الإعلام التلفزيوني.. لماذا سيظل مهمًّا؟

الإعلام التلفزيوني.. لماذا سيظل مهمًّا؟

 

يتذكر المتابعون في أنحاء العالم كيف أطل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الهاتف المحمول للإدلاء بأول تصريح له أثناء محاولة الانقلاب العسكري ليلة 15 يوليو/تموز 2016. وقد اعتبر البعض ذلك دليلا على ازدياد أهمية وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة، وقدرتها على نقل الحدث بصورة تؤدي إلى تغييره كليا، وأن الإعلام التلفزيوني لم يعد مهما كما كان، لدرجة أن البعض قال إن أردوغان هزم الانقلاب بهاتفه المحمول.

لكن هذه المقولات تتجاهل عددا من الدلائل الأخرى التي تشير إلى أن التلفزيون -كوسيط إخباري- ما يزال الأكثر أهمية وتأثيرا، خاصة خلال الأحداث الكبرى، رغم تطور التكنولوجيا الحديثة، ورغم اعترافنا بأهميتها التي لا يستطيع أحد أن ينكرها.

أول هذه الدلائل سنستمدّه من واقعة أردوغان نفسها، فالرئيس التركي ظهر عبر الهاتف فعلا، ولكن عبر قناة "سي.أن.أن ترك" الواسعة الانتشار في تركيا، وهو ما ساهم بقوة في توصيل الرسالة عبر كافة أنحاء البلاد، وظهر ذلك في نزول الأتراك إلى الشوارع لمواجهة الانقلاب كما طلب منهم أردوغان.

الدليل الثاني يتعلق بالحدث نفسه، إذ شكك الكثير من المتابعين في مدى قوة موقف الرئيس التركي بعدما ظهر بهذه الصورة الباهتة عبر الهاتف المحمول. وقد تساءل هؤلاء عن السبب الذي جعل أردوغان يلجأ إلى هذه الطريقة، رغم أنه يستطيع نظريا إلقاء بيان تلفزيوني يبث عبر القنوات الفضائية والأرضية الحكومية، وهو ما جعلهم يؤكدون وقتها أن الرئيس التركي في موقف ضعيف، وأنه لا يستطيع إلقاء ذلك البيان التلفزيوني المنتظر، ولذلك لجأ إلى هذه الوسيلة. ولولا مواجهة قوات الشرطة وجماهير الشعب للانقلابيين لربما تغيرت معالم المشهد بصورة كلية. وقد كشف المتحدث باسم رئاسة الجمهورية التركية إبراهيم كالين لقناة الجزيرة في وثائقي "ليلة الانقلاب.. كيف صنعت تركيا انتصارها؟"، عن سبب لجوء أردوغان إلى هذه الطريقة لتوصيل أولى رسائله ليلة الانقلاب، فقد قام الرئيس بتسجيل بيان تلفزيوني بالفعل، وكان مقررا إرساله من مقر تواجده في مدينة مرمريس ليبث عبر التلفزيون، لكن شبكة الإنترنت كانت بطيئة في ذلك المكان، وبالتالي لم تكن هناك إمكانية لإرسال الفيديو لإذاعته عبر شاشة التلفزيون الرسمي، وهو ما يعد تأكيدا إضافيا على أن الرئاسة التركية لم تكن تحبّذ طريقة الهاتف المحمول في البداية، وأنها كانت على وعي تام بأن تلك الطريقة ستثير من التساؤلات والشكوك أكثر مما ستثير مشاعر الطمأنينة لدى الجمهور. وقد استمر ذلك التشكيك حتى ظهر أردوغان على الهواء بعد ذلك في تصريح متلفز لإعطاء دفعة قوية للشعب التركي في مواجهة الانقلابيين.

