الألتراس المغربي.. من تشجيع رياضي إلى حركة احتجاجية 

أفضل مقال لجائزة الصحافة الرياضية

 

هم شباب مغاربة من فئات اجتماعية وثقافية مختلفة، معظمهم ينحدر من أوساط شعبية، اجتمعوا على حب وتشجيع فريق واحد، فضحَّوا كثيرا في سبيل مناصرته. لا تتحدد أعمارهم في عمر معين، وتختلف أجناسهم وأعراقهم وأصولهم، وعلاوة على شغف اللعبة الذي يتملكهم، فاختلافاتهم تتوحد وتتقوى لتكون روابط متماسكة ومشتركة. تؤطرهم مقومات عدة؛ كالوفاء والولاء وحس الانتماء، ومواثيق أخلاقية أخرى يستندون إليها في مبدأ التشجيع. هدفهم تقديم الدعم ومساندة الفريق بأسمى الأشكال وبأفضل الطرق والأساليب الممكنة على الإطلاق، للرفع من معنويات اللاعبين وإثارة الحماس في نفوسهم من جهة، وللتعبير عن الشعور بالمتعة والترويح عن النفس كمسعى ذاتي من جهة أخرى.

 

هم الألتراس، متملكو الشغف وروح الحماس والمنافسة وحب اللعبة حتى في جزئياتها. يظهر دورهم في تشجيع ودعم فريقهم رغم عدم الرضا أو الاستياء من جوانب أخرى. تجمعهم علاقة عاطفية قوية بالنادي، وعلى ضوئها تبرز ركيزة أساسية في مبدأ التشجيع وهي: الانتماء؛ فعضو الألتراس يعتبر نفسه جزءا من تشكيلة النادي وهويته، يتشبع بقناعة من خلالها يحس بضرورة تقديم الدعم لفريقه ومساندته، ولذلك أساسا يلقب باللاعب "رقم 12".

ففي الكثير من الأحيان لا نسمعهم يقولون "لقد فاز الفريق" أو "سيلعب الفريق"، لأن هذه العبارات وأخرى من قبيلها غير معترف بها في قاموس التشجيع، وفي المقابل نسمعهم دائما يرددون "لقد فزنا" أو "سنلعب" أو حتى "لقد خسرنا" في حالة تلقي الهزيمة. هذه العبارات الأخيرة لا تقال من فراغ، بل إنها نتاج للروابط القوية التي تأسست بين النادي وأعضاء الألتراس بتعاقب سنوات الولاء. يشعرون لا إراديا بأنهم عنصر مهم في الفريق وذلك لكثرة تعلقهم به إلى درجة الإدمان.

ويتجسد ولاء روابط الألتراس، عموما، في حجم الدعم الذي يقدمونه لأنديتهم في السراء والضراء، في لحظاتها الجيدة كما في ظروفها الصعبة. يعرفون بالانتماء القوي والولاء اللامحدود. غايتهم تأييد النادي وتشجيعه كيفما كانت النتائج. أما الشعور بالانتماء فيتمثل في الإحساس بالانتساب إلى النادي والتشبث به بشدة. وتتداخل في ذلك أيضا مشاعر أخرى كالحب الدائم والوفاء والإخلاص مع الرغبة في تكريسه من خلال تقديم الدعم باستمرار والرفع من معنويات الفريق. ولا يتوقف الشعور بالانتماء عند هذه الارتباطات العاطفية فحسب، بل يتجاوزها ليظهر بشكل يتناسب وهوية النادي؛ فالألوان والرموز والأغاني والشعارات التي تتغنى بها الألتراس هي أساليب تثبت الهوية وتقوي حس الانتماء. فعلى سبيل المثال فإن الألوان الموحدة التي يرتديها المشجعون تتخللها رسالة مفادها "إننا ننتمي إلى نفس الكيان"، تحيل على تميز الفريق وهويته البصرية.

وإذا ما بحثنا قليلا في صفحات التاريخ، سنجد أن ثقافة الألتراس قد انتشرت في العالم العربي بفضل الدول المغاربية. وظهرت أول مرة في النادي الإفريقي التونسي تحت ما يسمى بـ " African Winners" عام 1995، لتنتقل إلى باقي الأندية التونسية ثم بعدها إلى الأندية المغربية. وانتقلت تجربة شمال إفريقيا إلى بعض الدول الآسيوية كالأردن وسوريا، ومن ثم انتشرت ثقافة الألتراس في الوطن العربي وذاع صيتها.

