الصِّحافة في فرنسا. الحريّةُ هي فقط أن تنتقدَ الإسلام  

أظهرت الأزمة الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (تصريحاته حول الإسلام، ثم قانون الأمن الشامل) نفوذًا لـ "بلد الحرية" يبلغُ وسائلَ الإعلام خارج حدود فرنسا قادرًا على قمع أصواتٍ ناقدةٍ بمبررات مختلفة، دون أن يستطيع فِعْلَ الأمر نفسِه داخلَ بلاده. وقد اختلفت مستويات التدخل والقمع، من الوزراء والسفراء إلى أن وصل لتدخل الرئيس الفرنسي بنفسه، كما حدث مع الصحف الأمريكية.

لا يمكن القول: إن ماكرون أو أذْرُعَه طالبوا بحذف مقالات بعينها، فرُدُودُ الفعل اختلفت بين منابرَ أوروبيةٍ قررت حذْف المقالات المُنتقَدة فرنسيًّا، ومنابرَ أميركيةٍ لم تتراجع أمامَ الهجوم عليها، وإن أبدت بعض اللين في نهاية المطاف. هكذا، سحبت مواقع "فايننشال تايمز" و"بوليتيكو أوروبا"، وهو النسخة الأمريكية من موقع "بوليتيكو الأمريكي"، مقالا بعد انتقادات فرنسية، وهي سابقةٌ في التاريخ العريق لبوليتيكو.

 

تطويع الإعلام الأوروبي

المقال المحذوف من "بوليتيكو أوروبا" كان لفرهاد خسروخافار، عالم الاجتماع الفرنسي ذي الأصول الإيرانية، بعنوان "الدين العَلماني الخطير في فرنسا" (1) جاء فيه إن العلمانية المعتدلة أو الوسطية جيءَ مكانَها بعلمانية جديدة تُروّج لازدراء الأديان. وشبَّه الكاتب العلمانية في شكلها الجديد بـ "الدين المدني" الذي له كَهَنَتُه (متمثلين في وزراء الحكومة)، والبابا الخاصُّ به (متمثلًا في رئيس الجمهورية)، ومساعدو الكهنة (متمثلين في المفكرين)، وهَراطِقَتُه أيضًا (متمثلين في كلِّ مَن ينادي بموقف أقلَّ عدائيةً تجاه الإسلام، وهم الذين يتم رفضهم ونعتهم بأنهم "يساريون إسلاميون"). 

برّر ستيفن براون -رئيسُ التحرير- قرارَ الحذف بأن توقيت المقال عَقِبَ الهجوم على كنيسة نيس "لم يكن مناسبًا"، بل إنه حتّى لم يُبلِّغ الكاتبَ بالأمر. ولكن عندما تفاقمت المسألة، اضطُّرّ إلى تقديم اعتذار.

في تصريحات خاصة لـ "مجلة الصحافة"، اعترف براون بتأخرهم في التواصل مع الكاتب بشأن مقالته، وأنه اعتذر له عن ذلك، قائلًا: إن المقالة "لم تستوفِ معاييرَ المِنَصّة، ولم يكن ينبغي نشرُها بهذا الشكل". وأضاف في السياق نفسِه: "يجب علينا أن نكون مسؤولين عن المقالات المنشورة على موقعنا". أما خسروخافار فاعتبره معيارًا مزدوَجًا للحرية (2). 

بعد قرار الحذف بيومين، نشر الموقع رسالة إلى رئيس التحرير (3) من جبرائيل عتال، المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، بعنوان: "علمانية فرنسا تعني الحرية والحماية للجميع" خصَّ فيها مقال خسروخافار بالنقد، واصفًا الأساليب "الانتهازية والدنيئة"، المتمثلة في البحث عن كبش فداء وإلقاء اللوم على الضحية لدوافع سياسية أو غيرها بالأمر "المخادع والخطير". واختتم: "إذا كان الترويج لحرية التعبير والحرية الدينية يبدو متطرِّفًا، فنحن مُذنبون. إن حرية التعبير في فرنسا هي أساس الحوار والفكر الحر والديمقراطية. هذه المبادئ ليست خَطِرة، وهي غير قابلة للتفاوض".

أما الواقعة الثانية، فكانت لجريدة "فاينانشال تايمز" البريطانية التي حذفت مقالًا بعنوان: "حرب ماكرون على "الانفصالية الإسلامية"، فقط، تُقسِّم فرنسا أكثر" لمراسلتها في بروكسل ذات الأصول الباكستانية، والمعنية بشؤون الاتحاد الأوروبي، مِهرين خان.

