أساليب الحذف والاختصار، وأدوات البلاغة الصحفية

أساليب الحذف والاختصار، وأدوات البلاغة الصحفية

 

من كتاب: السرد في الصحافة 

 

الدرس الأول: لست جالساً بجانبك. أنا بعيد عنك. قد أكون ميتاً، وأنت تقرأ كلماتي هذه، حبراً أسود فوق مساحة بيضاء.

لكنني الآن إذ أكتب ما أكتب – وأطمئنك – حي يرزق. وأريدك أن تسمعني.

هل بدأت تسمعني؟ كأنك فعلاً بدأت تقرأ كلامي بأذنيك لا بعينيك! هل تسمع صوتي كيف يأتيك هادئاً حيناً، ومنفعلاً صاخباً حيناً؟ أنا جالس أكتب لك وأنا في غاية الاسترخاء، وأقص عليك مشروعي الذي سأبدأ بعرض تفاصيله بعد نصف دقيقة.

هل شعرت كيف أنني تحمست وأخذ صوتي يتلون بنبرات مختلفة وأنا أعِدك بتفاصيل هذا المشروع؟

أنت الآن لا تسمعني فحسب. بل قد بدأت تشعُرُني.

مشروعي هو أن أكتب لك عن "الكتابة" نفسها.. عن فن الكتابة. أريد أن أرشدك إلى الطريقة التي تجعلك تكتب كتابة مُحْكمة، ثم كتابة جميلة.

لو أنني جالس بجانبك فعلاً، لكنت رأيت تعابير وجهي، ولكنت شعرت بيدي تلمسك لمسة خفيفة من كتفك أو ذراعك – إن كنت رجلاً -، ولكنت رأيتَني أحك أنفي متردداً عندما أسوق فكرة معقدة لم تختمر جيداً في رأسي.

سمعت بالتأكيد مصطلح "لغة الجسد"! سنترك هذا المصطلح جانباً.. فجسدي بعيد عن جسدك، وهذه الحروف السود لا تنقل إليك لغة جسدي.

لا، بل هي تنقلها، ويجب أن تنقلها.

مشروعي هو أن أجعلك تنقل لغة الجسد إلى الحروف السود. مشروعي هو أن أعلمك كيف تحقن كلماتك بدمك.. هو أن أجعلك (تتحدث) بالكلمة السوداء، وليس فقط تكتب بها. أريد أن ألوِّن كلماتك السود على الورق بشتى الألوان، وأن أريَك الطريق إلى الكتابة التي فيها روح.

سوف أعرض عليك نماذج من الكتابة الميتة، ونماذج من الكتابة الحلوة. وسنضحك معاً ونحن نسخر من بعض الكتابات، وسنفرح عندما نتفق في بعض الأمور. وستقطب جبهتك عندما تراني أستطرد استطراداً طويلاً. وقد تراني في بعض الأحيان أناقض نفسي، وستمسك بي متلبساً، وستقل مصداقيتي في عينك. ثم سأطلب منك المسامحة، وسأحاول بناء مصداقيتي من جديد.

ما الذي ستخرج به من هذا الفصل؟ ربما ستستمتع بقراءته، لمجرد أن كاتبه رجل عابث هازل، يكتب لك كتابة كأنها الحديث. وربما ستقتنع ببعض ما جاء فيه، ثم تطرحه من يدك وتعود إلى طريقتك القديمة في الكتابة.. طريقتك الملتوية، طريقتك التي بها كثير من التفاصح، طريقتك التي فيها عبارات غامضة، عبارات أنت تفهمها حين تكتبها، وعندما تعود لقراءتها بعد يومين تقول لنفسك: ما هذا؟ ما الذي أردت قوله؟ أنت تكتب كتابة رديئة. كتابة مملة.

هل تشعر بمدى ما يعتمل في نفسي من غضب عليك، وعلى كتابتك؟

أريد أن أعلمك أن تكتب كتابة جيدة. وغضبي عليك حقيقي، بالمناسبة، فأنت - يا جاحظ زمانك - ترتكب الموبقات في طريقة كتابتك.

ولعلك صاحب قلم حلو! حسناً، سامحني على التطاول. واستمر في المطالعة، فعندي لك أشياء فيها بعض الفائدة وبعض التسلية.

انتهى الدرس الأول، وتلخيصه: أكتب كما تتحدث، وانقل نبرات صوتك إلى كتابتك، وانقل حركات جسمك إلى كتابتك، وانقل بعض روحك إلى كتابتك.

 

الدرس الثاني:

كثيرون لا يستعملون لغة الجسد حتى وهم أمامك شحماً - لحماً. يتكلمون بنبرات صارمة، بصوت لا تلوين فيه، فنبرات الصوت جزء من لغة الجسد لأنها تخرج من الأوتار الصوتية والأوتار الصوتية جسد. وهؤلاء لا يرمشون ولا تتغضن جباههم. هؤلاء موجودون في دوائر المخابرات، وفي أوساط الساسة. ولكن معظمنا غير ذلك عندما نتكلم. فأما إذا ما أمسكنا بالقلم، أو وضعنا أصابعنا على مفاتيح الحاسوب، فإننا نتحول إلى تلك الروبوتات. حتى أولئك الذين يتكلمون بصوت فيه تلوين، ويحركون أيديهم ورموشهم، تجدهم عند الكتابة يجمدون. لا تكتب كتابة ميتة.

 

 

1

 

 

 

المنهج أم تسقط العيوب!

لست كثير الاحتفال بتلك الكتب "المنهجية" التي تعلم الناس الكتابة الحسنة. وهذه الكتب موجودة بكثرة، ولا سيما في اللغات الأوروبية، وقد قرأت منها حمل بعير. ورب عبارة مختبئة في هامش تفتح في الذهن نافذة عجزت عن فتحها فصول كثيرة حسنة التنسيق.

لا، لست مصراً على وضع فصل منهجي. الكتابة نشاط إنساني ما زال عصياً على الضبط. وخير ما نصنعه أن نتسقط العيوب. وما ألذ ذلك!

في الصفحات المقبلة نصوص كثيرة رديئة مما أحتفظ به في حاسوبي كي أمعن فيه فحصاً بغرض معرفة مواطن العيب. وأنت، إذ تسعى إلى التقاط العيوب في الكتابة العربية المعاصرة، كالعطشان الذي غرق في النيل. افتح الإنترنت، وتوكل على الله.

 

السطو

سترى - مستعيناً بغوغل - أن داء السرقة، والقص واللصق، متفشٍّ في أبناء اللغة العربية. حتى في الخواطر الشديدة الخصوصية ترى "النقل" فاشياً. وبما أن كل واحد فينا له قلب، ولديه مشاعر، فإن الأقرب إلى الذهن أن يكتب مشاعره هو، لا أن ينسخ مشاعر الآخرين من مواقعهم أو كتبهم، نقلاً أم سرقة.

ولنستعمل اللطف مع هذا الناقل أو السارق: هو يتمنى أن يكتب بنفسه، ولكنه يخاف من اللغة. نحن العرب نخاف من اللغة العربية لأن أجيالاً من النحاة واللغويين وضعوا حول كل كلمة إكليلاً من الشوك. فمن لم ينقل، ولم يسرق، قد يفعل فعلة أسوأ من النقل ومن السرقة. فما هي هذه الفعلة؟  

الفعلة السيئة

لأننا نرتجف أمام الفصحى، نكتب عبارات محفوظة مكرورة لا تحمل أفكاراً. كتابتنا متخمة بالاقتباسات. كتابتنا متخمة بالعبارات المكرورة. وستأتيك الأمثلة. 

مشكلتنا: القلم الجبان.    

 

 

لأننا نرتجف أمام الفصحى، نكتب عبارات محفوظة مكرورة لا تحمل أفكاراً. كتابتنا متخمة بالاقتباسات، تجنبها ما أمكن.

 

 

2

 

 

لماذا نكتب كتابة مهزوزة؟

أولاً: ليس عندنا ما نقوله.

الكتابة وعاء نسكب فيه المعلومات والتجارب. فإذا كان الكاتب غير مطلع، وكانت تجربته في الحياة محدودة، فلا فائدة كبيرة من حضوره دورة في "الكتابة الحسنة".

تجربة شخصية: حاولت مرة أن أكتب فقرة لطلبتي لكي يتدربوا عليها في النحو: بدأت أكتب عن مدينة نابلس التي ولدت ونشأت بها. اخترتها استسهالاً، فهي مدينتي. كتبت على السبورة: "تقع نابلس بين جبلين". ثم أُرْتِج عليَّ، ولم أستطع أن أزيد حرفاً. واكتشفت أن السبب عدم وجود معلومات محققة لديّ.. سوى أنها تقع بين جبلين. وعندما زرت نابلس مؤخراً، ورأيت امتدادها العمراني الكبير تيقَّنت أن وصف "تقع بين جبلين" لم يعد صحيحاً.

لأنني لم أمتلك المعلومات المحققة عن مدينتي فقد اكتفيت بعبارة واحدة بليدة، وسرعان ما اكتشفت أنها فاسدة.

