في أمريكا الوسطى يواجه الصحفيون خطر التصفية الجسدية بشكل دائم. توظف الحكومات وسائل التجسس للنبش في حياتهم الخاصة وتهديد عائلاتهم، كما أن ملاك وسائل الإعلام تجمعهم شبكة علاقات ومصالح مع رجال السياسة والاقتصاد. يسرد المقال قصص صحفيين وجدوا أنفسهم في مواجهة "لوبي" يخنق أنفاسهم ويصادر قصصهم.

حين تبحث السلطة عن "الأفلام الإباحية" في هواتف الصحفيين

لم يكن شعورا بالخجل، إنما مزيجا من الخوف والقلق، ليس لأنه أدرك أنهم يقتحمون أكثر أسراره الحميمية وعورة، فلقد كان افتراءً ما نسبوه إليه من أنه يتقنّع بلباس من الجلد في الليل ويمضي في توجيه وتلقّي الضربات بالسياط، ولكن لأن عددا لا بأس به من الخدوش والعضات كان يملأ يديه وذراعيه، فمن سيقنع الناس أنه كان يلاعب كلبته الصغيرة؟

"يقولون إنك تمارس سادية مازوخية في علاقاتك الجنسية"، قال له الجاسوس باستهزاء، كمن يريد إلقاء نكتة مشينة على مائدة تضج بسيدات المجتمع المحتشمات.

سيرخيو أراوز، صحفي سلفادوري في "إل فارو. نت" إحدى أكثر الوسائط الرقمية شهرة في أميركا اللاتينية، انتابه القلق الشديد في تلك اللحظة، فبهذا التصريح أدرك أنه بات هدفا لإحدى وكالات الاستخبارات في البلاد. كانت لعبة مزدوجة؛ بينما يسرب بعض الجواسيس معلومات عن حياته الخاصة، فإن جواسيس آخرين يهاجمونه بالفعل.

في أيار/مايو 2011 نشرت "إل فارو. نت" مادة بعنوان "عصابة تيكسيس". كان تقريرا مفصلا أعده أراوز وزملاؤه أوسكار مارتينيز وإيفرين ليموس، كشفوا فيه وجود منظمة تمتهن تجارة المخدرات وغسيل الأموال، وتتمتع بحماية السلطات منذ العام 2000. قام على إثر ذلك بالتحقيق في القضية رجال شرطة ومحققون وجواسيس ومدّعو نيابة، ووثقت السلطات تقاريرهم كلها. زعيم المنظمة خوسيه سالاسار، المعروف بالشيطان الأكبر، كان يمارس حياة موازية لحياته الحقيقية، فقد كان يقدم نفسه كرجل أعمال محترم، يستثمر الملايين في الصناعة والفندقة والسياحة، كما كان أحد أبرز رعاة دوري كرة القدم الرسمي، وفي الوقت ذاته يعد واحدا من أقوى رجال العصابات الضالعة في تجارة المخدرات والتابعة لعصابات كولومبيا والمكسيك.

التقرير الذي أعده الصحفيون استنادا إلى بلاغات وكالة الاستخبارات الحكومية وتحقيقات رجال إدارة مكافحة المخدرات الأميركية، تسبب في صدمة كبيرة للشارع العام في السلفادور: كيف تمكنت منظمة لتجارة المخدرات من العمل أمام الجميع لأكثر من اثني عشر عاما وكأن شيئا لم يحدث؟ كيف سكتت السلطات الرسمية عنها ولم تعمل على إيقافها؟ ما الجهات التي كانت تتستر على هذه المنظمة الإجرامية ومَن المتواطئون معها؟

بعد نشر التقرير، ذاع صيت صحفيي "إل فارو" في البلاد، ما دفع بعض الجواسيس من وكالة الاستخبارات الحكومية لجمع المعلومات عن كل ما يخص أراوز، عدا عن أن التقرير أثار حفيظة السلطات نفسها التي كلفت جواسيس آخرين بالتنقيب في حياة الصحفي الخاصة.