جاء الحذف بعد شكاوًى عِدّةٍ من القرّاء من "مغالطات في الوقائع"، كما ذكرت الجريدة، واتصال غاضب من مكتب الرئيس الفرنسي، كما ذكر بن سميث، رئيس تحرير صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية نقلًا عن ماكرون (4). ومنذ ذلك الحين لم تكتب خان في الأزمة مُجدّدًا. حاولْنا التواصلَ مع رولا خلف، رئيسة تحرير "فاينانشال تايمز"، وبعثنا لها بالأسئلة لكن دون ردّ.

سُرعانَ ما نشرت بعدها الجريدة البريطانية رسالة (5) من الرئيس الفرنسي انتقد فيها المقال المحذوف الذي قال: إنه أخطأ في نقل تصريحاته فاستخدم مصطلح "الانفصالية الإسلامية" بدلًا من "الانفصالية الإسلاموية". "أكره أن يوضع على لساني كلامٌ لم أقلْه" (6). هكذا عبَّر باستياء رافضًا الاتهامَ بمعارضة دينٍ بعينه. وبنبرة حادة قال: "لن أسمح لأي شخص بأن يزعم أن فرنسا أو حكومتها تشجع العنصرية ضد المسلمين"، مؤكِّدًا أن بلاده تعرف ما تدين به للحضارة الإسلامية في الرياضيات والعلوم والهندسة المعمارية التي ينقل منها الجميع، ولافتًا إلى إعلانه إنشاء معهد في باريس لعرض هذه "الثروة العظيمة". 

 

محاكمة العَلمانية

"يبدو الأمر كما لو كنا فوق دخانِ أنقاضِ بُرجَي التجارةِ العالمية، ويقولون لنا: إننا فعلنا ما نستحق به ذلك"، بهذه الكلمات عبرت باستياء آن صوفي براديل، مستشارة الاتصالات الدولية للرئيس ماكرون، لصحيفة "لوموند" الفرنسية، في معرِض انتقادها للإعلام الأمريكي.

صحف "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" كانتا الأكثرَ عُرضةً للانتقاد في الأوساط الفرنسية المختلفة، وحتى من بعض الإعلام اليساري الفرنسي، باعتبارهما منبرَين لأصوات حادة هي الأعلى ضجيجًا ضد السياسة الفرنسية خاصة "من النساء السود والعرب المنتمين للفرانكفونية" (7)، كما ذكَر مقال في "واشنطن بوست".

وكلما تحدث هؤلاء -"الذين لا يرون العالمَ بالطريقة التي تريدها النُّخَب الفرنسية"، كما وصفهم رئيس تحرير "نيويورك تايمز"- عن العنصرية وعن تاريخ فرنسا المُلطَّخ به وموروثاتها الاستعلائية؛ كلما نَهَشَ فيهم وفيهن الإعلامُ الفرنسي.

"يبدو الأمر كما لو أن فرنسا، السيدة الاستعمارية العجوز، لا تستطيع أن تُصدِّق أن رعاياها السابقين من الأفارقة والمسلمين يردّون عليها"، هكذا كتبت كارين عطية، محررة الآراء الدولية في "واشنطن بوست"، وهي أمريكية من أصول أفريقية. لكن أبرز الأصوات الفرنسية الصاخبة في الجريدة كانت رقية ديالو، وهي صحفية فرنسية مسلمة من أصل أفريقي، تعد الأكثر جدلا في فرنسا بين من يكتبون بالخارج، تحديدًا في الإعلام الأمريكي. وصفها ضيف فرنسي في أحد البرامج بأنها "ناشطة هُويّة" (8) أي ناشطة في حقوق الإنسان على أساس الهوية، مُتعمِّدًا حذف مهنتها كصحفية. وتعرضت لإهانة شخصية من كاتب كان بصحبتها في الأستوديو؛ وصفَها على الهواء بأنها "امرأة مسلمة وسوداء" (9)، وكال لها اتهاماتٍ بدعم "الإرهاب". كتبت ديالو على تويتر؛ بأنها لم تتعرض لمثل هذا العنف على الهواء قبل ذلك.

