لم يكن شعورا بالخجل، إنما مزيجا من الخوف والقلق، ليس لأنه أدرك أنهم يقتحمون أكثر أسراره الحميمية وعورة، فلقد كان افتراءً ما نسبوه إليه من أنه يتقنّع بلباس من الجلد في الليل ويمضي في توجيه وتلقّي الضربات بالسياط، ولكن لأن عددا لا بأس به من الخدوش والعضات كان يملأ يديه وذراعيه، فمن سيقنع الناس أنه كان يلاعب كلبته الصغيرة؟
"يقولون إنك تمارس سادية مازوخية في علاقاتك الجنسية"، قال له الجاسوس باستهزاء، كمن يريد إلقاء نكتة مشينة على مائدة تضج بسيدات المجتمع المحتشمات.
سيرخيو أراوز، صحفي سلفادوري في "إل فارو. نت" إحدى أكثر الوسائط الرقمية شهرة في أميركا اللاتينية، انتابه القلق الشديد في تلك اللحظة، فبهذا التصريح أدرك أنه بات هدفا لإحدى وكالات الاستخبارات في البلاد. كانت لعبة مزدوجة؛ بينما يسرب بعض الجواسيس معلومات عن حياته الخاصة، فإن جواسيس آخرين يهاجمونه بالفعل.
في أيار/مايو 2011 نشرت "إل فارو. نت" مادة بعنوان "عصابة تيكسيس". كان تقريرا مفصلا أعده أراوز وزملاؤه أوسكار مارتينيز وإيفرين ليموس، كشفوا فيه وجود منظمة تمتهن تجارة المخدرات وغسيل الأموال، وتتمتع بحماية السلطات منذ العام 2000. قام على إثر ذلك بالتحقيق في القضية رجال شرطة ومحققون وجواسيس ومدّعو نيابة، ووثقت السلطات تقاريرهم كلها. زعيم المنظمة خوسيه سالاسار، المعروف بالشيطان الأكبر، كان يمارس حياة موازية لحياته الحقيقية، فقد كان يقدم نفسه كرجل أعمال محترم، يستثمر الملايين في الصناعة والفندقة والسياحة، كما كان أحد أبرز رعاة دوري كرة القدم الرسمي، وفي الوقت ذاته يعد واحدا من أقوى رجال العصابات الضالعة في تجارة المخدرات والتابعة لعصابات كولومبيا والمكسيك.
التقرير الذي أعده الصحفيون استنادا إلى بلاغات وكالة الاستخبارات الحكومية وتحقيقات رجال إدارة مكافحة المخدرات الأميركية، تسبب في صدمة كبيرة للشارع العام في السلفادور: كيف تمكنت منظمة لتجارة المخدرات من العمل أمام الجميع لأكثر من اثني عشر عاما وكأن شيئا لم يحدث؟ كيف سكتت السلطات الرسمية عنها ولم تعمل على إيقافها؟ ما الجهات التي كانت تتستر على هذه المنظمة الإجرامية ومَن المتواطئون معها؟
بعد نشر التقرير، ذاع صيت صحفيي "إل فارو" في البلاد، ما دفع بعض الجواسيس من وكالة الاستخبارات الحكومية لجمع المعلومات عن كل ما يخص أراوز، عدا عن أن التقرير أثار حفيظة السلطات نفسها التي كلفت جواسيس آخرين بالتنقيب في حياة الصحفي الخاصة.
بين عامي 2009 و2014، حاول رئيس السلفادور آنذاك كارلوس فونيس إضفاء طابع مهني على وكالة الاستخبارات الحكومية ووحدات الاستخبارات العاملة في الشرطة الوطنية المدنية ووزارة الدفاع. وصل خبراء برازيليون إلى البلاد، وأجروا تشخيصا للوضع فيها، فجاءت النتائج بأن الجواسيس غير محترفين، يواجهون مخاطر مالية، يجيدون تتبع الأشخاص لكنهم يجلبون معلومات غير شاملة، كما أن تقاريرهم مليئة بتفاصيل حميمية عن العلاقات الجنسية والمشاكل الزوجية وغير ذلك من المسائل الشخصية التي لا تهم الرأي العام ولا تخدم المسار المهني في تحديد منحى المخاطر.
