الإعلام التلفزيوني.. لماذا سيظل مهمًّا؟

 

يتذكر المتابعون في أنحاء العالم كيف أطل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الهاتف المحمول للإدلاء بأول تصريح له أثناء محاولة الانقلاب العسكري ليلة 15 يوليو/تموز 2016. وقد اعتبر البعض ذلك دليلا على ازدياد أهمية وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة، وقدرتها على نقل الحدث بصورة تؤدي إلى تغييره كليا، وأن الإعلام التلفزيوني لم يعد مهما كما كان، لدرجة أن البعض قال إن أردوغان هزم الانقلاب بهاتفه المحمول.

لكن هذه المقولات تتجاهل عددا من الدلائل الأخرى التي تشير إلى أن التلفزيون -كوسيط إخباري- ما يزال الأكثر أهمية وتأثيرا، خاصة خلال الأحداث الكبرى، رغم تطور التكنولوجيا الحديثة، ورغم اعترافنا بأهميتها التي لا يستطيع أحد أن ينكرها.

أول هذه الدلائل سنستمدّه من واقعة أردوغان نفسها، فالرئيس التركي ظهر عبر الهاتف فعلا، ولكن عبر قناة "سي.أن.أن ترك" الواسعة الانتشار في تركيا، وهو ما ساهم بقوة في توصيل الرسالة عبر كافة أنحاء البلاد، وظهر ذلك في نزول الأتراك إلى الشوارع لمواجهة الانقلاب كما طلب منهم أردوغان.

الدليل الثاني يتعلق بالحدث نفسه، إذ شكك الكثير من المتابعين في مدى قوة موقف الرئيس التركي بعدما ظهر بهذه الصورة الباهتة عبر الهاتف المحمول. وقد تساءل هؤلاء عن السبب الذي جعل أردوغان يلجأ إلى هذه الطريقة، رغم أنه يستطيع نظريا إلقاء بيان تلفزيوني يبث عبر القنوات الفضائية والأرضية الحكومية، وهو ما جعلهم يؤكدون وقتها أن الرئيس التركي في موقف ضعيف، وأنه لا يستطيع إلقاء ذلك البيان التلفزيوني المنتظر، ولذلك لجأ إلى هذه الوسيلة. ولولا مواجهة قوات الشرطة وجماهير الشعب للانقلابيين لربما تغيرت معالم المشهد بصورة كلية. وقد كشف المتحدث باسم رئاسة الجمهورية التركية إبراهيم كالين لقناة الجزيرة في وثائقي "ليلة الانقلاب.. كيف صنعت تركيا انتصارها؟"، عن سبب لجوء أردوغان إلى هذه الطريقة لتوصيل أولى رسائله ليلة الانقلاب، فقد قام الرئيس بتسجيل بيان تلفزيوني بالفعل، وكان مقررا إرساله من مقر تواجده في مدينة مرمريس ليبث عبر التلفزيون، لكن شبكة الإنترنت كانت بطيئة في ذلك المكان، وبالتالي لم تكن هناك إمكانية لإرسال الفيديو لإذاعته عبر شاشة التلفزيون الرسمي، وهو ما يعد تأكيدا إضافيا على أن الرئاسة التركية لم تكن تحبّذ طريقة الهاتف المحمول في البداية، وأنها كانت على وعي تام بأن تلك الطريقة ستثير من التساؤلات والشكوك أكثر مما ستثير مشاعر الطمأنينة لدى الجمهور. وقد استمر ذلك التشكيك حتى ظهر أردوغان على الهواء بعد ذلك في تصريح متلفز لإعطاء دفعة قوية للشعب التركي في مواجهة الانقلابيين.