لم يقتصر النقد على الأصوات الأفريقية بالجريدة، وكان أشبهَ بالخط العام لمِساحة الرأي، بل ومساحة التحليل الإخباري أيضًا، فبينما وصَف كاتب معايير ماكرون الليبرالية بـ"الازدواجية" (10)، وعنون آخر مقالَه "بدلًا من محاربة العنصرية المُمنهجة فرنسا تريد إصلاح الإسلام" (11)، جرى الحديث أيضًا عن التمييز العنصري الموثق الذي يطول العربَ والسود في فرنسا على يد قوات الشرطة التي تعد مؤسسةً من مؤسسات الدولة (12). 

التحليل والتغطية الإخبارية في "نيويورك تايمز" أيضًا لم تُعجب "بلد الحرية" بعد أن تمت المقارنة (13) بين رد الفعل "الأيديولوجي" للرئيس الفرنسي ورد الفعل "التصالحي" للمستشار النمساوي على "الهجمات الإرهابية" التي ضربت بلديهما. ولم ينس الفرنسيون التغطية الأولية للجريدة لحادث ذبح المدرّس الفرنسي وما تلاه، إذ كان عنوان الخبر: "الشرطة الفرنسية تقتل رجلًا بعد هجوم فتَّاك بالسكين في الشارع". ولم يشفع للجريدة تغيير العنوان بعد تصريحات للشرطة الفرنسية.

 

استجابة أمريكية

مثَّلت الجريدتان الأمريكيتان مَحْفَلَين للآراء المندِّدة بسياسة ماكرون، ولكن حتى حين. في "واشنطن بوست"، نشر السفير الفرنسي في الولايات المتحدة مقالًا بعنوان "فرنسا تقف في وجه التطرف دون المساس بقيمها" (14)؛ أعرب فيه عن استياء بلاده من ردود الفعل في الصحافة الأمريكية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي التي وصفها بغير العادلة وفي بعض الأحيان مبنية على معلومات مغلوط فيها، قائلًا: "نحن نحارب التطرف في بلدنا لا دينًا أو مجتمعًا بعينه".

بعد المقال ببضعة أيام، نشرت الصحيفة مقالًا لبنيامين حداد، مدير مبادرة أوروبا المستقبل في المجلس الأطلسي -وهو مركز أبحاث أمريكي-، بعنوان "على منتقدي ماكرون أن يفهموا ما تحاربُه فرنسا" (15)، هو الوحيد في الجريدة حتى اليوم المدافِع عن السياسة الماكرونية بخلاف صوت السفير الفرنسي. والمعروف أن حدَّاد له جذور لبنانية وعلاقات بإسرائيل، وقد كتب عدةَ مقالات دفاعية عن السياسة الفرنسية في الأزمة الحالية في عدة صحف أمريكية وفرنسية.

أما في حالة "نيويورك تايمز"، فتلقّى بن سميث -رئيس التحرير- اتصالًا هاتفيًّا مباشرًا من قصر الإليزيه اتهم فيه الرئيسُ الفرنسي الإعلامَ الأمريكي بإضفاء الشرعية على العنف، وهو ما اعتبره سميث اتهامًا خطيرًا. شكا ماكرون "انحياز" إعلام "بلد هو وريث التنوير والثورة الفرنسية"، وهوسَه بالعنصرية، وآراءَه حول الإرهاب، وتردُّدَه، في التضامن مع جمهوريته المحاصرة ، مُلقيًا باللوم على فرنسا بدلًا من القتلة، كما كتب سميث في مقاله بعنوان "الرئيس في مواجهة الإعلام الأمريكي" (16). 

بعد نحو أسبوعين من اتصال ماكرون، ردت الجريدة الأمريكية بافتتاحية (17) أنهت بها الموضوعَ برمته. دافعت عن دور الإعلام عمومًا ووظيفته وواجبه في طرح الأسئلة حول جذور العنصرية، والغضب العرقي وانتشار فكر الإسلام السياسي بين المسلمين الغربيين إلى جانب نقد فاعلية السياسات الحكومية وأثرها، لكنها أيضًا اختتمت بالقول: "حين يضرب الإرهابيون، هناك رد واحد فقط. وفي هذا الجانب، يا سيد ماكرون، فرنسا لا تقف وحدها"، فيما بدا أنه يشكل استجابةً للضغوط الفرنسية. وكان هذا آخرَ ما كُتب في الموضوع.