أما الانقلابيون فقد لجؤوا إلى إذاعة بيانهم الأول عبر التلفزيون، بعد السيطرة على قناة "تي.آر.تي هبر" (TRT HABER) الرسمية، وإجبار المذيعة على تلاوته، وهو ما خدع كثيرين تصوروا أن الانقلاب نجح وأن الأمور قد حسمت على الأرض، لدرجة أن رئيس الوزراء وقتها بن علي يلدريم لجأ إلى قناة خاصة هو الآخر لتأكيد وقوع محاولة الانقلاب ومواجهة خطاب الانقلابيين. وبعدما تمكنت الجماهير وقوات الشرطة الموالية للحكومة الشرعية في تركيا من استعادة السيطرة على مبنى القناة التي أذاعت بيان الانقلابيين الأول، كان هناك حرص على إظهار نفس المذيعة مرة أخرى لإعلان تبرئها من البيان الانقلابي، وتوصيل رسالة تفيد بأن الأمور تحت السيطرة وأن الانقلاب فشل، وهو ما دفع الانقلابيين إلى قصف مقر القمر الصناعي التركي "ترك سات" والسيطرة عليه، في إشارة إلى إدراكهم لأهمية احتكار الصورة ورواية الحدث تلفزيونيا. وقد حاولوا قطع إرسال كل وسائل الإعلام، من قنوات تلفزيونية ومحطات إذاعية وحتى شبكات الإنترنت، لكنهم فشلوا، إذ لم يكن لديهم الخبراء اللازمون للتعامل مع ذلك. كل هذا يكشف أهمية التلفزيون الذي تسيطر عليه قوات الجيش أولا قبل القيام بأي تحرك، لضمان إذاعة "البيان رقم 1" الذي تعلن فيه رسميا استيلائها على السلطة، وهو ما حدث في انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 في مصر، وكذلك أثناء عملية الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير في أبريل/نيسان 2019، وأيضا في الكثير من الدول الإفريقية الأخرى التي ما زالت تشهد انقلابات عسكرية.

وعلى الرغم من أن الجمهور قد ينصرف عن متابعة الأخبار عبر التلفزيون في الأوقات العادية، ويفضل عليها الوسائط الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت، فإن الأحداث الكبرى لا تزال تثبت أهمية الإعلام التلفزيوني، مثل الحروب والكوارث والثورات والانقلابات والانتخابات.

وقد شهدت الأزمة الخليجية بين قطر ودول الحصار الأربع مثالا واضحا على ذلك، فقد كان من أهم مطالب المحاصرين إغلاق شبكة الجزيرة الإعلامية. وقد جاء ذلك المطلب رغم زعم وسائل الإعلام التابعة لدول الحصار -خاصة المصرية- أن الجزيرة فقدت مصداقيتها، وأنها لم تعد بنفس الأهمية التي كانت تتمتع بها قبل ذلك. وقد حاول مسؤولون من دول الحصار تدارك الموقف بعد ذلك، فزعم وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش أن النشطاء السعوديين على موقع تويتر استطاعوا هزيمة الجزيرة، ليأتي الرد المنطقي من عدد كبير من المتابعين -وحتى من بعض مذيعي الجزيرة وموظفيها- متسائلين: إذا كانت الجزيرة فاشلة كما تدعون، فلماذا طالبتم بإغلاقها؟ وهو ما يكشف تناقضا كبيرا في خطاب دول الحصار. وقد كانت الجزيرة بالفعل أحد العوامل الرئيسية في تفنيد ادعاءات دول الحصار على المستوى الدولي، خاصة مع امتلاكها قناة قوية وناجحة باللغة الإنجليزية.

ادعاء وسائل الإعلام المصرية ومن يمولها ويديرها بأن الجزيرة متراجعة، ربما يعود إلى اعتقادها بأنها نجحت في تأليب الرأي العام المصري على الرئيس المعزول محمد مرسي، وحشد الجماهير ضده في مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، وهو حشد اعتمد بالدرجة الأولى على الإعلام التقليدي (الصحف والفضائيات) بصورة أكبر بكثير من الإعلام الجديد الذي اعتمدت عليه ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في الحشد والتعبئة للتظاهر ضد حسني مبارك، وهي مفارقة تكشف عن الفارق بين الاثنين، لكنها تكشف أيضا أن الأحاديث عن سطوة مواقع التواصل الاجتماعي في بداية الربيع العربي احتوت مبالغات كثيرة وتفاؤلا لم يكن في محله، أو أن تلك السطوة ستتحقق بعد سنوات عديدة في أفضل الأحوال. كما أن أهم النجوم الذين ظهروا في البداية على مواقع التواصل "باسم يوسف" سرعان ما تم احتواؤه في برامج تلفزيونية ضخمة التكلفة تبث على القنوات الفضائية، وهو ما يمكن اعتباره "ردة" عن التطور المفترض. فوفقا للسردية التي تتحدث عن تفوق الإعلام الإلكتروني والإعلام الجديد، كان ينبغي أن يبدأ باسم يوسف من التلفزيون ثم يتوجه إلى الفضاء الإلكتروني، باعتباره الوسيط الأكثر متابعة وتأثيرا وتطورا، لكن ما حدث هو العكس. أو أن ذلك ببساطة يمكن اعتباره مفارقة تكشف أن التلفزيون ما يزال يمتلك بريقا وسطوة، ويمكنه احتواء الظواهر الجديدة وتدجينها ووضعها في إطار محدد، خاصة أن مجال الإعلانات ما زال مسيطرا عليه من قبل التلفزيون.

