الصِّحافة في فرنسا. الحريّةُ هي فقط أن تنتقدَ الإسلام  

أظهرت الأزمة الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (تصريحاته حول الإسلام، ثم قانون الأمن الشامل) نفوذًا لـ "بلد الحرية" يبلغُ وسائلَ الإعلام خارج حدود فرنسا قادرًا على قمع أصواتٍ ناقدةٍ بمبررات مختلفة، دون أن يستطيع فِعْلَ الأمر نفسِه داخلَ بلاده. وقد اختلفت مستويات التدخل والقمع، من الوزراء والسفراء إلى أن وصل لتدخل الرئيس الفرنسي بنفسه، كما حدث مع الصحف الأمريكية.

لا يمكن القول: إن ماكرون أو أذْرُعَه طالبوا بحذف مقالات بعينها، فرُدُودُ الفعل اختلفت بين منابرَ أوروبيةٍ قررت حذْف المقالات المُنتقَدة فرنسيًّا، ومنابرَ أميركيةٍ لم تتراجع أمامَ الهجوم عليها، وإن أبدت بعض اللين في نهاية المطاف. هكذا، سحبت مواقع "فايننشال تايمز" و"بوليتيكو أوروبا"، وهو النسخة الأمريكية من موقع "بوليتيكو الأمريكي"، مقالا بعد انتقادات فرنسية، وهي سابقةٌ في التاريخ العريق لبوليتيكو.

 

تطويع الإعلام الأوروبي

المقال المحذوف من "بوليتيكو أوروبا" كان لفرهاد خسروخافار، عالم الاجتماع الفرنسي ذي الأصول الإيرانية، بعنوان "الدين العَلماني الخطير في فرنسا" (1) جاء فيه إن العلمانية المعتدلة أو الوسطية جيءَ مكانَها بعلمانية جديدة تُروّج لازدراء الأديان. وشبَّه الكاتب العلمانية في شكلها الجديد بـ "الدين المدني" الذي له كَهَنَتُه (متمثلين في وزراء الحكومة)، والبابا الخاصُّ به (متمثلًا في رئيس الجمهورية)، ومساعدو الكهنة (متمثلين في المفكرين)، وهَراطِقَتُه أيضًا (متمثلين في كلِّ مَن ينادي بموقف أقلَّ عدائيةً تجاه الإسلام، وهم الذين يتم رفضهم ونعتهم بأنهم "يساريون إسلاميون"). 

برّر ستيفن براون -رئيسُ التحرير- قرارَ الحذف بأن توقيت المقال عَقِبَ الهجوم على كنيسة نيس "لم يكن مناسبًا"، بل إنه حتّى لم يُبلِّغ الكاتبَ بالأمر. ولكن عندما تفاقمت المسألة، اضطُّرّ إلى تقديم اعتذار.

في تصريحات خاصة لـ "مجلة الصحافة"، اعترف براون بتأخرهم في التواصل مع الكاتب بشأن مقالته، وأنه اعتذر له عن ذلك، قائلًا: إن المقالة "لم تستوفِ معاييرَ المِنَصّة، ولم يكن ينبغي نشرُها بهذا الشكل". وأضاف في السياق نفسِه: "يجب علينا أن نكون مسؤولين عن المقالات المنشورة على موقعنا". أما خسروخافار فاعتبره معيارًا مزدوَجًا للحرية (2). 

بعد قرار الحذف بيومين، نشر الموقع رسالة إلى رئيس التحرير (3) من جبرائيل عتال، المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، بعنوان: "علمانية فرنسا تعني الحرية والحماية للجميع" خصَّ فيها مقال خسروخافار بالنقد، واصفًا الأساليب "الانتهازية والدنيئة"، المتمثلة في البحث عن كبش فداء وإلقاء اللوم على الضحية لدوافع سياسية أو غيرها بالأمر "المخادع والخطير". واختتم: "إذا كان الترويج لحرية التعبير والحرية الدينية يبدو متطرِّفًا، فنحن مُذنبون. إن حرية التعبير في فرنسا هي أساس الحوار والفكر الحر والديمقراطية. هذه المبادئ ليست خَطِرة، وهي غير قابلة للتفاوض".

أما الواقعة الثانية، فكانت لجريدة "فاينانشال تايمز" البريطانية التي حذفت مقالًا بعنوان: "حرب ماكرون على "الانفصالية الإسلامية"، فقط، تُقسِّم فرنسا أكثر" لمراسلتها في بروكسل ذات الأصول الباكستانية، والمعنية بشؤون الاتحاد الأوروبي، مِهرين خان.