في المغرب اقترن ميلاد فصائل الألتراس بسنة 2005، يتعلق الأمر بـ "Ultras Askary" الذي يساند فريق العاصمة الجيش الملكي، و"Green Boys" الذي يناصر فريق الرجاء البيضاوي، ثم الوداد البيضاوي مع "Ultras Winners" ليتوالى بعده ظهور فصائل ألتراس جديدة، ما جعل المنافسة تزداد احتداما بين جماهير الأندية المغربية.

 

وعلى غرار مجموعات الألتراس عبر العالم، فإن فصائلها بالمغرب تعتمد على التمويل الذاتي فيما يخص الرحلات والأنشطة. كما لا تقبل دعما ماليا من جهة معينة. في المقابل تحقق مردودا ماليا من خلال المساهمات الفردية لأعضائها أو عن طريق عائدات مبيعاتها التي تتمثل في الأعلام، القبعات والقفازات، الأقنعة والشارات... إلخ.

 

يعرف ألتراس المغرب باللمسة الإبداعية في ممارسة التشجيع، حيث تتزين المدرجات باللوحات الفنية أو ما يسمى بـ "التيفوهات" التي تضاهي شعارات الجماهير العالمية، وغالبا ما تحمل دلالات ورسوما معبرة أو رسائل مشفرة قد تخرج عن معناها الرياضي، لتكتسي الطابع السياسي والاجتماعي. فضلا عن الشعارات أو الأغاني التي تتغنى بها وترددها بصوت جماعي أثناء المباريات والتي تجاوزت أسوار المستطيل الأخضر لتلقى أصداء وتجاوبا في بلدان أخرى. واليوم لم تعد المنافسة قائمة بين فصائل الألتراس بالمغرب فقط من حيث القدرة الإبداعية والأنشطة الاحتفالية التي تغزو المدرجات، بل إنها تعدت وظيفتها التشجيعية الكلاسيكية المألوفة إلى أدوار أخرى لا زالت مثار نقاش في المجتمع. ما يدفعنا إلى إعادة النظر في جوهر الألتراس المغربي وامتداداته.

 

من أصوات صادحة إلى حركة اجتماعية

في الكثير من الأحيان إن لم نقل دائما، يتم تغييب الصبغة الإيجابية التي تكتسيها فصائل الألتراس داخل المجتمع، بل يتم طمس مجهوداتهم في الارتقاء بالأندية والنهوض بها سواء على المستوى المحلي أو العالمي. بل إننا لا نلجأ إلى الحديث عن مجموعات الألتراس إلا في مقام السلب؛ أي اختزال وظيفتهم في الجانب المظلم للتشجيع الرياضي، الذي يطبعه التعصب والعنف والكراهية وأعمال الشغب، إلى جانب الخروقات التي يعقبها توالي صرخات التحذير والدعوات المنددة بالتشجيع والمسيئة لصورة المشجع. وهذا ما اهتمت به تقريبا جل الدراسات في النطاق الرياضي، إضافة إلى النقاد والمحللين الرياضيين، دون تصويب النظر نحو أهميتهم وأدوارهم الكبرى في خلق أشكال الفرجة وإحياء إيقاعات المباريات، وتسويق الأندية وتطويرها وصناعة اللعبة بالأساس، باعتبارهم طرفا وازنا وعنصرا أساسيا في تأثيث المشهد الكروي.

 

 أضحت اليوم هذه المجموعات تتفاعل بطرق مختلفة مع الأندية واللاعبين واللعبة ذاتها. وقد تغيرت بشكل كبير عقلياتهم وسلوكياتهم، خاصة مع ظهور منصات التواصل الاجتماعي والوسائل التكنولوجية. لقد أصبحنا نتحدث عن حركة اجتماعية بقوة تأثيرية تروم التعبير عن الواقع المعاش للشاب المغربي والتنفيس عن احتقانه الاجتماعي، في معقل مدرجات لا تعرف قيودا للحرية. لذلك، نجحت فصائل ألتراس المغرب في صياغة توجهاتها وإسماع صيحاتها في إطار يوازن بين الفرجة والاحتجاج.