وقد أثبتت استطلاعات رأي مهمة بعضا مما يذكره المقال، ففي استطلاع "المؤشر العربي" لعام 2018، الذي يجريه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات سنويا، تبين أن 57% من جمهور الرأي العام في المنطقة العربية يعتمد على التلفزيون لمتابعة الأخبار السياسية، بينما حلت شبكة الإنترنت في المركز الثاني بنسبة 22%، والراديو ثالثا بنسبة 8%، وجاءت الصحف اليومية في المركز الأخير بنسبة 5%، وهو ما اعتبره القائمون على الاستطلاع دليلا على أن النسبة الأكبر من الرأي العام ما زالت تعتمد على التلفزيون مصدرا للأخبار، وأن "القنوات التلفزيونية هي الأكثر أهمية في التأثير في مواطني الدول العربية"، خاصة في مصر والعراق ولبنان، إذ تراوحت نسبة متابعي التلفزيون باعتباره المصدر الأول لمتابعة الأخبار السياسية في تلك البلدان بين 70 و88%. 

إذا كنا استعرضنا في الجزء السابق أسباب وعوامل قوة وسطوة الإعلام التلفزيوني، ففي هذا الجزء سنستعرض الوجه الآخر من الظاهرة، ألا وهو سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي، وإستراتيجيات أنظمة الحكم في تدجينها والسيطرة عليها مثلما تحاول السيطرة على المجال العام والإعلام التقليدي بالضبط. وقد تحقق لبعض تلك الأنظمة نجاحات معتبرة في ذلك، وهو ما يجعل المرء حذرا في تقييم النظرة المتفائلة للبعض حول قدرة الإعلام الجديد على كسر القيود الحكومية وإتاحة الفرصة للأصوات المهمشة والجماهير.

شملت جهود الأنظمة العربية عدة مجالات، منها إصدار تشريعات وقوانين تتعامل مع الفضاء الإلكتروني مثلما تتعامل مع وسائل الإعلام التقليدية، وتشمل معاقبة مستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والتنكيل بهم، وتطوير تقنيات وحجب المواقع التي لا تريد لها أن تصل إلى الجمهور، وتكوين ما يعرف باسم "الجيش الإلكتروني" أو "الذباب الإلكتروني" الذي تتلخص مهمته في نشر خطاب السلطة، والهجوم على المعارضين وتشويه سمعتهم، ونشر أخبار زائفة عنهم لدفعهم للانسحاب من الفضاء الإلكتروني، وصناعة وسوم مؤيدة للسلطة ودفعها للوصول إلى قمة "الترند" للإيحاء بوجود شعبية كبيرة لنظام الحكم، والترويج لإنجازات وهمية، والإبلاغ عن التغريدات والمنشورات المعارضة.

كما شملت جهود الأنظمة العربية: الاستعانة بفرق متخصصة في اختراق الحسابات الإلكترونية وتقنيات التجسس والتعقب الإلكتروني، خاصة الإسرائيلية منها، لملاحقة النشطاء والمعارضين، وتحديدا الذين ينشطون عبر مواقع التواصل بأسماء مستعارة وحسابات لا تكشف عن شخصيتهم الحقيقية. وقد كشف عن عشرات الحالات من هذه الأمثلة عبر الصحف العالمية، وكانت آخرها ما أوردته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بشأن وجود شبكة روبوتات لنشر المحتوى الموالي لدولة الإمارات والمناهض لقطر وإيران بين القراء الإسرائيليين على تويتر. 