بين عامي 2009 و2014، حاول رئيس السلفادور آنذاك كارلوس فونيس إضفاء طابع مهني على وكالة الاستخبارات الحكومية ووحدات الاستخبارات العاملة في الشرطة الوطنية المدنية ووزارة الدفاع. وصل خبراء برازيليون إلى البلاد، وأجروا تشخيصا للوضع فيها، فجاءت النتائج بأن الجواسيس غير محترفين، يواجهون مخاطر مالية، يجيدون تتبع الأشخاص لكنهم يجلبون معلومات غير شاملة، كما أن تقاريرهم مليئة بتفاصيل حميمية عن العلاقات الجنسية والمشاكل الزوجية وغير ذلك من المسائل الشخصية التي لا تهم الرأي العام ولا تخدم المسار المهني في تحديد منحى المخاطر.

يقول الصحفي الذي وصل إلى مصادر استخبارية: "كانت تقاريرهم عبارة عن روايات هزلية لعشيقات رجال السياسة".

في مارس/آذار 2012، نشرت "إل فارو" مرة أخرى تقريرا بعنوان "الحكومة تفاوض رجال العصابات للتقليل من جرائم القتل"، أعده أراوز وليموس والأخوان مارتينيز، كان له وقع كبير على السلطات. بدأت وزارة العدل والأمن العام بإجراء تحقيقات داخلية للكشف عن الجواسيس ورجال الأمن الذين سربوا تلك المعلومات للصحافة.

أراوز كان ملاحقا كذلك، أراد الجواسيس معرفة زملائه الذين يتناقل معهم المعلومات. في تلك الأيام التُقطت له صورة من أمام ديسكو للمثليين في حفل عيد ميلاد واحد من أصدقائه، أما الجاسوس الذي كان مصدر معلومات أراوز فقد حذره منهم، أفهَمه أنهم يتتبعون خطواته كلها. "يقولون إنك منحرف إلى أبعد الحدود"، أخبره الجاسوس.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وجه مكتب المدعي العام التهمة إلى أربعة من رجال الأمن بتسريب المعلومات للصحافة. أثناء المحاكمة التي أُعلن أنها ستكون سرية، لم يأت أحد على ذكر اسم "إل فارو" ولا حتى أي من صحفييها.

حتى ذلك العام، لم يكن أفراد عصابة تيكسيس قد تلقوا تهمة بأي جناية، الأمر الذي تحقق عام 2017 حين جرى اعتقالهم واتهامهم بتبييض الأموال والأصول المملوكة. يعلق أراوز: "لم تكن لدى أي من رؤساء هذه البلاد وكالة استخبارات حكومية تسانده في اتخاذ القرارات".

بين عامي 2015 و2018 راهنت حكومة الرئيس سلفادور سيرين بخوض حرب ضد العصابات، وكأي حرب فهي بحاجة إلى مصادر تمويل. كانت ميزانية الأمن العام تفوق 450 مليون دولار سنويا، في بدايات 2019 اشترى الأمن الوطني المدني معدات وبرامج تقنية مصنعة في إسرائيل. في أواسط ذلك العام، ولدى اعتلائه السلطة أعلن نجيب أبو كيلة عن توجهه إلى الاستثمار في تكنولوجيا الرقابة الرقمية، دون أن يوضح ما الذي يعنيه بذلك.

 

1
تخسر الحكومات ملايين الدولارات لاستهداف هواتف الصحفيين (تصوير: خواس كارلوس كاووس - شترستوك).

 

الأفلام الإباحية أم المصادر؟

بريان أفيلار، واحد من أبرز الصحفيين في السلفادور، يقول إنه يؤمن بذلك لأسباب عدة، خاصة بعد تصاعد أهمية منشوراته التي يُبرز فيها شبهات فساد تورطت فيها شخصيات من محيط الرئيس، ذلك أنه خلال المؤتمرات الصحفية يوجه بشجاعة كبيرة أسئلة محرجة إلى أبو كيلة، ولذلك يعمدون إلى مهاجمته على شبكات التواصل. ولقد تعرض خلال الانتخابات البلدية والتشريعية في شباط للتهديد بالاعتداء من قبل مجموعة من مناصري الحزب الحاكم. يقول لـ "مجلة الصحافة": "أبو كيلة يدرك أن تغطياتي الإعلامية المثيرة دفعت مصادر المعلومات إلى التحدث لي".