 

"في بلادي ظلموني"، عبارة قليلة الكلمات كثيرة الدلالات. ليست مجرد شعار بل إحدى الأغاني التي كتبها ولحنها جمهور نادي الرجاء الرياضي. فتجاوزت حدود المدرجات، لتتردد بصوت جماهير أندية أخرى. أطلقت في شهر مارس من سنة 2017 من طرف فصيل «Ultras Eagles»، وعرفت انتشارا سريعا على نطاق واسع، حيث تحمل دلالات اجتماعية تصب في معاناة المواطن المغربي وظروفه الحياتية والمعيشية. كما توجه عبرها رسائل إلى المسؤولين في الدولة بغية تحسين أوضاع الشباب المغربي والاعتناء بهم عوض" ملاحقتهم" و"سجنهم". وقد تكرر لحن هذا الاستياء الاجتماعي على ألسنة باقي فصائل الألتراس المغربية بكلمات مختلفة، نجدها في أغنية "قلب حزين" لفريق الوداد البيضاوي و"هادي بلاد الحكرة" (هذه بلاد الظلم) لجمهور اتحاد طنجة.

 

"أغاني الألتراس هي في حد ذاتها مقاومة ونضال من أجل الدفاع عن فئة من الشباب المغربي وإيصال صوته ومعاناته"، يقول مهدي (وهو شاب مغربي عشريني، وعضو بإحدى روابط الألتراس المحلية): "نريد أن نظهر لهم أننا موجودون واعون ومتفاعلون مع قضايا المجتمع لأننا جزء منه. وسنظل ندافع ونناضل دون التفريط في مبادئنا".

ولا يغيب الدور التحسيسي عن مجموعات الألتراس بالمغرب. وقد تجسد ذلك في مشاهد كثيرة، أبرزها الحملة الجماعية التي قادها ألتراس الجيش الملكي «Ultras Askary» لتوعية المواطنين المغاربة في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد، بالتحذير من مخاطر الوباء، مع توجيهم إلى اتباع كافة التعليمات والتدابير الوقائية الصادرة عن وزارة الصحة. وشملت هذه الحملة التحسيسية، التي وثقت ونشرت صورها على الحساب الرسمي للفصيل على الفيسبوك، مختلف الأحياء بالعاصمة الرباط، فضلا عن مدينتي سلا وتمارة، لا سيما الأماكن التي تعرف اكتظاظا كالشوارع، والأسواق التجارية، ومحطات النقل العمومي. كما عرفت توزيعا للقفازات الطبية والمطهرات الكحولية على بعض المواطنين.

ويوضح هشام بنتابت، صحفي رياضي مغربي مختص في كرة القدم، أن "الألتراس ليسوا كلهم بالصورة السيئة التي يتصورها البعض، صحيح هناك من يحيدون عن الصواب، لكن في المقابل يوجد أعضاء مثقفون، والمفاجأة أنك قد تجد الطبيب والأستاذ والمهندس وغيرهم من نخبة المجتمع المغربي في صفوف الألتراس، وهم يشكلون النواة التي تقود المجموعات وتؤطرها، لذلك تجدهم يساهمون في كل المناسبات الوطنية عبر حملات توعوية بل تتعداها إلى حملات اجتماعية مثل تقديم المساعدات إلى سكان القرى والجبال المعزولة في فترة الثلوج، وكذا في حملات التبرع بالدم. عموما كما للألتراس سلبيات، لها كذلك إيجابيات".

وتعكس هذه الحملات والمبادرات الوجه الآخر للأتراس المغربي، وكذلك توجههم الجديد الذي يغفل عنه أفراد المجتمع وعناوين الأخبار. ويدل على وعي الشباب المغربي المتنامي بالقضايا الاجتماعية. كما يكرس رغبتهم في المشاركة وتقديم الدعم الإنساني باستمرار، تأكيدا على انخراطهم في الحياة الاجتماعية.

 

 

منبر للتعبير الاحتجاجي

أهازيج حماسية، هتافات موحدة، حركات منسقة، لوحات وشعارات طيلة تسعين دقيقة قد لا تحمل كلمات الدعم والتشجيع فقط، وإنما خطابا مبطنا ورسائل سياسية مشفرة، تسرد مواقف الشباب المغربي من القضايا السياسية. فالألتراس كظاهرة لم تعد تقترن بالمجال الرياضي وحسب، بل باتت لها روافد تسري في باقي المجالات، حتى السياسية. أما المدرجات فقد تحولت من فضاءات للفرجة إلى ساحات لتفريغ هموم تلك الشريحة من الواقع.  والأكثر من ذلك، صارت الملجأ الوحيد للاحتجاج والنضال والتعبير عن الاختناق السياسي. ولعل كلمات أغنية "قلب حزين" لجمهور الوداد سنة 2019 تترجم الجروح النازفة للشباب المغربي، إذ تضمنت رسائل سياسية ومضامين احتجاجية قوية، تتناول قضية الهجرة السرية وكابوس البطالة ومشاكل الفساد والصحة والتعليم وغيرها.