 

إعلام الإثارة

لمّا كانت الأخبار المغلوطة في وقت الأزمات عملًا غير مسؤول، وباعثة على الكراهية والانقسام، ومهددًة للسلم العام، ومُثيرًة للشغب، وقد تُتَّخَذ مبرِّرًا لأعمال عنف، كان مفهومًا ومُبرَّرًا أن تنال محررةُ الآراء الدولية في "واشنطن بوست" هجومًا لاذعًا من الفرنسيين. لقد نشرت المحررة على تويتر معلومة خاطئة حول اعتزام الحكومة الفرنسية منْحَ أرقام وطنيّة خاصّة للأطفال المسلمين لتمييزهم عن غيرهم، والتي نقلتها عن مصدر لم يدقق المعلومة. حينها انفتحت جبهة حرب إلكترونية على كارين عطية شارك فيها صحفيون وشخصيات بارزة ووزراء حكومة مثل سيدريك أُو، سكرتير الدولة الفرنسي للقطاع الرقمي، الذي لم يفته التهكمُ من الادعاء فغرَّد مُعلقًا "هذا صحيح. ونشرب دماء الأطفال على الإفطار كذلك. لا يمكن للديمقراطيات أن تكافح الأخبار المغلوطة والتضليل إذا لم يقم الصحفيون الجادون بالتحقق الأساسي من الأخبار". حذفت عطية التغريدة التي تضمنت المعلومة المغلوطة، واعتذرت "بشكل لا لَبْسَ فيه" وذلك حتى "لا تجعل الأمر أصعب على زملائها في تناول قصة صعبة".

لكن التضليل الإعلامي الذي مارسته وكالة الأنباء الفرنسية (أ.ف.ب) والذي من شأنه إذكاء الأزمة لم ينل حظه في الإعلام ومرَّ مرورَ الكرام. أما من تصدى له فكان مسؤولًا قضائيًّا فرنسيًّا أصدر بيانًا خصَّ فيه الوكالةَ بالنقد لنشرها خبرًا مفادُه أن شابًّا مسلمًا في العشرين من العمر تعرض لاعتداء من أقرانه المسلمين لاحتفاله بعيد الميلاد، ولأنه ابن لزوجين شرطيين، أم عربية وأب فرنسي.

استغل وزير الداخلية الفرنسي بالطبع ما أسماه "الهجوم العنصري" قائلًا: إنه خير مثال للانفصالية الأصولية التي تسعى لتقويض القيم الفرنسية، لكنّ بيانًا للمدعي العام في مدينة بلفور -حيث وقع الحادث الذي حمل "نزعات استعلائية لا دينية"- وجَّهَ اتهاماتٍ للوكالة بالتسرع وعدم التحقق (18) مؤكِّدا أن نشر معلومات مُجْتَزأة أو غير دقيقة قد يسبب اضطرابًا في النظام العام من التغطية الإعلامية وحتى ردود الفعل المتفاقمة المترتبة عليها. كلا الخبرين من شأنه شحن الحشود بمشاعر سلبية، لكنها المعايير المزدوجة في التعامل مجددًا.

 

الهوية والمنصة عاملًا

السمة المشتركة بين الأصوات التي طالتها الأذرع الماكرونية سواء بالقمع أو بالتنديد هي أنها في الغالب أصوات مهاجرين بعضهم استوطن فرنسا وهم من أصول إيرانية وأفريقية، والآخرون استوطنوا دولًا غيرها وهم من أصول باكستانية وأفريقية، وأن المنابر الإعلامية الموضوعة تحت المراقبة الدقيقة هي منابر أجنبية خارج فرنسا، وإلا ماذا فعلت الأذرع الماكرونية مع الموقعين الفرنسيين "ميديا بارت" و"مجلة أوريان21" Orient XXI اليسارية المعنية بشؤون العالم العربي والإسلامي، اللذين أعادا نشر مقال خسروخافار المغضوب عليه بعد حذفه؟

لا شيء!

هل كان سيختلف رد الفعل الفرنسي الحاد لو جاء هذا النقد والهجوم من فرنسيين ليسوا من أصول مهاجِرة، وربما ليسوا مسلمين؟ ليس بالضرورة، فالأمر يتوقف على المنبر الدولي أو الناشر الذي أعطى المِساحة، فهناك من اعتبر صراحةً أن بلاده تُحرِّف العَلمانية لاستهداف الإسلام (19) مثل آلان جريش، رئيس التحرير السابق لمجلة "لوموند دبلوماتيك" ورئيس تحرير مجلة "أوريان 21" وكاتب آخر في المجلة نفسها انتقد حكومته قائلًا إن الانفصالية هي إخضاع للإسلام ولمسلمي فرنسا (20)، لكن مثل هذين الصوتين، وهما من أصوات الفرنسيين الأصليين، من غير المسلمين، في الداخل الفرنسي، لديهم المساحة الكافية لمواصلة حديثهم الناقد دون سعي حكومتهم لتكميم أفواههم كما فعلت مع الإعلام الأجنبي خارج حدود البلاد. هذه المساعي التي جاءت في صورة اتصالات هاتفية أو رسائل ومقالات لرموز الدولة تحمل وجهة نظر الحكومة في الأزمة وتُنحّي الأصوات المخالفة جانبًا إما تطوعًا من إدارة الجريدة أو المنصة وقيادتها التحريرية، وإما بممارسة الإرهاب الفكري من قِبَل حكومة ماكرون.