جاء الحذف بعد شكاوًى عِدّةٍ من القرّاء من "مغالطات في الوقائع"، كما ذكرت الجريدة، واتصال غاضب من مكتب الرئيس الفرنسي، كما ذكر بن سميث، رئيس تحرير صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية نقلًا عن ماكرون (4). ومنذ ذلك الحين لم تكتب خان في الأزمة مُجدّدًا. حاولْنا التواصلَ مع رولا خلف، رئيسة تحرير "فاينانشال تايمز"، وبعثنا لها بالأسئلة لكن دون ردّ.

سُرعانَ ما نشرت بعدها الجريدة البريطانية رسالة (5) من الرئيس الفرنسي انتقد فيها المقال المحذوف الذي قال: إنه أخطأ في نقل تصريحاته فاستخدم مصطلح "الانفصالية الإسلامية" بدلًا من "الانفصالية الإسلاموية". "أكره أن يوضع على لساني كلامٌ لم أقلْه" (6). هكذا عبَّر باستياء رافضًا الاتهامَ بمعارضة دينٍ بعينه. وبنبرة حادة قال: "لن أسمح لأي شخص بأن يزعم أن فرنسا أو حكومتها تشجع العنصرية ضد المسلمين"، مؤكِّدًا أن بلاده تعرف ما تدين به للحضارة الإسلامية في الرياضيات والعلوم والهندسة المعمارية التي ينقل منها الجميع، ولافتًا إلى إعلانه إنشاء معهد في باريس لعرض هذه "الثروة العظيمة". 

 

محاكمة العَلمانية

"يبدو الأمر كما لو كنا فوق دخانِ أنقاضِ بُرجَي التجارةِ العالمية، ويقولون لنا: إننا فعلنا ما نستحق به ذلك"، بهذه الكلمات عبرت باستياء آن صوفي براديل، مستشارة الاتصالات الدولية للرئيس ماكرون، لصحيفة "لوموند" الفرنسية، في معرِض انتقادها للإعلام الأمريكي.

صحف "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" كانتا الأكثرَ عُرضةً للانتقاد في الأوساط الفرنسية المختلفة، وحتى من بعض الإعلام اليساري الفرنسي، باعتبارهما منبرَين لأصوات حادة هي الأعلى ضجيجًا ضد السياسة الفرنسية خاصة "من النساء السود والعرب المنتمين للفرانكفونية" (7)، كما ذكَر مقال في "واشنطن بوست".

وكلما تحدث هؤلاء -"الذين لا يرون العالمَ بالطريقة التي تريدها النُّخَب الفرنسية"، كما وصفهم رئيس تحرير "نيويورك تايمز"- عن العنصرية وعن تاريخ فرنسا المُلطَّخ به وموروثاتها الاستعلائية؛ كلما نَهَشَ فيهم وفيهن الإعلامُ الفرنسي.

"يبدو الأمر كما لو أن فرنسا، السيدة الاستعمارية العجوز، لا تستطيع أن تُصدِّق أن رعاياها السابقين من الأفارقة والمسلمين يردّون عليها"، هكذا كتبت كارين عطية، محررة الآراء الدولية في "واشنطن بوست"، وهي أمريكية من أصول أفريقية. لكن أبرز الأصوات الفرنسية الصاخبة في الجريدة كانت رقية ديالو، وهي صحفية فرنسية مسلمة من أصل أفريقي، تعد الأكثر جدلا في فرنسا بين من يكتبون بالخارج، تحديدًا في الإعلام الأمريكي. وصفها ضيف فرنسي في أحد البرامج بأنها "ناشطة هُويّة" (8) أي ناشطة في حقوق الإنسان على أساس الهوية، مُتعمِّدًا حذف مهنتها كصحفية. وتعرضت لإهانة شخصية من كاتب كان بصحبتها في الأستوديو؛ وصفَها على الهواء بأنها "امرأة مسلمة وسوداء" (9)، وكال لها اتهاماتٍ بدعم "الإرهاب". كتبت ديالو على تويتر؛ بأنها لم تتعرض لمثل هذا العنف على الهواء قبل ذلك.

لم يقتصر النقد على الأصوات الأفريقية بالجريدة، وكان أشبهَ بالخط العام لمِساحة الرأي، بل ومساحة التحليل الإخباري أيضًا، فبينما وصَف كاتب معايير ماكرون الليبرالية بـ"الازدواجية" (10)، وعنون آخر مقالَه "بدلًا من محاربة العنصرية المُمنهجة فرنسا تريد إصلاح الإسلام" (11)، جرى الحديث أيضًا عن التمييز العنصري الموثق الذي يطول العربَ والسود في فرنسا على يد قوات الشرطة التي تعد مؤسسةً من مؤسسات الدولة (12). 