يقول الصحفي الذي وصل إلى مصادر استخبارية: "كانت تقاريرهم عبارة عن روايات هزلية لعشيقات رجال السياسة".
في مارس/آذار 2012، نشرت "إل فارو" مرة أخرى تقريرا بعنوان "الحكومة تفاوض رجال العصابات للتقليل من جرائم القتل"، أعده أراوز وليموس والأخوان مارتينيز، كان له وقع كبير على السلطات. بدأت وزارة العدل والأمن العام بإجراء تحقيقات داخلية للكشف عن الجواسيس ورجال الأمن الذين سربوا تلك المعلومات للصحافة.
أراوز كان ملاحقا كذلك، أراد الجواسيس معرفة زملائه الذين يتناقل معهم المعلومات. في تلك الأيام التُقطت له صورة من أمام ديسكو للمثليين في حفل عيد ميلاد واحد من أصدقائه، أما الجاسوس الذي كان مصدر معلومات أراوز فقد حذره منهم، أفهَمه أنهم يتتبعون خطواته كلها. "يقولون إنك منحرف إلى أبعد الحدود"، أخبره الجاسوس.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وجه مكتب المدعي العام التهمة إلى أربعة من رجال الأمن بتسريب المعلومات للصحافة. أثناء المحاكمة التي أُعلن أنها ستكون سرية، لم يأت أحد على ذكر اسم "إل فارو" ولا حتى أي من صحفييها.
حتى ذلك العام، لم يكن أفراد عصابة تيكسيس قد تلقوا تهمة بأي جناية، الأمر الذي تحقق عام 2017 حين جرى اعتقالهم واتهامهم بتبييض الأموال والأصول المملوكة. يعلق أراوز: "لم تكن لدى أي من رؤساء هذه البلاد وكالة استخبارات حكومية تسانده في اتخاذ القرارات".
بين عامي 2015 و2018 راهنت حكومة الرئيس سلفادور سيرين بخوض حرب ضد العصابات، وكأي حرب فهي بحاجة إلى مصادر تمويل. كانت ميزانية الأمن العام تفوق 450 مليون دولار سنويا، في بدايات 2019 اشترى الأمن الوطني المدني معدات وبرامج تقنية مصنعة في إسرائيل. في أواسط ذلك العام، ولدى اعتلائه السلطة أعلن نجيب أبو كيلة عن توجهه إلى الاستثمار في تكنولوجيا الرقابة الرقمية، دون أن يوضح ما الذي يعنيه بذلك.
الأفلام الإباحية أم المصادر؟
-
"هل تقول بأن حكومة نجيب أبو كيلة كانت تتجسس عليك؟"
-
"أقول بأن الحكومة تستخدم التكنولوجيا لاختراق اتصالات ومراسلات صحفيين معينين من خلال استخبارات الدولة".
بريان أفيلار، واحد من أبرز الصحفيين في السلفادور، يقول إنه يؤمن بذلك لأسباب عدة، خاصة بعد تصاعد أهمية منشوراته التي يُبرز فيها شبهات فساد تورطت فيها شخصيات من محيط الرئيس، ذلك أنه خلال المؤتمرات الصحفية يوجه بشجاعة كبيرة أسئلة محرجة إلى أبو كيلة، ولذلك يعمدون إلى مهاجمته على شبكات التواصل. ولقد تعرض خلال الانتخابات البلدية والتشريعية في شباط للتهديد بالاعتداء من قبل مجموعة من مناصري الحزب الحاكم. يقول لـ "مجلة الصحافة": "أبو كيلة يدرك أن تغطياتي الإعلامية المثيرة دفعت مصادر المعلومات إلى التحدث لي".
يقول أيضا إنه وزملاء آخرين من مجلة فاكتوم وصحيفة إل فارو، تحققوا من أنه تم اختراق اتصالاتهم، ويؤكد أن موظفا في حكومة نجيب هو من أعطاه الدلائل على ذلك تتضمن مقاطع مصورة من محادثاته الخاصة.
