القصص الإنسانية الصحفية.. البحث عن التعاطف والتأثير

الإنسان كائن حكّاء بطبعه، والحكي أو القصُّ بكل أنواعه، خاصية إنسانية بارزة لازمته على مر الأزمنة، وقد ظلت شكلا من أشكال العيش اليومي، قبل أن تتحول فيما بعد إلى وسيلة من وسائل التعبير الإبداعي، من خلال القصص والحكايات الأدبية ثم الصحافة، كامتداد لفعل نقل الوقائع والأخبار، لكن بأهداف ووظائف تختلف عن نظيرتها في الأدب.

وواكب تقدّمَ الصحافة ووسائلها، تطورٌ في طرق اشتغالها بالقصة أيضا، حتى باتت القصص الصحفية تحتلّ حيّزًا مهمًّا في صحافة اليوم بأشكال جديدة وقوالب مختلفة، لعلّ أبرزها "القصص الإنسانية الصحفية" (Human interest stories) التي تحرّرت مع الصحافة الإلكترونية والشبكات الاجتماعية من قيود النصّ إلى فضاءات الصوت والصورة. 

وتعتبر القصص الإنسانية أو القصص ذات الاهتمام الإنساني في الصحافة، نوعا من القصص الصحفية يقدّم حكاية شخص أو مجموعة أشخاص، من خلال إبراز تجاربهم الحياتية العامة أو الخاصة، الإيجابية والسلبية، في قالب صحفي وإبداعي، مكتوب أو مصوّر. وتسعى القصة الإنسانية عبر التركيز على المكون الإنساني -كأبرز عنصر فيها- إلى تحقيق استجابات عاطفية لدى القراء، من خلال نقل تجربة ومشاعر الشخصية أو الشخصيات الرئيسية في علاقتها بحدث أو قضية، من أجل تعريف أو إشعار المتلقي بشأنها، إيمانًا منها بأنه حيثما وُجد الإنسان وُجدت قصصٌ تستحق أن تروى.

ويعرّف معجم "كولينز" القصة الإنسانية بأنها "قصة مكتوبة أو مصوَّرة عن أفراد ومشاعرهم"، وهو ما يؤكده معجم "أوكسفورد" الذي يعرّفها بأنها توجّه في الإعلام يثير اهتمام القراء أو المشاهدين، فينقل تجارب ومشاعر أفراد، ويخلق ارتباطا عاطفيًّا مع المتلقي.

من جانبه، يعتبر "مجتمع الصحافة" التابع لجامعة "كارديف" بالمملكة المتحدة، أنّ "في قلب كل قصة إنسانية، هناك أناس يشاركون قصصهم المتميزة، بطريقة عاطفية ومثيرة للاهتمام"، مبرزًا أنها تتطرق "لحالات أشخاص استطاعوا تجاوز مراحل صعبة أو مخيبة للآمال من حياتهم، أو حقّقوا إنجازات استثنائية أو أعمالَ شَجاعة، أو قصصًا طريفة أو غرائبية، أو قصصا عن الانفتاح على تجارب جديدة، ويكون التركيز خلالها دائما على الفرد".

المكوّن الإنساني.. "القصة وراء القصة"

تدخل القصص الإنسانية ضمن ما يسمى "الأخبار الخفيفة" (Soft news). وفي معظم الأحيان، تكون هي "القصة وراء القصة" بمعنى أنها القصة وراء حدث أو واقعة ما، لكن لا تتم معالجتها بالطريقة التقليدية في تقديم وبناء الخبر، بل دائما ما يتم إبراز الإنسان داخل هذه القصة، من خلال تأثيره في الأحداث أو تأثره بها.

وكمثال على هذا، عند نقل خبر إغلاق معمل بعد إفلاسه، ستذهب التغطية الإعلامية العادية إلى معالجة الموضوع من زاوية تقديم أسباب الإفلاس وتأثيرات الإغلاق على الوضع الاقتصادي والاجتماعي عبر تقديم أرقام ومعطيات جافّة. في المقابل، تذهب القصة الإنسانية إلى المتضرّرين الرئيسيين من الواقعة، عبر عرض قصة إحدى العاملات كنموذج، وإبراز كيف تأثرت نفسيًّا وماديًّا من الوضع، والصعوبات الحياتية التي تعانيها بعد التوقف عن العمل الذي كان مصدر رزق أسرتها الوحيد، وهو ما من شأنه جلب الاهتمام بالموضوع، حيث تبقى هذه المقاربة -من خلال اقترابها من الإنسان- أكثر "استهلاكية"، وتملك قدرة كبيرة على صياغة الحدث، ولفت الانتباه إليه.