المعلومة في فم الأسد، وهي مخلوق متبدل.

ثانياً: قلة المطالعة.

القراءة أُمُّ الكتابة. ولأننا لا نقرأ، فمن الطبيعي ألا نحسن الكتابة.

ثالثاً: مشكلات اللغة.

الفصحى لغة ثانية عند كل ناطق بالعربية. وكي نستعملها نحتاج إلى قدر من الانضباط والتفكير. لكننا نستسهل، فنستخرج من حافظتنا العبارات التي سمعناها في المدرسة، فتصبح كتابتنا مليئة بالرواسم، الكليشيهات، ونكتشف بعد عدة أسطر أننا لا نكتب ما نريد حقاً قوله بل تفرض علينا محفوظاتنا الكلمات. هذه واحدة. والثانية: النحو والصرف. فقد أسرفتْ فصحانا المعاصرة في المحافظة على قواعد النحو القديمة التي يصعب إتقانها (من قبيل الممنوع من الصرف والعدد)، وتفننتْ كتب المدارس في تدريس النحو والصرف بطريقة سقيمة، كما سعت بكل عزمها، وكأنما تنفيذاً لمؤامرة، إلى جعلنا نكرهُ اللغة العربية. كل هذا انطلاقاً من فكرة غريبة: "يجب تجميد اللغة العربية حتى نحافظ على القرآن". وعندي أن القرآن مثل الكعبة: قال عبد المطلب: "للبيت رب يحميه"، وقال رب البيت: "إنَّا نحن نزلنا الذكر وإنَّا له لحافظون". ولم يقل "وإنكم له لحافظون". فلماذا أتعبنا أنفسنا كل هذه القرون؟

 

القراءة أُمُّ الكتابة. ولأننا لا نقرأ، فمن الطبيعي ألا نحسن الكتابة.

 

 

 

3

 

 

 

هيَّا نتسقط الأغلاط!

هذه مجموعة من الملاحظات ومن النصوص، ومن التعليقات على النصوص. فيها أحياناً حرارة الفرح بالتقاط أغلاط الآخرين، وفيها تقريع شديد للناس على الهراء الذي يكتبون. وقد يصل الأمر إلى المغالاة في الانتقاد؛ فربما وجدتني أجرد حملة من قوارص الكلم على نص من النصوص. ذلك نابع من غضب دفين ينفجر في الحين بعد الحين في وجه من قعد على طريق القافية.

 

الجملة الأولى:

(مكافحة الفساد هي إحدى الخطوات الأساسية لبناء الدولة). ولماذا كلمة "هي"؟ نشطُبُها.

(مكافحة الفساد إحدى الخطوات الأساسية لبناء الدولة). شطبناها. فلماذا كلمة "إحدى"؟ نشطُبُها.

(مكافحة الفساد خطوة أساسية لبناء الدولة). شطبناها. الجملة أصبحت أفضل، لكنني أرى فيها عيباً. فكلمة "خطوة" لا تناسب كلمة "بناء". فالخطوة تشير إلى مسيرة، لا إلى بناء. ههنا خلل في التشبيه. الصورة مهتزة. فلنصلح الخلل!

(مكافحة الفساد لَبِنةٌ أساسية لبناء الدولة).

 

الجملة الثانية: 

 (هذه روايات متضاربة لا اتفاق بينها). قل: (هذه روايات متضاربة) واسكت. فالمتضاربة "لا اتفاق بينها"، لا تكرر بلا داعٍ.

 

الجملة الثالثة:

(أما دوافع هذه الرحلة وأسبابها فمجهولة). قل: (أما أسباب هذه الرحلة فمجهولة). إلا إذا كنت تقصد "بالدوافع" شيئاً آخر. وعليك عندئذ أن تتفضل بشرح الفارق بين "الأسباب" و"الدوافع".

 

الجملة الرابعة:

(أتى عمر إلى مدينة القدس استجابة لطلب قائده أبي عبيدة بن الجراح الذي طلب منه مدداً). اترك بالله عليك كلمة "مدينة" عندما تصف القدس. قد صدعت رأسي وأنت كلما تحدثت عن مكان وصفته بالمدينة، "مدينة لندن تشهد كيت وكيت"، فهل تشك في أن لندن مدينة؟ وهل كانت القدس طوال تاريخها شيئاً سوى "مدينة"؟ وواضح أن عبارة "لطلب قائده الذي طلب" سقيمة.

قل: (أتى عمر إلى القدس استجابة لطلب قائده أبي عبيدة بن الجراح مدداً).

 

الجملة الخامسة:

(كنت معها وهي تسوق سيارتها بنشوة، والشارع الصاعد في الجبل يتلوَّى كخرطوم مياه ملقى بإهمال في الحديقة). اقتسبتُ لك العبارة من كتاب لـ "سول شتاين". وهو يعلق على العبارة بالقول إن الكاتب يرافق هذه المرأة في سيارتها ويصف المشهد، فهي لا ترى الشارع متلوِّياً كخرطوم ملقى في الحديقة إلا إذا كانت تحلق بطائرة عمودية، فأما في السيارة فهي ترى الشارع متعرجاً، وتراه ضيقاً الخ. فصورة "الخرطوم" مقحَمة.

 

الجملة السادسة:

(حضر افتتاح الجناح الجديد وزير الصحة ومدير مستشفى "السلامة" وعدد من الأطباء والأهالي، وغيرهم.) أولاً: اشطب "غيرهم". لماذا هذا الإصرار على الإحاطة. أنت، يا صحفي، خائف من أن يتهمك أحد بإغفال شيء. إذا حضر الماء بطَل التيمم. وإذا حضر وزير الصحة فهذا كافٍ. لا بل إنني أقترح عليك شطب مدير المستشفى والأطباء والأهالي شطباً. فافتتاح جناح جديد في المستشفى أمر قليل الأهمية في العادة، فإذا حضره وزير الصحة فيبدو أنه مهم. فأما حضور مدير المستشفى والأطباء والأهالي فشيء طبيعي. عموماً لا تنس أن تشطب كلمة غيرهم، فهي قبيحة. ومثلها في القبح: "وغير ذلك، وما إلى ذلك". وكل هذه العبارات التي تشي بخوفك من نسيان أحد، أو إغفال شيء. وكلمة أخيرة: عندما توزع رقاع الدعوة لحضور عرسك لا تنس أحداً. هذا مهم. فأما في تغطية الأحداث والأخبار فلا تزعجنا بالإحاطة غير المفيدة.

قل "حضر افتتاح الجناح الجديد في المستشفى وزير الصحة"، واسكت.

 

الجملة السابعة:

(جميع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة يتوقون إلى أمر واحد ووحيد هو نيل الاستقلال، وزوال الاحتلال الإسرائيلي).

جميعهم؟ هل سألتهم كلهم؟ هناك أرملة عجوز في القدس تتقاضى من الاحتلال ألفي شيكل شهرياً ضماناً اجتماعياً، هل سألتها؟ حسناً هذا موضوع جسيم قد يعود علينا ببعض الاتهامات من تجار الوطنية، فلنتركه. ولكن لا تقل "جميع" بمثل هذه السهولة. وهل أنت متأكد أنهم يتوقون إلى أمر "واحد" فقط؟ ألا يتوقون إلى بعض الأمور الأخرى؟ وما هذه "الوحيد" بالله عليك؟ أعجبتك "واحد ووحيد" فكتبتها، أليس كذلك؟ اشطبها.

قل: (الفلسطينيون في الأراضي المحتلة يتوقون إلى الاستقلال وزوال الاحتلال).

 

الجملة الثامنة:

(من هذا المنظور فإن الثورة المصرية قد حققت أهدافها). "المنظور" هو المشهد الذي تنظر إليه. و"المنظار" هو الآلة التي تنظر بها. فإذا لم ترد أن تقول "من هذا المنظار" لأنك لم تسمعها من قبل، فقل "من وجهة النظر هذه".

 

الجملة التاسعة:

(إنَّ هكذا حل سيؤدي إلى مشكلة..). الأسلوب العربي: (إن حلاً كهذا سيؤدي إلى مشكلة). ولكن بما أن الإنجليز يقولون: (ساتش أَ سوليوشن) صار "واجباً" أن تأتي كلمة "هكذا" في البداية بالضبط تحت كلمة "ساتش". استسهال المترجمين وجهلهم بلغتهم العربية يلجئهم إلى "هكذا" اختراعات. بعضها يصبح جزءاً من اللغة ولا فكاك منه، ويتسرب إلى ألسنة أفصح الفصحاء، وبعضها يتوارى بعد حين. قل: (إن حلاً كهذا)، وليس (إن هكذا حل).

