خالد العيسى.. النعي في الصفحة الأخيرة

رغم الزخم الكبير الذي حظي به خبر اغتيال المصور الصحفي خالد العيسى (1) في الأوساط السورية، إلّا أنّ أي بيانٍ إدانة لم يخرج من أي منظمة أو هيئة إعلامية مختصة ، بما في ذلك رابطة الصحفيين السوريين، لاعتبارات سياسية أو مهنية.

حينما أصيب العيسى في انفجار عبوة ناسفة في المنزل الذي يسكنه في حي الشعار بسوريا مع زميله هادي العبد الله –حسب ما أفاد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي- كانت هناك مجموات ناشطة تحاول تأمين خروجه للعلاج في ألمانيا قبل أن تسبقهم يد الموت إليه.

تلك المجموعات هي التي تابعت أخباره وأخبار زميله في ظل الغياب الكامل لمساندة المؤسسات والنقابات الصحفية لهؤلاء الصحفيين المستقلين.

كما التجأت المؤسسات الإعلامية المختصة لمواقع التواصل الاجتماعي لمتابعة تفاصيل استهدافه وحالته الصحية ثم موته، ليكون خبر اغتياله أشبه بنعي لكنه مكتوب في الصفحة الأخيرة.

خالد العيسى وهادي العبد الله والمئات غيرهم من الناشطين الإعلاميين المتوزعين على الأرض السورية بصفةٍ مستقلة لنقل تطورات الأحداث والمعارك في المناطق الأكثر سخونةً التي لا تستطيع وسائل الإعلام الوصول إليها، لا يجدون من يدافع عنهم ويدين ما يتعرضون له خلافاً للصحفيين في المؤسسات الكبرى الذين يجدون من يقف خلفهم.

المواطن الصحفي سبق المحترف

بدأ تداول مصطلحي "المواطن الصحفي" و"الناشط الإعلامي" في الأشهر الأولى من بداية الاحتجاجات السلمية في سوريا التي تحولت إلى ثورة شعبية عارمة، وظهور مئات التنسيقات والمكاتب الإعلامية التي حاولت أن تتخصص أكثر في المجال الإعلامي في الأحياء المتواجدة فيها فأصبح هناك المئات من النشطاء الإعلاميين الذين سرعان ما تطوّر أداؤهم وقدرتهم على نقل ما يجري بصورة أكثر مهنية.

ولعب هؤلاء المواطنون الصحفيون دوراً كبيراً في تزويد القنوات الإخبارية بمصادر مهمة في الأماكن التي لم يستطع الصحفيون المحترفون الوصول إليها. في بلدٍ كانت تعتبر قبل بدء الاحتجاجات واحدة من بين أسوأ الدول في حرية الصحافة في العالم.

حاول النظام السوري وبكافة الوسائل منع وإعاقة وصول ما يجري من مظاهرات واحتجاجات إلى العالم الخارجي حتى لا تتناقض مع الرواية  الرسمية التي تبنّاها هو وإعلامه،  فاتّجه النشطاء إلى الإعلام البديل كردة فعل طبيعية على القمع الشديد للصحفيين، وقاموا بتسخير جميع وسائل التواصل الاجتماعي من أجل إيصال حقيقة ما يجري من اعتقالات تعسفية وقتل متعمّد ومباشر للمتظاهرين السلميين.

وإضافة إلى المواطنين الصحفيين والنشطاء الإعلاميين، عمل الكثير من الصحفيين المتمرسين في هذا المجال على رصد التجاوزات بحقّ المتظاهرين وفضح جرائم النظام. ورغم أنّ عددهم كان قليلاً مقارنة بالنشطاء الآخرين من مزودي المعلومات في سوريا إلاّ أنّهم لعبوا دوراً مهماً جداً في تطوير العديد من المكاتب الإعلامية الثورية وتدريب كوادر ونشطاء في هذا المجال بشكل سري.  

انتهاكات من جميع الأطراف

مع استمرار الثورة السورية لأعوام، لم يعد النظام السوري وحدهُ عدواً للإعلاميين، فقد غدا المواطنون الصحفيون هدفاً لمختلف الأطراف الناشئة على الأرض، ل اسيما الفصائل المتشددة التي لاحقتهم بتهم شتى أبرزها "العمالة" لجهات أجنبية.

ومع ظهور "تنظيم الدولة الإسلامية" وتمدده في مساحات جغرافية واسعة في سوريا، تعرّض العشرات من الناشطين الإعلاميين إلى القتل والاختطاف والتعذيب في المعتقلات، مما اضطر كثيرين لهجرة البلد والخروج إلى الدول المجاورة ليكملوا عملهم من هناك مع ناشطين آخرين موجودين على الأرض بشكل سري.

