يصدر هذا الكتاب بالتزامن مع الذكرى الأولى لاغتيال الصحفية في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، وبعد أيام فقط من الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، وقد تبخرت حزمة الوعود التي أطلقها المجتمع الدولي بملاحقة ومحاسبة الجناة.
اغتال الاحتلال الإسرائيلي شيرين أبو عاقلة في الميدان - حيث مجالها الحيوي - مرتدية سترة الصحافة، منهمكة في نقل الرواية الحقيقية للعالم.
في الفترة الماضية تحول اغتيال شيرين إلى قضية عالمية من زاوية التنديد بوحشية الاحتلال وكذا من زاوية الاحتفاء بمسيرتها المهنية الطويلة، لكنْ لم تكن هناك - قبل ذلك - محاولة تأسيسية لفهم قدرة شيرين على التأثير في الرأي العام العربي والعالمي أيضا طيلة عقود.
باستثناء شهادات زميلاتها وزملائها، كان استحضار تجربة شيرين أبو عاقلة مرتبطا بالرثاء الذي تفرضه الطريقة التراجيدية التي رحلت بها، وغاب التفكير في الممارسة المهنية والأخلاقية الواعية المؤطرة لتجربتها الطويلة في الصحافة.
خلال هذه التجربة لم ينظر إلى شيرين أبو عاقلة على أنها معارضة سياسية أو متخندقة في معسكر أيديولوجي أو منحازة إلى تيار، رغم أنها اشتغلت في بيئة سياسية معادية لممارسة المهنة سيّجها الاحتلال بـ "أسوار عالية"، ولغّمتها الصراعات الفلسطينية الداخلية. في هذا التخبط القاتم لم تفقد شيرين مهنيتها وقدرتها على الوصول إلى أكبر شريحة من الجمهور المنقسم.
في العادة تدفع هذه البيئة السياسية المعقدة إلى "المعارضة السياسية"، بيد أنّ إخضاع تقاريرها للدراسة والتحليل العلمي يوضح إلى أي مدى بقيت متوازنة حتى وهي تغطي قضية تنتمي إليها. لقد تماهت مع الصحافة حد التصوّف، لدرجة أن وليد العُمري - مدير مكتب الجزيرة بفلسطين، المشارك في الكتاب - وصفها بأنها المؤشر الذي "نقيس به مهنيتنا".
صحفيّة حرب، صحفيّة الميدان، صوت فلسطين، صحفيّة القصة الإنسانية القريبة من الناس، مؤرخة اللحظة، صوت الجزيرة... بين كل هذه الصفات يمكن أن تقرأ تجربة شيرين أبو عاقلة التي اقترنت صورتها بقناة الجزيرة، وبقدرتها الاستثنائية على حماية مبادئ الصحافة.
في الكتاب نستحضر سيرة شيرين أبو عاقلة المهنية وفق تقسيم منهجي يقتفي تقاريرها على شاشة الجزيرة. يتضمن هذا التقسيم شيرين أبو عاقلة والجزيرة، حضور الإنسان والقصة الإنسانية، أخلاقيات المهنة، العمل الميداني ثم مراقبة السلطة بكل تجلياتها، أما الفصل الأخير، فقد خُصّص للقضية المركزية التي بذلت حياتها في سبيلها؛ وهي القضية الفلسطينية.
ملاحظة: ينشر الكتاب بالتزامن مع ذكرى اغتيال شيرين أبو عاقلة (11 ماي/ أيار 2023)