 

الجملة العاشرة:

(إن الربيع العربي والذي جاء مفاجأة للعالم هبَّة كبيرة ربما يعسر فهمها قبل مرور سنوات عدة). اعتراضي يقتصر على حرف الواو قبل كلمة الذي. لا لزوم لها. أحياناً تلزم هذه الواو فاصلاً: "حياتنا المرفهة في بيڤرلي هيلز، والتي نريد الحفاظ عليها، متعة مؤقتة". الواو هنا أبعدت "التي" عن " بيڤرلي هيلز " وأعادتها على "الحياة المرفهة". الواو هنا ذات غرض، لكنها في الجملة الأولى زائدة.

 

الجملة الحادية عشرة:

(وتدرك المؤسسة من خلال تجربتها الحسية أن الحالة الليبية بالرغم مما فيها من تعقيد واختلاف، فإنها ليست استثناء، بل على العكس من ذلك، فلكونها مختلفة ومعقدة فهي تحتاج إلى أكبر قدر من الشفافية والمهنية). هذا شيء يشبه اللغة العربية وليس إياها. قل: (تدرك المؤسسة من تجربتها أن الحالة الليبية، رغم أنها معقدة وفريدة، تحتاج إلى شفافية ومهنية أكثر مما تحتاجه دولة مستقرة). قارن بين الجملتين. الجملة الثانية قالت في عشرين كلمة بنجاح ما حاولت الجملة الأولى قوله في أربع وثلاثين كلمة.. وأخفقت.

 

الجملة الثانية عشرة:

(سنحكم على المفاوضات بحسب ما سينتج عنها من نتائج، وليس بحسب الجهود التي تم بذلها خلالها). لعلك لاحظت الضعف في "ينتج من نتائج"! لكن في الجملة أيضاً إسرافاً في الكلام. قل: (سنحكم على المفاوضات بثمارها، لا بما اقتضته من جهود). ههنا وقفة تدبر: الجملة الأصلية مكونة من 16 كلمة، والجملة المعدَّلة مكونة من 9 كلمات. الكتابة المحكمة تميل إلى الإيجاز، وإلى العثور على الكلمة التي تختصر الطريق، وفي مثالنا هذا استعملنا كلمتين: "ثمارها" و"اقتضته".

 

 

الكتابة المحكمة تميل إلى الإيجاز، وإلى العثور على الكلمة التي تختصر الطريق.

 

 

4

 

 

الجملة الثالثة عشرة:

 (كانت نتيجة الاجتماع التوصل إلى قرار بالموافقة على استكمال العمل في المشروع). مرة أخرى سنلجأ إلى التشبيه بالثمرة. قل: (أثمر الاجتماع قراراً بالمضي في المشروع). لاحظ أن العبارة الأصلية فيها عدة كلمات لا داعي لها. لقد حولنا جملة بليدة من 12 كلمة إلى جملة موجزة معبرة مكونة من 6 كلمات.

 

الجملة الرابعة عشرة:

(أصدرت وزارة الخارجية البريطانية مذكرة استدعاء وجهتها إلى السفير السوري في لندن، وسلمته احتجاجاً على ما وصفته بالاستخدام غير المتناسب للقوة من قبل السلطات السورية ضد المحتجين). مرة أخرى.. كلمات زائدة، وحشو. قل: (استدعت وزارة الخارجية البريطانية السفير السوري وسلمته احتجاجاً على ما وصفته بإفراط دمشق في استخدام القوة ضد المحتجين).                

 

الجملة الخامسة عشرة:

 (في بداياتها، ومنذ مراحل تشكلها الأولى، لقيت السلطة الفلسطينية ترحيباً شعبياً، والآن أصبحت عجوزاً عاشت أربعة أمثال عمر صلاحيتها - فقد نصت أوسلو على خمسة أعوام للمرحلة الانتقالية، والسلطة الآن تناهز العشرين - والترحيب الشعبي مفقود، لكن السلطة تعيش فقط لأنها تدفع الرواتب). ليس لدي اعتراض كبير على هذه العبارة، لأنني صاحبها. لكن عبارة "ومنذ مراحل تشكلها الأولى" زائدة. كنت أفضل أن أصوغ العبارة مستعملاً تشبيهاً فأقول: (لقيت السلطة الفلسطينية في ربيعها ترحيباً شعبياً، والآن تجاوزت خريف العمر.. الى آخر الجملة)، ليس غراماً بالتشبيهات، ولكن لكي أجعل الكلام أقصر وأقرب إلى الفهم.

 

جملة ختامية:

ها هي عبارة عبقرية في عيوبها افتتح بها أكاديمي يحمل شهادة أستاذ مشارك (أي فوق الدكتوراة) مقدمة كتاب عن اللغة والتعليم. فاقرأ معي:

(تلعب اللغة دوراً حيوياً في كل مجتمع من مجتمعات العالم كونها وسيلة التعبير والتواصل بين أبناء المجتمع ورمز للهوية الفردية والمجتمعية وأداة لحفظ الحضارة والتراث ولإيصال العلم والمعرفة للأجيال الطالعة).

فهل في هذه العبارة الافتتاحية أي معلومة جديدة؟ هل أفادنا صاحب النص شيئاً إذ قال إن اللغة تلعب دوراً. وكنت أفضل لو قال "للغة دور حيوي في كل مجتمع"، ولكن.. حتى هذا! إنه شيء يعرفه الكبير والصغير والمقمط في السرير. وقد زاد الكاتب عبارة ".. من مجتمعات العالم" فأفادنا أن اللغة قد لا يكون لها دور في مجتمع المريخ مثلاً، فقط في "مجتمعات العالم"! واللغة "وسيلة التعبير"، وليس فقط هذا.. بل هي وسيلة "التواصل"، فإذا ما ظننت أن المرء يعبر عن نفسه وهو جالس وحده في غرفة مغلقة فأنت واهم، إنه يتواصل باللغة مع الآخرين أيضاً. وهذا "التعبير" وذلك "التواصل" يحدثان "بين أبناء المجتمع"، أليس في هذا شيء من العبقرية؟

لن نؤاخذ الكاتب بالغلطة النحوية في كلمة "رمز"، وحقها النصب. "إذا جحد الله والمرسلين/ فكيف نعاتبه في عمر؟" كما قال البحتري.

هذه العبارة التي افتتح بها كاتبنا مقدمة كتابه تجعلنا نخوض في موضوع جديد: ما يمكن أن نسميه "كتابة السلام عليكم، عليكم السلام".

 

الثرثرة

يمكنك أن تقول عبارات كثيرة تورد فيها معلومات يعرفها كل الناس، هذا سهل، هذا ثرثرة، هذا تنويم مغناطيسي.

كنت أسمع خطبة الشيخ راضي الحنبلي وأفضلها على خطبة الشيخ محمد أبو فرحة رحمهما الله. فالحنبلي يبدأ "إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له"، ويختم "فاذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون". وفيما بين البدء والختام سجعات أحفظها جيداً. كانت خطبته بالنسبة إليَّ ترنيمة لفظية، وكنت بها سعيداً. ولم أكن أريد من الشيخ أن يفيدني علماً ولا رأياً. فقط أريد أن أُخلِد إلى هذا الكلام الذي أحفظه عن ظهر قلب نصف ساعة في كل جمعة. هذا غذاء روحي، لا عقلي. فأما الشيخ أبو فرحة فكان يعظ من كل قلبه، ويخوض في عيوب المجتمع، ولم يكن أمامي مجال كي أناقشه في آرائه. لذا لم أكن أحب الجلوس بين يدي خطبته.

ولئن قبلنا الترنيمة اللفظية من الشيخ الحنبلي الذي كان يخاطب قلوبنا، فلن نقبلها من كاتب يزعم أنه يخاطب عقولنا.

للغة مع الدين حكاية طويلة. ترى الكاهن ينفق الوقت الطويل وهو يترنم بالسريانية أو اليونانية أو القبطية، ورعاياه منغمسون في نشوة روحية غير فاهمين حرفاً من كلامه. هذا طقس ديني له مقامه عند أهله، وكلمات الشيخ الحنبلي كانت تنزل على سمعي تهويدة جميلة، وغذاء روحياً. ذلك شيء لا نبحثه هنا. استعمال اللغة استعمالاً تهويدياً، أمر نتركه للدين. ولا نرضى لكاتب أن يهين ذكاءنا، ويستغفلنا، ويثرثر على حساب وقتنا.

انظر إلى بيانات حركات المقاومة تجد أعاجيب الثرثرة. ولكن، لعلهم قصدوا أن يكتبوها كذلك لتنويم الناس مغناطيسياً. واللافت أن البيان كلما كان أفقر في المعنى كان أحفل بالثرثرة.

ونستثني أيضاً لغة الشعر، فتلك لها عيارها.

ما يهمنا هنا: الكتابة التي يُقصد من ورائها إلى إيصال فكرة، أو معلومة، أو انطباع؛ وبأوضح، وأبسط، وأوجز طريقة. فإذا أطلت عبارتك طلباً لمزيد من الإيضاح فلا نعترض عليك، وإذا أوجزت طلباً لمزيد من التأثير أثنينا عليك. ولا نجْبَهُ بالغَضَبات الحمر إلا تلك العبارات السقيمة التي لا فائدة منها. وقد نكون في لحظة مزاج حاد فنَفرُط على بعضهم، ونظلم.