من خلال ما سبق، يمكن استنتاج مجموعة من المميزات الخاصة بالقصة الإنسانية الصحفية، أهمّها أنّ أبرز عنصر فيها هو المكون الإنساني كعنصر أساسي في معالجة الموضوع، وأنّ الشخصية أو "بطل القصة" هو عمودها الناظم، والمعلومات التي تتضمنها تحوم في أغلبها حوله، بينما تخدمه مختلف العناصر الأخرى.

القصة الإنسانية تقضي على الحواجز، وتسمح للناس بتكوين روابط مع القصة عبر التقمص العاطفي الذي يُقصد به قدرةَ الشخص على أن يضع نفسه مكان شخص آخر عاطفيًّا ويفهم موقفه وأحاسيسه. ولهذه المسألة أهمية كبرى في الصحافة، ذلك أن تفاعل الأشخاص عاطفيا مع قصص الآخرين يرفع من وعيهم ويشكّل وجهة نظرهم، ويساعدهم على إدراك التأثّر البشري الحقيقي في عدد من القضايا، بدءًا من السياسات والمشاكل المحلية، وصولا إلى الحروب الدولية والقضايا الإنسانية الكبرى كالكوارث الطبيعية.

نجد أيضًا أنّ القصة لا تجيب بالضرورة عن الأسئلة الستة، بل يمكن أن تجيب فقط عن بعضها، مثل: من وماذا وأين؟ ويمكن تسجيل أنها تتقاطع في عدد من الخصائص مع أجناس صحفية أخرى -خصوصًا البروفايل (البورتريه) والريبورتاج- في عناصر السردية والصور المشهدية والوصف. 

تحمل القصة الإنسانية بصمة كاتبها الذي عايشها وكتب عنها في المرة الأولى، حيث إنه عندما يعاد إنجازها أو تحريرها من شخص آخر، قد تفقد قيمتها وعفويتها. كما تتميّز بالليونة، حيث يمكن أن تشتغل على مواضيع من مختلف المجالات والأبواب الصحفية، وأن تتخذ أشكالا متعددة.

كما أنّ مصدر القصص الإنسانية هو الواقع، وينبغي ألا تكون هذه القصص من محض خيال الصحفي وإبداعه، وإلا حُرّفت عن مسارها وأصبحت قصة أدبية أو فيلما قصيرًا. ويتم اختيار الأحداث والمواضيع التي ستتطرق إليها انطلاقا من القيم الإعلامية، كالجدّة والغرابة والأهمية.

 

من الصحف الشعبية إلى "الصحافة الجديدة"

يُرجع باحثون بدايات الاشتغال بالقصص ذات الاهتمام الإنساني إلى الصحافة الأميركية (3)، خصوصا صحف ومجلات القرن التاسع عشر، التي ظهرت مع "الصحف الشعبية" (PENNY PRESS) بالولايات المتحدة بداية من العام 1830، ثمّ تطورت بشكل أكبر مع ما يسمى "الصحافة الصفراء" وجمهورها العريض بداية من العام 1890، والتي اعتمدت بشكل كبير على "أنسنة الأخبار" بالتركيز على قصص تتمحور حول تجارب الفرد اليومية والغرائبية، وتتتبّع الأخبار الخاصة للشخصيات العمومية. 

وبلغ الاشتغال بالقصة الإنسانية في الصحافة الأميركية ذروته بين عامي 1960 و1970 مع ما يسمى "الصحافة الجديدة" (NEW JOURNALISM) التي عمدت إلى توظيف تقنيات الكتابة الأدبية في الصحافة بالاعتماد على الدراسات التي توصلت إليها الأبحاث العلمية في هذا المجال. 

السوسيولوجية والباحثة في مجال القصص ذات الاهتمام الإنساني هيلين هوغز، أنجزت دراسة عام 1940 لتعقّب أصول الاهتمام الإنساني في الصحافة، وكشفت أن صحيفة "ذي صن" التي تأسست في مدينة نيويورك عام 1833، لصاحبها الناشر بنجامين داي، كانت من أوائل الصحف التي تبنّت توجّه "أنسنة الأخبار". 