أما الانقلابيون فقد لجؤوا إلى إذاعة بيانهم الأول عبر التلفزيون، بعد السيطرة على قناة "تي.آر.تي هبر" (TRT HABER) الرسمية، وإجبار المذيعة على تلاوته، وهو ما خدع كثيرين تصوروا أن الانقلاب نجح وأن الأمور قد حسمت على الأرض، لدرجة أن رئيس الوزراء وقتها بن علي يلدريم لجأ إلى قناة خاصة هو الآخر لتأكيد وقوع محاولة الانقلاب ومواجهة خطاب الانقلابيين. وبعدما تمكنت الجماهير وقوات الشرطة الموالية للحكومة الشرعية في تركيا من استعادة السيطرة على مبنى القناة التي أذاعت بيان الانقلابيين الأول، كان هناك حرص على إظهار نفس المذيعة مرة أخرى لإعلان تبرئها من البيان الانقلابي، وتوصيل رسالة تفيد بأن الأمور تحت السيطرة وأن الانقلاب فشل، وهو ما دفع الانقلابيين إلى قصف مقر القمر الصناعي التركي "ترك سات" والسيطرة عليه، في إشارة إلى إدراكهم لأهمية احتكار الصورة ورواية الحدث تلفزيونيا. وقد حاولوا قطع إرسال كل وسائل الإعلام، من قنوات تلفزيونية ومحطات إذاعية وحتى شبكات الإنترنت، لكنهم فشلوا، إذ لم يكن لديهم الخبراء اللازمون للتعامل مع ذلك. كل هذا يكشف أهمية التلفزيون الذي تسيطر عليه قوات الجيش أولا قبل القيام بأي تحرك، لضمان إذاعة "البيان رقم 1" الذي تعلن فيه رسميا استيلائها على السلطة، وهو ما حدث في انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 في مصر، وكذلك أثناء عملية الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير في أبريل/نيسان 2019، وأيضا في الكثير من الدول الإفريقية الأخرى التي ما زالت تشهد انقلابات عسكرية.

وعلى الرغم من أن الجمهور قد ينصرف عن متابعة الأخبار عبر التلفزيون في الأوقات العادية، ويفضل عليها الوسائط الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت، فإن الأحداث الكبرى لا تزال تثبت أهمية الإعلام التلفزيوني، مثل الحروب والكوارث والثورات والانقلابات والانتخابات.

وقد شهدت الأزمة الخليجية بين قطر ودول الحصار الأربع مثالا واضحا على ذلك، فقد كان من أهم مطالب المحاصرين إغلاق شبكة الجزيرة الإعلامية. وقد جاء ذلك المطلب رغم زعم وسائل الإعلام التابعة لدول الحصار -خاصة المصرية- أن الجزيرة فقدت مصداقيتها، وأنها لم تعد بنفس الأهمية التي كانت تتمتع بها قبل ذلك. وقد حاول مسؤولون من دول الحصار تدارك الموقف بعد ذلك، فزعم وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش أن النشطاء السعوديين على موقع تويتر استطاعوا هزيمة الجزيرة، ليأتي الرد المنطقي من عدد كبير من المتابعين -وحتى من بعض مذيعي الجزيرة وموظفيها- متسائلين: إذا كانت الجزيرة فاشلة كما تدعون، فلماذا طالبتم بإغلاقها؟ وهو ما يكشف تناقضا كبيرا في خطاب دول الحصار. وقد كانت الجزيرة بالفعل أحد العوامل الرئيسية في تفنيد ادعاءات دول الحصار على المستوى الدولي، خاصة مع امتلاكها قناة قوية وناجحة باللغة الإنجليزية.

ادعاء وسائل الإعلام المصرية ومن يمولها ويديرها بأن الجزيرة متراجعة، ربما يعود إلى اعتقادها بأنها نجحت في تأليب الرأي العام المصري على الرئيس المعزول محمد مرسي، وحشد الجماهير ضده في مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، وهو حشد اعتمد بالدرجة الأولى على الإعلام التقليدي (الصحف والفضائيات) بصورة أكبر بكثير من الإعلام الجديد الذي اعتمدت عليه ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في الحشد والتعبئة للتظاهر ضد حسني مبارك، وهي مفارقة تكشف عن الفارق بين الاثنين، لكنها تكشف أيضا أن الأحاديث عن سطوة مواقع التواصل الاجتماعي في بداية الربيع العربي احتوت مبالغات كثيرة وتفاؤلا لم يكن في محله، أو أن تلك السطوة ستتحقق بعد سنوات عديدة في أفضل الأحوال. كما أن أهم النجوم الذين ظهروا في البداية على مواقع التواصل "باسم يوسف" سرعان ما تم احتواؤه في برامج تلفزيونية ضخمة التكلفة تبث على القنوات الفضائية، وهو ما يمكن اعتباره "ردة" عن التطور المفترض. فوفقا للسردية التي تتحدث عن تفوق الإعلام الإلكتروني والإعلام الجديد، كان ينبغي أن يبدأ باسم يوسف من التلفزيون ثم يتوجه إلى الفضاء الإلكتروني، باعتباره الوسيط الأكثر متابعة وتأثيرا وتطورا، لكن ما حدث هو العكس. أو أن ذلك ببساطة يمكن اعتباره مفارقة تكشف أن التلفزيون ما يزال يمتلك بريقا وسطوة، ويمكنه احتواء الظواهر الجديدة وتدجينها ووضعها في إطار محدد، خاصة أن مجال الإعلانات ما زال مسيطرا عليه من قبل التلفزيون.