يقول أيضا إنه وزملاء آخرين من مجلة فاكتوم وصحيفة إل فارو، تحققوا من أنه تم اختراق اتصالاتهم، ويؤكد أن موظفا في حكومة نجيب هو من أعطاه الدلائل على ذلك تتضمن مقاطع مصورة من محادثاته الخاصة.

في أبريل 2019، عدلت الهيئة التشريعية المادة 24 من الدستور للسماح بالتنصت على المكالمات الهاتفية في حالات استثنائية، وبشكل مؤقت، شريطة أخذ إذن من أحد القضاة. في السنة التالية أقر النواب قانون التدخل في الاتصالات، والذي بموجبه تم إنشاء مركز للتنصت، على أن يدار من قبل مكتب المدعي العام، وأن يختص تدخله عموما في قضايا جرائم القتل والاختطاف والابتزاز والاتجار بالبشر والجريمة المنظمة.

تعتبر التدخلات غير القانونية التي يجريها مكتب المدعي العام أو أي مؤسسة أخرى جريمة يعاقب عليها القانون. في يناير/كانون الأول 2018 مثلا، حُكم على لويس مارتينيز المدعي العام آنذاك، بالسجن خمس سنوات، مع دفع غرامة بقيمة 125 ألف دولار، على إثر تسريبه محتوى محادثات حميمة للقِسّ أنتونيو رودريغيز.

يضيف أفيلار: "لا أظن الرئيس يود معرفة نوعية الأفلام الإباحية التي أشاهدها، ولا عدد النساء اللواتي أكلمهن في الوقت ذاته، هو يريد معرفة مصادر معلوماتي فحسب".

يجري التنصت على الهواتف النقالة للصحفيين بواسطة سبعة أجهزة، حقائب صغيرة يتم توصيلها بجهاز حاسوب، تلتقط الإشارة بمدى 500 متر في محيطها، وبإمكانها اختراق المكالمات الهاتفية والرسائل النصية وفك شيفرة رسائل الواتس آب. التكلفة الأسبوعية لهذه الأجهزة تتراوح بين عشرة وخمسة عشر ألف دولار، "وبما أن تكلفتها مرتفعة فهي لا تستخدم إلا في حالات قليلة".

هذه الأجهزة تم شراؤها بحسب أفيلار في عهد حكومة سلفادور سيرين، لكنه غير متأكد ما إذا كان التجسس على اتصالات الصحفيين قد بدأ في تلك الفترة الرئاسية أم لا.

 

2
في أمريكا الوسطى لا يتعرض الصحفيون فقط للمضايقات، بل إلى التصفية والتهديد بالاغتيال (تصوير: خوسيه كابيساز - رويترز).

 

تجسس ضد القانون

كان جيرانه هم الذين نبهوه إلى أن رجلين على دراجات نارية يصوران منزله منذ ما يزيد على ثلاث ساعات، يراقبان الخارج والداخل منه وإليه. اقترب من الباب فوجدهما يراقبانه بالفعل، خرج لمواجهتهما، حينها عمد أحدهما إلى إفراد إصبعه الوسطى أمامه بوقاحة، ثم غادرا مباشرة. خورخي بيلتران، صحفي في "إل دياريو دي أوي"، مختص في إعداد تحقيقات صحفية متعلقة بالشرطة والقضاء، انتابه القلق على أفراد عائلته حينها فاتصل بابنه ليطمئن على سلامته، والذي أكد في الطرف المقابل أن رجالا يستقلون سيارة فضية اللون كانوا يطاردونه، بل جاؤوا إلى الجامعة باحثين عنه. في اليوم السابق كان خورخي قد تعرض لمضايقة من رجلَي أمن، حين قاما باحتجازه عند نقطة تفتيش، وحاول أحدهما تمزيق فرش السيارة التي يستقلها، بحجة التأكد من أنه لا يخبئ مخدرات بداخلها. لم يعترض الصحفي حينها، لكنه شغل كاميرا هاتفه وصورهما بينما هما يهددانه ويهينانه. يقول بيلتران إن أحدهما هدده قائلا: "بإمكاني أن أدس غرامين من المخدرات في سيارتك، ثم أعتقلك وأدينك". تجادلوا لدقائق ثم سمحوا له أخيرا بالمغادرة. في اليوم التالي بدأت المضايقات تطال أفراد أسرته، كان ذلك في أواسط عام 2014.