التحليل والتغطية الإخبارية في "نيويورك تايمز" أيضًا لم تُعجب "بلد الحرية" بعد أن تمت المقارنة (13) بين رد الفعل "الأيديولوجي" للرئيس الفرنسي ورد الفعل "التصالحي" للمستشار النمساوي على "الهجمات الإرهابية" التي ضربت بلديهما. ولم ينس الفرنسيون التغطية الأولية للجريدة لحادث ذبح المدرّس الفرنسي وما تلاه، إذ كان عنوان الخبر: "الشرطة الفرنسية تقتل رجلًا بعد هجوم فتَّاك بالسكين في الشارع". ولم يشفع للجريدة تغيير العنوان بعد تصريحات للشرطة الفرنسية.

 

استجابة أمريكية

مثَّلت الجريدتان الأمريكيتان مَحْفَلَين للآراء المندِّدة بسياسة ماكرون، ولكن حتى حين. في "واشنطن بوست"، نشر السفير الفرنسي في الولايات المتحدة مقالًا بعنوان "فرنسا تقف في وجه التطرف دون المساس بقيمها" (14)؛ أعرب فيه عن استياء بلاده من ردود الفعل في الصحافة الأمريكية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي التي وصفها بغير العادلة وفي بعض الأحيان مبنية على معلومات مغلوط فيها، قائلًا: "نحن نحارب التطرف في بلدنا لا دينًا أو مجتمعًا بعينه".

بعد المقال ببضعة أيام، نشرت الصحيفة مقالًا لبنيامين حداد، مدير مبادرة أوروبا المستقبل في المجلس الأطلسي -وهو مركز أبحاث أمريكي-، بعنوان "على منتقدي ماكرون أن يفهموا ما تحاربُه فرنسا" (15)، هو الوحيد في الجريدة حتى اليوم المدافِع عن السياسة الماكرونية بخلاف صوت السفير الفرنسي. والمعروف أن حدَّاد له جذور لبنانية وعلاقات بإسرائيل، وقد كتب عدةَ مقالات دفاعية عن السياسة الفرنسية في الأزمة الحالية في عدة صحف أمريكية وفرنسية.

أما في حالة "نيويورك تايمز"، فتلقّى بن سميث -رئيس التحرير- اتصالًا هاتفيًّا مباشرًا من قصر الإليزيه اتهم فيه الرئيسُ الفرنسي الإعلامَ الأمريكي بإضفاء الشرعية على العنف، وهو ما اعتبره سميث اتهامًا خطيرًا. شكا ماكرون "انحياز" إعلام "بلد هو وريث التنوير والثورة الفرنسية"، وهوسَه بالعنصرية، وآراءَه حول الإرهاب، وتردُّدَه، في التضامن مع جمهوريته المحاصرة ، مُلقيًا باللوم على فرنسا بدلًا من القتلة، كما كتب سميث في مقاله بعنوان "الرئيس في مواجهة الإعلام الأمريكي" (16). 

بعد نحو أسبوعين من اتصال ماكرون، ردت الجريدة الأمريكية بافتتاحية (17) أنهت بها الموضوعَ برمته. دافعت عن دور الإعلام عمومًا ووظيفته وواجبه في طرح الأسئلة حول جذور العنصرية، والغضب العرقي وانتشار فكر الإسلام السياسي بين المسلمين الغربيين إلى جانب نقد فاعلية السياسات الحكومية وأثرها، لكنها أيضًا اختتمت بالقول: "حين يضرب الإرهابيون، هناك رد واحد فقط. وفي هذا الجانب، يا سيد ماكرون، فرنسا لا تقف وحدها"، فيما بدا أنه يشكل استجابةً للضغوط الفرنسية. وكان هذا آخرَ ما كُتب في الموضوع.

 

إعلام الإثارة

لمّا كانت الأخبار المغلوطة في وقت الأزمات عملًا غير مسؤول، وباعثة على الكراهية والانقسام، ومهددًة للسلم العام، ومُثيرًة للشغب، وقد تُتَّخَذ مبرِّرًا لأعمال عنف، كان مفهومًا ومُبرَّرًا أن تنال محررةُ الآراء الدولية في "واشنطن بوست" هجومًا لاذعًا من الفرنسيين. لقد نشرت المحررة على تويتر معلومة خاطئة حول اعتزام الحكومة الفرنسية منْحَ أرقام وطنيّة خاصّة للأطفال المسلمين لتمييزهم عن غيرهم، والتي نقلتها عن مصدر لم يدقق المعلومة. حينها انفتحت جبهة حرب إلكترونية على كارين عطية شارك فيها صحفيون وشخصيات بارزة ووزراء حكومة مثل سيدريك أُو، سكرتير الدولة الفرنسي للقطاع الرقمي، الذي لم يفته التهكمُ من الادعاء فغرَّد مُعلقًا "هذا صحيح. ونشرب دماء الأطفال على الإفطار كذلك. لا يمكن للديمقراطيات أن تكافح الأخبار المغلوطة والتضليل إذا لم يقم الصحفيون الجادون بالتحقق الأساسي من الأخبار". حذفت عطية التغريدة التي تضمنت المعلومة المغلوطة، واعتذرت "بشكل لا لَبْسَ فيه" وذلك حتى "لا تجعل الأمر أصعب على زملائها في تناول قصة صعبة".