ولو قُيِّض لنصِّنا هذا عينان فاحصتان لأخرجتا منه قدراً من العيوب. على أنني أحب لك أن تَفهمني في هذه المسألة: أنا أكتب ليس كي أسوق المعلومة والفكرة والانطباع فقط، بل لكي أؤنسك أيضاً.. ولكي أتحداك.. ولكي أغيظك، ولكي أحثك على مواصلة القراءة.

 

النص التلفزي

النص التلفزي نص أعرج، ولا يكون حسناً إلا وهو أعرج، ولا يكتمل إلا مع الصورة. فأما إذا كان مكتملاً فهو قد اعتدى على الصورة. ترى في الصورة (مروجاً خُضراً تنتشر فيها الخراف، وبجانبها سنابل صُفر تميل مع الريح). فهل ستقول (ما أروع هذا المنظر الخلاب)؟ وأي فائدة من قولك هذا، ونحن نرى المنظر ومخلوبون به مثلك؟ هل ستقول: (هذه المروج الخُضر وتلك السنابل الصُفر)؟ هذا أسوأ، فنحن نراها ولا حاجة بنا إلى شرحك. ربما تستطيع أن تقول: (من هنا تأكل روسيا لحمها، وخبزها) محاولة طيبة إذا كان موضوعك اقتصادياً. فماذا إذا كان موضوعك "جمال الريف الروسي"؟ عندئذ دع الصورة تتكلم واسكت، ولعلك أن تضع في الخلفية موسيقى رعوية روسية.

الصورة تأكل النص أكلاً. فلا تزاحم الصورة بكلماتك.

ومن مصاعب النص التلفزي أنه مطالب أحياناً بنقل الصورة إلى مستوى قصصي أو درامي، ومطالب في أحيان أخرى بتفسير الصورة، لكن دون وصفها.

 

كلمات عن التشدق

من بعض عيوبي في الكتابة أنني أدس في الحين بعد الحين الكلمة القديمة والأسلوب العتيق. ويرجع هذا إلى انغماسي زمناً في درس النصوص القديمة، وإدماني قراءة الأدب القديم. على أنني أصنع ما أصنعه واعياً مفتعِلاً. أحاول به أن أتميز. ثم إنني مؤمن بأن لغتنا غنية، ويسوءُني أن أرى مفردات وأساليب كثيرة تموت مع أنها تمتلك قوة تعبيرية، وجمالاً. وأحث زملائي على عدم استعمال تعبيرات قديمة إلا إذا كانت مفهومة، وإلا إذا استعملوها بالشكل الصحيح. 

فيما يلي قطعة كتبتها لزملاء يعملون مراسلين، عرضت فيها نصاً مثقلاً بالتفاصح. ثم عرضت نصاً سليما من ناحية صحفية. فيما يلي النص الفاسد:

"أفاقت فيينا على شواظ من نار. ولئن كان نبأ التهام نار الإهمال سبعين في المئة تقريباً من المتحف الوطني النمسوي قد انتشر انتشار تلك النار في هشيم ذلك الصرح الباذخ من صروح الثقافة في النمسا الذي كان يجمِّل زقاق هايدن، فإن ما أعقب ذلك من اشتعال الملاسنات البرلمانية كان أشد ضراوة وأنكى. وانعكس ذلك في مرآة مقعرة حارقة هي مرآة صاحبة الجلالة التي سلقت الحكومة فنازلاً بألسنة حداد. وقد أفردت صحيفة (زالتسبورغر ناخريشتن) صفحتها الأولى للحدث بعد يوم من وقوعه".

تعليق: هذا النص رديء. إنه مليء بالتفاصح واللغة العتيقة. وفيه جمل طويلة جداً. وفيه معلومات لسنا بحاجة إليها. وهو مكتوب لكي يستمتع المراسل بكتابته فحسب.

 

نص مليح:

"ما زالت صحف النمسا تعكس صدمة حريق المتحف الوطني في فيينا رغم عدم وجود خسائر بشرية. تقول (زالتسبورغر ناخريشتن) إن تقدير الخسارة، لغرض التأمين، بمئة مليون دولار جزء صغير من الخسارة الحقيقية. فمخطوطات سبع سيمفونيات لهايدن، وثلاث لموتسارت قد ضاعت إلى الأبد، وهي لا تقدر بثمن. صحيفة (الكورير) تقول إن تخفيض ميزانية المتحف بعشرين بالمئة العام الماضي أحد أسباب الحريق. ونتيجة التحقيق الأولي: أن إلغاء الصيانة بهدف التوفير هو غالباً سبب الحريق".

 

نقد النصين: عدد الكلمات 80 كلمة لكل نص. المعلومات في النص الثاني أكثر، والكتابة سهلة وبسيطة. فأما النص الأول، فـــ.. اللعنة على المتشدقين. 

تعليق أخير: بصراحة، نسيت إن كانت القصة كلها من تأليفي أم أن لها سنداً من الواقع. والإنترنت عندي الآن بطيء جداً، فغَوغِل عن الأمر بنفسك إن استبدَّ بك الفضول. 

التعليق ما بعد الأخير: نحن العرب نحب التعابير العتيقة و"شواظ من نار" و"أشد ضراوة وأنكى". وقد رأيت كثيرين يطلقون صرخات الإعجاب على تقارير مكتوبة بأقلام متفاصحة، متجاهلين أن المعلومات في هذه التقارير شحيحة، والتحليل ضعيف. كثيرون يحبون اللغة الفصحى "المتينة" المضمخة بعصارة الصندل. ولست ألومهم. ثمة شوق عارم في قلوبنا نحن، الناطقين بالعربية، لأن تكون لغتنا جميلة وقوية. 

على أنني أفضل النص البسيط. للتلفزيون خاصة. فلا يحسن بنا أن ننافس الصورة في وسيلة إعلامية عمادها الصورة. 

 

نصيحتان

النصيحة الأولى: اكتب مثلما تتحدث.

النصيحة الثانية: لا تكتب مثلما تتحدث.

النصيحة الأولى: لتكن كلماتك منسجمة مع قدرتي على فهمك. اضبط إيقاع أفكارك على إيقاع مُخي مثلما تضبط العيار بين الماء الساخن والماء البارد في صنبور الحمام. ولتكن قراءتي لك كوقوفي سعيداً مبتهجاً تحت الدش الدافئ. لماذا أراك تتخذ سمت العالم النحرير كلما أمسكت بالقلم؟ تحدَّث إليَّ ولا تلقِ بالنصائح (يستثنى من ذلك طبعاً النصيحتان اللتان يقوم عليهما هذا الفصل)، ولا بالمعلومات الكثيرة المتشابكة، ولا بالاستطرادات التي تجعلني أفقد خيط المنطق في كلامك. عندما تمسك بالقلم تخيل سامعاً يسمعك، وحدثه.

 

 

لتكن كلماتك منسجمة مع قدرتي على فهمك. اضبط إيقاع أفكارك على إيقاع مُخي.

 

 

النصيحة الثانية: لا تكتب مثلما تتحدث.

عندما تتحدث ناطقاً فإنك تضيف إلى الكلمات بعداً صوتياً، وتضيف حركات جسدك. وعندما تتحدث إلى أصحابك فأنت تقرأ وجوههم وتقدِّر مدى انتباههم. هذا مفقود في الكتابة.

عندما تكتب عوِّض عن هذه المفقودات.

تقول في كلامك المنطوق (جاء محمود صديق سعيد إلى بيتنا). ومن طريقة كلامك نعرف أن محمود هو صديقٌ لسعيد. ولو كتبت العبارة دون نطقها فقد نتخيل أن اسم الشخص ثلاثي "محمود صديق سعيد". لذا نحرص في الكتابة على وضع فاصلتين (جاء محمود، صديق سعيد، إلى بيتنا)، وقد نحتاط أكثر فنقول (جاء محمود، وهو صديق سعيد، إلى بيتنا).

هذا مثال من عشرات الحالات التي يتسلل فيها الغموض إلى النص.

وأريد أن أنقض النصيحة الأولى أكثر. في الكتابة الجادة لا تسرف في التبسُّط، ولا تجعل كل كلامك كأنه حديث. ثمة حاجة إلى الكتابة الـمُحْكمة. ها هو تعريف شطيرة الهمبورغر في ويكيبيديا:

(الهمبورغر شطيرة من شريحة أو أكثر من لحم مفروم مطهوّ، وخاصة لحم البقر، توضع بين شريحتي خبز منفوخ). هذا الوصف مكتوب بجفاف، ونقلته لك عن الويكيبيديا الإنجليزية. 

وإليك وصفاً آخر لشطيرة الهمبورغر:

(الهمبورغر هو تلك الأطباق الطائرة التي تحتاج إلى أربع أياد كي تثبتها في مكانها وأنت تقضم، والأشياء تسيل على يديك وذقنك، وقرص اللحم يروح ويجيء بين خبزتين). وهذا الوصف جاء في روايتي "إعصار في الهلال الخصيب".