وقد خلصت دراسة موسعة تحت عنوان "تمثلات الخطاب الاحتجاجي للأتراس في المغرب وتأثيراته السياسية" لأستاذ العلوم الاجتماعية سعيد بنيس إلى أن "دينامية الألتراس بالمغرب عرفت تحولا بارزا بعد سنة 2016، وهو تاريخ صدور قانون المنع، حيث بعد عودتهم إلى الملاعب صار خطاب الألتراس خطابا احتجاجيا؛ فانتقلت معه حلبات الرياضة إلى مواقع لتمرين سياسي للشباب، وعنوانا لانخراطهم في الصيرورة الاجتماعية والسياسية الوطنية والإقليمية. وترى الدراسة التي نشرت في العدد الثاني من مجلة لباب، الصادرة عن مركز الجزيرة للدراسات أن "كل هذه المظاهر ما هي إلا نتاج لمجموعة من التحولات الاجتماعية التي أنتجت تعبيرات جديدة وخطابا احتجاجيا مضادا في المغرب يجسده احتجاج الألتراس".

هي موجة من المواقف الغاضبة والخطابات الاحتجاجية التي أضحت تجتاح الملاعب المغربية، ليس فقط تعبيرا عن المشاكل الاجتماعية أو السخط السياسي، بل تفاعلا مع كبرى القضايا السياسية وقضايا الأمة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. ونستدعي هنا، على سبيل المثال، أغنية "رجاوي فلسطيني" التي حاكتها كلمات جمهور الرجاء، والتي جاءت تعبيرا عن التآزر والارتباط الوثيق بين المغرب والشعب الفلسطيني وتضامنا معه في الدفاع عن قضيته وقضية الأمة العربية الأولى. وقد حملت كلمات الأغنية رسائل مناهضة للصهيونية. كما أظهرت رغبة جماهير الرجاء في زيارة فلسطين ومساندة الشعب في تحرير القدس الشريف.

حلقت أغنية "رجاوي فلسطيني" خارج مدرجات الملاعب، لتجوب العالم العربي، وتلقت ترحيبا كبيرا من لدن الشعب الفلسطيني خصوصا والوطن العربي عموما، إذ تنم عن وعي الجمهور الأخضر بالقضايا السياسية سواء الوطنية أو العربية واهتمامه بمختلف المشاكل التي تمس المواطن العربي.

الواضح أن مجموعات الألتراس بالمغرب تطلق رسائل عديدة تشي بأنها أكثر وعيا بالمتغيرات السياسية، يتعلق الأمر بشباب تفطنوا للقضايا الوطنية أو تلك التي تشغل العالم، فبادروا بإنتاج مضامين احتجاجية تتخللها نزعة خطابية شديدة اللهجة، تحيل إلى تأثر شباب الفصائل بالوقائع والتحولات السياسية المتوالدة. ولا يقف التأثير عند ذلك بل يساهم في استقطاب الشباب. فكرة القدم إذا باتت تقرب المهوّسين بها من طاولة السياسة وليس إبعادهم عنها. ويظهر ذلك وبوضوح في المدرجات، حيث تأخذ الشعارات، أحيانا، أبعادا بعيدة عن القالب الرياضي.

 

 

القوة التسويقية والصدى العالمي

لا يمكن الحديث عن فصائل الألتراس المغربي دون الوقوف عند قوتهم التسويقية التي تتسيد المشهد الكروي، مساهِمةً في إنعاش الجسم الرياضي المحلي والنهوض به. فالأساليب الإبداعية التي غدت تكسو مدرجات الملاعب تلعب دورا كبيرا في تسويق صورة الأندية ومعها الكرة المغربية بالأساس.

قد لا يكون التسويق هدفا للألتراس المغربي، لكنه قد يكون نتيجة بعينها. صحيح أن هدفهم الأسمى هو تشجيع الفريق ومناصرته، لكن عروضهم المرئية تأخذ بعدا تسويقيا مكّن أنديتهم من اعتلاء مراتب متقدمة في تصنيف المواقع العالمية. ولا شك أن دربي العرب يرصد ذلك، ويلقب أيضا بالدربي الكبير أو دربي الدار البيضاء، وهو المواجهة التي تجمع بين قطبي الكرة المغربية "رجاء الشعب" و"وداد الأمة". لقب بدربي العرب، لأن الفريقين أوقعتهما القرعة في الدور السادس عشر من كأس محمد السادس للأندية الأبطال (2019/2020) والمعروف أيضا بكأس العرب.