لكن الهجوم الذي طال فانسن جيسير -العالم السياسي الفرنسي- بسبب مقاله "هل تشعل فرنسا الإرهاب المسلم عن طريق محاولتها منعه؟" (21) في جريدة "نيويورك تايمز" لم يكن بالهيّن. قال جيسير: إن رفض المسلمين للعلمانية اليوم هو رفض للتفسير الأحْدَثِ والأكثرِ أيديولوجية له بعد أن صار غطاءً للعنصرية ضد المسلمين. وعلى الرغم من أن كلا المقالين لجريش وجيسير من نوعية الخطاب الذي ينتقده النظام الفرنسي، إلا أن المنبر الدولي الواسع في حالة جيسير أذكى العداوة، تمامًا كما في حالة ديالو التي تكتب في الجريدة الأمريكية نفسِها وتحظى بمتابعة أكثر من 150 ألف شخص لحسابها الشخصي على تويتر.

الجديرُ بالذكر أن وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية نشرت تغريدة على تويتر حملت نفس معنى مقال جيسير تساءلت فيها: "لماذا تُحرِّض فرنسا على الغضب في العالم الإسلامي؟"، قبل أن تحذفها سريعًا بدعوى استخدامها لمفردات ضعيفة للإعلان عن مقالة (22) تشرح الغضب الموجه لفرنسا في العالم الإسلامي. ومن غير المؤكد وجود ضغوط وراء قرار الحذف.

وحسب منظمة "مراسلون بلا حدود" (23) -فرنسية النشأة- فإن الاستقلالية التحريرية للصحافة الفرنسية "غير محمية بشكل كاف ضد تضارب المصالح" في ظل ميل رجال الأعمال إلى الاستحواذ على الإعلام والتأثير في الرأي العام بما يخدم مصالحهم. يتعرض الصحفيون أيضًا لمُناخ العَداء الذي يغذّيه السياسيون الذين يستخدمون لغة عدوانية، وللمضايقات على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يكونون أهدافًا مفضَّلة للمتصيدين من جميع الأنواع الذين يختبئون وراء شاشاتهم وأسماء مستعارة.

واتخذت أشكال التضييق على الصحافة في فرنسا صورًا عدة؛ بدءًا من وسائل التواصل الاجتماعي ومناخ عدائي يُغذيه السياسيّون بحملاتهم العدوانية، إلى المنع من التصوير أو مصادرة أجهزة، وفي بعض الأحيان وصلت إلى استدعاء صحفيين استقصائيين من قِبَل أجهزة المخابرات لاستجوابهم في مواضيع حساسة بشأن تحقيقاتهم الصحفية كما حدث مع الموقع الاستقصائي "ميديا بارت". ومع قانون "الأمن العام" المقترح، (الذي تراجعت الحكومة عن بعض بنوده أمام حدة الاحتجاجات) فمن المتوقع أن تتراجع حرية الصحافة في فرنسا.

 

 