وأكدت لجنة الحريات في اتحاد الإعلاميين بحلب هجرة أكثر من 150 ناشطاً إعلاميا دفعة واحدة من المدينة إلى تركيا، ومقتل 11 آخرين خلال شهر واحد، وذلك في إحصائية نشرتها اللجنة خلال تشرين الثاني 2013، مما أثر سلبا على التغطية الاعلامية فيها وأسهم في تقليل المواد البصرية الواردة منها.

كذلك قالت لجنة الحريات في رابطة الصحفيين السوريين في تقرير لها مطلع عام 2014 إن الجديد في تقارير الشهور الأخيرة هو وقوع انتهاكات من الكتائب المُسلحة الأُخرى التي يُقاتل بعضها النظام، حيث يتم منع الإعلاميين أحياناً وبوسائل شتى من القيام بواجبهم بداعي وجود خطر على حياتهم، أو تجنباً لاستفادة النظام من المعلومة التي قد تُنشر بنيّة حسنة".

وبعد أكثر من خمس سنوات على أحداث الثورة السورية، تعرض معظم المواطنين الصحفيين للتصفية أوالتغييب القسري أوالملاحقة في مختلف المناطق، بينما لا يزال قلة منهم يعملون وحدهم كما الذئاب في حقول عالية المخاطر، دون أي رعاية أو حماية، وقد يحظون برواتب منخفضة من جهات محلية، إن وُجدت.

 

 

هامش

 

(1)     اغتيل المصور الصحفي خالد العيسى بانفجار عبوة ناسفة في حلب بتاريخ 24 يونيو/حزيران 2016.

 

المزيد من المقالات

صحفيو شمال غزة يكسرون عاما من العزلة

رغم الحصار والقتل والاستهداف المباشر للصحفيين الفلسطينيين في شمال غزة، يواصل "الشهود" توثيق جرائم الاحتلال في بيئة تكاد فيها ممارسة الصحافة مستحيلة.

محمد أبو قمر  نشرت في: 17 نوفمبر, 2024
جيريمي سكاهيل: الحرب على غزّة وضرورة العودة إلى "صحافة المواجهة"

يدعو الصحفي الاستقصائي الشهير جيريمي سكاهيل إلى إحياء ما أسماه "صحافة المواجهة" للتصدي لحالة التفريط بالقيم المهنية والإنسانية الأساسية في وسائل إعلام غربية مهيمنة، وخاصة في سياق تغطية الإبادة في قطاع غزة.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 6 نوفمبر, 2024
في السنغال.. "صحافة بلا صحافة"

شاشات سوداء، وإذاعات تكتم صوتها وصحف تحتجب عن الصدور في السنغال احتجاجا على إجراءات ضريبية أقرتها الحكومة. في البلد الذي يوصف بـ "واحة" الديمقراطية في غرب أفريقيا تواجه المؤسسات الإعلامية - خاصة الصغيرة - ضغوطا مالية متزايدة في مقابل تغول الرأسمال المتحكم في الأجندة التحريرية.

عبد الأحد الرشيد نشرت في: 5 نوفمبر, 2024
تهمة أن تكون صحفيا في السودان

بين متاريس الأطراف المتصارعة، نازحة تارة، ومتخفية من الرصاص تارة أخرى، عاشت الصحفية إيمان كمال الدين تجربة الصراع المسلح في السودان ونقلت لمجلة الصحافة هواجس وتحديات التغطية الميدانية في زمن التضليل واستهداف الصحفيين.

إيمان كمال الدين نشرت في: 28 أكتوبر, 2024
الأثر النفسي لحرب الإبادة على الصحفيين

ما هي الآثار النفسية لتغطية حرب الإبادة على الصحفيين؟ وهل يؤثر انغماسهم في القضية على توازنهم ومهنيتهم؟ وماذا يقول الطب النفسي؟

أحمد الصباهي نشرت في: 18 أكتوبر, 2024
"أن تعيش لتروي قصتي"

في قصيدته الأخيرة، كتب الدكتور الشهيد رفعت العرعير قائلا "إذا كان لا بد أن أموت فلا بد أن تعيش لتروي قصتي".