وحسب صاحبة كتاب "القصة الإنسانية والأخبار"، فإن اشتغال الصحيفة بهذا النوع من الأخبار أدّى إلى تحقيقها نجاحا فوريًّا من خلال زيادة انتشارها وأرباحها، مما دفع عددًا من الصحف الأخرى إلى اتباع نفس التوجه، مثل صحيفة "نيويورك هيرالد" عام 1935، وهو ما وسّع بالتالي المساحات التي تغطيها الأخبار. 

 

أهمية القصة الإنسانية في العمل الصحفي

في إعلام تكثر وتتكرّر فيه أخبار الحروب والكوارث، يمكن القول إنّ معظم التقارير الإخبارية أفرِغت من روحها وعمقها الإنساني، حتى صارت مجرّد "عدّادات" لأرقام المصابين وحجم الخسائر، مما خلق نوعًا من التطبيع بين القارئ أو المشاهد وبين صور الموت والخراب، فأصبح يمرّ على هذه الأخبار بدون مبالاة أو أي تأثّر أو تفاعل. من هنا تبرز الأهمية الكبرى للقصص الإنسانية الصحفية في تغطية الأزمات الدولية والإنسانية، حيث تقدّم هذه الأخيرة حالات إنسانية تعرض معاناتها وتضرّرها مما يقع حولها من الأحداث. 

أثبتت العديد من الدراسات أنه كلما اقتربت تغطية الأخبار والأحداث من الإنسان، وروت قصصه وتجاربه، نجاحاته ونكساته، كان تأثيرها ووقعها أكبر وأكثر فاعلية من الأخبار "الجامدة"، أو التي لا تولي أهمية للإنسان في تأثّره بالأحداث أو تأثيره فيها. ومن بين هذه الدراسات أبحاث في الصحافة الأميركية، تظهر أنّ الأميركيين منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 أصبحوا أكثر اهتمامًا بالقصص التي تحمل جوانب إنسانية، والتي تتوجه بشكل أكبر نحو تغطية القصص الإنسانية وتحوم حول تفاصيل حياة الآخرين.

وتبرز قيمة وأهمية "أنسنة الأخبار" -خصوصا في مناطق النزاعات والحروب- في قدرتها الكبيرة على نقل الصورة الحقيقية لهذه الأحداث، وإسماع صوت المتضررين الرئيسيين فيها. ولكون العنصر الإنساني مكوّنا كونيا، فإنها تخترق الحدود الجغرافية وتستمر مع الزمن، شاهدةً على الأحداث.

 

القصص الإنسانية والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي

أنجزت باحثتان فلسطينيتان دراستين إعلاميتين حول المقاربة الإنسانية للأخبار في الصحافتين الفلسطينية والإسرائيلية، أظهرتا "تفوّق الصحافة الإسرائيلية على نظيرتها الفلسطينية في تغطية الصراع بينهما، وفي التأثير بشكل أكبر في الرأي العام الدولي، من خلال اعتمادها على القصص الصحفية وأنسنة الأخبار".

الباحثة شذى دجاني أنجزت دراسة على 600 مادة صحفية نشرت عن وفاة 38 فلسطينيا، موزعة بين أكثر المواقع الإخبارية الفلسطينية قراءةً، وأخضعتها لاستمارة تحليل المضمون الكمي. وتبيّن في الدراسة أن الإعلام الفلسطيني يعتمد أكثر على الخبر المجرد، ومن ثم على الإحصائيات في تغطية أخبار الضحايا، حيث وصلت نسبة الأخبار المجردة التي نشرتها المواقع الإخبارية الفلسطينية عنهم 47%، بينما كانت نسبة وجود قصص صحفية مؤنسنة 2% فقط.

من جانبها أعدت الباحثة الثانية أصالة أبو حديد دراسة بعنوان "تغطية المواقع العبرية للقتلى الإسرائيليين خلال الهبة الحالية"، رصدت فيها 1225 مادة صحفية نُشرت عن 27 قتيلا إسرائيليا، موزعة بين أكثر المواقع الإخبارية الإسرائيلية تصفحًا. وتوصلت إلى أن هذه المواقع العبرية "أنْسَنَت" القتلى الإسرائيليين عن طريق تسليط الضوء على النواحي العاطفية والإنسانية في حياة القتيل وعائلته بنسبة 70% من المواد المنشورة عنهم. كما تحدثت قرابة 61% من المواد عن معاناة هؤلاء القتلى وعائلاتهم، وعن أحلامهم وطموحاتهم قبل الموت، وهو ما يظهر اشتغال الصحافة الإسرائيلية المكثف على القصص الإنسانية، واهتمامها بالجانب الإنساني في تغطيتها للموضوع، وتغييب كل ما له علاقة بالحرب.