أشارت رابطة الصحفيين في السلفادور إلى أن الاعتداءات على منتسبيها ازدادت في عهد حكومة نجيب أبو كيلة. خلال الأعوام السابقة كانت هناك مضايقات وملاحقات، أجل، لكن حدتها زادت هذه الأيام، فمثلا أبلغت الصحفيتان يولاندا ماغاندا وأدريانا غونزاليس عن أن عددا من الرجال قاموا بتصوير منزليهما. "هذه الأساليب كانت تُتبع في الثمانينيات والتسعينيات، إنه ترهيب يمارسه المحققون"، يقول سيرافين فالنسيا، مقرر حريات التعبير في الرابطة في تصريح لـ "مجلة الصحافة".

في أواخر 1999، كان لافيتّي فرنانديز، رئيس تحرير "إل دياريو دي أوي"، إحدى أهم الصحف اليومية في السلفادور، في مكتبه حين رن جرس الهاتف، على الطرف المقابل، كان خورخي زيدان، مالك القناة الثانية عشرة التلفزيونية، الذي دعاه إلى حضور اجتماع ينوي خلاله أن يعرض عليه مقترحا للتحقيق في حادثة ما.

بالنسبة لفيرنانديز بدا هذا الطلب غريبا، فالقناة الثانية عشرة لها خطها التحريري وأخبارها الخاصة، كما أن لديهم الصحفي الاستقصائي المحترف ماوريسيو فونتيس، والذي فاز فيما بعد برئاسة الجمهورية عام 2009 وهو الآن - بالمناسبة - فارّ من وجه العدالة بتهم الفساد. كان المنطق أن يتولى فونتيس التحقيق في القضية. في النهاية وافق فيرنانديز على الحضور. في اليوم التالي ذهب إلى منزل مالك القناة، بصحبة الصحفي خوان مارتين.

"الحكومة تتنصت على هواتفنا، الشكوك تراودني في هذا الأمر، هل أنت مستعد للتحقيق في ذلك؟". كان ماوريسيو حاضرا في الاجتماع، يستمع ويراقب كل شيء، دون أن يتفوه بكلمة. "لم لا تُجري التحقيق أنت ماوريسيو؟" سأله فيرنانديز مستغربا.

عندها تكلم قائلا إنه كان يمتلك "saltel" وهي شركة اتصالات متواضعة، موضحا أنه لا يريد أن يسود اعتقاد بأنها حرب تجارية على شركات الاتصالات الكبرى حينها؛ تيليكوم الفرنسية، وتيلي موبيل، وموبي ستار.

وافقوا أخيرا على إجراء التحقيق. في البداية، وبمساعدة مهندسين، استخدموا نظام إعادة توجيه التنصت على المكالمات الهاتفية. صدرت المكالمة، وعلى الفور أفاد مركز شركة الاتصالات بأن المكالمة تم اعتراضها. تم تحويل المكالمة إلى مركز وسيط للشركة، حيث يجري هناك تسجيلها للاستماع إليها، وبعد ذلك تم توجيه المكالمة أخيرا إلى وجهتها الأصلية. في المكالمات المخترقة قد تفوق المدة الزمنية لربط الاتصال بوجهته 30 ثانية، كانت تلك الشركات بالفعل تخترق المكالمات بتعليمات من وكالة الاستخبارات الحكومية.

في تلك اللحظة بدأ فيرنانديز يقلّب الأفكار في رأسه. خلال تلك الفترة كان يعاني مشكلات كثيرة مع زوجته وأولاده، وفي أحد البرامج الإذاعية الموجهة من قبل حكومة فرانسيسكو فلوريس آنذاك، تم افتضاح خيباته العائلية تلك على الهواء مباشرة: "حينها فقط أدركت أن هاتف منزلي كان مراقبا".

طلب الصحفيون بعد ذلك مقابلة ممثلي شركات الاتصالات، فلم يجبهم أحد، لكن الرئيس نفسه، وافق على مقابلتهم. فلوريس الذي كان مُلِمّا بأساليب الحوار، استطاع أن يجر الأسئلة إلى سياقات تخدم أجنداته الخاصة. أكد لهم أنه هو نفسه كان متورطا في التنصت على المكالمات الهاتفية حين كان مرشحا للرئاسة، بتكليف من لوكاس كالديرون، شقيق الرئيس المنتهية ولايته أرماندو كالديرون، وكذلك من قبل إنريكيه ألتاميرانو، مالك الصحيفة ذاتها التي يعمل بها الصحفيان فيرنانديز ومارتين.

