نشر معهد رويترز لدراسة الصحافة تقريره السنوي عن الأخبار في المنصات الرقمية، الذي يعده مجموعة من الباحثين في جامعة أكسفورد وصحفيون مختصون في الإعلام الرقمي. في هذه المادة نلخص أبرز النتائج التي جاءت في هذا التقرير.
دفع الأموال مقابل الحصول على الأخبار
وجدت نتائج التقرير أن هناك تزايدا طفيفا في عدد الأشخاص الذين يدفعون للمواقع الإلكترونية لقاء تلقيهم أخبارا منها، سواء عبر الاشتراكات أو العضوية أو التبرعات. وحتى في الدول التي تنتشر فيها ثقافة الدفع مقابل الأخبار، فإن الأغلبية العظمى من الأشخاص يشتركون في منصة إعلامية واحدة فقط.
وتظهر الدراسة أن عينة الأفراد الذين يميلون إلى دفع اشتراكات تنقسم إلى ثلاث فئات رئيسية: أولها فئة المتعلمين الذين يحملون درجة جامعية واحدة أو أكثر، حيث يميلون إلى دفع الاشتراكات بمقدار ضعفي المعدل. والثانية هي فئة الطبقة الغنية التي يميل أفرادها إلى دفع الاشتراكات بمقدار ثلاثة أضعاف المعدل، بينما الفئة الثالثة هي فئة الأشخاص الذين يمتلكون اهتماما عاليا بالصحافة ويميلون إلى دفع الاشتراكات بمقدار 5 أضعاف المعدل.
غير أنه في بعض الدول بدأت ظاهرة السأم من الاشتراكات (Subscription Fatigue) تبرز بشكل واضح، حيث تفضل الغالبية أن تنفق ميزانيتها المحدودة على الخدمات الترفيهية مثل "نتفليكس" (Netflix) و"سبوتيفاي" (Spotify) بدلا من الخدمات الإخبارية. وتظهر نتائج الدراسة أن 37% يفضلون الحصول على اشتراك سنوي في منصات الفيديو الرقمية مثل "أمازون برايم" (Amazon prime) و"نتفليكس"، في مقابل 15% يفضلون الحصول على اشتراك سنوي في منصات الموسيقى الرقمية مثل "سبوتيفاي" و"آبل للموسيقى" (Apple Music)، و7% فقط يفضلون الحصول على اشتراك سنوي في منصات الأخبار الرقمية مثل "نيويورك تايمز" (New York Times) و"لوموند" (Le Monde).
ومع تنامي النظرة السلبية تجاه المواقع الإخبارية باعتبارها أمرا روتينيا غير جاذب للجمهور ليدفع لقاء الحصول على الأخبار، ستعاني الكثير من المواقع الإخبارية في رفع نسبة عوائد الاشتراكات، لا سيما أن كثيرا من الناشرين بدؤوا يطلقون نماذج لمنصات إخبارية غير مجانية (70% في النرويج و50% في أميركا)، وهذا النوع من المنصات يواجه العديد من المعيقات بشكل يومي.
تنامي سوق تطبيقات تجميع الأخبار على الهواتف الذكية (Aggregators)
"كان من أهم الآثار المترتبة على التحول الرقمي للأخبار، هو إضعاف العلاقة المباشرة بين القراء والناشرين" في هذا النص الوارد من التقرير توضح النتائج أن نسبة تفضيل الجمهور للتطبيقات المختصة بتجميع الأخبار من وسائل الإعلام المختلفة وتقديمها للقراء ضمن نافذة واحدة؛ بدأت تتنامى بشكل أكبر لدى الجمهور في عدد من الدول، لا سيما في كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وعلى الرغم من أن النسب لا تزال قليلة مقارنة بباقي الوسائل الرقمية لتلقي الأخبار، إلا أنها تشاهد تصاعدا متكررا مقابل انخفاض نسبة الجمهور الذي يفضل الدخول مباشرة لموقع الوسيلة الإعلامية لتلقي الأخبار (29%)، بمقابل (55%) يفضلون الوصول للأخبار من خلال محركات البحث أو وسائل التواصل الاجتماعي أو تطبيقات تجميع الأخبار، حيث تقوم الشركات الكبرى المالكة لتلك المنصات الرقمية بتوظيف الخوارزميات لتوجيه القصص وتقييمها، مما يجعل تلك المنصات تستهدف القراء بالأخبار التي تهمهم أكثر من التطبيقات التابعة لوسائل الإعلام. لذلك فإن تطبيقات تجميع الأخبار مثل Apple News و Upday أصبحت ذات شعبية أكبر، فمثلا تطبيق Apple News في الولايات المتحدة يصل إلى مستخدمي أجهزة Iphone بنسبة 27% وهي نسبة أكبر من صحيفة الواشنطن بوست نفسها 23%.