 

قضية اللاجئين السوريين

تحظى قضايا اللاجئين بمتابعة خاصة من طرف المؤسسات الإعلامية الأجنبية أو المنظمات الدولية، خصوصا بعد أزمة اللاجئين السوريين في أوروبا، والمشاكل التي رافقت هذا الموضوع. وخلال تغطية هذا الحدث، لعبت القصص الإنسانية دورا كبيرا في التأثير على الرأي العام الأوروبي. 

في هذا الصدد، كشفت صحيفة "الغارديان" في افتتاحية لها أن القصص التي يواجهها اللاجئون الفارون من مناطق الحرب في الشرق الأوسط خلال محاولاتهم الوصول إلى أوروبا عن طريق البحر أو البر، وما يتعرضون له من مآسٍ وصعوبات أثناء فرارهم وعبورهم الحدود؛ هي ما يحرك مشاعر التعاطف في أوروبا والعالم، وليس الأخبار التي تتناول إحصاءات وأرقاما بشأن أعدادهم. ورغم معرفة الناس بعمليات الهجرة واللجوء والفرار من مناطق النزاعات في الشرق الأوسط، فإن صورة واحدة كانت كفيلة بتغيير المواقف ونقل الوضع المأساوي المؤلم للاجئين.

كما كشفت الصحيفة أنه نتيجة التحول المدهش في معالجة بعض الصحف الشعبية البريطانية، كان التغير واضحا في تجاوب الشعب البريطاني في التضامن مع مأساة ومعاناة هؤلاء اللاجئين أثناء استمرار تدفقهم على أوروبا، حيث أصبح لدى البريطانيين تعاطف مع قضية اللاجئين ونوع من التقبل والمساعدة، وذلك بفعل قصص تنقل تجاربهم مع الحرب. 

وأعدت الباحثة حسناء حسين دراسة بعنوان "قضية اللاجئين في الخطاب الإعلامي الأوروبي.. السياقات والأهداف"، حللت فيها تعامل الصحافة الأوروبية مع قضية اللاجئين. وكشفت الدراسة أن الصحف اليسارية، مثل "ليبراسيون" الفرنسية و"دير شبيغل" الألمانية، ركزت في تغطيتها على الجانب الإنساني العاطفي، بعيدا عن الجوانب السياسية والاقتصادية التي ركّزت عليها تغطية وسائل الإعلام اليمينية. وبرز توجه الصحيفتين من خلال تسليط الضوء على الأوضاع الصعبة والمضايقات والاعتداءات التي واجهها اللاجئون، سواء في بلدانهم الأصلية أو في بلدان اللجوء().

وهذا ما أكّدته عناوين صحيفة "ليبراسيون"، مثل: "مهاجرون على شفير الهاوية، وصور طافية"، و"مهاجرون في باريس: أوضاعنا تشبه الاعتقال"، و"المجر: أوروبا مغلقة.. أنت سوري ليس عليك إلا أن تعود لسوريا". كما نشرت "دير شبيغل" عناوين مثل: "بؤس المهاجرين.. جزيرة كوس اليونانية تترك اللاجئين لمصيرهم"، و"فوضى اللاجئين في مقدونيا.. حياة النساء والأطفال مهدَّدة بشكل خطير"، و"الوجه الأسود للمنفى.. تجارة الموت وتهريب البشر"، و"حارات مقفلة.. مراكز إيواء طالبي اللجوء تحت العنف".

 

القصص الإنسانية والمنظمات الدولية

جانب آخر يُبرز أهمية القصص الإنسانية في الصحافة وهو استخدامها من طرف المنظمات الدولية غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، في تغطيتها الصحفية لقضايا الهجرة واللاجئين ومناطق النزاع والحروب، حيث أدركت هذه المؤسسات قدرتها الكبيرة في إثارة مشاعر التعاطف والتضامن، وتبسيط القضايا المعقدة والمشاكل الكونية وتقريبها للمتابع، لتشكيل وعي بخصوصها.

ونجد هذه القصص الإنسانية منتشرة على البوابات الصحفية لمنظمات دولية عدة، مثل اليونيسيف، واليونسكو، وعلى الموقع الرسمي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أو على شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين" التابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

 

نقاش المزايا والعيوب

إجمالا، يمكن القول إنّ القصص الإنسانية استطاعت إيجاد مكان لها بين الأجناس والأشكال الصحفية الأكثر انتشارًا، وصارت تلقى تفاعلا كبيرا في صفوف المتابعين، خصوصا بعدما انتقلت من الصحافة المكتوبة إلى قصص الفيديو على الصحافة الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي.