وقد أثبتت استطلاعات رأي مهمة بعضا مما يذكره المقال، ففي استطلاع "المؤشر العربي" لعام 2018، الذي يجريه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات سنويا، تبين أن 57% من جمهور الرأي العام في المنطقة العربية يعتمد على التلفزيون لمتابعة الأخبار السياسية، بينما حلت شبكة الإنترنت في المركز الثاني بنسبة 22%، والراديو ثالثا بنسبة 8%، وجاءت الصحف اليومية في المركز الأخير بنسبة 5%، وهو ما اعتبره القائمون على الاستطلاع دليلا على أن النسبة الأكبر من الرأي العام ما زالت تعتمد على التلفزيون مصدرا للأخبار، وأن "القنوات التلفزيونية هي الأكثر أهمية في التأثير في مواطني الدول العربية"، خاصة في مصر والعراق ولبنان، إذ تراوحت نسبة متابعي التلفزيون باعتباره المصدر الأول لمتابعة الأخبار السياسية في تلك البلدان بين 70 و88%. 

إذا كنا استعرضنا في الجزء السابق أسباب وعوامل قوة وسطوة الإعلام التلفزيوني، ففي هذا الجزء سنستعرض الوجه الآخر من الظاهرة، ألا وهو سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي، وإستراتيجيات أنظمة الحكم في تدجينها والسيطرة عليها مثلما تحاول السيطرة على المجال العام والإعلام التقليدي بالضبط. وقد تحقق لبعض تلك الأنظمة نجاحات معتبرة في ذلك، وهو ما يجعل المرء حذرا في تقييم النظرة المتفائلة للبعض حول قدرة الإعلام الجديد على كسر القيود الحكومية وإتاحة الفرصة للأصوات المهمشة والجماهير.

شملت جهود الأنظمة العربية عدة مجالات، منها إصدار تشريعات وقوانين تتعامل مع الفضاء الإلكتروني مثلما تتعامل مع وسائل الإعلام التقليدية، وتشمل معاقبة مستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والتنكيل بهم، وتطوير تقنيات وحجب المواقع التي لا تريد لها أن تصل إلى الجمهور، وتكوين ما يعرف باسم "الجيش الإلكتروني" أو "الذباب الإلكتروني" الذي تتلخص مهمته في نشر خطاب السلطة، والهجوم على المعارضين وتشويه سمعتهم، ونشر أخبار زائفة عنهم لدفعهم للانسحاب من الفضاء الإلكتروني، وصناعة وسوم مؤيدة للسلطة ودفعها للوصول إلى قمة "الترند" للإيحاء بوجود شعبية كبيرة لنظام الحكم، والترويج لإنجازات وهمية، والإبلاغ عن التغريدات والمنشورات المعارضة.

كما شملت جهود الأنظمة العربية: الاستعانة بفرق متخصصة في اختراق الحسابات الإلكترونية وتقنيات التجسس والتعقب الإلكتروني، خاصة الإسرائيلية منها، لملاحقة النشطاء والمعارضين، وتحديدا الذين ينشطون عبر مواقع التواصل بأسماء مستعارة وحسابات لا تكشف عن شخصيتهم الحقيقية. وقد كشف عن عشرات الحالات من هذه الأمثلة عبر الصحف العالمية، وكانت آخرها ما أوردته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بشأن وجود شبكة روبوتات لنشر المحتوى الموالي لدولة الإمارات والمناهض لقطر وإيران بين القراء الإسرائيليين على تويتر. 