لكن التضليل الإعلامي الذي مارسته وكالة الأنباء الفرنسية (أ.ف.ب) والذي من شأنه إذكاء الأزمة لم ينل حظه في الإعلام ومرَّ مرورَ الكرام. أما من تصدى له فكان مسؤولًا قضائيًّا فرنسيًّا أصدر بيانًا خصَّ فيه الوكالةَ بالنقد لنشرها خبرًا مفادُه أن شابًّا مسلمًا في العشرين من العمر تعرض لاعتداء من أقرانه المسلمين لاحتفاله بعيد الميلاد، ولأنه ابن لزوجين شرطيين، أم عربية وأب فرنسي.

استغل وزير الداخلية الفرنسي بالطبع ما أسماه "الهجوم العنصري" قائلًا: إنه خير مثال للانفصالية الأصولية التي تسعى لتقويض القيم الفرنسية، لكنّ بيانًا للمدعي العام في مدينة بلفور -حيث وقع الحادث الذي حمل "نزعات استعلائية لا دينية"- وجَّهَ اتهاماتٍ للوكالة بالتسرع وعدم التحقق (18) مؤكِّدا أن نشر معلومات مُجْتَزأة أو غير دقيقة قد يسبب اضطرابًا في النظام العام من التغطية الإعلامية وحتى ردود الفعل المتفاقمة المترتبة عليها. كلا الخبرين من شأنه شحن الحشود بمشاعر سلبية، لكنها المعايير المزدوجة في التعامل مجددًا.

 

الهوية والمنصة عاملًا

السمة المشتركة بين الأصوات التي طالتها الأذرع الماكرونية سواء بالقمع أو بالتنديد هي أنها في الغالب أصوات مهاجرين بعضهم استوطن فرنسا وهم من أصول إيرانية وأفريقية، والآخرون استوطنوا دولًا غيرها وهم من أصول باكستانية وأفريقية، وأن المنابر الإعلامية الموضوعة تحت المراقبة الدقيقة هي منابر أجنبية خارج فرنسا، وإلا ماذا فعلت الأذرع الماكرونية مع الموقعين الفرنسيين "ميديا بارت" و"مجلة أوريان21" Orient XXI اليسارية المعنية بشؤون العالم العربي والإسلامي، اللذين أعادا نشر مقال خسروخافار المغضوب عليه بعد حذفه؟

لا شيء!

هل كان سيختلف رد الفعل الفرنسي الحاد لو جاء هذا النقد والهجوم من فرنسيين ليسوا من أصول مهاجِرة، وربما ليسوا مسلمين؟ ليس بالضرورة، فالأمر يتوقف على المنبر الدولي أو الناشر الذي أعطى المِساحة، فهناك من اعتبر صراحةً أن بلاده تُحرِّف العَلمانية لاستهداف الإسلام (19) مثل آلان جريش، رئيس التحرير السابق لمجلة "لوموند دبلوماتيك" ورئيس تحرير مجلة "أوريان 21" وكاتب آخر في المجلة نفسها انتقد حكومته قائلًا إن الانفصالية هي إخضاع للإسلام ولمسلمي فرنسا (20)، لكن مثل هذين الصوتين، وهما من أصوات الفرنسيين الأصليين، من غير المسلمين، في الداخل الفرنسي، لديهم المساحة الكافية لمواصلة حديثهم الناقد دون سعي حكومتهم لتكميم أفواههم كما فعلت مع الإعلام الأجنبي خارج حدود البلاد. هذه المساعي التي جاءت في صورة اتصالات هاتفية أو رسائل ومقالات لرموز الدولة تحمل وجهة نظر الحكومة في الأزمة وتُنحّي الأصوات المخالفة جانبًا إما تطوعًا من إدارة الجريدة أو المنصة وقيادتها التحريرية، وإما بممارسة الإرهاب الفكري من قِبَل حكومة ماكرون.