خلال عقد الثمانينيات، اتُّهِم إنريكيه ألتاميرانو بتمويل جماعات مسلحة تابعة للتحالف الجمهوري الوطني "أرينا" خلال الحرب الأهلية في السلفادور، والذي أصبح الحزب الحاكم في التسعينيات. كان كثير من المموّلين يناضلون تحت راية التحالف.

يوضح فيرنانديز: "قال لي إن كانت لديك الشجاعة لتنشر تقريرا عن تنصت الحكومة على مكالماتك، هذا يعني أنك ستعترف كذلك بأن مالك الصحيفة التي تعمل فيها كان يفعل ذلك أيضا".

عُرض التحقيق على ألتاميرانو، الذي كان وقتها في ميامي، كان رده واضحا: "لا تنشروا منه شيئا أبدا، على الأقل ليس قبل موتي".

لكن الصحفيين لم يتوقفا، بل عرضا التحقيق على فابريسيو ألتاميرانو، ابن مالك الصحيفة. "إنه تحقيق عظيم، لكن حضرتك أيضا مالك الصحيفة، إذا رأيت ألا ننشره فلا مشكلة في ذلك"، قال فيرنانديز.

يذكر لافيتّي فيرنانديز أن فابريسيو ظل صامتا بضع دقائق، تنفس بعمق، وبدا التوتر واضحا عليه؛ بين يديه كان يمتلك معلومات إن نشرَها فإنه يهاجم والده مباشرة، ويهاجم في الوقت ذاته عشرة من المعلنين الرئيسيين في الصحيفة. لم يتوقف هاتف المكتب عن الرنين في تلك اللحظات. "فابريسيو، والدك يودّ التحدث إليك على الهاتف" أعلمَته سكرتيرة المكتب.

رفض فابريسيو استقبال المكالمة، بعدها بدقائق عادت السكرتيرة لتقول إن إنريكيه هدد بأن يأمر حراس الأمن بإخراج جميع الموظفين من المبنى إن أقدموا على نشر التحقيق، في تلك اللحظة نهض فابريسيو من مكتبه: "إذا كان سيطردنا فليكن ذلك علينا الاثنين. فيرنانديز: انشره". "كانت شجاعته مذهلة، أن يتمرد على والده" يقول فيرنانديز.

جمع فابريسيو حاجياته وعاد إلى المنزل، كان الوقت متأخرا، أشرف فيرنانديز على طباعة العدد، وفي صفحاته الست الأولى التحقيق المنتظر: "بتواطؤ من شركات الاتصالات.. الحكومة تتنصت على مكالمات المواطنين". تراوح عدد الأجهزة التي تم اختراقها بين ثلاثة وأربعة آلاف هاتف.

في اليوم التالي وصل إنريكيه إلى الصحيفة، والتقى بفيرنانديز، كان مزاجه قد اعتدل بشكل مثير، بل هنأه على نشره التحقيق: "لم أسأله إطلاقا ما الذي غير رأيه هكذا، حتى إنه دعاني لتناول الغداء".

دفع نشر التحقيق إلى تشكيل لجنة نيابية في الهيئة التشريعية، كان على رجال حكومة فرانسيسكو فلوريس أن يقدموا توضيحات بشأن ما جاء فيه. قال أحدهم حينها إن التدخلات في المكالمات كان يقوم بها الجيش في السبعينيات، والحكومات المدنية في العقد الذي تلاه، وإن الدولة واصلت استخدام هذه الإجراءات فيما بعد ضد المواطنين والصحفيين المزعجين على وجه الخصوص. كل ذلك كان يجري رغم أن الدستور في ذلك الوقت كان يمنع مثل هذه الممارسات.

المزيد من المقالات

جلسة خاطفة في "فرع" كفرسوسة

طيلة أكثر من عقد من الثورة السورية، جرب النظام السابق مختلف أنواع الترهيب ضد الصحفيين. قتل وتحقيق وتهجير، من أجل هدف واحد: إسكات صوت الصحفيين. مودة بحاح، تخفت وراء أسماء مستعارة، واتجهت إلى المواضيع البيئية بعد "جلسة خاطفة" في فرع كفرسوسة.