العبرة: نحتاج أحياناً إلى وصف دقيق وواقعي كي نعرف ما هو الهمبورغر بالضبط. فإن كنا نعرفه وأكلناه مراراً فلا بأس بوصف ضاحك فيه تشبيهات ومعابثة.

 

شهوة الحكي

تستولي عليَّ وأنا أكتب شهوة الحكي. شهوة أن أقول وأقول. وفي كل لحظة أقول في نفسي: الحمد لله أن القارئ صامت لا يستطيع أن يجادلني الآن، ووجه شاشة حاسوبي ميداني أنا فقط. أتدفقُ بالكلمات، وأدق على حاسوبي بسرعة صاروخية متلذذاً بهذا الذي أكتبه.

كلنا نحب الكلام. ومن حقي أن أتدفق. من حقي أن أجعل شاشة حاسوبي ميداناً أجري فيه بحرية. أشعر إذ أكتب كأنني أؤدي تقاسيم حرة على آلة موسيقية. هذا إيجابي وسلبي في آن. واعلم أن فريد الأطرش الذي كان ينتزع التصفيق عندما يقسِّم على العود كان يؤدي عملاً أنفق الزمن الطويل وهو يتدرب عليه. وزكي مبارك، الذي كان يكتب بقلم حر ويتدفق كأنه سحاب يتبعَّق بوابل من المطر، كان يجتذبنا بلغته الجميلة المتقنة التي تعب في تحصيلها، ومثله كان طه حسين. وعليه، فمن حق القارئ عليَّ، إذا أردت ان أتبعق بالكلام، أن يكون وراء كلامي مهارة جاذبة.

نحن الآن نتحدث عن الكتابة الأدبية. فإن قلت لي إن الكتابة كتابة ولها قواعد صارمة تنطبق على كل نمط من أنماط الكتابة، فأنا أقول لك: بعض القواعد تنطبق على كل نمط، وبعض القواعد لا تنطبق.

الكتابة الحرة ألوان. ومن حق الكاتب أن يغنِّي موَّاله على المقام الذي يريد. ومن حق نشرة الأخبار عليك أيها الصحفي أن تترك أسلوبك في البيت وأن تتقن الصنعة.

قبل نحو عشرين سنة كنت أحرر لفتاة خبراً كتبته، وإذا هي تصرخ بي صرخة ملؤها الاعتداد بالنفس: قف، لو سمحت! هذا أسلوبي! فقلت لها: اتركي أسلوبك في البيت. ومضيت في عملي. ولعلها حقدت عليَّ حتى يوم الناس هذا. الآن زايلتني عَرَامة الشباب، ولعلي أُحسن التلطُّف في الوصول إلى مبتغاي مع من هو أقل مني خبرة.

زبدة القول، اكتب للآخرين لا لنفسك. لك أن تطنب، ولك أن توجز. لك أن تدس كلمة غير مأنوسة في تضاعيف كلامك، ولك أن تلعب باللغة ومعها، ولك أن تكتب فقرات مجنونة، وفقرات هادئة، وفقرات عابثة، لكن اكتب لنا، لا لنفسك. القارئ لا يرحم كاتباً يعيش في برجه العاجي ويكتب لمتعته الخاصة دون إشراك القارئ.

 

 

 

اكتب لنا، لا لنفسك. القارئ لا يرحم كاتباً يعيش في برجه العاجي ويكتب لمتعته الخاصة دون إشراك القارئ.

 

الحركة

تحضر المسلسل الرخيص المبيع للمحطة بالساعة فترى البطلة تقف أمام خطيبها الخائن وتلقي عشرين سطراً عن مشاعرها الجريحة، جاعلة الفواصل شهَقات ودمَعات. وفي المسرحية الشكسبيرية كثير من ذلك، ويسمون الأسطر الكثيرة التي يلقيها الممثل الشكسبيري (الخطبة).

ثم اخترعوا السينما. وانتهى عصر الخطب، إلا في مسلسلات رمضان.

السينما مليئة بالحركة. والآن نتحدث عن الكتابة فقط.

الكتابة – للموقع الإلكتروني وللجريدة وللراديو - قد يكون فيها عنصر الحركة، وقد لا يكون. ولأن هذه الكتابة ليست مصحوبة بصورة فمن الأفضل أن يكون فيها عنصر الحركة. الفقرة المكتوبة ضمن رواية أو تقرير إذاعي يحسن بها أن تجعلك ترى صورة في ذهنك. هاك مثالين يصفان امرأة معنفة خرجت من بيتها:

المعنَّفة 1: (كانت مشيتها على الرصيف غير طبيعية وارتطمت بعمود كهرباء، فأصيبت بجرح دامٍ في جبهتها). الحركة هنا محدودة.

المعنَّفة 2: (كانت تسير على الرصيف متمايلة، وقدماها معوجتان، ورأسها يميل يمنة ويسرة، ثم فجأة ارتطمت بعمود كهرباء وسقطت أرضاً والدم يقطر من جبهتها). هنا الحركة أوضح.

 

قصة مروية بحيوية وبكلمات فيها عنصر الحركة:

 

(عرفت خديجة أن زوجها سيتزوج عليها. جلست تطل من النافذة. لم تحرك أزهار الربيع المتماوجة في سهول القرية في نفسها ما كانت تحركه في الربيع الماضي. وسالت دموعها بهدوء. ثم استبد بها الغضب فمسحت وجهها وقامت فجأة. يريد أن يتزوج بعد الستين! وبعد أربعين سنة من العشرة! قامت بغضب. وصعدت إلى سطح البيت بخطى غاضبة. لا دموع بعد اليوم! رفعت بيديها حجراً كبيراً من حجارة البناء التي خلفها العمال على السطح، ووضعته على الحافة. وانتظرت. خرج زوجها من باب البيت، ووقف هنيهة يتلفَّت قبل أن يمضي إلى المقهى في موعده المعتاد. لعله يسأل نفسه أين ذهبت زوجته! وفجأة سقط الحجر. سقط على رأسه، وخرَّ الرجل والدم يصنع بركة حول رأسه.

أسرعت خديجة بالنزول. ثم هرولت إلى الحديقة. بسرعة هرولت قبل أن تغير رأيها. فتحت غطاء البئر، ورمت نفسها.. وانتحرت. لعلها قالت: عليَّ وعلى أعدائي!).

انتهت القصة. فهل لاحظت الخطوط تحت الكلمات التي تصف الحركة؟

روى القصة شخص آخر كما يلي: (لأنه يريد أن يتزوج عليها رمته بحجر كبير من السطح، وانتحرت في البئر). تلخيص جيد، لكن أين الحركة؟

هل تريد تلخيصاً أمتع؟ اقرأ القطعة المقبلة!

 

الاختصار المخلّ

(كان المراسل المحلي يكتب التقارير ويسهب في الوصف، ورئيس التحرير يطلب منه الاختصار مراراً وتكراراً. أخيراً كتب المراسل التقرير التالي عن حادث: "توقفت سيارة عارف حجاوي فجأة، فترجَّل، وفتح غطاء البنزين، ثم أشعل عود ثقاب لكي يرى إن كان السبب نفاد البنزين. الجنازة غداً الساعة الثالثة عصراً").    

لا تختصر مثل ذلك المراسل. صف في تقريرك ما يفعله المتظاهرون بعبوات الغاز المسيل للدموع، والبصل الذي يقاومون به آثار الغاز. واشرح الفرق بين الرصاص المطاطي والبلاستيكي. مع ذلك لا تثرثر، ولا تحاول أن تكون بطلاً بعباراتك الطنانة. لا تجعل تقريرك عن اشتباكات اليوم نسخة عن تقرير الأمس.         

 

 

لا تحاول أن تكون بطلاً بعباراتك الطنانة.

 

التشبيه

التشبيه الطريف:

(إن عدَّ مساوئ ستالين أسهلُ من تجفيف الغسيل في جهنم، لكننا نريد هنا فحص حسناته).

(نحن، الإخوةَ الأربعة، كأزرار الفليفلة: كل زر له شكله الخاص، لكننا متفقون في حدة الطبع اتفاقَها في الطَّعم).

لك في خواطرك وفي كتابتك الأدبية أن تستعمل التشبية لغرض آخر سوى الإيضاح، ألا وهو رسم بسمة على وجه القارئ. فأما في الكتابة الإخبارية فقد يسمح لك بقليل من هذا كقولك:

(بعد إلغاء مخصصات المواصلات، كان تصريح نائب المدير عن العلاوات المقبلة طبخَ حصىً).

التشبيه في الأدب، رسم صورة بالكلمات:

(كانت الطائرة تسير فوق الغيمة الوثيرة، ثم فجأة رأيتُ من الكوَّة جناح الطائرة يطعن الغيمة ويخترقها، شعرت أن وزني صار خفيفاً، ورأيت الحقول تصعد نحوي بسرعة مرعبة، ثم إذا صوتُ دويٍّ مفاجئ، واعتدلت الطائرة وبدأت تصعد. وبعد دقائق جاء صوت القبطان يطمئننا: المحرك الأيسر عاد إلى العمل).