هذه الجهود امتدت أيضا إلى محاولة التأثير على الشركات الكبرى التي تتحكم في أهم المواقع والشبكات الإلكترونية على الإنترنت، وقد أسفرت بالفعل عن خضوع نسبي من عدد من الكيانات التي تدير مواقع التواصل الاجتماعي. ويمكن أن نذكر هنا عددا من الأمثلة الدالة، فقد رضخ موقع "سناب شات" للضغوط السعودية، وقرر حجب حساب شبكة الجزيرة في المملكة بحجة "الالتزام بالقوانين المحلية". كما رضخت شبكة "نتفليكس" وحذفت حلقة كوميدية تنتقد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من السعودية، قدمها الفنان الكوميدي الأميركي حسن منهاج الذي انتقد "شركات وادي السيليكون التي تسبح في المال السعودي" على حد قوله، مطالبا تلك الشركات برفض الاستثمارات القادمة من المملكة. كما حذف موقع يوتيوب آلاف الفيديوهات التي توثق جرائم نظام بشار الأسد في سوريا خلال الأعوام الماضية، بحجة أن تلك الفيديوهات مرتبطة "بالمنظمات الإرهابية"، وهو ما يمكن أن يؤثر على جهود جمع الأدلة ضد النظام السوري لاستخدامها مستقبلا.

أما عن المحتوى الفلسطيني، فما أكثر الصفحات والحسابات الفلسطينية التي حُذفت خدمة لإسرائيل وانتصارا لها، لدرجة أن تلك الانتهاكات أصبحت توثق شهريا من قبل مراكز متخصصة. فمثلا، أعلن عن 20 انتهاكا تعرض لها نشطاء فلسطينيون على موقع فيسبوك خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شملت حذف حسابات ومنعا من النشر، وفقا لتقرير مركز "صدى سوشيال" المتخصص في الإعلام الاجتماعي.

وسبق أن تعرضت قناة "شبكة قدس" على يوتيوب وإنستغرام للحذف، وكذلك قناة "فلسطين اليوم"، استجابة لضغوط وبلاغات إسرائيلية. كما حظر محرك البحث "غوغل" حسابات نشرت أخبارا وتقارير عن استخدام إسرائيل الأسرى الفلسطينيين كفئران تجارب لأدوية جديدة، بينما تعرضت قناة تلفزيون "هيسبان" الإيراني على يوتيوب وقناة تلفزيون "برس تي.في" قبل أشهر للحظر بالسبب نفسه. كما شهد مايو/أيار 2019 هجمة جديدة من فيسبوك ضد الحسابات الفلسطينية، ووثق المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى) إغلاق فيسبوك 69 صفحة لإعلاميين ونشطاء فلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة يومي 23 و24 مايو/أيار 2019، وشملت صفحات لصحفيين وكتاب ونشطاء ومواطنين فلسطينيين، دون أن يتلقى أصحابها أي إنذارات مسبقة أو تفسيرات للإغلاق.

وموقع تويتر بالذات تدور شكوك واتهامات كثيرة بحق مكتبه الإقليمي في دبي، وسياساته الموالية والداعمة للسلطات في الإمارات والسعودية. وتتمثل هذه الشكوك في حذف عدد من الحسابات والتغريدات والوسوم بسبب تعارضها مع سياسات الدولتين.

وقد شهد كاتب هذه السطور بنفسه تجربة حية توثق هذه السياسة، عندما عطّل الموقع خاصية البحث عن كلمة "الفجيرة" عدة ساعات، بعد ورود أنباء عن وقوع انفجارات في ميناء المدينة يوم 12 مايو/أيار 2019، قبل أن تعلن الخارجية الإماراتية عن تعرض سفن تجارية لما سمتها "عمليات تخريبية" قرب الميناء. وكُشِف سابقا عن فضيحة تورط فيها موظف سعودي بمكتب دبي، سرّب بيانات حسابات سعودية معارضة على تويتر، لتعتقل السلطات السعودية أصحابها، ومنهم تركي الجاسر صاحب حساب "كشكول"، فيما تتحدث تقارير صحفية بأنه قتل تحت التعذيب. حتى الناشطة السعودية منال الشريف أعلنت إغلاق حسابها على تويتر، قائلة إن الموقع يشكل خطرا على حياتها.

وقد امتدت هذه السياسة إلى مصر، بعدما أغلق تويتر حساب الناشط البارز وائل عباس، الذي وثق انتهاكات حقوق الإنسان في الجمهورية، منذ ما قبل ثورة يناير وبعدها. وكانت "الجزيرة" نفسها قد تعرّض حسابها على تويتر للحذف لعدة ساعات بدون إبداء أي أسباب، قبل أن يعود الحساب فجأة كما حذف فجأة، بدون تقديم أية توضيحات.