[1] https://pressnewsagency.org/frances-dangerous-religion-of-secularism/

[2] https://orientxxi.info/magazine/a-censured-debate,4282

[3] https://www.politico.eu/article/frances-secularism-means-freedom-and-pr…

[4] https://www.nytimes.com/2020/11/15/business/media/macron-france-terrori…

[5] https://www.ft.com/content/8e459097-4b9a-4e04-a344-4262488e7754

[6] راجع المصدر الرابع 

[7] https://www.washingtonpost.com/opinions/2020/12/03/macrons-centrist-tol…

[8] https://twitter.com/RokhayaDiallo/status/1330964218384879616

[9] https://www.nouvelobs.com/teleobs/20201022.OBS35075/charlie-hebdo-pasca…

[10] https://www.washingtonpost.com/world/2020/12/02/macron-france-race-pres…

[11]https://www.washingtonpost.com/outlook/macron-france-reform-islam-paty/…

[12] https://www.washingtonpost.com/world/europe/france-police-michel-zecler…

[13] https://www.nytimes.com/2020/11/09/world/europe/france-austria-terroris…

[14] https://www.washingtonpost.com/opinions/2020/11/28/france-ambassador-ph…

[15] https://www.washingtonpost.com/opinions/2020/12/16/macrons-critics-need…

[16] راجع المصدر الرابع

[17] https://www.nytimes.com/2020/12/04/opinion/macron-terrorism-france.html

[18] https://breaknews.fr/fake-news-non-un-musulman-na-pas-ete-agresse-pour-…

[19] https://orientxxi.info/magazine/article4354

[20] https://orientxxi.info/magazine/article4279

[21] https://www.nytimes.com/2020/10/31/opinion/france-terrorism-muslims.html

[22] https://apnews.com/article/boycotts-paris-middle-east-western-europe-fr…

[23] https://rsf.org/en/france

 


 

المزيد من المقالات

ازدواجية التغطية الإعلامية الغربية لمعاناة النساء في العالم الإسلامي

تَعري طالبة إيرانية احتجاجا على الأمن، و70 في المئة من الشهداء في فلسطين نساء وأطفال. بين الخبرين مسافة زمنية قصيرة، لكن الخبر الأول حظي بتغطية إعلامية غربية واسعة مقابل إغفال القتل الممنهج والتعذيب والاعتقال ضد النساء الفلسطينيات. كيف تؤطر وسائل الإعلام الغربية قضايا النساء في العالم الإسلامي، وهل هي محكومة بازدواجية معايير؟

شيماء العيسائي نشرت في: 19 نوفمبر, 2024
صحفيو شمال غزة يكسرون عاما من العزلة

رغم الحصار والقتل والاستهداف المباشر للصحفيين الفلسطينيين في شمال غزة، يواصل "الشهود" توثيق جرائم الاحتلال في بيئة تكاد فيها ممارسة الصحافة مستحيلة.

محمد أبو قمر  نشرت في: 17 نوفمبر, 2024
كيف يقوض التضليل ثقة الجمهور في الصحافة؟

تكشف التقارير عن مزيد من فقدان الثقة في وسائل الإعلام متأثرة بحجم التضليل الذي يقوض قدرة الصحافة المهنية على التأثير في النقاشات العامة. حواضن التضليل التي أصبحت ترعاها دول وكيانات خاصة أثناء النزاعات والحروب، تهدد بتجريد المهنة من وظائفها في المساءلة والمراقبة.

Muhammad Khamaiseh 1
محمد خمايسة نشرت في: 11 نوفمبر, 2024
في السنغال.. "صحافة بلا صحافة"

شاشات سوداء، وإذاعات تكتم صوتها وصحف تحتجب عن الصدور في السنغال احتجاجا على إجراءات ضريبية أقرتها الحكومة. في البلد الذي يوصف بـ "واحة" الديمقراطية في غرب أفريقيا تواجه المؤسسات الإعلامية - خاصة الصغيرة - ضغوطا مالية متزايدة في مقابل تغول الرأسمال المتحكم في الأجندة التحريرية.

عبد الأحد الرشيد نشرت في: 5 نوفمبر, 2024
التضليل والسياق التاريخي.. "صراع الذاكرة ضد النسيان"

ما الفرق بين السادس والسابع من أكتوبر؟ كيف مارست وسائل الإعلام التضليل ببتر السياق التاريخي؟ لماذا عمدت بعض وسائل الإعلام العربية إلى تجريد حرب الإبادة من جذورها؟ وهل ثمة تقصد في إبراز ثنائية إسرائيل - حماس في التغطيات الإخبارية؟

سعيد الحاجي نشرت في: 30 أكتوبر, 2024
تهمة أن تكون صحفيا في السودان

بين متاريس الأطراف المتصارعة، نازحة تارة، ومتخفية من الرصاص تارة أخرى، عاشت الصحفية إيمان كمال الدين تجربة الصراع المسلح في السودان ونقلت لمجلة الصحافة هواجس وتحديات التغطية الميدانية في زمن التضليل واستهداف الصحفيين.

إيمان كمال الدين نشرت في: 28 أكتوبر, 2024
أدوار الإعلام العماني في زمن التغيرات المناخية

تبرز هذه الورقة كيف ركز الإعلام العماني في زمن الكوارث الطبيعية على "الإشادة" بجهود الحكومة لتحسين سمعتها في مقابل إغفال صوت الضحايا والمتأثرين بالأعاصير وتمثل دوره في التحذير والوقاية من الكوارث في المستقبل.

