بدأتُ متابعة الأزمة السورية عن كثب في خريف العام 2015 عندما كنت أدرس في باريس. فجأة أثارت التقارير الإخبارية عن اللاجئين الذين أجبروا على النوم على أرضيات محطات القطار عاطفتي، لأنني كنت أسير على نفس هذه الأرضيات. لكن، ومع اهتمامي بالقضية بدا لي أنه ليس في وسع الصحافة العالمية سوى تغطية جزء من القصة. وبسبب خطورة الأوضاع على الأرض بالنسبة للصحفيين الغربيين، لم تكن هناك تقارير محلية كافية باللغة الإنجليزية، والقصص الإنسانية للشعب السوري توارت في ظلال الأخبار الواردة من جبهات القتال، أو الجدل الثائر في المجتمعات المضيفة للاجئين السوريين.
في فصلي الدراسي الأخير بجامعة "نورث إيسترن"، أعددتُ فصلا عن صحافة المواطن على الإنترنت لمنظمة "طائرات الورق" (Paper Airplanes) غير الربحية التي تمنح عشرة شباب بالغين ممن تأثروا بالعنف في سوريا، الأدوات اللازمة لإخبار العالم بقصصهم الفردية ووجهات نظرهم.
تأسست هذه المنظمة على يد طالب جامعي في الولايات المتحدة عام 2014 بهدف تقديم دروس مجانية في اللغة الإنجليزية على الإنترنت للاجئين السوريين الذين تأثروا بالصراع، وتوسعت سريعا لتقدم لهؤلاء اللاجئين برامج في لغات ومهارات أخرى، من بينها الصحافة. درّست الفصل الأول في خريف 2017 مع مدرسين آخرين هما حسين أقوش وليندزي راند. وأثناء عملنا مع طلابنا، نما لدينا تقدير أكبر لأهمية صحافة المواطن.
اجتمع الفصل مرتين أسبوعيا عبر تطبيق "هانغوتس" (Hangouts) لمدة 12 أسبوعا. وكان لدينا عشرة طلاب نصفهم من النساء، كلهم سوريون، لكنهم يعيشون في أماكن مختلفة من العالم؛ في فرنسا وسوريا والأردن وماليزيا والمملكة العربية السعودية.
جلب هذا الاختلاف تنوعًا كبيرًا في الأفكار، لكنه عنى أيضا أن الطلاب يواجهون مشاكل وتحديات مختلفة أثناء عملهم الصحفي. وخشي بعض الطلاب من أن أحدًا لن يقبل الحديث معهم إن عرّفوا عن أنفسهم باعتبارهم صحفيين. إحدى المشاركات ساورها القلق من الحديث مع الغرباء في مكان عام، حيث تخضع النساء في المكان الذي تقيم فيه لوصاية الذكور. هذا بالإضافة إلى أن الإنجليزية لم تكن اللغة الأساسية لجميع طلابنا، ولم يكن هناك ما يضمن أن مصادرهم يجيدون الحديث بالإنجليزية.
وبدلا من إجبار الطلاب على اتباع قواعد مستحيلة، عدّلنا متطلبات المقال لتناسب قدرات الطلاب. كان هدف الدورة مساعدة الطلاب، وهذا ما فعلناه. ولم تكن هناك مشكلة إن لم يجد طلابنا لموادهم أكثر من ثلاثة مصادر في كل قصة. أردنا منهم كذلك أن يجربوا إعداد أنواع مختلفة من التقارير، لكن إن لم يجدوا حدثا ليغطوه فلن يكون ذلك مشكلة. الأهم من ذلك أننا خصصنا لكل طالب مشرفًا خاصًّا لنضمن شعورهم بالدعم الكامل. ساعد المشرفون الطلاب في إعداد أسئلة المقابلات واستخدام العناصر الأساسية للأسلوب الصحفي وتنظيم تقاريرهم.