البريد الإلكتروني وتنبيهات الهاتف لتعزيز الولاء بين القارئ والوسيلة الإعلامية
لربما شاع مؤخرا أن البريد الإلكتروني أصبح وسيلة تقليدية لا يعول عليها لترويج المحتوى الإخباري، إلا أن التقرير يؤكد أن النشرات الإخبارية على البريد الإلكتروني (Email Newsletter) لا زالت تحتل أهمية كبيرة في تعزيز الولاء بين القارئ والوسيلة الإعلامية، حيث وجدت صحيفة الواشنطن بوست أن القراء الذين تصلهم نشراتها الإخبارية يتفاعلون مع المحتوى الإخباري بمعدل ثلاثة أضعاف معدل تفاعل الأشخاص، الذين لا يتلقون هذه النشرات، مع ذات المحتوى.
وفي المقابل فإن التنبيهات الخاصة بالهواتف الذكية (Mobile Notifications) يميل المستخدمون الأصغر سنا للاعتماد عليها كمصدر في إطلاعهم على الأخبار، حيث ارتفعت نسبة استخدام هذه التقنية كمصدر للإخبار من 4% إلى 20% في بريطانيا منذ العام 2014، ومن 6% إلى 19% في الولايات المتحدة في نفس الفترة.
الحصول على الأخبار عند استخدام الهواتف الذكية
يشير التقرير إلى أن قرابة 43% من البريطانيين يلجأون إلى موقع إخباري أو تطبيق خاص بالأخبار عندما يريدون معرفة خبر للمرة الأولى أثناء استخدامهم للهواتف الذكية، وينسب التقرير هذا الارتفاع إلى الشعبية الكبيرة التي يحظى بها تطبيق BBC News داخل بريطانيا. إلا أن هذه النسبة تقل عندما تُحصر العينة في من هم دون 35 عاما، حيث يلجأ 44% لمواقع التواصل الاجتماعي و 34% يذهبون مباشرة لتطبيقات أو مواقع الأخبار، إلا أنه وبشكل عام فإن نسبة الولوج مباشرة إلى مواقع وتطبيقات وسائل الإعلام للحصول على أحدث الأخبار قلت بشكل كبير منذ العام 2016 مع ظهور تطبيقات تجميع الأخبار أو الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي.
بينما في الولايات المتحدة يفضّل 54% من الجمهور اللجوء لمواقع التواصل الاجتماعي بدلا من التصفح داخل تطبيقات ومواقع وسائل الإعلام.
كما أن هناك انخفاض في التشابه بين معدلات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة للحصول على الأخبار، حيث انخفضت نسبة الاعتماد على Facebook مقارنة بـ WhatsApp وInstagram بشكل ملحوظ، لكن، وعلى الرغم من أن هناك عدد من المستخدمين غادروا Facebook بشكل نهائي وأغلقوا حساباتهم، إلى أن Facebook يبقى الشبكة الاجتماعية الأقوى لترويج الأخبار.
أما فيما يتعلق بنقاش العامة للأخبار على الشبكات الاجتماعية، وجد التقرير أن هناك نزعة تميل إلى الخصوصية بدأت بالتنامي بين المستخدمين؛ حيث أصبح WhatsApp هو المكان الرئيسي لمناقشة ونشر الأخبار في الدول غير الغربية، 53% من البرازيليين يستخدمون WhatsApp لهذا الغرض، 50% في ماليزيا، 49% في جنوب إفريقيا. كما أن احتمالية وجود سكان هذه الدول في مجموعات محادثة كبيرة على WhatsApp مع أشخاص لا يعرفونهم، أكبر بكثير من سكان الدول الغربية. مما يشير إلى مدى أهمية تطبيقات المراسلة في هذه الدول في عملية نشر المعلومات وارتفاع احتمالية نشر المعلومات المضللة في هذه المجموعات. كما أن المجموعات الخاصة والعامة على Facebook في تركيا بدأت بالتحول لمنصات لنقاش الأخبار والقضايا السياسية بنسبة 29% مقارنة بنسبة 22% في البرازيل و7% في كندا وبنفس النسبة في أستراليا.