هذه الجهود امتدت أيضا إلى محاولة التأثير على الشركات الكبرى التي تتحكم في أهم المواقع والشبكات الإلكترونية على الإنترنت، وقد أسفرت بالفعل عن خضوع نسبي من عدد من الكيانات التي تدير مواقع التواصل الاجتماعي. ويمكن أن نذكر هنا عددا من الأمثلة الدالة، فقد رضخ موقع "سناب شات" للضغوط السعودية، وقرر حجب حساب شبكة الجزيرة في المملكة بحجة "الالتزام بالقوانين المحلية". كما رضخت شبكة "نتفليكس" وحذفت حلقة كوميدية تنتقد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من السعودية، قدمها الفنان الكوميدي الأميركي حسن منهاج الذي انتقد "شركات وادي السيليكون التي تسبح في المال السعودي" على حد قوله، مطالبا تلك الشركات برفض الاستثمارات القادمة من المملكة. كما حذف موقع يوتيوب آلاف الفيديوهات التي توثق جرائم نظام بشار الأسد في سوريا خلال الأعوام الماضية، بحجة أن تلك الفيديوهات مرتبطة "بالمنظمات الإرهابية"، وهو ما يمكن أن يؤثر على جهود جمع الأدلة ضد النظام السوري لاستخدامها مستقبلا.

أما عن المحتوى الفلسطيني، فما أكثر الصفحات والحسابات الفلسطينية التي حُذفت خدمة لإسرائيل وانتصارا لها، لدرجة أن تلك الانتهاكات أصبحت توثق شهريا من قبل مراكز متخصصة. فمثلا، أعلن عن 20 انتهاكا تعرض لها نشطاء فلسطينيون على موقع فيسبوك خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شملت حذف حسابات ومنعا من النشر، وفقا لتقرير مركز "صدى سوشيال" المتخصص في الإعلام الاجتماعي.

وسبق أن تعرضت قناة "شبكة قدس" على يوتيوب وإنستغرام للحذف، وكذلك قناة "فلسطين اليوم"، استجابة لضغوط وبلاغات إسرائيلية. كما حظر محرك البحث "غوغل" حسابات نشرت أخبارا وتقارير عن استخدام إسرائيل الأسرى الفلسطينيين كفئران تجارب لأدوية جديدة، بينما تعرضت قناة تلفزيون "هيسبان" الإيراني على يوتيوب وقناة تلفزيون "برس تي.في" قبل أشهر للحظر بالسبب نفسه. كما شهد مايو/أيار 2019 هجمة جديدة من فيسبوك ضد الحسابات الفلسطينية، ووثق المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى) إغلاق فيسبوك 69 صفحة لإعلاميين ونشطاء فلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة يومي 23 و24 مايو/أيار 2019، وشملت صفحات لصحفيين وكتاب ونشطاء ومواطنين فلسطينيين، دون أن يتلقى أصحابها أي إنذارات مسبقة أو تفسيرات للإغلاق.

وموقع تويتر بالذات تدور شكوك واتهامات كثيرة بحق مكتبه الإقليمي في دبي، وسياساته الموالية والداعمة للسلطات في الإمارات والسعودية. وتتمثل هذه الشكوك في حذف عدد من الحسابات والتغريدات والوسوم بسبب تعارضها مع سياسات الدولتين.

وقد شهد كاتب هذه السطور بنفسه تجربة حية توثق هذه السياسة، عندما عطّل الموقع خاصية البحث عن كلمة "الفجيرة" عدة ساعات، بعد ورود أنباء عن وقوع انفجارات في ميناء المدينة يوم 12 مايو/أيار 2019، قبل أن تعلن الخارجية الإماراتية عن تعرض سفن تجارية لما سمتها "عمليات تخريبية" قرب الميناء. وكُشِف سابقا عن فضيحة تورط فيها موظف سعودي بمكتب دبي، سرّب بيانات حسابات سعودية معارضة على تويتر، لتعتقل السلطات السعودية أصحابها، ومنهم تركي الجاسر صاحب حساب "كشكول"، فيما تتحدث تقارير صحفية بأنه قتل تحت التعذيب. حتى الناشطة السعودية منال الشريف أعلنت إغلاق حسابها على تويتر، قائلة إن الموقع يشكل خطرا على حياتها.

وقد امتدت هذه السياسة إلى مصر، بعدما أغلق تويتر حساب الناشط البارز وائل عباس، الذي وثق انتهاكات حقوق الإنسان في الجمهورية، منذ ما قبل ثورة يناير وبعدها. وكانت "الجزيرة" نفسها قد تعرّض حسابها على تويتر للحذف لعدة ساعات بدون إبداء أي أسباب، قبل أن يعود الحساب فجأة كما حذف فجأة، بدون تقديم أية توضيحات.