لكن الهجوم الذي طال فانسن جيسير -العالم السياسي الفرنسي- بسبب مقاله "هل تشعل فرنسا الإرهاب المسلم عن طريق محاولتها منعه؟" (21) في جريدة "نيويورك تايمز" لم يكن بالهيّن. قال جيسير: إن رفض المسلمين للعلمانية اليوم هو رفض للتفسير الأحْدَثِ والأكثرِ أيديولوجية له بعد أن صار غطاءً للعنصرية ضد المسلمين. وعلى الرغم من أن كلا المقالين لجريش وجيسير من نوعية الخطاب الذي ينتقده النظام الفرنسي، إلا أن المنبر الدولي الواسع في حالة جيسير أذكى العداوة، تمامًا كما في حالة ديالو التي تكتب في الجريدة الأمريكية نفسِها وتحظى بمتابعة أكثر من 150 ألف شخص لحسابها الشخصي على تويتر.

الجديرُ بالذكر أن وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية نشرت تغريدة على تويتر حملت نفس معنى مقال جيسير تساءلت فيها: "لماذا تُحرِّض فرنسا على الغضب في العالم الإسلامي؟"، قبل أن تحذفها سريعًا بدعوى استخدامها لمفردات ضعيفة للإعلان عن مقالة (22) تشرح الغضب الموجه لفرنسا في العالم الإسلامي. ومن غير المؤكد وجود ضغوط وراء قرار الحذف.

وحسب منظمة "مراسلون بلا حدود" (23) -فرنسية النشأة- فإن الاستقلالية التحريرية للصحافة الفرنسية "غير محمية بشكل كاف ضد تضارب المصالح" في ظل ميل رجال الأعمال إلى الاستحواذ على الإعلام والتأثير في الرأي العام بما يخدم مصالحهم. يتعرض الصحفيون أيضًا لمُناخ العَداء الذي يغذّيه السياسيون الذين يستخدمون لغة عدوانية، وللمضايقات على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يكونون أهدافًا مفضَّلة للمتصيدين من جميع الأنواع الذين يختبئون وراء شاشاتهم وأسماء مستعارة.

واتخذت أشكال التضييق على الصحافة في فرنسا صورًا عدة؛ بدءًا من وسائل التواصل الاجتماعي ومناخ عدائي يُغذيه السياسيّون بحملاتهم العدوانية، إلى المنع من التصوير أو مصادرة أجهزة، وفي بعض الأحيان وصلت إلى استدعاء صحفيين استقصائيين من قِبَل أجهزة المخابرات لاستجوابهم في مواضيع حساسة بشأن تحقيقاتهم الصحفية كما حدث مع الموقع الاستقصائي "ميديا بارت". ومع قانون "الأمن العام" المقترح، (الذي تراجعت الحكومة عن بعض بنوده أمام حدة الاحتجاجات) فمن المتوقع أن تتراجع حرية الصحافة في فرنسا.

 

 


[1] https://pressnewsagency.org/frances-dangerous-religion-of-secularism/

[2] https://orientxxi.info/magazine/a-censured-debate,4282

[3] https://www.politico.eu/article/frances-secularism-means-freedom-and-pr…

[4] https://www.nytimes.com/2020/11/15/business/media/macron-france-terrori…

[5] https://www.ft.com/content/8e459097-4b9a-4e04-a344-4262488e7754

[6] راجع المصدر الرابع 

[7] https://www.washingtonpost.com/opinions/2020/12/03/macrons-centrist-tol…

[8] https://twitter.com/RokhayaDiallo/status/1330964218384879616

[9] https://www.nouvelobs.com/teleobs/20201022.OBS35075/charlie-hebdo-pasca…

[10] https://www.washingtonpost.com/world/2020/12/02/macron-france-race-pres…

[11]https://www.washingtonpost.com/outlook/macron-france-reform-islam-paty/…

[12] https://www.washingtonpost.com/world/europe/france-police-michel-zecler…

[13] https://www.nytimes.com/2020/11/09/world/europe/france-austria-terroris…

[14] https://www.washingtonpost.com/opinions/2020/11/28/france-ambassador-ph…

[15] https://www.washingtonpost.com/opinions/2020/12/16/macrons-critics-need…

[16] راجع المصدر الرابع

[17] https://www.nytimes.com/2020/12/04/opinion/macron-terrorism-france.html

[18] https://breaknews.fr/fake-news-non-un-musulman-na-pas-ete-agresse-pour-…

[19] https://orientxxi.info/magazine/article4354

[20] https://orientxxi.info/magazine/article4279

[21] https://www.nytimes.com/2020/10/31/opinion/france-terrorism-muslims.html

[22] https://apnews.com/article/boycotts-paris-middle-east-western-europe-fr…

[23] https://rsf.org/en/france

 


 

المزيد من المقالات

تدريس الصحافة والعلوم الاجتماعية.. خصومة راسخة؟

في شمال الضفة الغربية، عاش طلبة الصحافة تجربة مختلفة مع "بدو الأغوار" لمدة ثلاثة أيام، جربوا فيها الاشتباك بالميدان في سياق ممارسة "الصحافة بالمجاورة" تحت إشراف الدكتور منير فاشة. خارج قاعات الدرس اختبر الطلبة أدوات قادمة من العلوم الاجتماعية رغم أن دراسات موثقة تبرز الخصومة الراسخة بين تدريس الصحافة في تقاطعها مع العلوم الاجتماعية والإنسانية.