لينا شنّك نشرت في: 15 أكتوبر, 2024
عامٌ على حرب الإبادة في فلسطين.. الإعلام الغربي وهو يساوي بين الجاني والضحيّة

ما تزال وسائل إعلام غربية كبرى تثبت أنّها طرفٌ في حـرب الرواية، ولصالح الاحتلال الاسرائيلي.. في هذا المقال، يوضّح الزميل محمد زيدان كيف أن وسائل إعلام غربية كبرى ما تزال تطوّر من تقنيات تحيّزها لصالح الاحتلال، رغم انقضاء عام كامل على حرب الإبـادة في فلسطين.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 8 أكتوبر, 2024
حسابات وهمية بأقنعة عربية.. "جيش إلكتروني منظم"

أُغرقت منصات التواصل الاجتماعي بآلاف الحسابات الوهمية التي تزعم أنها تنتمي إلى بلدان العربية: تثير النعرات، وتلعب على وتر الصراعات، وتؤسس لحوارات وهمية حول قضايا جدلية. الزميلة لندا، تتبعت عشرات الحسابات، لتكشف عن نمط متكرر غايته خلق رأي عام وهمي بشأن دعم فئات من العرب لإسرائيل.

لندا شلش نشرت في: 6 أكتوبر, 2024
رصد وتفنيد التغطيات الصحفية المخالفة للمعايير المهنية في الحرب الحالية على غزة

في هذه الصفحة، سيعمد فريق تحرير مجلة الصحافة على جمع الأخبار التي تنشرها المؤسسات الصحفية حول الحرب الحالية على غزة التي تنطوي على تضليل أو تحيز أو مخالفة للمعايير التحريرية ومواثيق الشرف المهنية.

مجلة الصحافة نشرت في: 23 سبتمبر, 2024
"مأساة" الصحفي النازح في غزة

بينما تقترب حرب الإبادة الجماعية في فلسطين من سنتها الأولى، ما يزال الصحفيون في غزة يبحثون عن ملاذ آمن يحميهم ويحمي عائلاتهم. يوثق الصحفي أحمد الأغا في هذا التقرير رحلة النزوح/ الموت التي يواجهها الصحفيون منذ بداية الحرب.

أحمد الأغا نشرت في: 22 سبتمبر, 2024
من الصحافة إلى الفلاحة أو "البطالة القسرية" للصحفيين السودانيين

كيف دفعت الحرب الدائرة في السودان العشرات من الصحفيين إلى تغيير مهنهم بحثا عن حياة كريمة؟ الزميل محمد شعراوي يسرد في هذا المقال رحلة صحفيين اضطرتهم ظروف الحرب إلى العمل في الفلاحة وبيع الخضروات ومهن أخرى.

شعراوي محمد نشرت في: 15 سبتمبر, 2024
المصادر المجهّلة في نيويورك تايمز.. تغطية الحرب بعين واحدة

ينظر إلى توظيف المصادر المجهلة ضمن المعايير المهنية والأخلاقية بأنها "الخيار الأخير" للصحفيين، لكن تحليل بيانات لصحيفة نيويورك تايمز يظهر نمطا ثابتا يوظف "التجهيل" لخدمة سرديات معينة خاصة الإسرائيلية.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 5 سبتمبر, 2024
عمر الحاج.. "التحول" الصعب من العطلة إلى بؤرة الزلزال

قبل أن يضرب زلزال عنيف مناطق واسعة من المغرب، كان عمر الحاج مستمتعا بعطلته، ليجد نفسه فجأة متأرجحا بين واجبين: واجب العائلة وواجب المهنة، فاختار المهنة. في تغطيته لتداعيات الكارثة الطبيعية، التي خلفت آلاف القتلى والجرحى، خرج بدروس كثيرة يختصرها في هذه اليوميات.

عمر الحاج نشرت في: 17 أغسطس, 2024
رفاق المهنة يروون اللحظات الأخيرة لاغتيال إسماعيل الغول

كانت الساعة تشير إلى الرابعة عصرا أمس (31 يوليو/ تموز)، مراسل الجزيرة في مدينة غزة إسماعيل الغول، والمصور رامي الريفي، وصحفيون آخرو

Mohammad Abu Don
محمد أبو دون نشرت في: 1 أغسطس, 2024
في الحرب على غزة.. كيف تحكي قصة إنسانية؟

بعد تسعة أشهر من حرب الإبادة الجماعية على فلسطين، كيف يمكن أن يحكي الصحفيون القصص الإنسانية؟ وما القصص التي ينبغي التركيز عليها؟ وهل تؤدي التغطية اليومية والمستمرة لتطورات الحرب إلى "التطبيع مع الموت"؟

يوسف فارس نشرت في: 17 يوليو, 2024
الأمهات الصحفيات في غزة.. أن تعيش المحنة مرتين

أن تكون صحفيا، وصحفية على وجه التحديد تغطي حرب الإبادة الجماعية في فلسطين ومجردة من كل أشكال الحماية، يجعل ممارسة الصحافة أقرب إلى الاستحالة، وحين تكون الصحفية أُمًّا مسكونة بالخوف من فقدان الأبناء، يصير العمل من الميدان تضحية كبرى.