في أبريل 2019، عدلت الهيئة التشريعية المادة 24 من الدستور للسماح بالتنصت على المكالمات الهاتفية في حالات استثنائية، وبشكل مؤقت، شريطة أخذ إذن من أحد القضاة. في السنة التالية أقر النواب قانون التدخل في الاتصالات، والذي بموجبه تم إنشاء مركز للتنصت، على أن يدار من قبل مكتب المدعي العام، وأن يختص تدخله عموما في قضايا جرائم القتل والاختطاف والابتزاز والاتجار بالبشر والجريمة المنظمة.
تعتبر التدخلات غير القانونية التي يجريها مكتب المدعي العام أو أي مؤسسة أخرى جريمة يعاقب عليها القانون. في يناير/كانون الأول 2018 مثلا، حُكم على لويس مارتينيز المدعي العام آنذاك، بالسجن خمس سنوات، مع دفع غرامة بقيمة 125 ألف دولار، على إثر تسريبه محتوى محادثات حميمة للقِسّ أنتونيو رودريغيز.
يضيف أفيلار: "لا أظن الرئيس يود معرفة نوعية الأفلام الإباحية التي أشاهدها، ولا عدد النساء اللواتي أكلمهن في الوقت ذاته، هو يريد معرفة مصادر معلوماتي فحسب".
يجري التنصت على الهواتف النقالة للصحفيين بواسطة سبعة أجهزة، حقائب صغيرة يتم توصيلها بجهاز حاسوب، تلتقط الإشارة بمدى 500 متر في محيطها، وبإمكانها اختراق المكالمات الهاتفية والرسائل النصية وفك شيفرة رسائل الواتس آب. التكلفة الأسبوعية لهذه الأجهزة تتراوح بين عشرة وخمسة عشر ألف دولار، "وبما أن تكلفتها مرتفعة فهي لا تستخدم إلا في حالات قليلة".
هذه الأجهزة تم شراؤها بحسب أفيلار في عهد حكومة سلفادور سيرين، لكنه غير متأكد ما إذا كان التجسس على اتصالات الصحفيين قد بدأ في تلك الفترة الرئاسية أم لا.
تجسس ضد القانون
كان جيرانه هم الذين نبهوه إلى أن رجلين على دراجات نارية يصوران منزله منذ ما يزيد على ثلاث ساعات، يراقبان الخارج والداخل منه وإليه. اقترب من الباب فوجدهما يراقبانه بالفعل، خرج لمواجهتهما، حينها عمد أحدهما إلى إفراد إصبعه الوسطى أمامه بوقاحة، ثم غادرا مباشرة. خورخي بيلتران، صحفي في "إل دياريو دي أوي"، مختص في إعداد تحقيقات صحفية متعلقة بالشرطة والقضاء، انتابه القلق على أفراد عائلته حينها فاتصل بابنه ليطمئن على سلامته، والذي أكد في الطرف المقابل أن رجالا يستقلون سيارة فضية اللون كانوا يطاردونه، بل جاؤوا إلى الجامعة باحثين عنه. في اليوم السابق كان خورخي قد تعرض لمضايقة من رجلَي أمن، حين قاما باحتجازه عند نقطة تفتيش، وحاول أحدهما تمزيق فرش السيارة التي يستقلها، بحجة التأكد من أنه لا يخبئ مخدرات بداخلها. لم يعترض الصحفي حينها، لكنه شغل كاميرا هاتفه وصورهما بينما هما يهددانه ويهينانه. يقول بيلتران إن أحدهما هدده قائلا: "بإمكاني أن أدس غرامين من المخدرات في سيارتك، ثم أعتقلك وأدينك". تجادلوا لدقائق ثم سمحوا له أخيرا بالمغادرة. في اليوم التالي بدأت المضايقات تطال أفراد أسرته، كان ذلك في أواسط عام 2014.