مودة بحاح نشرت في: 17 ديسمبر, 2024
الصحافة السورية المستقلة.. من الثورة إلى سقوط الأسد

خلال 13 سنة من عمر الثورة السورية، ساهمت المنصات الصحفية المستقلة في كشف الانتهاكات الممنهجة للنظام السابق. الزميل أحمد حاج حمدو، يقدم قراءة في أدوار الإعلام البديل من لحظة الثورة إلى لحظة هروب بشار الأسد

Ahmad Haj Hamdo
أحمد حاج حمدو نشرت في: 13 ديسمبر, 2024
الاستعمار الرقمي.. الجنوب العالمي أمام شاشات مغلقة

بعد استقلال الدول المغاربية، كان المقاومون القدامى يرددون أن "الاستعمار خرج من الباب ليعود من النافذة"، وها هو يعود بأشكال جديدة للهيمنة عبر نافذة الاستعمار الرقمي. تبرز هذه السيطرة في الاستحواذ على الشركات التكنولوجية والإعلامية الكبرى، بينما ما يزال الجنوب يبحث عن بديل.

أحمد رضوان نشرت في: 9 ديسمبر, 2024
الجنوب العالمي.. مناجم بوليفيا والإعلام البديل

هل أسست إذاعات المناجم في بوليفيا لتوجه جديد في دراسات الاتصال الواعية بتحديات الجنوب العالمي أم كانت مجرد حركة اجتماعية قاومت الاستبداد والحكم العسكري؟ وكيف يمكن قراءة تطور إذاعات المناجم على ضوء جدلية الشمال والجنوب؟

Khaldoun Shami PhD
خلدون شامي نشرت في: 4 ديسمبر, 2024
تحديات تدفق البيانات غير المتكافئ على سرديات الجنوب

ساهمت الثورة الرقمية في تعميق الفجوة بين دول الجنوب والشمال، وبعيدا عن النظريات التي تفسر هذا التدفق غير المتكافئ بتطور الشمال واحتكاره للتكنولوجيا، يناقش المقال دور وسياسات الحدود الوطنية والمحلية لدول الجنوب في في التأثير على سرديات الجنوب.

حسن عبيد نشرت في: 1 ديسمبر, 2024
عن الصحافة الليبرالية الغربية وصعود الشعبويّة المعادية للإعلام

بنى إيلون ماسك، مالك منصة إكس، حملته الانتخابية المساندة لدونالد ترامب على معاداة الإعلام الليبرالي التقليدي. رجل الأعمال، الذي يوصف بأنه أقوى رجل غير منتخب في الولايات المتحدة الأمريكية، يمثل حالة دالة على صعود الشعبوية المشككة في وسائل الإعلام واعتبارها أدوات "الدولة العميقة التي تعمل ضد "الشعب".

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 24 نوفمبر, 2024
ازدواجية التغطية الإعلامية الغربية لمعاناة النساء في العالم الإسلامي

تَعري طالبة إيرانية احتجاجا على الأمن، و70 في المئة من الشهداء في فلسطين نساء وأطفال. بين الخبرين مسافة زمنية قصيرة، لكن الخبر الأول حظي بتغطية إعلامية غربية واسعة مقابل إغفال القتل الممنهج والتعذيب والاعتقال ضد النساء الفلسطينيات. كيف تؤطر وسائل الإعلام الغربية قضايا النساء في العالم الإسلامي، وهل هي محكومة بازدواجية معايير؟

شيماء العيسائي نشرت في: 19 نوفمبر, 2024
كيف يقوض التضليل ثقة الجمهور في الصحافة؟

تكشف التقارير عن مزيد من فقدان الثقة في وسائل الإعلام متأثرة بحجم التضليل الذي يقوض قدرة الصحافة المهنية على التأثير في النقاشات العامة. حواضن التضليل التي أصبحت ترعاها دول وكيانات خاصة أثناء النزاعات والحروب، تهدد بتجريد المهنة من وظائفها في المساءلة والمراقبة.