 

الموظف:

هاتان قطعتان. لست متأكداً تماماً أيتهما أجمل:

1. (سأظل أذكر ذلك الموظف بوجهه العابس، وكنت قد قدَّمت إليه طلباً بالإعفاء من القسط. كنت شديد الحرص على هذا الإعفاء، ولكنني متخوف من رفض طلبي. ورغم أن الموظف كان عابساً فإنه أشار بالموافقة على الطلب، فسعدت بذلك أيما سعادة). 

2. (وجهه مدوَّر كالبدر. وكوجه البدر فيه تضاريس من أثر الجدري. لكنه – بخلاف البدر - مظلم. وفي وجهه ثقبان تشع منهما نظرة شريرة كأنها تقول: من أنت؟ قدمت إليه طلب الإعفاء من القسط. خفض بصره يراجعه ورقة ورقة. ثم أشار بقلمه بالموافقة، ثم ختمه، وقدمه إليَّ قائلاً: تفضل).

القطعة الثانية فيها عناصر ثلاثة بارزة: التشبيه، والمفاجأة، والسخرية. والقطعة الأولى فيها بساطة محببة. ما رأيك؟

 

التشبيه الخطأ:

مثال: ارجع إلى القطعة التي كتبتها لك عن الطائرة التي تعطل محركها، واعلم أنني ارتكبت هفوة في التشبيه. لقد قلت: (كانت الطائرة تسير فوق الغيمة الوثيرة). كلمة "الوثيرة" توضح أنني شبهت الغيمة بالفراش، والمرء لا "يسير" على الفراش، بل "ينام"، وعندما ترى الغيمة من كوَّة الطائرة فأنت لا تلاحظ أن الطائرة تسير بسرعة 900 كم/ساعة، بل تراها نائمة على الغيمة. لذا أصحح نفسي وأقول: (كانت الطائرة نائمة على الغيمة الوثيرة).

مثال: (كان المنفى السيبيري جهنماً للملايين في عهد ستالين). تشبيه فيه مفارقة، فسيبيريا متجمدة وليست جهنماً. بهذا التشبيه المعكوس أنت صنعت نكتة. لكن القارئ قد لا يفهم النكتة. ها هو النص مكتوباً بطريقة تشرح النكتة: (أرسلهم ستالين بالملايين إلى جهنم الباردة.. إلى سيبيريا). ما رأيك؟ هل الأولى أفضل؟

مثال: (طلبنا منه التركيز حول نقطة معينة). كلمة (حول) هنا تعني أنه "يدور" حول النقطة، ولا "يركز". قل (على) بدل حول. التركيز يكون على الشيء لا حوله. 

مثال: (كانت الأضواء الساطعة في مدرج كرة القدم تتسلل إلى كل مكان في الملعب، وفجأة حل الظلام، وعرفنا لاحقاً أن محطة الكهرباء قد قصفت).  كلمة (تتسلل) غير مناسبة. بما أن الأضواء ساطعة فهي (تغمر) الملعب.

مثال: (نمشي الهوينى في هذه الحقول التي تمتد أمامنا كأنها سجاجيد المسجد الأموي، سجادة تسلمك إلى سجادة). أنت لا ترى الحقول كأنها سجاجيد إلا من الطائرة، فأما وأنت تمشي في الحقول فأنت تلاحظ الأزهار البرية والسنابل، إلخ. ابحث لك عن تشبيه آخر. قل إن العشب سجادة خضراء، لا بأس! لكن الماشي لا يرى الحقول سجاجيد متعاقبة.    

مثال: (خده يا قرص الجبنة يفطر عليه الصايم). قرص الجبنة النابلسية البيضاء مربع، وخد الحبيبة مدور. لكن علينا افتراض حسن النية، فلعل كاتب الأغنية من منطقة يصنعون الجبن فيها مدوراً. 

مثال: (بعد نحو دقيقة من الانفجار أخذت السفينة تبلع البحر، ثم ما مضت خمس دقائق حتى بلعها). مراسلو قناة الجزيرة يحبون أمثال هذه العبارات، ولطول العشرة فأنا أقلدهم أحياناً. 

مثال: (عندما استكملتْ زينتها غدت بارعة الجمال بأحمر شفاهها وشقرة شعرها وفستانها المعرق، غدت كأنها لوحة من لوحات بيكاسو). هذا تشبيه شخص لم يرَ لوحات بيكاسو.

التشبيه حلْيَة أدبية، وحيِلَة تشويقية.

 

استعمال الكلمة الخطأ

(كانت العملية المسلحة إرهاصاً عظيماً، وبعدها هدأ الوضع سريعاً). كلمة "إرهاص" معناها: مؤشر بسيط على حدوث شيء كبير. وواضح أن صاحب العبارة لا يعرف معنى إرهاص. لعله يظن أن له علاقة بـ (الرهَّاصة) وهي مدحلة تعبيد الشوارع. 

 (اتُّخذ هذا الإجراء لتخفيف كاهل المستشفى). الكاهل هو الظهر، نقول التخفيف "عن" كاهل المستشفى، وليس تخفيف كاهله.

(هذا الاستشراء المفاجئ يعد اجتراحاً لكل الضوابط). الاستشراء هو انتشار تدريجي أصبح خطيراً كاستشراء الفساد، ولا يكون مفاجئاً. والاجتراح هو الإتيان بأمر عظيم وليس معناه تجاوز الضوابط. نقول لصاحب هذه العبارة: لا تستعمل كلمات لا تعرف معناها.

(ضمخت نفسها بالعطور الباريسية فدوخت الرجال، ووضعت قلوب النساء على غضا الجمر). التضميخ أخو التلطيخ، كانوا يضمخون لحاهم بالمسك والعنبر لأن المسك والعنبر كانا معجونين، والعطور الباريسية ترش رشاً لا تضمخ تضميخاً. و(غضا الجمر) عبارة مقلوبة، فالغضا شجر ذو حطب صلب. ونقول (جمر الغضا).

(حكم عليه بالإعدام لتورطه في جريمة قتل). التورط هو الوقوع في ورطة، وأما الاشتراك في جريمة فهو (ضلوع) فيها. هو ضالع في الجريمة لا متورط.

 

لا تستعمل كلمات لا تعرف معناها.

 

 

الفضلات

(لم يكن أمام الجيش سوى التراجع إلى الخلف أمام زحف المهاجمين)، ليس هناك تراجع إلى الأمام.

(الضروريات الأساسية)، الضروريات أساسية، فلا حاجة للتكرار.. كأنك تقول: الأساسيات الأساسية.

(القصيدة الشعرية)، قل قصيدة واسكت.

(استعاض عن هاتفه القديم واستبدل به هاتفاً ذكياً)، الاستعاضة والاستبدال واحد.  

(حضرت خمس دول المؤتمر أما بقية الدول الأخرى فقد تغيبت)، كلمة الأخرى حشو. 

(ما زلنا نواصل قراءة هذه الأنباء)، لن تكف بعض الإذاعات عن ترداد هذه العبارة، "ما زلنا" معناها "نواصل".

(المسروقات تتجاوز ما يزيد عن مليوني دولار)، أين الحشو هنا؟

(اقترض التاجر مبالغ طائلة على سبيل الديون المؤجلة)، وهل هناك ديون معجلة؟ والاقتراض هو الاستدانة. قل "اقترض التاجر مبالغ طائلة".. فقط. أربع كلمات. والكلمات الأربع الباقية حشو.

(هناك فرصة لاحتمال إقامة سلام دائم)، أين الحشو هنا؟

(مفاجأة غير متوقعة)، عبارة سمعتها كثيراً. ولو عشت مئة سنة أخرى وسمعتها ألف مرة أخرى فستظل حشواً بغيضاً. كلمة (مفاجأة) وحدها أقوى.

(لغز محير)، كلمة لغز وحدها أقوى. والذي لا يحير ليس بلغز.

(شربت الخيول الماء من النهر القريب)، هذه العبارة تصلح فقط في الجنة التي فيها أنهار من لبن وأنهار من عسل. أما في الدنيا فلا حاجة لكلمة "ماء".

(إن الدليل على صحة البراهين التي قدمها الادعاء احتواؤها على إثبات بأن الجريمة وقعت قبل انتصاف الليل)، الدليل والبرهان والإثبات مترافات. قل "جاء المدعي العام بإثبات على أن الجريمة وقعت في منتصف الليل".

(النساء الحوامل)، مع تطور الطب قد يحمل الرجال فتصبح هذه العبارة سائغة.

(كان هناك إجماع كبير)، الإجماع مطلق وليس بكبير ولا صغير.

(تعرض الماموث للانقراض التام)، الانقراض مطلق ولا يكون ناقصاً ولا تاماً.

(كتبت سيرة ذاتية للشاعر عرار)، السيرة "الذاتية" يكتبها عرار بذاته، وهو – رحمه الله - لم يفعل.