ففي ظل الكم الهائل من المعلومات والأخبار المتوفرة اليوم، لم تعد مسألة البحث عن السبق الصحفي بذات الأهمية، ولا تشكل هاجسا رئيسيا للمؤسسات الإعلامية كما كان عليه الحال في السابق، ذلك أن ما يهم الآن لجذب القارئ هو طريقة معالجة الحدث، والكيفية التي يقدم بها، ويَظهرُ أن تقديمه في قالب إنساني من أفضل وأنجع الوسائل لتحقيق التميز سواء بالنسبة للصحفي أو للمؤسسة الإعلامية.

غير أنّه برغم كل المزايا السالفة الذكر، تُسجَّل انتقادات عديدة للاشتغال بالقصص الإنسانية، إذ هناك من يعتبر أنها تذهب إلى "تسليع" الإنسان وتعامله كأي بضاعة أخرى، من أجل خدمة قضايا وتوجهات سياسية محددة، عبر التأثير على الرأي العام سلبًا، دون خدمة القضية الأساسية للموضوع المعالج، الأمر الذي ينطبق كذلك على بعض المنظمات التي تُتاجر في قضايا ومعاناة الآخرين من أجل جمع الأموال والمساعدات.

من جهة ثانية، تستدعي بعض المؤسسات الإعلامية "حالات إنسانية" بغية تحقيق نسب متابعة عالية، خارقةً قيمَ وأخلاقيات العمل الصحفي خلال مختلف مراحل الإنجاز، حيث لا تحترم خصوصيات هذه الحالات، وفي حالات كثيرة تستغل ضعفها النفسي أو المادي. 

وبالمقابل، يمكن تسجيلُ أن المشكل ليس في القصة الإنسانية بحدّ ذاتها، بل في استعمالاتها، كما هو الحال مع أي وسيلة إعلامية أو جنس صحفي آخر، حيث يمكن استغلاله وتسخيره فيما يخدم الأدوار الحقيقية للصحافة أو عكس ذلك.

 

 

مراجع: 

1-  « Writing Human Interest Stories: A Guide », Center for Community Journalism (blog), 20 octobre 2016, https://www.communityjournalism.co.uk/resource/writing-human-interest-stories-a-guide/.
2- - «Human-Interest Story», TV Tropes, http://tvtropes.org/pmwiki/pmwiki.php/Main/HumanInterestStory.
3- Christopher H. Sterling, éd, Encyclopedia of journalism (Thousand Oaks, Calif: SAGE Reference, 2009).
P 729, 730. 
4- - أبحاث: الإعلام الإسرائيلي تفوق على الفلسطيني في "الأنسنة"، حديث اليوم  https://daytalk.net/post/28066.
5- المرجع السابق. 
6- المرجع السابق.
7-    حسناء حسين، قضية اللاجئين في الخطاب الإعلامي الأوروبي.. السياقات والأهداف،  
https://studies.aljazeera.net/ar/mediastudies/2015/12/201512239408698397.html 

 

المزيد من المقالات

تدقيق المعلومات والذكاء الاصطناعي والشراكة "الحذرة"

هل ستساعد أدوات الذكاء الاصطناعي مدققي المعلومات، أم ستضيف عليهم أعباء جديدة خاصة تلك التي تتعلق بالتحقق من السياقات؟ ما أبرز التقنيات التي يمكن الاستفادة منها؟ وإلى أي مدى يمكن أن يبقى الإشراف البشري ضروريا؟

خالد عطية نشرت في: 14 سبتمبر, 2025
نجونا… وبقينا على قيد الحياة!

في العادة يعرف الصحفيون بمساراتهم وصفاتهم المهنية، لكن يمنى السيد، الصحفية التي عاشت أهوال الحرب في غزة، تعرف نفسها بـ: ناجية من الإبادة. وربما يفسد أي اختصار أو تقديم عفوية هذه الشهادة/ البوح الذي يمتزج فيه الصحفي بالإنساني وبالرغبة الغريزية في النجاة..

يمنى السيد نشرت في: 10 سبتمبر, 2025
محمد الخالدي ومروة مسلم.. "منسيون" أنكرتهم الحياة وأنصفهم الموت

قتل الاحتلال الصحفيان محمد الخالدي ومروة مسلم ضمن نسق ممنهج لاستهداف الصحفيين، لكن في مسيرتهما المهنية واجها الإنكار وقلة التقدير. الزميلة ميسون كحيل تحكي قصتهما.