هذه الشواهد تكشف أيضا عن ظاهرة أخطر، وهي: كيف يمكن أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي عرضة للتلاعب والتحكم بها والسيطرة عليها وتوجيهها نحو ما تريده أنظمة بعينها؟ وقد عرف العالم تفاصيل الاختراق الروسي الناجح لمواقع التواصل في الولايات المتحدة لتوجيه دفة الرأي العام الأميركي عبر فيسبوك بهدف التأثير في نتائج انتخابات الرئاسة عام 2016، مما لا يحتاج إلى كثير من الشرح. فضلا عن أن انتشار مواقع التواصل أدى إلى زيادة هائلة في انتشار ما باتت تعرف "بالأخبار الكاذبة" أو "الأخبار الزائفة" التي ملأت مواقع التواصل في عدد كبير من البلدان.

وتعد الصور ومقاطع الفيديو الزائفة التي تناولت ما يحدث لأقلية الروهينغا في ميانمار دليلا واضحا على ذلك؛ فرغم حملة القمع الوحشية التي تعرض لها المسلمون في ذلك البلد منذ أعوام، والتي وثقتها منظمات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، فإن البعض لجأ إلى نشر صور ومقاطع فيديو لأحداث وحشية تدور في مناطق وبلدان أخرى من العالم، والادعاء بأنها وقعت في ميانمار، وهو ما أضر كثيرا بجهود التوعية بالقضية وجعل كثيرين يتشككون في مصداقية ما يتعرض له الروهينغا ككل، حتى إن البعض أنشأ صفحات متخصصة لمحاربة انتشار تلك الأخبار والشائعات وتفنيدها، مثل صفحة "ده بجد" وصفحة "متصدقش" على فيسبوك، وهما صفحتان تركزان بشكل أساسي على تفنيد أبرز الشائعات والأخبار الزائفة على مستوى مصر والوطن العربي بشكل عام. 

لكن مواقع التواصل الاجتماعي كانت مسرحا لنشر خطاب الكراهية والتحريض في ميانمار نفسها من قبل النظام الحاكم في البلاد ورجال الدين البوذيين المتشددين ضد المسلمين. وقد أقر موقع فيسبوك بأنه لم يقم بجهود كافية من أجل مواجهة استخدام الموقع في التحريض على العنف في ميانمار.

قد تفسر هذه الشواهد التي عرضت في هذا المقال ما قامت به شركة غوغل عندما نظمت حملة إعلانات تلفزيونية موجهة لمشاهدي التلفزيون في مصر، إذ ما زال التلفزيون يمتلك الجزء الأكبر من مساحة سوق الإعلانات، وكذلك الرغبة في الوصول إلى شرائح جديدة من الجمهور، خاصة كبار السن والشباب اليافع. ربما لا تستخدم هاتان الشريحتان موقع غوغل كثيرا، لأن نسبة معتبرة من الكبار لا تجيد التعامل مع التكنولوجيا بشكل عام، أما الصغار فقد تفتح وعيهم على عالم الشبكات الاجتماعية ومواقع التواصل مباشرة، فإذا أرادوا معرفة أي معلومة توجهوا في الأغلب بالسؤال إلى أصدقائهم عبر حساباتهم على مواقع التواصل المختلفة، أو كتابة السؤال عبر المجموعات المغلقة في تلك المواقع، بدلا من كتابة السؤال أو المعلومة المراد معرفتها عبر غوغل، وهو تحليل قد يفسر تلك الحملة الإعلانية التي اعتمدت بالتأكيد على إحصائيات موثوقة تثبت الفرضيات التي استندت إليها حول أهمية التلفزيون.

وبالطبع فإن كل هذه الشواهد التي نعرضها هنا ليست حكما نهائيا باستمرار أفضلية التلفزيون وتفوقه، لكن المقال يطرح عددا من القضايا التي لا يزال الإعلام التلفزيوني يحقق فيها تقدما وأفضلية، مقابل عدد من التحديات التي تواجه وسائل الإعلام الجديدة والفضاء الإلكتروني الذي لا شك أن له فوائد وإيجابيات كبيرة.

More Articles

Journalism and Artificial Intelligence: Who Controls the Narrative?

How did the conversation about using artificial intelligence in journalism become merely a "trend"? And can we say that much of the media discourse on AI’s potential remains broad and speculative rather than a tangible reality in newsrooms?