أشارت رابطة الصحفيين في السلفادور إلى أن الاعتداءات على منتسبيها ازدادت في عهد حكومة نجيب أبو كيلة. خلال الأعوام السابقة كانت هناك مضايقات وملاحقات، أجل، لكن حدتها زادت هذه الأيام، فمثلا أبلغت الصحفيتان يولاندا ماغاندا وأدريانا غونزاليس عن أن عددا من الرجال قاموا بتصوير منزليهما. "هذه الأساليب كانت تُتبع في الثمانينيات والتسعينيات، إنه ترهيب يمارسه المحققون"، يقول سيرافين فالنسيا، مقرر حريات التعبير في الرابطة في تصريح لـ "مجلة الصحافة".
في أواخر 1999، كان لافيتّي فرنانديز، رئيس تحرير "إل دياريو دي أوي"، إحدى أهم الصحف اليومية في السلفادور، في مكتبه حين رن جرس الهاتف، على الطرف المقابل، كان خورخي زيدان، مالك القناة الثانية عشرة التلفزيونية، الذي دعاه إلى حضور اجتماع ينوي خلاله أن يعرض عليه مقترحا للتحقيق في حادثة ما.
بالنسبة لفيرنانديز بدا هذا الطلب غريبا، فالقناة الثانية عشرة لها خطها التحريري وأخبارها الخاصة، كما أن لديهم الصحفي الاستقصائي المحترف ماوريسيو فونتيس، والذي فاز فيما بعد برئاسة الجمهورية عام 2009 وهو الآن - بالمناسبة - فارّ من وجه العدالة بتهم الفساد. كان المنطق أن يتولى فونتيس التحقيق في القضية. في النهاية وافق فيرنانديز على الحضور. في اليوم التالي ذهب إلى منزل مالك القناة، بصحبة الصحفي خوان مارتين.
"الحكومة تتنصت على هواتفنا، الشكوك تراودني في هذا الأمر، هل أنت مستعد للتحقيق في ذلك؟". كان ماوريسيو حاضرا في الاجتماع، يستمع ويراقب كل شيء، دون أن يتفوه بكلمة. "لم لا تُجري التحقيق أنت ماوريسيو؟" سأله فيرنانديز مستغربا.
عندها تكلم قائلا إنه كان يمتلك "saltel" وهي شركة اتصالات متواضعة، موضحا أنه لا يريد أن يسود اعتقاد بأنها حرب تجارية على شركات الاتصالات الكبرى حينها؛ تيليكوم الفرنسية، وتيلي موبيل، وموبي ستار.
وافقوا أخيرا على إجراء التحقيق. في البداية، وبمساعدة مهندسين، استخدموا نظام إعادة توجيه التنصت على المكالمات الهاتفية. صدرت المكالمة، وعلى الفور أفاد مركز شركة الاتصالات بأن المكالمة تم اعتراضها. تم تحويل المكالمة إلى مركز وسيط للشركة، حيث يجري هناك تسجيلها للاستماع إليها، وبعد ذلك تم توجيه المكالمة أخيرا إلى وجهتها الأصلية. في المكالمات المخترقة قد تفوق المدة الزمنية لربط الاتصال بوجهته 30 ثانية، كانت تلك الشركات بالفعل تخترق المكالمات بتعليمات من وكالة الاستخبارات الحكومية.
في تلك اللحظة بدأ فيرنانديز يقلّب الأفكار في رأسه. خلال تلك الفترة كان يعاني مشكلات كثيرة مع زوجته وأولاده، وفي أحد البرامج الإذاعية الموجهة من قبل حكومة فرانسيسكو فلوريس آنذاك، تم افتضاح خيباته العائلية تلك على الهواء مباشرة: "حينها فقط أدركت أن هاتف منزلي كان مراقبا".