ميسون كحيل نشرت في: 4 سبتمبر, 2025
الصحافة ومناهج البحث الاجتماعية

عكس ما يشاع من تنافر نظري بين الصحافة والعلوم الاجتماعية، فإنهما يتداخلان على نحو معقد ومفيد لكليهما، خاصة بالنسبة للصحافة التي لا ينبغي أن تتعلق فقط بتغطية الحقائق، بل أن تنشغل أيضا بالتحقيق بشكل منهجي في الظواهر المجتمعية لإعلام الجمهور وتثقيفه. يجيب المقال عن سؤال محوري: كيف يمكن أن نُجسّر الهوة بين الصحافة والعلوم الاجتماعية؟

أحمد نظيف نشرت في: 2 سبتمبر, 2025
المحنة المزدوجة للصحفيين الفريلانسرز بغزة

لا يتوفرون على أي حماية، معرضون للقتل والمخاطر، يواجهون الاستهداف المباشر من الاحتلال، يبحثون عن حقوقهم في حدها الأدنى.. عن المحنة المزدوجة للصحفيين الفريلانسرز في غزة تروي الزميلة نور أبو ركبة قصة أربعة صحفيات وصحفيين مستقلين.

نور أبو ركبة نشرت في: 26 أغسطس, 2025
"لا أريدك صحفية يا ماما".. هل يملك صحفيو غزة ترف الغياب؟

هل يملك الصحفي الفلسطيني في غزة حرية "الغياب"؟ وكيف يوازن بين حياته المهنية والعائلية؟ وإلى أي مدى يمثل واجب التغطية مبررا لـ "التضحية" بالأسرة؟ هذه قصص ترويها الزميلة جنين الوادية عن تفاصيل إنسانية لا تظهر عادة على الشاشة.

Jenin Al-Wadiya
جنين الوادية نشرت في: 24 أغسطس, 2025
اللغة تنحاز: كيف روت الصحافة السويدية حرب غزة؟

أظهرت نتائج تحقيق تحليلي أنجزته أنجزته صحيفة Dagens ETC على عينة من 7918 مادة خبرية منشورة في بعض المؤسسات الإعلامية السويدية انحيازا لغويا واصطلاحيا ممنهجا لصالح الروائية الإسرائيلية حول حرب الإبادة الجماعية المستمرة على غزة.

عبد اللطيف حاج محمد نشرت في: 19 أغسطس, 2025
الصحفي الفلسطيني كعدو "يجب قتله" في الإعلام الإسرائيلي

بعد اغتيال الصحفي أنس الشريف، ظهر الصحفي الفلسطيني في الإعلام الإسرائيلي كهدف عسكري مشروع ضمن إستراتيجية مصممة لإسكات شهود الحقيقة. يرصد هذا المقال جزءا من النقاشات في مؤسسات إعلامية عبرية تحرض وتبرر قتل الصحفيين في غزة.

Anas Abu Arqoub
أنس أبو عرقوب نشرت في: 14 أغسطس, 2025
تقاطعات الصحافة والعلوم الاجتماعية في الميدان

يمثل الميدان ذروة التقاطع بين الصحافة والعلوم الاجتماعية والإنسانية، ومع تعقد الظواهر، يرتدي الصحفي في الكثير من الأحيان عباءة السوسيولوجي دون أن يتخلى عن جوهر المهنة في المساءلة والبحث عن الحقائق المضادة لكل أشكال السلطة. إن هذا "اللجوء" لأدوات ومعارف العلوم الاجتماعية، يحسن جودة التغطية ويؤطر القصص بسياقاتها الأساسية.

Mohammed Ahddad
محمد أحداد نشرت في: 10 أغسطس, 2025
فيليب ماير وولادة "صحافة الدقّة".. قصّة كتاب غيّر الصحافة الأمريكية

شهدت الصحافة منذ ستينيات القرن الماضي تحولًا نوعيًا في أساليبها وأدواتها، كان من رواده الصحفي والأكاديمي الأمريكي فيليب ماير، فيما عُرف لاحقًا بـ"صحافة الدقة". في هذا المقال، نعود إلى كتاب ماير الموسوم بالعنوان ذاته، والذي قدّم فيه دعوة جريئة لتبني أدوات البحث العلمي في العمل الصحفي، خاصة تلك المشتقة من حقل العلوم الاجتماعية.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 3 أغسطس, 2025
رصد وتفنيد التغطيات الصحفية المخالفة للمعايير المهنية في الحرب الحالية على غزة

في هذه الصفحة، سيعمد فريق تحرير مجلة الصحافة على جمع الأخبار التي تنشرها المؤسسات الصحفية حول الحرب الحالية على غزة التي تنطوي على تضليل أو تحيز أو مخالفة للمعايير التحريرية ومواثيق الشرف المهنية.