هذه الشواهد تكشف أيضا عن ظاهرة أخطر، وهي: كيف يمكن أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي عرضة للتلاعب والتحكم بها والسيطرة عليها وتوجيهها نحو ما تريده أنظمة بعينها؟ وقد عرف العالم تفاصيل الاختراق الروسي الناجح لمواقع التواصل في الولايات المتحدة لتوجيه دفة الرأي العام الأميركي عبر فيسبوك بهدف التأثير في نتائج انتخابات الرئاسة عام 2016، مما لا يحتاج إلى كثير من الشرح. فضلا عن أن انتشار مواقع التواصل أدى إلى زيادة هائلة في انتشار ما باتت تعرف "بالأخبار الكاذبة" أو "الأخبار الزائفة" التي ملأت مواقع التواصل في عدد كبير من البلدان.

وتعد الصور ومقاطع الفيديو الزائفة التي تناولت ما يحدث لأقلية الروهينغا في ميانمار دليلا واضحا على ذلك؛ فرغم حملة القمع الوحشية التي تعرض لها المسلمون في ذلك البلد منذ أعوام، والتي وثقتها منظمات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، فإن البعض لجأ إلى نشر صور ومقاطع فيديو لأحداث وحشية تدور في مناطق وبلدان أخرى من العالم، والادعاء بأنها وقعت في ميانمار، وهو ما أضر كثيرا بجهود التوعية بالقضية وجعل كثيرين يتشككون في مصداقية ما يتعرض له الروهينغا ككل، حتى إن البعض أنشأ صفحات متخصصة لمحاربة انتشار تلك الأخبار والشائعات وتفنيدها، مثل صفحة "ده بجد" وصفحة "متصدقش" على فيسبوك، وهما صفحتان تركزان بشكل أساسي على تفنيد أبرز الشائعات والأخبار الزائفة على مستوى مصر والوطن العربي بشكل عام. 

لكن مواقع التواصل الاجتماعي كانت مسرحا لنشر خطاب الكراهية والتحريض في ميانمار نفسها من قبل النظام الحاكم في البلاد ورجال الدين البوذيين المتشددين ضد المسلمين. وقد أقر موقع فيسبوك بأنه لم يقم بجهود كافية من أجل مواجهة استخدام الموقع في التحريض على العنف في ميانمار.

قد تفسر هذه الشواهد التي عرضت في هذا المقال ما قامت به شركة غوغل عندما نظمت حملة إعلانات تلفزيونية موجهة لمشاهدي التلفزيون في مصر، إذ ما زال التلفزيون يمتلك الجزء الأكبر من مساحة سوق الإعلانات، وكذلك الرغبة في الوصول إلى شرائح جديدة من الجمهور، خاصة كبار السن والشباب اليافع. ربما لا تستخدم هاتان الشريحتان موقع غوغل كثيرا، لأن نسبة معتبرة من الكبار لا تجيد التعامل مع التكنولوجيا بشكل عام، أما الصغار فقد تفتح وعيهم على عالم الشبكات الاجتماعية ومواقع التواصل مباشرة، فإذا أرادوا معرفة أي معلومة توجهوا في الأغلب بالسؤال إلى أصدقائهم عبر حساباتهم على مواقع التواصل المختلفة، أو كتابة السؤال عبر المجموعات المغلقة في تلك المواقع، بدلا من كتابة السؤال أو المعلومة المراد معرفتها عبر غوغل، وهو تحليل قد يفسر تلك الحملة الإعلانية التي اعتمدت بالتأكيد على إحصائيات موثوقة تثبت الفرضيات التي استندت إليها حول أهمية التلفزيون.

وبالطبع فإن كل هذه الشواهد التي نعرضها هنا ليست حكما نهائيا باستمرار أفضلية التلفزيون وتفوقه، لكن المقال يطرح عددا من القضايا التي لا يزال الإعلام التلفزيوني يحقق فيها تقدما وأفضلية، مقابل عدد من التحديات التي تواجه وسائل الإعلام الجديدة والفضاء الإلكتروني الذي لا شك أن له فوائد وإيجابيات كبيرة.

المزيد من المقالات

حرية الصحافة في الأردن بين رقابة السلطة والرقابة الذاتية

رغم التقدم الحاصل على مؤشر منظمة "مراسلون بلا حدود" لحرية الصحافة، يعيش الصحفيون الأردنيون أياما صعبة بعد حملة تضييقات واعتقالات طالت منتقدين للتطبيع أو بسبب مقالات صحفية. ترصد الزميلة هدى أبو هاشم في هذا المقال واقع حرية التعبير في ظل انتقادات حادة لقانون الجرائم الإلكترونية.