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 23 Feb, 2025
The Whispers of Resistance in Assad’s Reign

For more than a decade of the Syrian revolution, the former regime has employed various forms of intimidation against journalists—killing, interrogations, and forced displacement—all for a single purpose: silencing their voices. Mawadda Bahah hid behind pseudonyms and shifted her focus to environmental issues after a "brief session" at the Kafar Soussa branch of Syria’s intelligence agency.

Mawadah Bahah
Mawadah Bahah Published on: 18 Feb, 2025
Culture of silence: Journalism and mental health problems in Africa

The revealing yet underreported impact of mental health on African journalists is far-reaching. Many of them lack medical insurance, support, and counselling while covering sensitive topics or residing in conflicting, violent war zones, with some even considering suicide.

Derick Matsengarwodzi
Derick Matsengarwodzi Published on: 13 Feb, 2025
Tweets Aren’t News: Why Journalism Still Matters

Twitter, once key for real-time news, has become a battleground of misinformation and outrage, drowning out factual journalism. With major newspapers leaving, the challenge is to remind audiences that true news comes from credible sources, not the chaos of social media.

Ilya
Ilya U Topper Published on: 10 Feb, 2025
Will Meta Become a Platform for Disinformation and Conspiracy Theories?

Meta’s decision to abandon third-party fact-checking in favor of Community Notes aligns with Donald Trump’s long-standing criticisms of media scrutiny, raising concerns that the platform will fuel disinformation, conspiracy theories, and political polarization. With support from Elon Musk’s X, major social media platforms now lean toward a "Trumpian" stance, potentially weakening global fact-checking efforts and reshaping the online information landscape.

Arwa Kooli
Arwa Kooli Published on: 5 Feb, 2025
October 7: The Battle for Narratives and the Forgotten Roots of Palestine

What is the difference between October 6th and October 7th? How did the media distort the historical context and mislead the public? Why did some Arab media strip the genocidal war from its roots? Is there an agenda behind highlighting the Israel-Hamas duality in news coverage?

Said El Hajji
Said El Hajji Published on: 21 Jan, 2025
Challenges of Unequal Data Flow on Southern Narratives

The digital revolution has widened the gap between the Global South and the North. Beyond theories that attribute this disparity to the North's technological dominance, the article explores how national and local policies in the South shape and influence its narratives.

Hassan Obeid
Hassan Obeid Published on: 14 Jan, 2025
Decolonise How? Humanitarian Journalism is No Ordinary Journalism

Unlike most journalism, which involves explaining societies to themselves, war reporting and foreign correspondence explain the suffering of exoticised communities to audiences back home, often within a context of profound ignorance about these othered places. Humanitarian journalism seeks to counter this with empathetic storytelling that amplifies local voices and prioritises ethical representation.

Patrick Gathara
Patrick Gathara Published on: 8 Jan, 2025
Mastering Journalistic Storytelling: The Power of Media Practices

Narration in journalism thrives when it's grounded in fieldwork and direct engagement with the story. Its primary goal is to evoke impact and empathy, centering on the human experience. However, the Arab press has often shifted this focus, favoring office-based reporting over firsthand accounts, resulting in narratives that lack genuine substance.

AJR logo
Zainab Tarhini Published on: 7 Jan, 2025
I Resigned from CNN Over its Pro-Israel Bias

  Developing as a young journalist without jeopardizing your morals has become incredibly difficult.

Ana Maria Monjardino
Ana Maria Monjardino Published on: 2 Jan, 2025
Digital Colonialism: The Global South Facing Closed Screens

After the independence of the Maghreb countries, the old resistance fighters used to say that "colonialism left through the door only to return through the window," and now it is returning in new forms of dominance through the window of digital colonialism. This control is evident in the acquisition of major technological and media companies, while the South is still looking for an alternative.

Ahmad Radwan
Ahmad Radwan Published on: 31 Dec, 2024
Independent Syrian Journalism: From Revolution to Assad's Fall

Independent Syrian journalism played a pivotal role in exposing regime corruption and documenting war crimes during the 13-year revolution, despite immense risks to journalists, including imprisonment, assassination, and exile. Operating from abroad, these journalists pioneered investigative and open-source reporting, preserving evidence, and shaping narratives that challenged the Assad regime's propaganda.

Ahmad Haj Hamdo
Ahmad Haj Hamdo Published on: 17 Dec, 2024
Bolivia’s Mines and Radio: A Voice of the Global South Against Hegemony

Miners' radio stations in the heart of Bolivia's mining communities, played a crucial role in shaping communication within mining communities, contributing to social and political movements. These stations intersected with anarchist theatre, educational initiatives, and alternative media, addressing labour rights, minority groups, and imperialism.