(المبالغ المالية)، المبالغ لا تكون إلا مالية.

 

الصحيح المهجور

هناك ألفاظ صحيحة لكنها غريبة ويحسن تجنبها. 

هاتِيَا مثالاً== قَدِّما مثالاً/ إِدِ المشروع == عليك وَأْدُ المشروع/ قد كبرت البنتُ وهَيِفَتْ == أصبحت هيفاء/ يَدْرُسْنَانِّ، واِسْعَيْنَانِّ، وتتكاسَلُونَّ== هذه الصيغ لم تعد مفهومة/ قِهِ من التورط == يجب أن تقيَه من التورط. 

 

اللُّبس

لا تعتد بأنصارك: هل المقصود لا تشعر بالاعتداد؟ أم لا تقم بالاعتداء؟ أهي "لا تعتدِ" أم "لا تعتدَّ"؟

لم تكف هذه الهجمات: هل المقصود أن الهجمات ليست كافية "لم تكفِ"؟ أم أنها لم تتوقف "لم تكُفَّ"؟

وبالطبع هناك المحتلون والمحتلون، ويعرف الصحفيون أن فيهما مجالاً للبس. السياق يشرحهما. والأفضل البحث عن صيغة مناسبة، (المحتلون، والواقعون تحت الاحتلال).   

 

المترجمات

1 العلاج الطبي: مديكال تريتمنت عندهم تصبح (العلاج) فقط عندنا.

2 ورشة العمل: كلمة ورشة مشتقة من الإنجليزية "ووركشوب" التي تعني دكان العمل، لا بأس. وقولنا (ورشة عمل) معناها "دكان عمل عمل". قل (ورشة) فقط.

3 أسير الحرب: "برزونر أوف وور" الإنجليزية تقابلها "أسير" بالعربية.

4 هذا أكثر صعوبة: بالإنجليزية يقولون "مور ديفيكلت" ونحن نقول "أصعب".

5 أخذ حماماً، وأخذ الطائرة: نحن نستحم، ونركب الطائرة.

6 ذر الرماد في العيون: في تراثنا ذر الرمل في العيون، ولكن.. لا بأس بالعبارة المترجمة.

7 قتل الوقت: عبارة مترجمة، لا بأس بها فيما أرى. 

8 لعب دوراً: نقول قام بدور، أو أدى دوراً. في الإنجليزية تسمى المسرحية "بليه" واللعبة اسمها "بليه"، فهم يصفون من يمثل دوراً بالقول "يلعب دوراً". عندنا الأمر مختلف.

9 هل تلعب بيانو: في العربية نحن نعزف أو ندقّ أو نقرع، بحسب الآلة الموسيقية. 

10 منحه على بياض أي مبلغ يريد: عبارة مترجمة، ولا نصفها بالرداءة. 

11 لدينا أصناف من حول العالم: بالعربية نقول من شتى البلدان.

12 المعلمون هم أساس العملية التربوية: ولماذا "هم"؟ في الإنجليزية لا بد من "إز" أو "آر"، وعندنا لا نحتاج إلى إسفين بين المبتدأ والخبر. 

13 الاستثناء الذي يثبت القاعدة: عبارة فاسدة منطقياً.. سواء بالعربية أم بالإنجليزية. كلمة "بروفز" الإنجليزية لها معنى قديم هو "يختبر". ولكنه منسي. العبارة تصبح منطقية إذا قلنا: "الاستثناء يختبر القاعدة". 

 

المبالغة في التفصيح

(أدرك النواب المحافظون بعد الرفض الشعبي العارم لضريبة "الرأس" أنه بلغ السيل الزبى، وأن على السيدة ثاتشر أن ترحل، ورحلت)، استعمال مثل عربي قديم في سياق بعيد عنه فيه بعض تفاصح. لكنْ، كثيرون لا يرون ذلك.

(قال سوتونيوس على لسان يوليوس قيصر وقد عبر نهر الروبيكون: سبق السيف العذل)، عبارة قيصر كانت "لقد رميت حجارة الزهر" أي قضي الأمر ولا تراجُع. استعمال مثل عربي قديم ربما كان مناسباً هنا. المشكلة أن كثيرين من العرب اليوم لا يفهمون الأمثال القديمة. 

(ليس لهم الآن إلا أن يجأروا بالدعاء لحكومة أقلية بزعامة بوريس جونسون)، يجأر كلمة عتيقة، معناها يرفع صوته، وقد لا تكون مناسبة في هذا السياق.

 

استعمال تمَّ، وجرى

(تم افتتاح المعرض). بل قل: (افتُتح المعرض).

(جرى اختيار ممثلين عن المتظاهرين) بل قل: (اختير ممثلون عن المتظاهرين). 

المبني للمجهول أفضل في المثالين السابقين.

(تم اللجوء إلى علاج جديد)، نريد تجنب كلمة "لُجِئَ" المبنية للمجهول، فاستخدمنا "تم" لتجنب المبني للمجهول الثقيل.

(تم إيفاد مئة طالب)، كلمة "إيفاد" لها رنة خاصة، فاللجنة نفسها اسمها لجنة الإيفاد، والعملية تسمى الإيفاد، ونريد الحفاظ على هذه الصيغة.

(منحت المؤسسة جائزة مهمة)، قد يظن المرء أن المؤسسة هي التي قدمت الجائزة، ولذا نفضل القول (تم منح المؤسسة جائزة مهمة). عندما يكون المبني للمجهول مشابهاً في صيغته للمبني للمعلوم فنحن عندئذ نميل إلى استعمال "تم".

(أعطيت المؤسسة جائزة مهمة)، هنا لا يقع اللبس، فلا حاجة لـ "تم".

(يَجْري تسويقُ الخِدْمات السياحية)، لماذا نقول "يجري تسويق"، ولا نقول "تُسَوَّقُ"؟ السبب: الرغبة في الفِرار من المبني للمجهول الذي قد يربِكُ مذيعَ النشرة، وحتى قارِئَ الجريدة في غياب التشكيل.

 (المجلس أجرى تصحيحاً للأوضاع)، أجرى تصحيحاً صحيحة ونُؤْثِرُها على: "صحَّح الأوضاع". السبب: أننا حَرَصنا على إيراد كلمة "تصحيح" بصيغتها هذه، فلها مغزى خاص في سياق ذلك الحدث.

 (يَجري إعداد الـمِنهاج الجديد للعلوم)، جملة جيدة، فلو قلنا: "يُعَدُّ المنهاج الجديد للعلوم"، لظن القارئُ أن الجملة لم تكتمل، ولعله يسأل: يُعَدُّ ماذا؟ متطوراً أم متخلِّفاً. فأسلوب (يجري إعداد) قد وضح المعنى.

 

نستخدم "تم" و"جرى" لتلبية حاجة، وليس جزافاً.

 

الضمير الحائر

(كان الولد يرى أباه يساير أمه في مزاجها المتقلب): هل الأب يساير أمه أم زوجته؟

(عندما أوصل الموظفان الرجلين أعطياهما مئة دينار): مَن أعطى مَن؟

(كان محمد في البيت وجاء مسعود فقال له: يجب أن نذهب فوراً)، مَن قال لمن؟

(وصل الرئيس إلى نيروبي، وقال وزير خارجيته إنه يعتقد أن الأمن غدا مستتباً): من الذي يعتقد، الرئيس أم وزير الخارجية؟

الحل: غيِّر الأسلوب، وكن متنبهاً إلى الضمير وعلى أي كلمة يعود.

 

الإشراق

النص الأول: (في شباط الماضي، وقبل موعد تسريح الموظفين، كنا قد عقدنا اجتماعاً هو الثاني من نوعه، فقد كان الاجتماع الشبيه السابق مخصصاً لموضوع تقليص ميزانية المشتريات، وفي هذا الاجتماع قررنا بأغلبية كبيرة الأمر. ولكن التسريح الذي جاء متأخراً بشهرين عما هو مقرر، وكان قد تقرر في حزيران، لم يكن سهلاً؛ فمن جهة أضرب العمال غير المسرحين، ومن جهة أخرى رفض المسرحون مغادرة المصنع فقاموا باحتلال بعض أقسامه).

هذه فقرة مضبوطة كل الضبط من حيث النحو والصرف ومن حيث الالتزام بفصيح الكلمات. فهل فهمتها؟ بالله عليك، هل فهمتها؟

واصل القراءة..

النص الثاني: (بعد تقليص ميزانية المشتريات، قررت الإدارة تسريح عدد من العمال، وأجلت تنفيذ التسريح شهرين حتى أغسطس. وعندما تم التسريح احتل العمال المسرَّحون بعض أقسام المصنع، وأضرب العمال الذين لم يسرحوا).

الآن أفضل.

أشرَقَ المعنى.

 

ختاماً: النصيحة الثمينة لمن يريد أن يكتب كتابة حسنة: (اقرأ كثيراً، واكتب كثيراً).