Amani Shninu
أماني شنينو نشرت في: 14 يوليو, 2024
بعد عام من الحرب.. عن محنة الصحفيات السودانيات

دخلت الحرب الداخلية في السودان عامها الثاني، بينما يواجه الصحفيون، والصحفيات خاصّةً، تحديات غير مسبوقة، تتمثل في التضييق والتهديد المستمر، وفرض طوق على تغطية الانتهاكات ضد النساء.

أميرة صالح نشرت في: 6 يونيو, 2024
الصحفي الغزي وصراع "القلب والعقل"

يعيش في جوف الصحفي الفلسطيني الذي يعيش في غزة شخصان: الأول إنسان يريد أن يحافظ على حياته وحياة أسرته، والثاني صحفي يريد أن يحافظ على حياة السكان متمسكا بالحقيقة والميدان. بين هذين الحدين، أو ما تصفه الصحفية مرام حميد، بصراع القلب والعقل، يواصل الصحفي الفلسطيني تصدير رواية أراد لها الاحتلال أن تبقى بعيدة "عن الكاميرا".

Maram
مرام حميد نشرت في: 2 يونيو, 2024
فلسطين وأثر الجزيرة

قرر الاحتلال الإسرائيلي إغلاق مكتب الجزيرة في القدس لإسكات "الرواية الأخرى"، لكن اسم القناة أصبح مرادفا للبحث عن الحقيقة في زمن الانحياز الكامل لإسرائيل. تشرح الباحثة حياة الحريري في هذا المقال، "أثر" الجزيرة والتوازن الذي أحدثته أثناء الحرب المستمرة على فلسطين.

حياة الحريري نشرت في: 29 مايو, 2024
"إننا نطرق جدار الخزان"

تجربة سمية أبو عيطة في تغطية حرب الإبادة الجماعية في غزة فريدة ومختلفة. يوم السابع من أكتوبر ستطلب من إدارة مؤسستها بإسطنبول الالتحاق بغزة. حدس الصحفية وزاد التجارب السابقة، قاداها إلى معبر رفح ثم إلى غزة لتجد نفسها مع مئات الصحفيين الفلسطينيين "يدقون جدار الخزان".

سمية أبو عيطة نشرت في: 26 مايو, 2024
في تغطية الحرب على غزة.. صحفية وأُمًّا ونازحة

كيف يمكن أن تكوني أما وصحفية ونازحة وزوجة لصحفي في نفس الوقت؟ ما الذي يهم أكثر: توفير الغذاء للولد الجائع أم توفير تغطية مهنية عن حرب الإبادة الجماعية؟ الصحفية مرح الوادية تروي قصتها مع الطفل، النزوح، الهواجس النفسية، والصراع المستمر لإيجاد مكان آمن في قطاع غير آمن.

مرح الوادية نشرت في: 20 مايو, 2024
كيف أصبحت "خبرا" في سجون الاحتلال؟

عادة ما يحذر الصحفيون الذين يغطون الحروب والصراعات من أن يصبحوا هم "الخبر"، لكن في فلسطين انهارت كل إجراءات السلامة، ليجد الصحفي ضياء كحلوت نفسه معتقلا في سجون الاحتلال يواجه التعذيب بتهمة واضحة: ممارسة الصحافة.

ضياء الكحلوت نشرت في: 15 مايو, 2024
"ما زلنا على قيد التغطية"

أصبحت فكرة استهداف الصحفيين من طرف الاحتلال متجاوزة، لينتقل إلى مرحلة قتل عائلاتهم وتخويفها. هشام زقوت، مراسل الجزيرة بغزة، يحكي عن تجربته في تغطية حرب الإبادة الجماعية والبحث عن التوازن الصعب بين حق العائلة وواجب المهنة.

هشام زقوت نشرت في: 12 مايو, 2024
آليات الإعلام البريطاني السائد في تأطير الحرب الإسرائيلية على غزّة

كيف استخدم الإعلام البريطاني السائد إستراتيجيات التأطير لتكوين الرأي العام بشأن مجريات الحرب على غزّة وما الذي يكشفه تقرير مركز الرقابة على الإعلام عن تبعات ذلك وتأثيره على شكل الرواية؟

مجلة الصحافة نشرت في: 19 مارس, 2024