّمة والهامة، والتي يمكن إعادة تغريدها.
ربما يكون الصحفيون الحاضرون في موقع الحدث الرئيسي يتحدثون كشهود عيان، ولكنهم شهود عيان يعملون وفق عدد من الممارسات والقيم المتعلقة بجمع الأخبار. فقد تدربوا على المهارات المحددة التي تجعلهم أكثر فائدة وأهمية خلال أحداث على شاكلة المطاردة، وهي: التحقق من المصدر، والتدقيق في الحقائق، والكتابة، والتصوير الفوتوغرافي وتصوير الفيديو، وتلخيص الأحداث المعقدة بما يتيح عرضها للعامة. إنها عملية تشبه دمج الأخبار العاجلة بحسابات تويتر التي يمتلكها كثير من غير الصحفيين.
معايير ومهارات:
الحل يحتاج أكثر من مجرد إعادة التفكير في طريقة تغطية الأخبار العاجلة، بل يتطلب أيضًا التفكير في كيفية وضعنا للمعايير والمهارات المتعلقة بنقل الأخبار، إضافة إلى أدوات النشر، بين يدي المواطن الصحفي. ولهؤلاء الراغبين في أن تسد صحافة المواطن الفجوة التي حدثت في أماكن انسحاب أو اختفاء المنظمات الإعلامية التقليدية، توفر أداة المصداقية التي طورها هونغ إشارة هامة. فإذا كان الهواة يشكلون 10 في المئة فقط من قائمته لمصادر تويتر "الموثوقة" فهذا يعني أن صحافة المواطن في وضع صعب.
لقد أمضيت مسيرتي المهنية وأنا أعمل في مجتمعات التي يكون فيها الصحفيون المهنيون كائنات معرضة للخطر، كما كان لدي اهتمام كبير بدراسة هذه المجتمعات أيضًا، وهي مجتمعات على شاكلة مدينة كليفلاند ومونرو شمال كاليفورنيا؛ وبوكاتيلو في أيداهو؛ وبوكاتيلو في نبراسكا. كانت بوسطن وكامبريدج ووترتاون، فيما يتعلق بالحضور الإعلامي لنقل التقارير، مجهزة تجهيزاً جيداً لنقل هذه الأحداث. لا ينطبق ذلك على كل مكان، أو حتى في أغلب الأماكن. لنتخيّل معاً هذا السيناريو: " وقع انفجار في مصنع أسمدة وتسبب في مقتل 14 شخصاً وجرح 200 وتدمير 50 منزلاً على الأقل وتلويث إمدادات المياه". وتخيلوا أن هذا الانفجار حدث في بوسطن، بدلًا من مدينة ويست في تكساس، في نفس الأسبوع الذي وقعت فيه تفجيرات ماراثون بوسطن. كيف كانت القصة ستسير في اعتقادكم؟
أينما يوجد الناس، توجد أخبار، إلا أنها تمر بدون نقلها وبدون أن يجمع شخص ما الخيوط سويًا ويتحدث إلى الناس ويدقق في الأحاديث التي تنتشر بينهم ويراجع في الأوراق من أجل الوصول إلى الحقائق وتحديد التوجهات والكشف عن القصص الصحفية. وهذا هو السبب فإن تغطية ما حدث في تفجيرات بوسطن مثلًا تدفعني إلى التفكير بالأماكن الأخرى في أميركا التي تكاد لا تنال أي نصيب من الاهتمام الصحفي.
إن هذا لا يتعلق بكيفية تغطيتنا للمآسي الكبيرة فحسب. يشير معهد الصحافة الريفية وقضايا المجتمع إلى أن 16 في المئة من الأميركيين يعيشون في المناطق الريفية، وهي المناطق التي تتمتع بأقل تغطية من حضور وسائل الإعلام المتصارعة التي يمكن إيجادها في بوسطن. كما تعاني صحافة المناطق الريفية من نفس المشكلات التي تحدق بالرعاية الصحية الريفية، والتي تتلخص في مشاكل من قبيل نقص الخبراء المدربين الذين بوسعهم اتخاذ إجراءات تضمن تفادي وقوع الحوادث والأمراض، سواء على مستوى فحص مستويات الكوليسترول لدى المواطنين، ووصولًا إلى تقصّي حالة مصانع الأسمدة، والحرص على الحدّ من مخاطر حدوث أي أزمة. تحظى الكوارث بمزيد من الاهتمام، لكن الصحافة الجيدة -مثل الطب الجيد- تكون في أفضل أشكالها عندما تضع يدها على المشكلة في مراحلها الأولى. ويتطلب ذلك الوقت، والجهد، والتدريب بكل تأكيد.