شيماء العيسائي نشرت في: 21 أكتوبر, 2024
الأثر النفسي لحرب الإبادة على الصحفيين

ما هي الآثار النفسية لتغطية حرب الإبادة على الصحفيين؟ وهل يؤثر انغماسهم في القضية على توازنهم ومهنيتهم؟ وماذا يقول الطب النفسي؟

أحمد الصباهي نشرت في: 18 أكتوبر, 2024
"أن تعيش لتروي قصتي"

في قصيدته الأخيرة، كتب الدكتور الشهيد رفعت العرعير قائلا "إذا كان لا بد أن أموت فلا بد أن تعيش لتروي قصتي".

لينا شنّك نشرت في: 15 أكتوبر, 2024
نصف الحقيقة كذبة كاملة

في صحافة الوكالة الموسومة بالسرعة والضغط الإخباري، غالبا ما يطلب من الصحفيين "قصاصات" قصيرة لا تستحضر السياقات التاريخية للصراعات والحروب، وحالة فلسطين تعبير صارخ عن ذلك، والنتيجة: نصف الحقيقة قد يكون كذبة كاملة.

Ilya U. Topper
إيليا توبر Ilya U. Topper نشرت في: 14 أكتوبر, 2024
النظام الإعلامي في السودان أثناء الحرب

فككت الحرب الدائرة في السودان الكثير من المؤسسات الإعلامية لتفسح المجال لكم هائل من الشائعات والأخبار الكاذبة التي شكلت وقودا للاقتتال الداخلي. هاجر جزء كبير من الجمهور إلى المنصات الاجتماعية بحثا عن الحقيقة بينما ما لا تزال بعض المؤسسات الإعلامية التقليدية رغم استهداف مقراتها وصحفييها.

محمد بابكر العوض نشرت في: 12 أكتوبر, 2024
عامٌ على حرب الإبادة في فلسطين.. الإعلام الغربي وهو يساوي بين الجاني والضحيّة

ما تزال وسائل إعلام غربية كبرى تثبت أنّها طرفٌ في حـرب الرواية، ولصالح الاحتلال الاسرائيلي.. في هذا المقال، يوضّح الزميل محمد زيدان كيف أن وسائل إعلام غربية كبرى ما تزال تطوّر من تقنيات تحيّزها لصالح الاحتلال، رغم انقضاء عام كامل على حرب الإبـادة في فلسطين.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 8 أكتوبر, 2024
حسابات وهمية بأقنعة عربية.. "جيش إلكتروني منظم"

أُغرقت منصات التواصل الاجتماعي بآلاف الحسابات الوهمية التي تزعم أنها تنتمي إلى بلدان العربية: تثير النعرات، وتلعب على وتر الصراعات، وتؤسس لحوارات وهمية حول قضايا جدلية. الزميلة لندا، تتبعت عشرات الحسابات، لتكشف عن نمط متكرر غايته خلق رأي عام وهمي بشأن دعم فئات من العرب لإسرائيل.

لندا شلش نشرت في: 6 أكتوبر, 2024
الذكاء الاصطناعي "المسلح".. "ضيف" ثقيل على منصات التدقيق

تعقدت مهمة مدققي المعلومات في حرب الإبادة الجماعية على فلسطين بعدما لجأ الاحتلال إلى توظيف الذكاء الاصطناعي بشكل مكثف لممارسة التضليل. كيف أصبح الذكاء الاصطناعي قادرا على التأثير زمن الحروب، وماهي خطة مدققي المعلومات لمواجهة هذا "الضيف الثقيل" على غرف الأخبار؟

أحمد العرجا نشرت في: 30 سبتمبر, 2024
رصد وتفنيد التغطيات الصحفية المخالفة للمعايير المهنية في الحرب الحالية على غزة

في هذه الصفحة، سيعمد فريق تحرير مجلة الصحافة على جمع الأخبار التي تنشرها المؤسسات الصحفية حول الحرب الحالية على غزة التي تنطوي على تضليل أو تحيز أو مخالفة للمعايير التحريرية ومواثيق الشرف المهنية.

مجلة الصحافة نشرت في: 23 سبتمبر, 2024
"مأساة" الصحفي النازح في غزة

بينما تقترب حرب الإبادة الجماعية في فلسطين من سنتها الأولى، ما يزال الصحفيون في غزة يبحثون عن ملاذ آمن يحميهم ويحمي عائلاتهم. يوثق الصحفي أحمد الأغا في هذا التقرير رحلة النزوح/ الموت التي يواجهها الصحفيون منذ بداية الحرب.

