محنة الصحافة المكتوبة في السالفادور

ترجمة: فكري سوسان

 

وصل أنتونيو إرنستو مارتينيث إلى مطار "يوبانغو" بمدينة سان سلفادور، والتقى بحشد من الناس بلباس أبيض. كانوا ينتظرون، وهم متحمسون للغاية، هبوطَ الطائرة التي كانت تنقُل، من غواتيمالا إلى السلفادور، البابا يوحنا بولس الثاني؛ أعلى سلطة في الكنيسة الكاثوليكية. كان ذلك في يوم الخميس 8 شباط/فبراير 1996، وكانت أول تغطية له بصفته مصورا صحفيا -إذ ما يزال طالبا جامعيا-، ولم يكن يتوفر سوى على اختيارين: إما أن ينجح عبر تزويد الصحيفة بمادة قابلة للنشر ليبرهن على أنه يستطيع ممارسة المهنة باحترافية، وإما أن يذهب عمله أدراج الرياح مثل مبتدئ متوتر الأعصاب، وهذا ما كان يظنه البعض.

 

 

 

لكنه نجح في مهمته.

مضت 25 سنة، بين صباح ذلك الخميس ومساء يوم 14 تموز/يوليو 2021، من حياة صحفية مفعمة بالأحداث والوقائع؛ خلال تلك الفترة استطاع أن يغطي عمليات السطو على البنوك، والمواجهات المسلحة بين بائعي الأسواق والحرس البلدي، والزلازل والكوارث الطبيعية، والمظاهرات الشعبية العنيفة، وبداية الحرب بين العصابتين "باريو 18"  و"مارا سلفاتروشا (أم أس-13)" ، إضافة إلى أخبار يومية أخرى من بلد يُعَدّ من بين أعنف بلدان أمريكا اللاتينية.

كما عاش أفظع ظروف العوز والهشاشة التي أجبرته على إنجاز مشروع تجاري صغير مع زوجته لإعالة أطفاله، وترك دراسته الجامعية وتعرض للسرقة مرتين من طرف لصوص سرقوا كاميرته.

كان يقول: "لطالما أخبرت عائلتي أن الراتب سيتحسن يوما ما، لكن ذلك لم يحدث قط". وتذكر لاحقا أنه تم تسريحه مع 67 موظفا آخر بسبب إغلاق الطبعة الورقية.

"إل دياريو دي أوي" ، و"لا برينسا غرافكا"، و"دياريو  إل موندو" ، و"دياريو كو لاتينو" ، هي أكبر وأقدم أربع صحف ورقية في السلفادور، دخلت في الفترة بين 2011 و2017 في أزمة اقتصادية طويلة وعميقة على ما يبدو؛ نتيجة انخفاض إيراداتها  من مبيعات المساحات الإعلامية والنسخ في الشوارع؛ مما أدى إلى تسريح جماعي للصحفيين الأكثر أجرة وخبرة، وتدني مستوى المادة الصحفية المقدمة لقرائها. 

 ويعكس هذا المقال، الذي يستند إلى تحليل لـ 42 بيانا ماليا، أن النموذج التجاري بدأ يتقهقر بشكل بطيء ولكن دون انقطاع بين 2008 و2009، مع انخفاض معدل مبيعات المساحات الإعلانية، وفي سنة 2003 تم توسيع نطاقه ليشمل مبيعات النسخ والاشتراكات، وفي سنة 2017 صرحت أكبر شركتين عن خسائر تتراوح ما بين 600 ألف و2.6 مليون دولار، ومع بداية سنة 2020 أعلنت أصغر شركة عن نهاية الطبعة الورقية نتيجة التعثرات الاقتصادية المعتادة.

 

"إل دياريو دي أوي"

 

أسس نابليون فييرا ألتاميرانو، في أيار/مايو 1936 "إل دياريو دي أوي"، والتي تميزت منذ منشوراتها الأولى بالترويج والدفاع عن أفكار محافظة أخلاقيا ولكن ليبرالية اقتصاديا. في نهاية السبعينات من القرن العشرين، تولى إنريكي ألتاميرانو مادريز القيادة وواصل الخط الأيديولوجي الذي رسمه والده ليصبح عدوا لـ"جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني" التي حاولت قتله عدة مرات. وفي منتصف التسعينات، تم تحديث الصحيفة على مستوى التحرير، وكذا تم تعزيز أسلوبها التجاري. ويقودها حاليا فابريسيو ألتاميرانو باسيل، حفيد المؤسس ونجل إنريكي.
 

في العام 2007، أفادت الصحيفة أن إجمالي الإيرادات بلغ 43.1 مليون دولار، والذي ظل ثابتا حتى العام 2010 عندما هبط إلى 35.4 مليون دولار.  بعد حوالي 24 شهرا، أصبحت 99.99 بالمئة من الأسهم تحت سيطرة شركة "مايفير كابيتال"، وهي شركة مقرها في بنما. هذه استراتيجية متكررة بين عائلات كبار رجال الأعمال السلفادوريين لدفع ضرائب أقل على الأرباح وتجنب الضرائب الأخرى.

وفي العام 2013 بلغ مجموع إيراداتها 32.9 مليون دولار، وسجلت في السنوات التالية انخفاضا مطردا تراوح بين 1 و2 مليون دولار، إلى أن بلغت الخسائر في العام 2017 مبلغ 666 ألف دولار.