سعيد أبو معلا نشرت في: 29 يونيو, 2025
حسن إصليح.. "وكالة الأنباء" وصوت المهمشين الذي قتله الاحتلال

لا يمثل اغتيال الصحفي حسن إصليح من طرف الاحتلال الإسرائيلي حالة معزولة، بل نمطا ممنهجا يستهدف الصحفيين الفلسطينيين منذ بدء حرب الإبادة الجماعية. تقدم رشيدة الحلبي في هذا البروفيل ملامح من سيرة إصليح الصحفي والإنسان.

رشيدة الحلبي نشرت في: 25 يونيو, 2025
إجابات كبيرة في أماكن صغيرة أو نقد تاريخ السلطة!

هناك تاريخ السلطة، وهناك تاريخ المجتمع. بين هذين الحدين، بحث عمار الشقيري عن إجابات كبيرة في قرية صغيرة في الأردن هي "شطنا" متقصيا عن الأسباب السوسيولوجية لهجرة سكانها إلى المدن الكبرى. بعد فحص المصادر التاريخية وإجراء المقابلات، سرد قرنا كاملا من تاريخ القرية بمنظور "التاريخ المصغر".

عمار الشقيري نشرت في: 22 يونيو, 2025
كيف يصوغ الإعلام الغربي كارثة المجاعة في قطاع غزة؟

هل يمكن لوسائل الإعلام أن تخضع موضوع المجاعة في فلسطين للتوازن المهني حتى بعد إقرار المنظمات الأممية ومحكمة العدل الدولية بذلك؟ لماذا تفادت الكثير من وسائل الإعلام الغربية توصيفات قانونية وأخلاقية دقيقة، مثل "مجاعة" (famine) أو "تجويع " (starvation) ولجأت إلى تعابير فضفاضة مثل "نفاد الغذاء" أو "أزمة تغذية؟ ألا تنطوي هذه الممارسة على تحيز واضح لصالح الرواية الإسرائيلية وتبرير لسياسة "التجويع الممنهجة"؟

Fidaa Al-Qudra
فداء القدرة نشرت في: 18 يونيو, 2025
أن تحكي قصص الأطفال من غزة!

تبدو تجربة الصحفية الفلسطينية ريما القطاوي مختلفة تماما في الاشتغال على القصص الإنسانية. في معهد الأمل بغزة التقت أطفال يعيشون ظروفا قاسية بعد فقدان عائلاتهم، ولم تخل التجربة من تحديات مهنية وأخلاقية. أين ينتهي التعاطف وأين تبدأ المهنة؟ وكيف يمكن التعامل مع الأطفال، وهل مقبول من الناحية الأخلاقية إجراء المقابلات معهم؟

Rima Al-Qatawi
ريما القطاوي نشرت في: 16 يونيو, 2025
المغرب.. الصحافة والمرحلة الانتقالية و"جيوب المقاومة"

"لقد أُجهِض الانتقال الإعلامي حزبيا، وانتصرت رؤية السياسي الذي يفضل الترافع والمفاوضة والمناورة خلف الأبواب المغلقة، عوض تمكين الإعلاميين من طرح القضايا الكبرى في الفضاء العام". من داخل جريدة الاتحاد الاشتراكي، عاش عمر لبشيريت تجربة الانتقال الديمقراطي في المغرب، ليسرد لنا عن تشابك السلطة بالسياسة والإعلام.

عمر لبشيريت نشرت في: 10 يونيو, 2025
صحافة المواطن.. "الصوت الأخير" وسط الإبادة

كيف ساهم المواطنون الصحفيون بغزة في تغطية حرب الإبادة الجماعية؟ وما الذي دفعهم لدخول مجال الصحافة؟ وما هي التحديات المهنية التي يواجهونها؟ يقدم المقال قراءة في مسارات مواطنين صحفيين جاؤوا من مشارب أكاديمية مختلفة، وجدوا أنفسهم في مواجهة النسق الإبادي لـ "الجماعة الصحفية" في فلسطين.