Muhammad Khamaiseh 1
محمد خمايسة نشرت في: 11 نوفمبر, 2024
جيريمي سكاهيل: الحرب على غزّة وضرورة العودة إلى "صحافة المواجهة"

يدعو الصحفي الاستقصائي الشهير جيريمي سكاهيل إلى إحياء ما أسماه "صحافة المواجهة" للتصدي لحالة التفريط بالقيم المهنية والإنسانية الأساسية في وسائل إعلام غربية مهيمنة، وخاصة في سياق تغطية الإبادة في قطاع غزة.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 6 نوفمبر, 2024
تأثير إفلات سلطة الاحتلال الإسرائيلي من العقاب على ممارسة المهنة بفلسطين

صنفت لجنة حماية الصحفيين الاحتلال الإسرائيلي في مقدمة المفلتين من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين. الزميل ياسر أحمد قشي، رئيس قسم حماية الصحفيين بمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان، يشرح في المقال كيف فشلت المنظومة الأممية في حماية "شهود الحقيقة" في فلسطين.

ياسر أحمد قشي نشرت في: 3 نوفمبر, 2024
التضليل والسياق التاريخي.. "صراع الذاكرة ضد النسيان"

ما الفرق بين السادس والسابع من أكتوبر؟ كيف مارست وسائل الإعلام التضليل ببتر السياق التاريخي؟ لماذا عمدت بعض وسائل الإعلام العربية إلى تجريد حرب الإبادة من جذورها؟ وهل ثمة تقصد في إبراز ثنائية إسرائيل - حماس في التغطيات الإخبارية؟

سعيد الحاجي نشرت في: 30 أكتوبر, 2024
أدوار الإعلام العماني في زمن التغيرات المناخية

تبرز هذه الورقة كيف ركز الإعلام العماني في زمن الكوارث الطبيعية على "الإشادة" بجهود الحكومة لتحسين سمعتها في مقابل إغفال صوت الضحايا والمتأثرين بالأعاصير وتمثل دوره في التحذير والوقاية من الكوارث في المستقبل.

شيماء العيسائي نشرت في: 21 أكتوبر, 2024
نصف الحقيقة كذبة كاملة

في صحافة الوكالة الموسومة بالسرعة والضغط الإخباري، غالبا ما يطلب من الصحفيين "قصاصات" قصيرة لا تستحضر السياقات التاريخية للصراعات والحروب، وحالة فلسطين تعبير صارخ عن ذلك، والنتيجة: نصف الحقيقة قد يكون كذبة كاملة.

Ilya U. Topper
إيليا توبر Ilya U. Topper نشرت في: 14 أكتوبر, 2024
النظام الإعلامي في السودان أثناء الحرب

فككت الحرب الدائرة في السودان الكثير من المؤسسات الإعلامية لتفسح المجال لكم هائل من الشائعات والأخبار الكاذبة التي شكلت وقودا للاقتتال الداخلي. هاجر جزء كبير من الجمهور إلى المنصات الاجتماعية بحثا عن الحقيقة بينما ما لا تزال بعض المؤسسات الإعلامية التقليدية رغم استهداف مقراتها وصحفييها.

محمد بابكر العوض نشرت في: 12 أكتوبر, 2024
عامٌ على حرب الإبادة في فلسطين.. الإعلام الغربي وهو يساوي بين الجاني والضحيّة

ما تزال وسائل إعلام غربية كبرى تثبت أنّها طرفٌ في حـرب الرواية، ولصالح الاحتلال الاسرائيلي.. في هذا المقال، يوضّح الزميل محمد زيدان كيف أن وسائل إعلام غربية كبرى ما تزال تطوّر من تقنيات تحيّزها لصالح الاحتلال، رغم انقضاء عام كامل على حرب الإبـادة في فلسطين.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 8 أكتوبر, 2024
تاريخ الصحافة.. من مراقبة السلطة السياسية إلى حمايتها

انبثقت الصحافة من فكرة مراقبة السلطة السياسية وكشف انتهاكاتها، لكن مسار تطورها المرتبط بتعقد الفساد السياسي جعلها أداة في يد "الرأسمالية". يقدم المقال قراءة تاريخية في العلاقة الصعبة بين الصحافة والسياسة.