Al Jazeera Journalism Review
مجلة الصحافة نشرت في: 31 يوليو, 2025
واشنطن بوست أو حين تصبح اللغة غطاء للانحياز إلى إسرائيل

كيف اختلفت التغطية الصحفية لواشنطن بوست لقصف الاحتلال لمستشفيات غزة واستهداف إيران لمستشفى إٍسرائيلي؟ ولماذا تحاول تأطير الضحايا الفلسطينيين ضمن "سياق عملياتي معقد؟ ومتى تصبح اللغة أداة انحياز إلى السردية الإسرائيلية؟

Said Al-Azri
سعيد العزري نشرت في: 30 يوليو, 2025
القصة الإنسانية في غزة.. الحيرة القاتلة "عمن نحكي"!

في سياق تتسارع فيه وتيرة الإبادة الجماعية، هل يتجاوز "إيقاع" الموت بغزة قدرة الصحفيين على معالجة القصص الإنسانية؟ وكيف يطلب منهم التأني في كتابة القصص في ظروف الجوع والنزوح والموت؟ وإلى أي حد يمكن أن يشكل التوثيق اللاحق للحرب قيمة صحفية في حفظ الذاكرة الجماعية وملاحقة الجناة؟

Mirvat Ouf
ميرفت عوف نشرت في: 28 يوليو, 2025
معركة أن يبقى الصحفي حيا في غزة

صحفيون جوعى يغطون أخبار التجويع في غزة، يتناولون الملح للبقاء أحياء، يبيعون وسائل عملهم لتوفير "كيس دقيق" لأبنائهم"، يتحللون من "خجل" أن يطلبوا الغذاء علنا، يقاومون أقسى بيئة إعلامية للحفاظ على "التغطية المستمرة"..

Mona Khodor
منى خضر نشرت في: 24 يوليو, 2025
المجتمع العربي والصحافة الاستقصائية.. جدلية الثقافة والسلطة والمهنة

عندما تلقت صحيفة بوسطن غلوب الأمريكية أول بلاغ عن تعرض طفل لانتهاك جنسي داخل إحدى الكنائس الكاثوليكية تجاهلت الصحيفة القصة في البداية، رغم تكرار البلاغات من ضحايا آخرين.

Musab Shawabkeh
مصعب الشوابكة نشرت في: 20 يوليو, 2025
الإعلام الرياضي في الجزائر.. هل أصبح منصة لنشر خطاب الكراهية؟

كيف انتقل خطاب الكراهية الرياضي في الجزائر من الشارع إلى مؤسسات الإعلام؟ وهل تكفي التشريعات القانونية للحد من تغذية الانقسام داخل المجتمع؟ وإلى أي مدى يمكن أن يلتزم الصحفيون بالموضوعية في ظل ضغوط شديدة من الجمهور؟ الصحفية فتيحة زماموش تحاور صحفيين رياضيين وأساتذة جامعيين، للبحث في جذور هذه الظاهرة.

فتيحة زماموش نشرت في: 15 يوليو, 2025
من "إعلان وفاة" إلى "مرثية".. "النعي" وقد أصبح نمطا صحفيا

أصبح النعي الإعلامي للشخصيات العامة المؤثرة نمطا/ جنسا صحفيا راسخا في الكثير من المؤسسات الإعلامية العالمية يتولاه كبار الصحفيين وأكثرهم خبرة ومعرفة. كيف تطورت هذه الممارسة وما أبرز سماتها المهنية؟ وإلى أي مدى يعتبر "تجهيز" النعي المسبق مقبولا من زاوية المعايير الأخلاقية؟

Mahfoud G. Fadili
المحفوظ فضيلي نشرت في: 13 يوليو, 2025
التحيّز بالحذف.. كيف تُفلتَر جرائم الاحتلال الإسرائيلي في وسائل إعلام غربية؟