فاطمة الزهراء زايدي نشرت في: 8 يونيو, 2025
من معسكرات البوسنة وشوراع كيغالي إلى مجازر غزة.. عن جدوى تغطية الصحفيين الأجانب للإبادات الجماعية

كيف غطّى الصحفيون الأجانب عمليات القتل في كل من البوسنة والهرسك ورواندا؟ هل ساهموا في إيصال الحقيقة وإحداث تأثير؟ هل كان دخول الصحفيين الأجانب إلى قطاع غزة سيغير من واقع الإبادة المستمرة؟ وهل كانت تغطياتهم للمجاعة والمجارز ستقدم إضافة للتغطية اليومية للصحفيين المحليين؟ لماذا يُنظر إلى تغطية الصحافة المحلية للحروب بأنها تغطية قاصرة مقارنة بالصحافة الغربية على الرغم من أنها تتكبد الخسائر والضحايا بشكل أكبر؟

Saber Halima
صابر حليمة نشرت في: 1 يونيو, 2025
رصد وتفنيد التغطيات الصحفية المخالفة للمعايير المهنية في الحرب الحالية على غزة

في هذه الصفحة، سيعمد فريق تحرير مجلة الصحافة على جمع الأخبار التي تنشرها المؤسسات الصحفية حول الحرب الحالية على غزة التي تنطوي على تضليل أو تحيز أو مخالفة للمعايير التحريرية ومواثيق الشرف المهنية.

Al Jazeera Journalism Review
مجلة الصحافة نشرت في: 27 مايو, 2025
كيف تتحرر الصحافة السورية من إرث الماضي؟

التركة التي خلفها نظام حزب البعث في سوريا مست كل هياكل الدولة في مقدمتها الصحافة التي كانت أداة مكينة في يد السلطة. سؤال الاستقلالية وبناء نموذج إعلامي في المرحلة الجديدة قائم على المساءلة، وينبغي أن يطرح بجرأة بحثية في هذا التوقيت الحساس.

Zainab Afifa
زينب عفيفة نشرت في: 20 مايو, 2025
عن أثر شيرين أبو عاقلة

قبل ثلاث سنوات من الآن، قتل الاحتلال الإسرائيلي الزميلة شيرين أبو عاقلة، صحفية قناة الجزيرة، لكن أثرها وثراء تجربتها المهنية والإنسانية جعل تأثيرها ممتدا في الزمن، يلاحق القتلة رغم أن العدالة ما تزال مفقودة.

حياة الحريري نشرت في: 11 مايو, 2025
الصحافة وسؤال المهنية في المراحل الانتقالية

هل تستطيع الصحافة أن تلعب دورًا فاعلًا في ترسيخ العدالة الانتقالية وسط هشاشة المؤسسات، وتضليل الروايات، وغياب التوافق المجتمعي؟ محمد زيدان، عضو هيئة تحرير مجلة الصحافة، يضيء على بعض التجارب الانتقالية وارتباطها بأدوار الصحافة.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 9 مايو, 2025
هل تكفي شهادات الصحافة في العراق لدخول "سوق العمل"؟

المزيد من خريجي كليات الصحافة في العراق يعيشون البطالة، والمتهم الأول: المناهج الدراسية. تحاول هذه المقالة، بناء على رأي الفاعلين في عملية تدريس الصحافة سوق العمل، فهم الأسباب الحقيقية التي تجعل الفجوة تتسع بين الكلية والميدان.

Hassan Akram
حسن أكرم نشرت في: 6 مايو, 2025
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الانتخابات الأوروبية

ألغت المحكمة الدستورية في وقت سابق في رومانيا الانتخابات الرئاسية بسبب شبهات حول تأثير جهات أجنبية باستخدام منصات التواصل الاجتماعي. النقاش في أوروبا حول التدخل في الانتخابات وصل ذروته خاصة بعدما أعلن إيلون ماسك، مالك إكس، مساندته الصريحة لتيارات أقصى اليمين. هل أصبحت منصات التواصل الاجتماعي تهدد مستقبل الديمقراطية في العالم؟

عبد المجيد الفرجي نشرت في: 27 أبريل, 2025
في رواندا.. الإعلام شريكا في الإبادة وفي المصالحة

كان من النادر أن يحاكم صحفيون أمام قضاة المحكمة الجنائية الدولية بتهمة التحريض على الإبادة. في رواندا، ساهم الإعلام في تأجيج مشاعر الكراهية قبل أن يصبح فضاء للحوار والمصالحة في فترة ما بعد الانتقال رغم انتقادات واسعة لعدم استكمال مسار الانتقال. ما هي أسس هذا التحول؟ وكيف ساهمت الصحافة في تجاوز مرحلة حساسة من تاريخ البلد؟

جبرين أحمد عيسى نشرت في: 23 أبريل, 2025
"صحوة" الصحافة الإلكترونية في السودان وسؤال المهنية

أثر الصراع المسلح في السودان على الكثير من المؤسسات الإعلامية خاصة الورقية التي كانت إلى وقت قريب الأكثر تأثيرا. لجأ الصحفيون إلى إنشاء مواقع إلكترونية هربا من التعقيدات الإدارية والكلفة المادية المرتفعة، لكنها مغامرة لا تخلو من انتهاكات أخلاقية ومهنية تعزز في الكثير من الأحيان خطاب الكراهية.