الأخبار الكاذبة وبناء السمعة
مخاوف العامة من الأخبار المضللة والكاذبة تبقى في تصاعد رغم الجهود التي تبذلها المنصات الرقمية وناشرو المنصات الإعلامية لبناء حالة من الثقة بينها وبين العامة. ففي البرازيل مثلا، 85% من العامة قلقون من صعوبة التمييز بين ما هو حقيقي وما هو زائف على الإنترنت. كما أن هذه المخاوف مرتفعة أيضا في بريطانيا (70%) والولايات المتحدة (67%)، بعكس بعض الدول الأوروبية الأخرى التي تبدو النسبة فيها أقل بكثير: ألمانيا (38%) وهولندا (31%).
وفي كل الدول عينة الدراسة، انخفض معدل الثقة في الأخبار عموما بنسبة 2% ليصبح 42%، بينما يقول قرابة 49% إنهم يثقون في المنصات الإخبارية التي يتابعونها. نسبة الثقة في فرنسا تراجعت بنسبة 11% خلال هذا العام لتصبح 24%، ويعزى ذلك إلى الهجوم الذي تعرضت له وسائل الإعلام هناك بسبب طبيعة تناولها لمظاهرات السترات الصفراء (اقرأ أيضا: الصحافة والسترات الصفراء في فرنسا.. سوء الفهم الكبير). ووجد التقرير أيضا أن 33% فقط من العينة يثقون في المحتوى الإخباري الذي يصلون إليه بعد بحثهم عنه في محركات البحث، و23% يثقون في المحتوى الإخباري الذي يظهر لهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
كما أن هناك تزايدا في ثقة الناس بالمنصات الإخبارية ذات السمعة المهنية، حيث قال 26% من العينة إنهم بدؤوا يعتمدون أكثر على المنصات الإعلامية الكبرى الشهيرة ذات السمعة الجيدة في جودة محتواها الإخباري، 40% منهم في الولايات المتحدة. وقال 24% من العينة إنهم توقفوا عن متابعة المنصات الإخبارية التي كانت تنشر محتوى مشكوكا فيه بكثرة، بينما قال 41% إنهم تأكدوا من مصداقية الخبر بعد مقارنته بأكثر من مصدر.
هذا التزايد صحبه ارتفاع في وعي القراء تجاه خطورة نشر وترويج المحتويات الإخبارية الكاذبة أو المضللة، حيث قال 61% من البرازيليين إنهم لن ينشروا أي محتوى إخباري يشكون في صحته. وبلغت هذه النسبة 40% في تايوان التي شهدت حملة تضليل واسعة خلال الانتخابات الأخيرة، بينما كانت النسبة في هولندا قليلة جدا (13%) باعتبارها أقل الدول قلقا من المحتوى الإخباري المضلل أو الكاذب.
وذهبت الدراسة إلى تحليل طبيعة العينة التي قال أفرادها إنهم بدؤوا بالاعتماد بشكل أكبر على مصادر الأخبار ذائعة الصيت كمصدر رئيسي للأخبار، استنادا إلى متغيريْ العمر ودرجة التعليم في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا. ووجدت أن نسبة الاعتماد على وسائل الإعلام ذات السمعة الحسنة أكثر من غيرها، كانت الأكبر ضمن فئة من هم أكبر من 55 عاما في الولايات المتحدة، وهي على العكس تماما في بريطانيا حيث كانت النسبة الأكبر بين من تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما، والنسبة الأقل عند كبار السن.
أما فيما يتعلق بمتغير المستوى التعليمي، فكانت النسب متفاوتة بشكل شبه متماثل بين البلدين، باحتلال النسبة الأكبر للأشخاص ذوي المستوى التعليمي العالي عندما يتعلق الأمر بالتعامل فقط مع المصادر الإخبارية ذات السمعة، ومن ثم المستوى المتوسط والمنخفض، كما يظهره الرسم البياني أدناه.
الإعلام كسلطة رابعة
وجد التقرير أن هناك اعتقادا منتشرا بأن وسائل الإعلام تؤدي عملا جيدا فيما يتعلق بنقل الأخبار العاجلة، إلا أنها غير قادرة على تحليله. ومن بين عينة الدراسة، فإن 62% يعتقدون أن الإعلام يبقى مهمًّا في جعل العامة مطّلعين على الأحداث، بينما يرى 51% أن وسائل الإعلام لا تساعد كثيرا في جعل العامة قادرين على فهم تلك الأحداث.