ولم تكن أنظار الدربي موجهة نحو اللقاء ونتائجه بقدر ما كانت مصوبة نحو الجماهير وإبداعاتهم، حيث تألقت جماهير كلا الفريقين ليصل صداهم إلى باقي دول العالم. وقد تميز اللقاء عموما، بجودة الشعارات أو التيفوهات التي رفعها الفريقان في المقابلتين معا في معقل مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، فضلا عن الأغاني والهتافات والأهازيج التي لم تفارق الذهاب والإياب طيلة التسعين دقيقة.

وتتمثل الصيغ الأخرى في الشعارات أو كما تسمى بلغة الألتراس "التيفوهات"، تلك الرسوم الأخاذة أو اللوحات الإبداعية التي تطفو على مدرجات الملاعب وتزين جنباته، والتي غالبا ما تحمل بعدا إيحائيا تعبيريا يتماشى وطبيعة المباراة والخصم فضلا عن نوعية المسابقة (محلية، قارية..). أما خارج المدرجات، فنجد الرسوم الجدارية (الطاغات) التي تتخذ أشكالا تعبيرية فنية، قد تحيل إلى الهوية التاريخية والبصرية للنادي من جهة، كما قد تحمل رسائل مشفرة أو خطابات احتجاجية مضمرة تستهدف جهات معينة، من جهة أخرى.

قد يرى البعض أنها أساليب لا تعدو كونها هوسا وتعبيرا عن مشاعر ما، لكنها في حقيقة الأمر تساهم في تطوير الأندية المحلية وزيادة شعبيتها بل وزيادة الإقبال عليها من طرف الممولين والمستثمرين وشركات الرعاية. وتجدر الإشارة إلى أن الإبداع المحلي لهذه الفصائل قد يساهم بطريقة أو بأخرى في استمالة الجماهير الأجنبية واستقطابها، ومن ثم توسيع القاعدة الجماهيرية وتضخيمها. في هذا الصدد يقول عمر عبد الله، شاب مصري ومشجع وفيّ لنادي الأهلي، إنه من بين الأسباب التي جعلته يعشق نادي الرجاء الرياضي هي "الشعارات والأغاني التي يصدح بها الجمهور في المباريات وكذا التيفوهات اللافتة التي يرفعونها، بالإضافة إلى المستوى الذي أبان عنه الفريق في كأس العالم للأندية 2013، فضلا عن التعاون الذي يجمع بين إدارتي النادي الأخضر ونادي الأهلي".

وفي سياق آخر، انتشر سنة 2019 مقطع فيديو مباشر لفتاة أمريكية مشجعة وعاشقة لنادي الرجاء المغربي، تظهر فيه وهي تذرف دموعا وتبكي بحرقة لعدم قدرتها على الحصول على تذكرة لحضور مباراة النادي الأخضر ضد فريق الترجي التونسي، نظرا لنفاذها. كما ناشدت كل من يستطيع مساعدتها من أجل حضور اللقاء ومتابعته من داخل مدرجات ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء، وهو ما يبرز أن خلايا الألتراس المغربي تشكل عنصر قوة في الترويج لصورة الأندية وإذاعة صيتها.

الألتراس المغربي يشكل إذا قضية بعينها، باطنها وظاهرها رياضة لكن أبعادها اجتماعية سياسية وتسويقية. فرياضيا، تؤطرها روابط قوية ومتماسكة ذات نفوذ وتأثير، تعشق فريقها وألوانه حتى النخاع، تدعمه وتناصره في كل زمان ومكان بل وتضحي من أجله. اجتماعيا، تحتضن فاعلين مهوّسين بخدمة المجتمع، لا يفارقهم الحس الإنساني، تشغلهم المشاكل والتحديات الاجتماعية، حريصون على تقديم الدعم وإسماع صوت الشباب. سياسيا، تتبنى شبابا مناضلين وإن عجزوا عن تغيير الواقع، إلا أنهم واعون بالتحولات والمستجدات السياسية، يضبطون احتجاجهم على إيقاع المدرجات ويتطلعون لمغرب أفضل. تسويقيا، توحد حشودا جماهيرية تدون وتصدح، تتفنن وتبدع ليصل صداها إلى العالم. صحيح أن الألتراس ظاهرة رياضية لا تخلو من السلبيات، إلا أن طيفها الإيجابي لم يحظ بالقدر الكافي من المعالجة والبحث والتحليل، رغم التأثير الذي يوثقه.