أفراح تاج الختم نشرت في: 20 أبريل, 2025
"الانتقال الإعلامي" الموؤود في تونس

بشرت التجربة التونسية في الانتقال السياسي، بتحرير المجال الإعلامي من تركة الاستبداد السياسي المتوارثة من نظام بنعلي. في ظرف عشر سنوات فقط، وباستثناء تجارب قليلة، استحضرت أسس المرحلة الانتقالية، تحولت الكثير من وسائل الإعلام إلى واجهة للسلطة بينما غرق الإعلام الخاص فيما بات يسميه التونسيون بصحافة "بيع المستلزمات المنزلية".

عائشة غربي نشرت في: 9 أبريل, 2025
الصحافة المستقلة في سوريا والبحث عن ولادة جديدة

هل ستحرر المرحلة الجديدة في سوريات مساحات لحرية التعبير للصحفيين المستقلين؟ وما هي الضمانات المهنية التي يمكن أن تساعدهم في ممارسة أدوار الرقابة والمساءلة؟ وإلى أي مدى تشكل وسائل التواصل الاجتماعي فضاء حرا لممارسة الصحافة بعيدا عن قيود وسائل الإعلام الحكومية أو الممولة؟

رؤى الزين نشرت في: 5 أبريل, 2025
الإعلام المساند للثورة في سوريا.. سياقات النشأة وإكراهات الاستدامة

كيف نشأ الإعلام السوري المساند للثورة؟ وماهي مراحل تطوره ومصادر تمويله الأساسية؟ وهل استطاع الانتقال من النضال السياسي إلى ممارسة المهنة بمبادئها المؤسسة؟

ميس حمد نشرت في: 3 أبريل, 2025
هل تحتاج ليبيا إلى إعلام حكومي؟

في ليبيا تزداد مخاوف الصحفيين وشريحة كبيرة من الرأي العام من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لـ "إصلاح" الإعلام الحكومي. وبين التوجس من أن تصبح مؤسسات الإعلام تابعة لهيكل الدولة والآمال في مسايرة تطور المجتمع يطرح السؤال الكبير: هل تحتاج ليبيا ما بعد الثورة إعلاما حكوميا؟

عماد المدولي نشرت في: 27 مارس, 2025
لماذا الجزيرة 360؟

ما دوافع إطلاق منصة الجزيرة 360؟ وما الذي يميزها عن باقي المنصات الأخرى أو التابعة لشبكة الجزيرة الإعلامية؟ وما هي القيمة المضافة التي ستثري بها المحتوى العربي؟ وكيف استطاعت المنصة أن تصل إلى أكبر شريحة من الجمهور في وقت قصير؟

أفنان عوينات نشرت في: 6 مارس, 2025
شيرين أبو عاقلة.. الحضور والغياب

اغتال الاحتلال الإسرائيلي الصحفية في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة كما اغتال مئات الصحفيين في غزة، لكنها لا تزال مؤثرة في المشهد الصحفي الفلسطيني والعالمي، ولا تزال تغطياتها الميدانية على مدار سنوات، تشكل درسا مهنيا للصحفيين، ووثيقة تدين الاحتلال إلى الأبد.

Linda Shalash
لندا شلش نشرت في: 23 فبراير, 2025
الوقفة أمام الكاميرا.. هوية المراسل وبصمته

ماهي أنواع الوقفات أمام الكاميرا؟ وما وظائفها في القصة التلفزيونية؟ وكيف يمكن للصحفي استخدامها لخدمة زوايا المعالجة؟ الزميل أنس بنصالح، الصحفي بقناة الجزيرة، راكم تجربة ميدانية في إنتاج القصص التلفزيونية، يسرد في هذا المقال لماذا تشكل الوقفة أمام الكاميرا جزءا أصيلا من التقارير الإخبارية والإنسانية.

أنس بن صالح نشرت في: 18 فبراير, 2025
قتل واستهداف الصحفيين.. لماذا تفلت إسرائيل من العقاب؟

لماذا تفلت إسرائيل من العقاب بعد قتلها أكثر من 200 صحفي؟ هل بسبب بطء مساطر وإجراءات المحاكم الدولية أم بسبب فشل العدالة في محاسبة الجناة؟ ألا يشجع هذا الإفلات على استهداف مزيد من الصحفيين وعائلاتهم ومقراتهم؟

ناصر عدنان ثابت نشرت في: 16 فبراير, 2025