ويؤمن 41% من إجمالي العينة أن الإعلام وسيلة قوية لمحاسبة المسؤولين والأثرياء، لكن هذا الرقم متدنٍ جدا في كوريا الجنوبية (21%) والمجر (20%) واليابان (17%). كما يوجد اختلاف واضح بين الدول فيما يتعلق بارتفاع احتمالية إيمان الأشخاص المتعلمين بأهمية دور الإعلام مقارنة بباقي السكان، ويُرجَّح عزو ذلك إلى أن أجندة وسائل الإعلام تميل أكثر إلى تغطية اهتمامات واحتياجات الأشخاص المتعلمين. في الرسم البياني المرفق مقارنة بين أكثر الشعوب إيمانا بأهمية دور الصحافة في بلدانهم بوضع المسؤولين أمام المحاسبة، مقارنة بأقلها إيمانا بهذه الأهمية ضمن الدول عينة الدراسة فقط.
الشعبوية وفقدان الثقة في الإعلام
يرجح التقرير أن الأشخاص أصحاب التوجهات الشعبوية، غالبا ما يُعرّفون التلفزيون بأنه مصدرهم الرئيسي في تلقي الأخبار، وأنهم يميلون أكثر إلى موقع فيسبوك في تعاملهم مع المنصات الرقمية للأخبار، وأنهم أقل ميلا إلى الثقة في وسائل الإعلام بشكل عام.
كما أن هناك ارتفاعا في نسبة الأشخاص الذين يميلون إلى تجنب التعرض للأخبار بشكل عام، حيث وصلت النسبة هذا العام إلى 32%، بينما في بريطانيا بلغت النسبة 11% فقط. ويعزى ذلك إلى ملل العامة وغضبهم بسبب اتفاقية خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي (بريكست) (اقرأ أيضا: الأوروبيون يفقدون الثقة في الإعلام.. فتّش عن اليمين المتطرّف)، في حين يقول 58% من الأشخاص إنهم يتجنبون الأخبار بسبب أنها تعكر مزاجهم، أو لأنها تشعرهم بعدم قدرتهم على التغيير.
تنامٍ هائل في سوق البودكاست الصحفي
مع التزايد الكبير في أهمية استخدام الهواتف الذكية لغايات تصفّح الأخبار، وجد التقرير أن 66% من العينة يستخدمون الهواتف الذكية للوصول إلى الأخبار بشكل أسبوعي، وهي نسبة ارتفعت 4% مقارنة بالعام الماضي. هذا التنامي في استخدام الهواتف الذكية ساهم في رفع شعبية البودكاست (Podcast)، خصوصا بين الشباب، إذ قال أكثر من 36% من العينة إنهم استمعوا لبودكاست واحد على الأقل خلال شهر واحد. إلا أن هذه النسبة ترتفع إلى 50% عند حصرها بأجوبة من تقل أعمارهم عن 35 عاما.
ولكون الهواتف الذكية هي الأجهزة الأكثر استخداما في الاستماع للبودكاست بنسبة 55%، فإن كبريات المؤسسات الصحفية بدأت الدخول إلى عالم البودكاست، مثل: الواشنطن بوست، الغارديان، والبوليتيكان (Politiken) والإيكونوميست (The Economist) والفايننشال تايمز (Financial Times)، فضلا عن نشرة صحيفة "نيويورك تايمز" اليومية، والتطويرات التي تحدثها هيئة البي.بي.سي على خدمة الراديو عند الطلب (On-demand Radio) و"بي.بي.سي ساوند" (BBC Sounds) التي تعد كلها تطورات لمرحلة البودكاست التي دخلت الوسط الصحفي بقوة.
ووجد التقرير أن الفئات السنية الصغيرة التي تمضي وقتا كبيرا في استخدام الهواتف الذكية يميلون إلى الاستماع للبودكاست أكثر بأربعة أضعاف ممن هم فوق 55 عاما. ويعزى ذلك إلى المزايا الأساسية للبودكاست، وهي سهولة استخدامه والقدرة على الاستماع له أثناء القيام بنشاطات أخرى، إلى جانب تأمينه تجربة سماعية فريدة نظرا للتقنيات الحديثة المستخدمة في التسجيل، فضلا عن حرية اختيار ما يرغب الناس في الاستماع له مقارنة بالبث الإذاعي التقليدي.