التجربة الذاتية:
حين دخلت مجال الصحافة لم أكن أملك أية مهارات أو مواهب خاصة. كنت قد حصلت على درجة في الأدب الإنجليزي، ولم أكن لدي معرفة بمعظم المصطلحات المتخصصة التي يستخدمها الصحفيون. لكنني كنت فضولية ولا أقبل الأمور بدون تفحص، وكنت أشعر بالمسؤولية تجاه المجتمع، وأحب معرفة الأشياء على حقيقتها. ليست هنالك خلطة سرية تأتي مع أول راتب تحصل عليه من عملك في الصحافة، أو أول درجة علمية فيها. فإذا كنت قادرة على أن أصبح صحفية، فأي شخص قادر على ذلك. وهكذا بدأت أفكر في أن على كل شخص أن يكون كذلك.
فالمواد التدريبية في مجال الصحافة متوفرة بسهولة، كما أنها تكون في أغلب الأحوال مجانية أو منخفضة التكلفة، توفرها مؤسسات مثل جامعة "نيوز" التابعة لمعهد بوينتر، والدورات التدريبية التي يقدمها مركز نايت للصحافة. وتضع مدونة الأخلاقيات الخاصة بجمعية الصحفيين المهنيين أربع قواعد بسيطة كفيلة بتوضيح المسار الصحيح للجميع: اسع وراء الحقيقة وبلغ عنها، قلل من الضرر، تحرك باستقلالية، كن على قدر المسؤولية.
أين التحدي؟
يكمن التحدي في معرفة طريقة تعزيز ونشر هذه المبادئ لمجتمع من الناس لا ترتبط أجورهم وسمعتهم المهنية بمصداقيتهم. تتضمن النماذج المفيدة ترخيص المشاعات الإبداعية للورانس ليسيج، التي رفعت الوعي بشأن حقوق الملكية في عالم شبكة الإنترنت المليء بالمخالفات؛ ومقترح كاثي ديفيدسون، مؤلفة كتاب (Now You See It)، بإمكانية توزيع منظمات على شاكلة جمعية الصحفيين المهنيين لشارات على الأشخاص اعترافاً بالمهارات التي اكتسبوها بطريقة مشابهة لمنظمات الكشافة ولكن بطريقة رقمية. وربما قد حان الوقت أمامنا لنتعرف على طرق لبيان التدريب الذي تلقيناه جميعاً، محترفين وهواة، لتكون بمثابة إقرار بالمعايير التي نتبعها ونقطة بداية للالتزام بالمصداقية. إنني لا أعرف صحفيين "معتمدين"، وإنما أعرف صحفيين موظفين لدى مؤسسات صحفية، وكما نرى في جميع الأحداث الإخبارية الرئيسية، فإنه ليس هنالك التزام على مستوى واحد بالمعايير الصحفية حتى بين الصحفيين المهنيين.
وإذا نظرنا إلى قائمة هونغ وعديد من القوائم الأخرى التي تحتوي على توزيعات مشابهة بين الصحفيين الهواة والمحترفين، يبدو أنه من الواضح أن الأمر ليس مقصوراً على عدد المتابعين لحساب تويتر، والقرب من الأحداث، أو حتى اللقطات الأصلية غير المعدلة والتصريحات الهامة. إن الأمر يرتبط بشكل وثيق بالمعايير والتدريب، وتقع مسؤولية نشر ذلك على أولئك الذين يهتمون بالصحافة باعتبارها نشاطاً مدنياً، وليست مجرد مجال مهني.