 

 

المزيد من المقالات

العلوم الاجتماعيّة في كليّات الصحافة العربيّة.. هل يستفيد منها الطلبة؟

تدرس الكثير من كليات الصحافة بعض تخصصات العلوم الاجتماعية، بيد أن السؤال الذي تطرحه هذه الورقة/ الدراسة هو: هل يتناسب تدريسها مع حاجيات الطلبة لفهم مشاكل المجتمع المعقدة؟ أم أنها تزودهم بعدة نظرية لا تفيدهم في الميدان؟

وفاء أبو شقرا نشرت في: 18 مارس, 2024
عن إستراتيجية طمس السياق في تغطية الإعلام البريطاني السائد للحرب على غزّة

كشف تحليل بحثي صدر عن المركز البريطاني للرقابة على الإعلام (CfMM) عن أنماط من التحيز لصالح الرواية الإسرائيلية ترقى إلى حد التبني الأعمى لها، وهي نتيجة وصل إليها الباحث عبر النظر في عينة من أكثر من 25 ألف مقال وأكثر من 176 ألف مقطع مصور من 13 قناة تلفزيونية خلال الشهر الأول من الحرب فقط.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 13 مارس, 2024
صحفيات غزة.. حكايات موت مضاعف

يوثق التقرير قصص عدد من الصحفيات الفلسطينيات في قطاع غزة، ويستعرض بعضاً من أشكال المعاناة التي يتعرضن لها في ظل حرب الاحتلال الإسرائيلي على القطاع.

فاطمة بشير نشرت في: 12 مارس, 2024
عن العنف الرقمي ضد الصحفيات في الأردن

تبرز دراسة حديثة أن أكثر من نصف الصحفيات الأردنيات تعرضن للعنف الرقمي. البعض منهن اخترن المقاومة، أما البعض الآخر، فقررن ترك المهنة مدفوعات بحماية قانونية ومهنية تكاد تكون منعدمة. هذه قصص صحفيات مع التأثيرات الطويلة المدى مع العنف الرقمي.

فرح راضي الدرعاوي نشرت في: 11 مارس, 2024
الصحافة المرفقة بالجيش وتغطية الحرب: مراجعة نقدية

طرحت تساؤلات عن التداعيات الأخلاقية للصحافة المرفقة بالجيش، ولا سيما في الغزو الإسرائيلي لغزة، وإثارة الهواجس بشأن التفريط بالتوازن والاستقلالية في التغطية الإعلامية للحرب. كيف يمكن أن يتأثر الصحفيون بالدعاية العسكرية المضادة للحقيقة؟

عبير أيوب نشرت في: 10 مارس, 2024
وائل الدحدوح.. أيوب فلسطين

يمكن لقصة وائل الدحدوح أن تكثف مأساة الإنسان الفلسطيني مع الاحتلال، ويمكن أن تختصر، أيضا، مأساة الصحفي الفلسطيني الباحث عن الحقيقة وسط ركام الأشلاء والضحايا.. قتلت عائلته بـ "التقسيط"، لكنه ظل صامدا راضيا بقدر الله، وبقدر المهنة الذي أعاده إلى الشاشة بعد ساعتين فقط من اغتيال عائلته. وليد العمري يحكي قصة "أيوب فلسطين".

وليد العمري نشرت في: 4 مارس, 2024
في ظل "احتلال الإنترنت".. مبادرات إذاعية تهمس بالمعلومات لسكان قطاع غزة

في سياق الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وقطع شبكات الاتصال والتضييق على المحتوى الفلسطيني، يضحي أثير الإذاعة، وبدرجة أقل التلفاز، وهما وسيلتا الإعلام التقليدي في عُرف الإعلاميين، قناتين لا غنى عنهما للوصول إلى الأخبار في القطاع.

نداء بسومي
نداء بسومي نشرت في: 3 مارس, 2024
خطاب الكراهية والعنصرية في الإعلام السوداني.. وقود "الفتنة"

تنامى خطاب الكراهية والعنصرية في السودان مع اندلاع حرب 15 أبريل/ نيسان، وانخراط صحفيين وإعلاميين ومؤسسات في التحشيد الإثني والقبلي والعنصري، بالتزامن مع تزايد موجات استنفار المدنيين للقتال إلى جانب القوات المسلحة من جهة والدعم السريع من جهة أخرى.

حسام الدين حيدر نشرت في: 2 مارس, 2024
منصات تدقيق المعلومات.. "القبة الحديدية" في مواجهة الدعاية العسكرية الإسرائيلية

يوم السابع من أكتوبر، سعت إسرائيل، كما تفعل دائما، إلى اختطاف الرواية الأولى بترويج سردية قطع الرؤوس وحرق الأطفال واغتصاب النساء قبل أن تكشف منصات التحقق زيفها. خلال الحرب المستمرة على فلسطين، واجه مدققو المعلومات دعاية جيش الاحتلال رغم الكثير من التحديات.