هدى أبو هاشم نشرت في: 12 يونيو, 2024
الاستشراق والإمبريالية وجذور التحيّز في التغطية الغربية لفلسطين

تقترن تحيزات وسائل الإعلام الغربية الكبرى ودفاعها عن السردية الإسرائيلية بالاستشراق والعنصرية والإمبريالية، بما يضمن مصالح النخب السياسية والاقتصادية الحاكمة في الغرب، بيد أنّها تواجه تحديًا من الحركات العالمية الساعية لإبراز حقائق الصراع، والإعراب عن التضامن مع الفلسطينيين.

جوزيف ضاهر نشرت في: 9 يونيو, 2024
"صحافة الهجرة" في فرنسا: المهاجر بوصفه "مُشكِلًا"

كشفت المناقشات بشأن مشروع قانون الهجرة الجديد في فرنسا، عن الاستقطاب القوي حول قضايا الهجرة في البلاد، وهو جدل يمتد إلى بلدان أوروبية أخرى، ولا سيما أن القارة على أبواب الحملة الانتخابية الأوروبية بعد إقرار ميثاق الهجرة. يأتي ذلك في سياق تهيمن عليه الخطابات والمواقف المعادية للهجرة، في ظل صعود سياسي وشعبي أيديولوجي لليمين المتشدد في كل مكان تقريبا.

أحمد نظيف نشرت في: 5 يونيو, 2024
أنس الشريف.. "أنا صاحب قضية قبل أن أكون صحفيا"

من توثيق جرائم الاحتلال على المنصات الاجتماعية إلى تغطية حرب الإبادة الجماعية على قناة الجزيرة، كان الصحفي أنس الشريف، يتحدى الظروف الميدانية الصعبة، وعدسات القناصين. فقد والده وعددا من أحبائه لكنه آثر أن ينقل "رواية الفلسطيني إلى العالم". في هذه المقابلة نتعرف على وجه وملامح صحفي فلسطيني مجرد من الحماية ومؤمن بأنّ "التغطية مستمرة".

أنس الشريف نشرت في: 3 يونيو, 2024
كيف نفهم تصدّر موريتانيا ترتيب حريّات الصحافة عربياً وأفريقياً؟

تأرجحت موريتانيا على هذا المؤشر كثيرا، وخصوصا خلال العقدين الأخيرين، من التقدم للاقتراب من منافسة الدول ذات التصنيف الجيد، إلى ارتكاس إلى درك الدول الأدنى تصنيفاً على مؤشر الحريات، فكيف نفهم هذا الصعود اليوم؟

 أحمد محمد المصطفى ولد الندى
أحمد محمد المصطفى نشرت في: 8 مايو, 2024
تدريس طلبة الصحافة.. الحرية قبل التقنية

ثمة مفهوم يكاد يكون خاطئا حول تحديث مناهج تدريس الصحافة، بحصره في امتلاك المهارات التقنية، بينما يقتضي تخريج طالب صحافة تعليمه حرية الرأي والدفاع عن حق المجتمع في البناء الديمقراطي وممارسة دوره في الرقابة والمساءلة.

أفنان عوينات نشرت في: 29 أبريل, 2024
الصحافة و"بيادق" البروباغندا

في سياق سيادة البروباغندا وحرب السرديات، يصبح موضوع تغطية حرب الإبادة الجماعية في فلسطين صعبا، لكن الصحفي الإسباني إيليا توبر، خاض تجربة زيارة فلسطين أثناء الحرب ليخرج بخلاصته الأساسية: الأكثر من دموية الحرب هو الشعور بالقنوط وانعدام الأمل، قد يصل أحيانًا إلى العبث.