طلب الصحفيون بعد ذلك مقابلة ممثلي شركات الاتصالات، فلم يجبهم أحد، لكن الرئيس نفسه، وافق على مقابلتهم. فلوريس الذي كان مُلِمّا بأساليب الحوار، استطاع أن يجر الأسئلة إلى سياقات تخدم أجنداته الخاصة. أكد لهم أنه هو نفسه كان متورطا في التنصت على المكالمات الهاتفية حين كان مرشحا للرئاسة، بتكليف من لوكاس كالديرون، شقيق الرئيس المنتهية ولايته أرماندو كالديرون، وكذلك من قبل إنريكيه ألتاميرانو، مالك الصحيفة ذاتها التي يعمل بها الصحفيان فيرنانديز ومارتين.
خلال عقد الثمانينيات، اتُّهِم إنريكيه ألتاميرانو بتمويل جماعات مسلحة تابعة للتحالف الجمهوري الوطني "أرينا" خلال الحرب الأهلية في السلفادور، والذي أصبح الحزب الحاكم في التسعينيات. كان كثير من المموّلين يناضلون تحت راية التحالف.
يوضح فيرنانديز: "قال لي إن كانت لديك الشجاعة لتنشر تقريرا عن تنصت الحكومة على مكالماتك، هذا يعني أنك ستعترف كذلك بأن مالك الصحيفة التي تعمل فيها كان يفعل ذلك أيضا".
عُرض التحقيق على ألتاميرانو، الذي كان وقتها في ميامي، كان رده واضحا: "لا تنشروا منه شيئا أبدا، على الأقل ليس قبل موتي".
لكن الصحفيين لم يتوقفا، بل عرضا التحقيق على فابريسيو ألتاميرانو، ابن مالك الصحيفة. "إنه تحقيق عظيم، لكن حضرتك أيضا مالك الصحيفة، إذا رأيت ألا ننشره فلا مشكلة في ذلك"، قال فيرنانديز.
يذكر لافيتّي فيرنانديز أن فابريسيو ظل صامتا بضع دقائق، تنفس بعمق، وبدا التوتر واضحا عليه؛ بين يديه كان يمتلك معلومات إن نشرَها فإنه يهاجم والده مباشرة، ويهاجم في الوقت ذاته عشرة من المعلنين الرئيسيين في الصحيفة. لم يتوقف هاتف المكتب عن الرنين في تلك اللحظات. "فابريسيو، والدك يودّ التحدث إليك على الهاتف" أعلمَته سكرتيرة المكتب.
رفض فابريسيو استقبال المكالمة، بعدها بدقائق عادت السكرتيرة لتقول إن إنريكيه هدد بأن يأمر حراس الأمن بإخراج جميع الموظفين من المبنى إن أقدموا على نشر التحقيق، في تلك اللحظة نهض فابريسيو من مكتبه: "إذا كان سيطردنا فليكن ذلك علينا الاثنين. فيرنانديز: انشره". "كانت شجاعته مذهلة، أن يتمرد على والده" يقول فيرنانديز.
جمع فابريسيو حاجياته وعاد إلى المنزل، كان الوقت متأخرا، أشرف فيرنانديز على طباعة العدد، وفي صفحاته الست الأولى التحقيق المنتظر: "بتواطؤ من شركات الاتصالات.. الحكومة تتنصت على مكالمات المواطنين". تراوح عدد الأجهزة التي تم اختراقها بين ثلاثة وأربعة آلاف هاتف.
في اليوم التالي وصل إنريكيه إلى الصحيفة، والتقى بفيرنانديز، كان مزاجه قد اعتدل بشكل مثير، بل هنأه على نشره التحقيق: "لم أسأله إطلاقا ما الذي غير رأيه هكذا، حتى إنه دعاني لتناول الغداء".
دفع نشر التحقيق إلى تشكيل لجنة نيابية في الهيئة التشريعية، كان على رجال حكومة فرانسيسكو فلوريس أن يقدموا توضيحات بشأن ما جاء فيه. قال أحدهم حينها إن التدخلات في المكالمات كان يقوم بها الجيش في السبعينيات، والحكومات المدنية في العقد الذي تلاه، وإن الدولة واصلت استخدام هذه الإجراءات فيما بعد ضد المواطنين والصحفيين المزعجين على وجه الخصوص. كل ذلك كان يجري رغم أن الدستور في ذلك الوقت كان يمنع مثل هذه الممارسات.