حسام الوكيل نشرت في: 28 فبراير, 2024
كيف نفهم تصاعد الانتقادات الصحفية لتغطية الإعلام الغربي للحرب على قطاع غزّة؟

تتزايد الانتقادات بين الصحفيين حول العالم لتحيّز وسائل الإعلام الغربية المكشوف ضد الفلسطينيين في سياق الحرب الجارية على قطاع غزّة وكتبوا أنّ غرف الأخبار "تتحمل وِزْر خطاب نزع الأنسنة الذي سوّغ التطهير العرقي بحق الفلسطينيين"

بيل دي يونغ نشرت في: 27 فبراير, 2024
حوار | في ضرورة النقد العلمي لتغطية الإعلام الغربي للحرب الإسرائيلية على غزة

نشر موقع ذا إنترسيبت الأمريكي، الذي يفرد مساحة واسعة للاستقصاء الصحفي والنقد السياسي، تحليلا بيانيا موسعا يبرهن على نمط التحيز في تغطية ثلاث وسائل إعلام أمريكية كبرى للحرب الإسرائيلية على غزّة. مجلة الصحافة أجرت حوارا معمقا خاصا مع آدم جونسون، أحد المشاركين في إعداد التقرير، ننقل هنا أبرز ما جاء فيه.

مجلة الصحافة نشرت في: 25 فبراير, 2024
في فهم الفاعلية: الصحفيون وتوثيق الجرائم الدولية

إن توثيق الجرائم الدولية في النزاعات المسلحة يُعد أحد أهم الأدوات لضمان العدالة الجنائية لصالح المدنيين ضحايا الحروب، ومن أهم الوسائل في ملاحقة المجرمين وإثبات تورطهم الجُرمي في هذه الفظاعات.

ناصر عدنان ثابت نشرت في: 24 فبراير, 2024
الصحافة في زمن الحرب: مذكرات صحفي سوداني

منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في منتصف نيسان/أبريل 2023، يواجه الصحفيون في السودان –ولا سيما في مناطق النزاع– تحديات كبيرة خلال عملهم في رصد تطورات الأوضاع الأمنية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد جراء الحرب.

معاذ إدريس نشرت في: 23 فبراير, 2024
محرمات الصحافة.. هشاشتها التي لا يجرؤ على فضحها أحد

هل من حق الصحفي أن ينتقد المؤسسة التي يعمل بها؟ لماذا يتحدث عن جميع مشاكل الكون دون أن ينبس بشيء عن هشاشة المهنة التي ينتمي إليها: ضعف الأجور، بيئة عمل تقتل قيم المهنة، ملاك يبحثون عن الربح لا عن الحقيقة؟ متى يدرك الصحفيون أن الحديث عن شؤون مهنتهم ضروري لإنقاذ الصحافة من الانقراض؟

ديانا لوبيز زويلتا نشرت في: 20 فبراير, 2024
هل يفرض الحكي اليومي سردية عالمية بديلة للمعاناة الفلسطينية؟

بعيدا عن رواية الإعلام التقليدي الذي بدا جزء كبير منه منحازا لإسرائيل في حربها على غزة، فإن اليوميات غير الخاضعة للرقابة والمنفلتة من مقصلة الخوارزميات على منصات التواصل الاجتماعي قد تصنع سردية بديلة، ستشكل، لاحقا وثيقة تاريخية منصفة للأحداث.

سمية اليعقوبي نشرت في: 19 فبراير, 2024
شبكة قدس الإخبارية.. صحفيون في مواجهة الإبادة

في ذروة حرب الإبادة الجماعية التي تخوضها إسرائيل ضد غزة، كانت شبكة القدس الإخبارية تقاوم الحصار على المنصات الرقمية وتقدم صحفييها شهداء للحقيقة. تسرد هذه المقالة قصة منصة إخبارية دافعت عن قيم المهنة لنقل رواية فلسطين إلى العالم.