Khaldoun Shami PhD
Khaldoun H. Shami Published on: 16 Dec, 2024
How Does Misinformation Undermine Public Trust in Journalism?

Reports reveal a growing loss of trust in the media, driven by the extent of misinformation that undermines professional journalism's ability to influence public discourse. The platforms of misinformation, now supported by states and private entities during conflicts and wars, threaten to strip the profession of its core roles of accountability and oversight.

Muhammad Khamaiseh Published on: 13 Nov, 2024
Challenging the Narrative: Jeremy Scahill on the Need for Adversarial Journalism

Investigative journalist Jeremy Scahill calls for a revival of "adversarial journalism" to reinstate crucial professional and humanitarian values in mainstream Western media, especially regarding the coverage of the Gaza genocide.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 10 Nov, 2024
Freedom of the Press in Jordan and Unconstitutional Interpretations

Since the approval of the Cybercrime Law in Jordan, freedom of opinion and expression has entered a troubling phase marked by the arrest of journalists and restrictions on media. Musab Shawabkeh offers a constitutional reading based on interpretations and rulings that uphold freedom of expression in a context where the country needs diverse opinions in the face of the Israeli ultra right wing politics.

Musab Shawabkeh
Musab Al Shawabkeh Published on: 8 Nov, 2024
Voting in a Time of Genocide

The upcoming U.S. presidential election occurs against the backdrop of the ongoing genocide in Gaza, with AJ Plus prioritising marginalised voices and critically analysing Western mainstream media narratives while highlighting the undemocratic aspects of the U.S. electoral system.

Tony Karon Published on: 22 Oct, 2024
Journalists Should Not Embrace the Artificial Intelligence Hype

What factors should journalists take into account while discussing the use of AI in the media?

Jorge Sagastume Muralles
Jorge Sagastume Published on: 16 Oct, 2024
A Year of Genocide and Bias: Western Media's Whitewashing of Israel's Ongoing War on Gaza

Major Western media outlets continue to prove that they are a party in the war of narratives, siding with the Israeli occupation. The article explains how these major Western media outlets are still refining their techniques of bias in favor of the occupation, even a year after the genocide in Palestine.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 9 Oct, 2024
A Half-Truth is a Full Lie

Misinformation is rampant in modern conflicts, worsened by the internet and social media, where false news spreads easily. While news agencies aim to provide unbiased, fact-based reporting, their focus on brevity and hard facts often lacks the necessary context, leaving the public vulnerable to manipulation and unable to fully grasp the complexities of these issues.

Ilya
Ilya U Topper Published on: 30 Sep, 2024
Testimonies of the First Witness of the Sabra & Shatila Massacre

The Sabra and Shatila massacre in 1982 saw over 3,000 unarmed Palestinian refugees brutally killed by Phalangist militias under the facilitation of Israeli forces. As the first journalist to enter the camps, Japanese journalist Ryuichi Hirokawa provides a harrowing first-hand account of the atrocity amid a media blackout. His testimony highlights the power of bearing witness to a war crime and contrasts the past Israeli public outcry with today’s silence over the ongoing genocide in Gaza.

Mei Shigenobu مي شيغينوبو
Mei Shigenobu Published on: 18 Sep, 2024
Anonymous Sources in the New York Times... Covering the War with One Eye

The use of anonymous sources in journalism is considered, within professional and ethical standards, a “last option” for journalists. However, analysis of New York Times data reveals a persistent pattern in the use of “anonymity” to support specific narratives, especially Israeli narratives.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 8 Sep, 2024
India and Pakistan; Journalists building Bridges for Understanding

Amid decades of tension, journalists from India and Pakistan are uniting to combat hostile narratives and highlight shared challenges. Through collaboration, they’re fostering understanding on pressing issues like climate change and healthcare, proving that empathy can transcend borders. Discover how initiatives like the Journalists' Exchange Programme are paving the way for peace journalism and a more nuanced narrative.

Safina
Safina Nabi Published on: 12 Aug, 2024
From TV Screens to YouTube: The Rise of Exiled Journalists in Pakistan

Pakistani journalists are leveraging YouTube to overcome censorship, connecting with global audiences, and redefining independent reporting in their homeland.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 28 Jul, 2024