أحمد الأغا نشرت في: 22 سبتمبر, 2024
من الصحافة إلى الفلاحة أو "البطالة القسرية" للصحفيين السودانيين

كيف دفعت الحرب الدائرة في السودان العشرات من الصحفيين إلى تغيير مهنهم بحثا عن حياة كريمة؟ الزميل محمد شعراوي يسرد في هذا المقال رحلة صحفيين اضطرتهم ظروف الحرب إلى العمل في الفلاحة وبيع الخضروات ومهن أخرى.

شعراوي محمد نشرت في: 15 سبتمبر, 2024
حرية الصحافة بالأردن والقراءة غير الدستورية

منذ إقرار قانون الجرائم الإلكترونية بالأردن، دخلت حرية الرأي والتعبير مرحلة مقلقة موسومة باعتقال الصحفيين والتضييق على وسائل الإعلام. يقدم مصعب شوابكة قراءة دستورية مستندة على اجتهادات وأحكام تنتصر لحرية التعبير في ظرفية تحتاج فيها البلاد لتنوع الآراء في مواجهة اليمين الإسرائيلي.

Musab Shawabkeh
مصعب الشوابكة نشرت في: 8 سبتمبر, 2024
المصادر المجهّلة في نيويورك تايمز.. تغطية الحرب بعين واحدة

ينظر إلى توظيف المصادر المجهلة ضمن المعايير المهنية والأخلاقية بأنها "الخيار الأخير" للصحفيين، لكن تحليل بيانات لصحيفة نيويورك تايمز يظهر نمطا ثابتا يوظف "التجهيل" لخدمة سرديات معينة خاصة الإسرائيلية.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 5 سبتمبر, 2024
إرهاق الأخبار وتجنبها.. ما الذي عكر مزاج جمهور وسائل الإعلام؟

أبرزت دراسة  أجريت على 12 ألف بالغ أمريكي، أن الثلثين منهم يعترفون بأنهم "منهكون" بسبب الكم الهائل من الأخبار التي تقدم لهم. لماذا يشعر الجمهور بالإرهاق من الأخبار؟ وهل أصبح يتجنبها وتؤثر عليه نفسيا؟ وكيف يمكن لوسائل الإعلام أن تستعيد الثقة في جمهورها؟

عثمان كباشي نشرت في: 1 سبتمبر, 2024
كليات الصحافة في الصومال.. معركة الأنفاس الأخيرة

لا تزال كليات الصحافة في الصومال تسير بخطى بطيئة جدا متأثرة بسياق سياسي مضطرب. أكاديمية الصومال للإعلام الرقمي تحاول بشراكة مع الجامعات بناء صحفيي المستقبل.

الشافعي أبتدون نشرت في: 27 أغسطس, 2024
إسماعيل الغول.. سيرتان لرجل واحد

إلى آخر لحظة من حياته، ظل الزميل إسماعيل الغول، صحفي الجزيرة، يغطي جرائم الإبادة الجماعية في غزة قبل أن يغتاله الاحتلال. في هذا البروفايل، تتابع الزميلة إيمان أبو حية، سيرته الحياتية والمهنية التي تماهت فيه الصحافة بفلسطين.

إيمان أبو حية نشرت في: 25 أغسطس, 2024
كيف تستفيد الصحافة من أدوات العلوم الاجتماعية؟

حينما سئل عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو عن رأيه في مساهمة الضواحي في الانتخابات، أجاب أنه لا يمكن اختصار عقود كاملة من الاستعمار والمشاكل المعقدة في 10 دقائق. تظهر قيمة العلوم الاجتماعية في إسناد الصحافة حين تعالج قضايا المجتمع والسلطة والهوية في سبيل صحافة أكثر جودة.

رحاب ظاهري نشرت في: 21 أغسطس, 2024
عمر الحاج.. "التحول" الصعب من العطلة إلى بؤرة الزلزال

قبل أن يضرب زلزال عنيف مناطق واسعة من المغرب، كان عمر الحاج مستمتعا بعطلته، ليجد نفسه فجأة متأرجحا بين واجبين: واجب العائلة وواجب المهنة، فاختار المهنة. في تغطيته لتداعيات الكارثة الطبيعية، التي خلفت آلاف القتلى والجرحى، خرج بدروس كثيرة يختصرها في هذه اليوميات.

عمر الحاج نشرت في: 17 أغسطس, 2024