يوسف أبو وطفة نشرت في: 18 فبراير, 2024
آيات خضورة.. الاستشهاد عربونا وحيدا للاعتراف

في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 استشهدت الصحفية آيات خضورة إثر قصف إسرائيلي لمنزلها في بيت لاهيا شمالي القطاع، بعد ساعات قليلة من توثيقها اللحظات الأخيرة التي عاشتها على وقع أصوات قنابل الفسفور الحارق والقصف العشوائي للأحياء المدنية. هذا بورتريه تكريما لسيرتها من إنجاز الزميل محمد زيدان.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 16 فبراير, 2024
"صحافة المواطن" بغزة.. "الجندي المجهول" في ساحة الحرب

في حرب الإبادة الجماعية في فلسطين وكما في مناطق حرب كثيرة، كان المواطنون الصحفيون ينقلون الرواية الأخرى لما جرى. "شرعية" الميدان في ظروف حرب استثنائية، لم تشفع لهم لنيل الاعتراف المهني. هذه قصص مواطنين صحفيين تحدوا آلة الحرب في فلسطين لنقل جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال.

منى خضر نشرت في: 14 فبراير, 2024
السقوط المهني المدوي للصحافة الغربية في تغطيتها للإبادة الجماعية في فلسطين

بعد سقوط جدار برلين بشّر المعسكر الرأسمالي المنتشي بانهيار الاتحاد السوفياتي، بالقيم الديمقراطية في مقدمتها الحرية التي ستسود العالم. مع توالي الأحداث، أفرغت هذه الشعارات من محتواها لتصل ذروتها في فلسطين، حيث سقطت هذه القيم، وسقط معها جزء كبير من الإعلام الغربي الذي تخلى عن دوره في الدفاع عن الضحايا.

عبير النجار نشرت في: 12 فبراير, 2024
رواية فلسطين في وسائل الإعلام الغربية و"الأجندة المحذوفة"

تحاول هذه المقالة تقصّي ملامح الأجندة المحذوفة في المعالجة الإعلامية التي اعتمدتها وسائل الإعلام الغربية الرئيسية لحرب غزّة. وهي معالجة تتلقف الرواية الإسرائيلية وتعيد إنتاجها، في ظلّ منع الاحتلال الإسرائيلي مراسلي الصحافة الأجنبية من الوجود في قطاع غزّة لتقديم رواية مغايرة.

شهيرة بن عبدالله نشرت في: 11 فبراير, 2024
البرامج الحوارية في الولايات المتحدة.. التحيز الكامل للرواية الإسرائيلية

كشف تحليل كمّي جديد لمحتوى أربع برامج حوارية سياسية شهيرة في الولايات المتحدة طريقة المعالجة المتحيّزة لوقائع الحرب المدمّرة على قطاع غزّة، وبما يثبت بمنهجيّة علميّة مدى التبعيّة للرواية الإسرائيلية في الإعلام الأمريكي والتقيّد الصارم بها.

مجلة الصحافة نشرت في: 10 فبراير, 2024
ناقلو الحقيقة في غزة.. "صحفيون مع وقف الاعتراف"

أكثر من 120 صحفيا اغتالهم الاحتلال الإسرائيلي في غزة، واستهدف عائلاتهم ومنازلهم، بينما ما تزال بعض المنظمات والنقابات تعتمد منهجية تقليدية تنزع الاعتراف المهني عن الكثير من ناقلي الحقيقة من الميدان. منسيون يقاومون الحصار الإعلامي المضروب على الرواية الفلسطينية، "غير مشاهير"، وأبطال بلا مجد في جبهات القتال، تروي لندا شلش قصصهم.

لندا شلش نشرت في: 7 فبراير, 2024
كيف يكشف تحليل كمي عن مدى التحيز في تغطية الإعلام الأمريكي للحرب على غزة؟

يتطلب تحليل التغطية الإعلامية لقضية ما الاعتماد على لغة البيانات؛ وذلك للمساعدة في البرهنة على أنماط المخالفات المهنية لدى وسائل إعلام معينة. وهذا ما اضطلع به تحقيق صدر مؤخرا عن موقع ذا إنترسيبت بتحليله 1100 مقال من ثلاث صحف أمريكية، يعرض هذا التقرير أهم النتائج التي توصل إليها.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 12 يناير, 2024
كيف اختلفت التغطية الإخبارية للحرب على غزة بين شبكتي الجزيرة وسي أن أن؟

ماهي الاختلافات المهنية والتحريرية بين تغطية شبكتي الجزيرة وسي أن أن للحرب الإسرائيلية على غزة؟ ماهو شكل هذه التغطية؟ وماهي طبيعة المصادر المعتمدة؟ يرصد أحمد سيف النصر في هذا المقال أبرز أوجه الاختلاف بناء على قراءة في مضامين التغطية أثناء الحرب.

أحمد سيف النصر نشرت في: 4 يناير, 2024