لا تكتفي وسائل الإعلام الغربية في تغطيتها للحرب على غزة بالانحياز في اختيار ما تنشر، بل تمارس شكلاً أعمق من التحيز: التحيز عبر الحذف. الشهادات تُقصى، والمجازر تُهمش، وتُعاد صياغة الرواية لتخدم سردية واحدة. في هذا المقال، يتناول الزميل محمد زيدان عمل "حرّاس البوابة" في غرف التحرير الغربية، ومساهمتهم المباشرة في تغييب الصوت الفلسطيني، وتثبيت الرواية الإسرائيلية.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 7 يوليو, 2025
عبء ترامب.. كيف تغطي وسائل الإعلام تصريحات الزعماء الكاذبة؟

لماذا يطلق ترامب تصريحات غير دقيقة؟ وهل تعتبر المؤسسات الإعلامية شريكة في التضليل إذا لم تتحقق منها؟ وكيف تصدت وسائل الإعلام خاصة الأمريكية لهذا الموضوع؟ وما الطريقة المثلى التي يجب أن تتبعها وسائل الإعلام في تغطيتها لتصريحات ترامب؟

Othman Kabashi
عثمان كباشي نشرت في: 5 يوليو, 2025
من رواند إلى فلسطين.. الإعلام شريكا في الإبادة الجماعية

يتزامن يوم 4 يوليو من كل سنة مع يوم التحرير في رواندا الذي يؤرخ لإنهاء حرب الإبادة الجماعية ضد التوتسي. يشرح المقال أسباب التجاهل الإعلامي للإبادة الجماعية وكيف أخفقت الصحافة في المساهمة في منع الإبادة الجماعية، كما يقدم رؤية نقدية عن إعادة إنتاج نفس الممارسات في تغطيتها لحرب الإبادة الجماعية على فلسطين.

Mohammed Ahddad
محمد أحداد نشرت في: 4 يوليو, 2025
تدريس الصحافة والعلوم الاجتماعية.. خصومة راسخة؟

في شمال الضفة الغربية، عاش طلبة الصحافة تجربة مختلفة مع "بدو الأغوار" لمدة ثلاثة أيام، جربوا فيها الاشتباك بالميدان في سياق ممارسة "الصحافة بالمجاورة" تحت إشراف الدكتور منير فاشة. خارج قاعات الدرس اختبر الطلبة أدوات قادمة من العلوم الاجتماعية رغم أن دراسات موثقة تبرز الخصومة الراسخة بين تدريس الصحافة في تقاطعها مع العلوم الاجتماعية والإنسانية.

سعيد أبو معلا نشرت في: 29 يونيو, 2025
حسن إصليح.. "وكالة الأنباء" وصوت المهمشين الذي قتله الاحتلال

لا يمثل اغتيال الصحفي حسن إصليح من طرف الاحتلال الإسرائيلي حالة معزولة، بل نمطا ممنهجا يستهدف الصحفيين الفلسطينيين منذ بدء حرب الإبادة الجماعية. تقدم رشيدة الحلبي في هذا البروفيل ملامح من سيرة إصليح الصحفي والإنسان.

رشيدة الحلبي نشرت في: 25 يونيو, 2025
إجابات كبيرة في أماكن صغيرة أو نقد تاريخ السلطة!

هناك تاريخ السلطة، وهناك تاريخ المجتمع. بين هذين الحدين، بحث عمار الشقيري عن إجابات كبيرة في قرية صغيرة في الأردن هي "شطنا" متقصيا عن الأسباب السوسيولوجية لهجرة سكانها إلى المدن الكبرى. بعد فحص المصادر التاريخية وإجراء المقابلات، سرد قرنا كاملا من تاريخ القرية بمنظور "التاريخ المصغر".

عمار الشقيري نشرت في: 22 يونيو, 2025
كيف يصوغ الإعلام الغربي كارثة المجاعة في قطاع غزة؟

هل يمكن لوسائل الإعلام أن تخضع موضوع المجاعة في فلسطين للتوازن المهني حتى بعد إقرار المنظمات الأممية ومحكمة العدل الدولية بذلك؟ لماذا تفادت الكثير من وسائل الإعلام الغربية توصيفات قانونية وأخلاقية دقيقة، مثل "مجاعة" (famine) أو "تجويع " (starvation) ولجأت إلى تعابير فضفاضة مثل "نفاد الغذاء" أو "أزمة تغذية؟ ألا تنطوي هذه الممارسة على تحيز واضح لصالح الرواية الإسرائيلية وتبرير لسياسة "التجويع الممنهجة"؟

Fidaa Al-Qudra
فداء القدرة نشرت في: 18 يونيو, 2025