 

 

 

 

More Articles

Independent Syrian Journalism: From Revolution to Assad's Fall

Independent Syrian journalism played a pivotal role in exposing regime corruption and documenting war crimes during the 13-year revolution, despite immense risks to journalists, including imprisonment, assassination, and exile. Operating from abroad, these journalists pioneered investigative and open-source reporting, preserving evidence, and shaping narratives that challenged the Assad regime's propaganda.

Ahmad Haj Hamdo
Ahmad Haj Hamdo Published on: 17 Dec, 2024
Bolivia’s Mines and Radio: A Voice of the Global South Against Hegemony

Miners' radio stations in the heart of Bolivia's mining communities, played a crucial role in shaping communication within mining communities, contributing to social and political movements. These stations intersected with anarchist theatre, educational initiatives, and alternative media, addressing labour rights, minority groups, and imperialism.

Khaldoun Shami PhD
Khaldoun H. Shami Published on: 16 Dec, 2024
How Does Misinformation Undermine Public Trust in Journalism?

Reports reveal a growing loss of trust in the media, driven by the extent of misinformation that undermines professional journalism's ability to influence public discourse. The platforms of misinformation, now supported by states and private entities during conflicts and wars, threaten to strip the profession of its core roles of accountability and oversight.

Muhammad Khamaiseh 1
Muhammad Khamaiseh Published on: 13 Nov, 2024
Challenging the Narrative: Jeremy Scahill on the Need for Adversarial Journalism

Investigative journalist Jeremy Scahill calls for a revival of "adversarial journalism" to reinstate crucial professional and humanitarian values in mainstream Western media, especially regarding the coverage of the Gaza genocide.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 10 Nov, 2024
Freedom of the Press in Jordan and Unconstitutional Interpretations

Since the approval of the Cybercrime Law in Jordan, freedom of opinion and expression has entered a troubling phase marked by the arrest of journalists and restrictions on media. Musab Shawabkeh offers a constitutional reading based on interpretations and rulings that uphold freedom of expression in a context where the country needs diverse opinions in the face of the Israeli ultra right wing politics.

Musab Shawabkeh
Musab Al Shawabkeh Published on: 8 Nov, 2024
Voting in a Time of Genocide

The upcoming U.S. presidential election occurs against the backdrop of the ongoing genocide in Gaza, with AJ Plus prioritising marginalised voices and critically analysing Western mainstream media narratives while highlighting the undemocratic aspects of the U.S. electoral system.

Tony Karon Published on: 22 Oct, 2024
Journalists Should Not Embrace the Artificial Intelligence Hype

What factors should journalists take into account while discussing the use of AI in the media?

Jorge Sagastume Muralles
Jorge Sagastume Published on: 16 Oct, 2024
A Year of Genocide and Bias: Western Media's Whitewashing of Israel's Ongoing War on Gaza

Major Western media outlets continue to prove that they are a party in the war of narratives, siding with the Israeli occupation. The article explains how these major Western media outlets are still refining their techniques of bias in favor of the occupation, even a year after the genocide in Palestine.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 9 Oct, 2024
A Half-Truth is a Full Lie

Misinformation is rampant in modern conflicts, worsened by the internet and social media, where false news spreads easily. While news agencies aim to provide unbiased, fact-based reporting, their focus on brevity and hard facts often lacks the necessary context, leaving the public vulnerable to manipulation and unable to fully grasp the complexities of these issues.

Ilya
Ilya U Topper Published on: 30 Sep, 2024
Testimonies of the First Witness of the Sabra & Shatila Massacre

The Sabra and Shatila massacre in 1982 saw over 3,000 unarmed Palestinian refugees brutally killed by Phalangist militias under the facilitation of Israeli forces. As the first journalist to enter the camps, Japanese journalist Ryuichi Hirokawa provides a harrowing first-hand account of the atrocity amid a media blackout. His testimony highlights the power of bearing witness to a war crime and contrasts the past Israeli public outcry with today’s silence over the ongoing genocide in Gaza.

Mei Shigenobu مي شيغينوبو
Mei Shigenobu Published on: 18 Sep, 2024
Anonymous Sources in the New York Times... Covering the War with One Eye

The use of anonymous sources in journalism is considered, within professional and ethical standards, a “last option” for journalists. However, analysis of New York Times data reveals a persistent pattern in the use of “anonymity” to support specific narratives, especially Israeli narratives.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 8 Sep, 2024
India and Pakistan; Journalists building Bridges for Understanding

Amid decades of tension, journalists from India and Pakistan are uniting to combat hostile narratives and highlight shared challenges. Through collaboration, they’re fostering understanding on pressing issues like climate change and healthcare, proving that empathy can transcend borders. Discover how initiatives like the Journalists' Exchange Programme are paving the way for peace journalism and a more nuanced narrative.

Safina
Safina Nabi Published on: 12 Aug, 2024
From TV Screens to YouTube: The Rise of Exiled Journalists in Pakistan

Pakistani journalists are leveraging YouTube to overcome censorship, connecting with global audiences, and redefining independent reporting in their homeland.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 28 Jul, 2024
How AI Synthesised Media Shapes Voter Perception: India's Case in Point

The recent Indian elections witnessed the unprecedented use of generative AI, leading to a surge in misinformation and deepfakes. Political parties leveraged AI to create digital avatars of deceased leaders, Bollywood actors

Suvrat Arora
Suvrat Arora Published on: 12 Jun, 2024
The Rise of Podcasting: How Digital Audio Is Revolutionising Journalism

In this age of digital transformation and media convergence, podcasts stand out as a testament to the enduring power of journalism—a medium that transcends borders, sparks conversations, and brings the world closer together.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 6 Jun, 2024
Under Fire: The Perilous Reality for Journalists in Gaza's War Zone

Journalists lack safety equipment and legal protection, highlighting the challenges faced by journalists in Gaza. While Israel denies responsibility for targeting journalists, the lack of international intervention leaves journalists in Gaza exposed to daily danger.

Linda Shalash
Linda Shalash Published on: 9 May, 2024
Your Words Are Your Weapon — You Are a Soldier in a Propaganda War

Narrative warfare and the role of journalists in it is immense; the context of the conflict, the battleground has shifted to the realm of narratives, where journalists play a decisive role in shaping the narrative.

Ilya
Ilya U Topper Published on: 21 Apr, 2024
The Privilege and Burden of Conflict Reporting in Nigeria: Navigating the Emotional Toll

The internal struggle and moral dilemmas faced by a conflict reporter, as they grapple with the overwhelming nature of the tragedies they witness and the sense of helplessness in the face of such immense suffering. It ultimately underscores the vital role of conflict journalism in preserving historical memory and giving a voice to the voiceless.

Hauwa Shaffii Nuhu
Hauwa Shaffii Nuhu Published on: 17 Apr, 2024
Journalism in chains in Cameroon

Investigative journalists in Cameroon sometimes use treacherous means to navigate the numerous challenges that hamper the practice of their profession: the absence of the Freedom of Information Act, the criminalisation of press offenses, and the scare of the overly-broad anti-terrorism law.

Nalova Akua
Nalova Akua Published on: 12 Apr, 2024
The Perils of Journalism and the Rise of Citizen Media in Southeast Asia

Southeast Asia's media landscape is grim, with low rankings for internet and press freedom across the region. While citizen journalism has risen to fill the gaps, journalists - both professional and citizen - face significant risks due to government crackdowns and the collusion between tech companies and authorities to enable censorship and surveillance.

AJR Contributor Published on: 6 Apr, 2024
Orientalism, Imperialism and The Western Coverage of Palestine

Western mainstream media biases and defence of the Israeli narrative are connected to orientalism, racism, and imperialism, serving the interests of Western ruling political and economic elites. However, it is being challenged by global movements aiming to shed light on the realities of the conflict and express solidarity with the Palestinian population.

Joseph Daher
Joseph Daher Published on: 1 Apr, 2024
Ethical Dilemmas of Photo Editing in Media: Lessons from Kate Middleton’s Photo Controversy

Photoshop—an intelligent digital tool celebrated for enhancing the visual appearance of photographs—is a double-edged sword. While it has the power to transform and refine images, it also skillfully blurs the line between reality and fiction, challenging the legitimacy of journalistic integrity and the credibility of news media.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 26 Mar, 2024
Breaking Barriers: The Rise of Citizen Journalists in India's Fight for Media Inclusion

Grassroots journalists from marginalized communities in India, including Dalits and Muslims, are challenging mainstream media narratives and bringing attention to underreported issues through digital outlets like The Mooknayak.

Hanan Zaffa
Hanan Zaffar, Jyoti Thakur Published on: 3 Mar, 2024
Silenced Voices and Digital Resilience: The Case of Quds Network

Unrecognized journalists in conflict zones face serious risks to their safety and lack of support. The Quds Network, a Palestinian media outlet, has been targeted and censored, but they continue to report on the ground in Gaza. Recognition and support for independent journalists are crucial.

Yousef Abu Watfe يوسف أبو وطفة
Yousef Abu Watfeh Published on: 21 Feb, 2024