لم تكن الدورة لتنجح دون إسهام حسين الذي درس هو نفسه اللغة الإنجليزية مع منظمة "'طائرات الورق"، ويعمل الآن صحفيا في تركيا. كان فهمه الشخصي لما مر به طلابنا ومعرفته بالمشاكل التي يواجهها الصحفيون في الشرق الأوسط؛ أساسية في هذه الدورة. خلال اجتماعاتنا، قدم رؤى نقدية وترجم للطلاب متى ما ورد لفظ أو مفهوم يصعب فهمه.
أذهلتنا القصص والتقارير التي أنتجها طلابنا.. لقد قطعوا شوطا كبيرا من بداية الدورة، حيث لم يكن يعرف أي منهم معنى كلمة مفتتح المادة الصحفية، ناهيك عن كتابتها.
من بين القصص الصحفية التي أنتجوها، كانت هناك نبذة عن فنان سوري شاب، ونظرة على مشاكل توصيل المساعدات إلى المدنيين في المناطق التي توقف فيها القتال، وقصة مطوّلة عن نقص علاج السرطان في الغوطة الشرقية، الذي استطاع الطالب فراس عبد الله نشره في موقع "غلوبل فويسز" (Global Voices). بدا واضحًا أن طلابنا لم يكونوا يحتاجون سوى دفعة في الاتجاه الصحيح، ليكتبوا قصصا وتقارير متماسكة تساعد العالم الخارجي على فهم مواقفهم المتنوعة.
والأهم من ذلك أن الدورة كان لها تأثير طويل المدى، فقد أكسبت الطلاب ثقة مكنتهم من مواصلة العمل الصحفي حتى بعد انتهاء الدورة. اثنتان من المشاركات تكتبان الآن مقالات افتتاحية للصحفيين الغربيين الذين يُغطون قضايا اللاجئين، وعمِل فراس في توثيق العنف في الغوطة الشرقية وإجراء مقابلات أساسية لوسائل الإعلام الدولية. ونعمل الآن مع شركائنا في شبكة "غلوبل ستودنت سكوير" (Global Student Square)، وهي شبكة صحفية شبابية للطلاب الدوليين أسستها الزميلة في مركز "نايت" للصحافة بياتريس معتمدي، لنشر تقارير الطلاب في وسائل الإعلام الشريكة.
هناك طلب كبير على مثل هذه المساقات، إذ تقدَّم قرابة 300 شخص لدورتنا في فترة زمنية لا تتجاوز 24 ساعة. ملايين السوريين والمهجرين في العالم الذين دمرت الحروب حياتهم، يستحقون استكمال تعليمهم والصدح بأصواتهم. نأمل أننا حين نبدأ الدورة مع طلاب جدد خلال هذا الصيف، أن يُسلّط مزيد من الضوء على تقاريرهم وقصصهم حتى يعي الناس حول العالم قوة صحافة المواطن. كما نأمل الاستعانة بمزيد من الضيوف الخبراء، حتى يتمكن طلابنا من استغلال جميع الإمكانيات والخبرات الصحفية المتاحة أمامهم (لحسن حظنا تمكنّا من الاستعانة في دورة الخريف بالمراسلة عزمت خان، ومراسلة "سي.أن.أن" الدولية كلاريسا وورد، ومراسلة "فوكس نيوز" هولي مكّاي).
كتب أحد طلابنا في الاستبيان النهائي "بإمكان هذا المجال تغيير حياة الكثير من الناس إلى الأفضل أو الأسوأ، لهذا يجب الانخراط فيه بحرص شديد".
من الواضح أن الناس يعرفون أكثر من أي وقت مضى كيف يطرحون الأسئلة ويُجرون التحقيقات ويشاركون ما يحدث في مجتمعاتهم، وبإمكانهم تقديم رؤى فريدة وقصص مهمة لا يستطيع غيرهم من الأجانب الوصول إليها بسبب نقص الموارد والعلاقات (خصوصا في أوقات الأزمات). نحن نتطلع إلى مساعدة المزيد من المواطنين الصحفيين في الحصول على الأدوات اللازمة لنشر تقاريرهم وقصصهم، حتى يسمع العالم أصوات المجتمعات التي تتناولها أهم التقارير الإخبارية اليوم.