Ilya U. Topper
إيليا توبر Ilya U. Topper نشرت في: 9 أبريل, 2024
الخلفية المعرفية في العلوم الإنسانية والاجتماعية وعلاقتها بزوايا المعالجة الصحفية

في عالم أصبحت فيه القضايا الإنسانية أكثر تعقيدا، كيف يمكن للصحفي أن ينمي قدرته على تحديد زوايا معالجة عميقة بتوظيف خلفيته في العلوم الاجتماعية؟ وماهي أبرز الأدوات التي يمكن أن يقترضها الصحفي من هذا الحقل وما حدود هذا التوظيف؟

سعيد الحاجي نشرت في: 20 مارس, 2024
وائل الدحدوح.. أيوب فلسطين

يمكن لقصة وائل الدحدوح أن تكثف مأساة الإنسان الفلسطيني مع الاحتلال، ويمكن أن تختصر، أيضا، مأساة الصحفي الفلسطيني الباحث عن الحقيقة وسط ركام الأشلاء والضحايا.. قتلت عائلته بـ "التقسيط"، لكنه ظل صامدا راضيا بقدر الله، وبقدر المهنة الذي أعاده إلى الشاشة بعد ساعتين فقط من اغتيال عائلته. وليد العمري يحكي قصة "أيوب فلسطين".

وليد العمري نشرت في: 4 مارس, 2024
الإدانة المستحيلة للاحتلال: في نقد «صحافة لوم الضحايا»

تعرضت القيم الديمقراطية التي انبنى عليها الإعلام الغربي إلى "هزة" كبرى في حرب غزة، لتتحول من أداة توثيق لجرائم الحرب، إلى جهاز دعائي يلقي اللوم على الضحايا لتبرئة إسرائيل. ما هي أسس هذا "التكتيك"؟

أحمد نظيف نشرت في: 15 فبراير, 2024
قرار محكمة العدل الدولية.. فرصة لتعزيز انفتاح الصحافة الغربية على مساءلة إسرائيل؟

هل يمكن أن تعيد قرارات محكمة العدل الدولية الاعتبار لإعادة النظر في المقاربة الصحفية التي تصر عليها وسائل إعلام غربية في تغطيتها للحرب الإسرائيلية على فلسطين؟

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 31 يناير, 2024
عن جذور التغطية الصحفية الغربية المنحازة للسردية الإسرائيلية

تقتضي القراءة التحليلية لتغطية الصحافة الغربية لحرب الاحتلال الإسرائيلي على فلسطين، وضعها في سياقها التاريخي، حيث أصبحت الصحافة متماهية مع خطاب النخب الحاكمة المؤيدة للحرب.

أسامة الرشيدي نشرت في: 17 يناير, 2024
أفكار حول المناهج الدراسية لكليات الصحافة في الشرق الأوسط وحول العالم

لا ينبغي لكليات الصحافة أن تبقى معزولة عن محيطها أو تتجرد من قيمها الأساسية. التعليم الأكاديمي يبدو مهما جدا للطلبة، لكن دون فهم روح الصحافة وقدرتها على التغيير والبناء الديمقراطي، ستبقى برامج الجامعات مجرد "تكوين تقني".

كريغ لاماي نشرت في: 31 ديسمبر, 2023
لماذا يقلب "الرأسمال" الحقائق في الإعلام الفرنسي حول حرب غزة؟

التحالف بين الأيديولوجيا والرأسمال، يمكن أن يكون التفسير الأبرز لانحياز جزء كبير من الصحافة الفرنسية إلى الرواية الإسرائيلية. ما أسباب هذا الانحياز؟ وكيف تواجه "ماكنة" منظمة الأصوات المدافعة عن سردية بديلة؟

نزار الفراوي نشرت في: 29 نوفمبر, 2023
السياق الأوسع للغة اللاإنسانية في وسائل إعلام الاحتلال الإسرائيلي في حرب غزة

من قاموس الاستعمار تنهل غالبية وسائل الإعلام الإسرائيلية خطابها الساعي إلى تجريد الفلسطينيين من صفاتهم الإنسانية ليشكل غطاء لجيش الاحتلال لتبرير جرائم الحرب. من هنا تأتي أهمية مساءلة الصحافة لهذا الخطاب ومواجهته.

شيماء العيسائي نشرت في: 26 نوفمبر, 2023
استخدام الأرقام في تغطية الحروب.. الإنسان أولاً

كيف نستعرض أرقام الذين قتلهم الاحتلال الإسرائيلي دون طمس هوياتهم وقصصهم؟ هل إحصاء الضحايا في التغطية الإعلامية يمكن أن يؤدي إلى "السأم من التعاطف"؟ وكيف نستخدم الأرقام والبيانات لإبقاء الجمهور مرتبطا بالتغطية الإعلامية لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة؟

أروى الكعلي نشرت في: 14 نوفمبر, 2023
الصحافة ومعركة القانون الدولي لمواجهة انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي

من وظائف الصحافة رصد الانتهاكات أثناء الأزمات والحروب، والمساهمة في فضح المتورطين في جرائم الحرب والإبادات الجماعية، ولأن الجرائم في القانون الدولي لا تتقادم، فإن وسائل الإعلام، وهي تغطي حرب إسرائيل على فلسطين، ينبغي أن توظف أدوات القانون الدولي لتقويض الرواية الإسرائيلية القائمة على "الدفاع عن النفس".