نصر السعيدي نشرت في: 26 سبتمبر, 2024
حرية الصحافة بالأردن والقراءة غير الدستورية

منذ إقرار قانون الجرائم الإلكترونية بالأردن، دخلت حرية الرأي والتعبير مرحلة مقلقة موسومة باعتقال الصحفيين والتضييق على وسائل الإعلام. يقدم مصعب شوابكة قراءة دستورية مستندة على اجتهادات وأحكام تنتصر لحرية التعبير في ظرفية تحتاج فيها البلاد لتنوع الآراء في مواجهة اليمين الإسرائيلي.

Musab Shawabkeh
مصعب الشوابكة نشرت في: 8 سبتمبر, 2024
المصادر المجهّلة في نيويورك تايمز.. تغطية الحرب بعين واحدة

ينظر إلى توظيف المصادر المجهلة ضمن المعايير المهنية والأخلاقية بأنها "الخيار الأخير" للصحفيين، لكن تحليل بيانات لصحيفة نيويورك تايمز يظهر نمطا ثابتا يوظف "التجهيل" لخدمة سرديات معينة خاصة الإسرائيلية.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 5 سبتمبر, 2024
إرهاق الأخبار وتجنبها.. ما الذي عكر مزاج جمهور وسائل الإعلام؟

أبرزت دراسة  أجريت على 12 ألف بالغ أمريكي، أن الثلثين منهم يعترفون بأنهم "منهكون" بسبب الكم الهائل من الأخبار التي تقدم لهم. لماذا يشعر الجمهور بالإرهاق من الأخبار؟ وهل أصبح يتجنبها وتؤثر عليه نفسيا؟ وكيف يمكن لوسائل الإعلام أن تستعيد الثقة في جمهورها؟

عثمان كباشي نشرت في: 1 سبتمبر, 2024
كليات الصحافة في الصومال.. معركة الأنفاس الأخيرة

لا تزال كليات الصحافة في الصومال تسير بخطى بطيئة جدا متأثرة بسياق سياسي مضطرب. أكاديمية الصومال للإعلام الرقمي تحاول بشراكة مع الجامعات بناء صحفيي المستقبل.

الشافعي أبتدون نشرت في: 27 أغسطس, 2024
كيف تستفيد الصحافة من أدوات العلوم الاجتماعية؟

حينما سئل عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو عن رأيه في مساهمة الضواحي في الانتخابات، أجاب أنه لا يمكن اختصار عقود كاملة من الاستعمار والمشاكل المعقدة في 10 دقائق. تظهر قيمة العلوم الاجتماعية في إسناد الصحافة حين تعالج قضايا المجتمع والسلطة والهوية في سبيل صحافة أكثر جودة.

رحاب ظاهري نشرت في: 21 أغسطس, 2024
هذه تجربتي في تعلم الصحافة في الجامعة الجزائرية

تقدم فاطمة الزهراء زايدي في هذه الورقة تجربتها في تعلم الصحافة في الجامعة الجزائرية. صعوبة الولوج إلى التدريب، عتاقة المناهج الدراسية، أساليب التلقين التلقيدية، والتوظيف بـ "الواسطة" يفرخ "جيشا" من الصحفيين يواجهون البطالة.

فاطمة الزهراء الزايدي نشرت في: 11 أغسطس, 2024
البودكاست في الصحافة الرياضية.. الحدود بين التلقائية والشعبوية

في مساحة تتخلّلها إضاءة خافتة في أغلب الأحيان، بينما الصمت الذي يوحي به المكان تُكسِّره أصوات تحمل نبرة منخفضة، يجلس شخصان أو أكثر ليتبادلا أطراف الحديث، يجولان بين الماض

أيوب رفيق نشرت في: 4 أغسطس, 2024
نظرة على تقرير رويترز للأخبار الرقمية 2024

يتحدث التقرير عن استمرار الأزمة التي تعانيها الصحافة الرقمية عالميا، وهي تحاول التكيّف مع التغييرات المتواصلة التي تفرضها المنصات، وهي تغييرات تتقصد عموما تهميش الأخبار والمحتوى السياسي لصالح المحتوى الترفيهي، ومنح الأولوية في بنيتها الخوارزمية للمحتوى المرئي (الفيديو تحديدا) على حساب المحتوى المكتوب.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 21 يوليو, 2024