نهلا المومني نشرت في: 8 نوفمبر, 2023
"الضحية" والمظلومية.. عن الجذور التاريخية للرواية الإسرائيلية

تعتمد رواية الاحتلال الموجهة بالأساس إلى الرأي العام الغربي على ركائز تجد تفسيرها في الذاكرة التاريخية، محاولة تصوير الإسرائيليين كضحايا للاضطهاد والظلم مؤتمنين على تحقيق "الوعد الإلهي" في أرض فلسطين. ماهي بنية هذه الرواية؟ وكيف ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تفتيتها؟

حياة الحريري نشرت في: 5 نوفمبر, 2023
كيف تُعلق حدثاً في الهواء.. في نقد تغطية وسائل الإعلام الفرنسية للحرب في فلسطين

أصبحت وسائل الإعلام الأوروبية، متقدمةً على نظيرتها الأنغلوساكسونية بأشواط في الانحياز للسردية الإسرائيلية خلال تغطيتها للصراع. وهذا الحكم، ليس صادراً عن متعاطف مع القضية الفلسطينية، بل إن جيروم بوردون، مؤرخ الإعلام وأستاذ علم الاجتماع في جامعة تل أبيب، ومؤلف كتاب "القصة المستحيلة: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ووسائل الإعلام"، وصف التغطية الجارية بــ" الشيء الغريب".

أحمد نظيف نشرت في: 2 نوفمبر, 2023
الجانب الإنساني الذي لا يفنى في الصحافة في عصر ثورة الذكاء الاصطناعي

توجد الصحافة، اليوم، في قلب نقاش كبير حول التأثيرات المفترضة للذكاء الاصطناعي على شكلها ودورها. مهما كانت التحولات، فإن الجانب الإنساني لا يمكن تعويضه، لاسيما فهم السياق وإعمال الحس النقدي وقوة التعاطف.

مي شيغينوبو نشرت في: 8 أكتوبر, 2023
هل يستطيع الصحفي التخلي عن التعليم الأكاديمي في العصر الرقمي؟

هل يستطيع التعليم الأكاديمي وحده صناعة صحفي ملم بالتقنيات الجديدة ومستوعب لدوره في البناء الديمقراطي للمجتمعات؟ وهل يمكن أن تكون الدورات والتعلم الذاتي بديلا عن التعليم الأكاديمي؟

إقبال زين نشرت في: 1 أكتوبر, 2023
العمل الحر في الصحافة.. الحرية مقابل التضحية

رغم أن مفهوم "الفريلانسر" في الصحافة يطلق، عادة، على العمل الحر المتحرر من الالتزامات المؤسسية، لكن تطور هذه الممارسة أبرز أشكالا جديدة لجأت إليها الكثير من المؤسسات الإعلامية خاصة بعد جائحة كورونا.

لندا شلش نشرت في: 18 سبتمبر, 2023
إعلام المناخ وإعادة التفكير في الممارسات التحريرية

بعد إعصار ليبيا الذي خلف آلاف الضحايا، توجد وسائل الإعلام موضع مساءلة حقيقية بسبب عدم قدرتها على التوعية بالتغيرات المناخية وأثرها على الإنسان والطبيعة. تبرز شادن دياب في هذا المقال أهم الممارسات التحريرية التي يمكن أن تساهم في بناء قصص صحفية موجهة لجمهور منقسم ومتشكك، لحماية أرواح الناس.

شادن دياب نشرت في: 14 سبتمبر, 2023
تلفزيون لبنان.. هي أزمة نظام

عاش تلفزيون لبنان خلال الأيام القليلة الماضية احتجاجات وإضرابات للصحفيين والموظفين بسبب تردي أوضاعهم المادية. ترتبط هذه الأزمة، التي دفعت الحكومة إلى التلويح بإغلاقه، مرتبطة بسياق عام مطبوع بالطائفية السياسية. هل تؤشر هذه الأزمة على تسليم "التلفزيون" للقطاع الخاص بعدما كان مرفقا عاما؟

حياة الحريري نشرت في: 15 أغسطس, 2023