ما بين عامي 2007 و2019 انتقل إجمالي إيراداتها سنويا من 43 إلى 19 مليون دولار؛ ما يعني انخفاضا بـ 24 مليون دولار.

في العام 2007 أبلغت عن مبيعات للنسخ تقدر بمبلغ 10.2 مليون دولار، وفي السنوات الخمس التالية ظلت على حالها إلى أن بدأت في الانخفاض إلى مليون دولار في الحد الأقصى ومئة ألف دولار في الحد الأدنى ؛ ففي العام 2013، حققت 9.7 مليون دولار، إلى أن وصلت العام 2019 إلى 5.7 مليون دولار.

في 2019 و2020، طُرِدَ 31 صحفيا من "إل دياريو دي أوي"، وفقا لتقرير صادر عن جمعية صحفيي السلفادور.  وفي وقت لاحق، أعيد تشغيل بعض هؤلاء الصحفيين ولكن بأجور ضعيفة. وما تزال مناصب شغل أخرى مجمدة.

 

"لا برينسا غرافكا" 

 

في أيار/مايو/ 1915 أسس الأخوان أنطونيو وخوسيه دوتريث صحيفة "لا برينسا غرافكا"، التي، على الرغم من اعتدالها، فقد كان خط تحريرها محافظا أخلاقيا ودينيا وليبراليا اقتصاديا. وبعد توقيع اتفاقات السلام، شرعت الصحيفة في عملية تحديث استراتيجية التحرير، وعلى خطى منافسه الرئيسي "إل دياريو دي أوي"، راهن لفترة قصيرة على الصحافة الاستقصائية. 

وبين عامي 2007 و2016، تراوح إجمالي إيراداتها السنوية بين 39 مليون دولار و32 مليون دولار، غير أنه انخفض في السنوات الثلاث 2017 و2018 و2019 إلى 29.2 مليون دولار و27.2 مليون دولار و23.2 مليون دولار على التوالي.

ومن 2007 إلى 2019، انخفض إجمالي إيراداتها من 39.2 مليون دولار إلى 23.2 مليون دولار؛ أي أقل بمقدار 16 مليون دولار.

لقد سجلت الصحيفة هبوطا واضحا في إيراداتها الإشهارية/الإعلانية؛ ففي عامي 2007 و2008 كانت هذه الإيرادات تبلغ 28 مليون دولار، وفي الفترة بين عامي 2009 و2016 انخفضت من 22 مليون دولار إلى 18 مليون دولار، وبين عامي 2017 و2019، تراوحت قيمتها بين 15.6 و11.3 مليون دولار.

وبعبارة أخرى، انخفضت إيراداتها من مبيعات المساحات الإعلانية، بين عامي 2007 و2019، بمقدار النصف.

وفي العام 2017، أبلغت بالإضافة إلى ذلك عن خسائر بلغت 2.6 مليون دولار، وفي 2018 بلغت الخسائر 605 آلاف دولار، وفي 2019 بلغت 1.7 مليون دولار.

وخفَّضَت الصحيفة من مجموع عامليها؛ إذ انخفض العدد من 759 في ميزانيتها المالية للعام 2007 إلى 634 في العام 2008، وزاد إلى 636 في العام 2011. وفي العام 2018، وفقا لتقرير جمعية صحفيي السلفادور، سرّحت "لا برينسا غرافكا" 120 صحفيا، وفي العام التالي، سرحت أكثر من 20.

كانت سوسانا بينيات واحدة من الصحفيين الذين سُرِّحوا في العام 2019. وقتئذ، كان راتبها، في فئة المحرر المساعد، 700 دولار. تقول بينيات في حديث مع "مجلة الصحافة: "لم يكن لديهم أي مال، وقالوا إنهم سيقلصون من عدد العاملين". بعد رحيلها، تم التعاقد مع صحفي جديد في منصب المحرر الرئيسي يوكل إليه القيام بنفس المهام اليومية؛ إذ يبدأ عادة في الثامنة صباحا وينتهي بين العاشرة والحادية عشرة ليلا، ولكن براتب شهري يقل عن 500 دولار!

وأوضحت: "كانوا بحاجة إلى تشغيل عاملين برواتب منخفضة؛ لأنه من المفترض أن راتبي كان عاليا".

LPG

 

"دياريو إل موندو" 

 

في شباط/فبراير 1967، أسس خوان خوسيه بورخا ناثان "دياريو إل موندو"، وخطها الأيديولوجي كان محافظا، كما أن مالكيها؛ من مثل أسرتي ألتاميرانو ودوتريث، دعموا بقوة الأحزابَ اليمينية بشكل علني؛ من مثل حزب "التحالف القومي الجمهوري" (الذي حكم البلد لمدة 20 عاما)، كما نسجوا علاقات تجارية مع أغنى رجال الأعمال في البلد؛ من مثل أسرة بوما، التي تمتلك مراكز تجارية، وشركات البناء والفنادق في أمريكا الوسطى وبنما وكولومبيا ودومينيكان.

بدأت بصفتها جريدة مسائية، ثم في  حزيران/يونيو، 2004 أصبحت جريدة صباحية، ويديرها خوان خوسيه بورخا بابيني.

والمبيعات اليومية للنسخ هو القطاع الذي أثر بقوة على إيرادات "إل موندو"؛ التي انخفضت من 541- 746 دولارا في العام 2007 إلى 220- 359 دولارا في العام 2019؛ أي أقل من 321 ألف دولار. 

 

ووتيرة الانخفاض كانت عاما بعد عام بطيئة وتدريجية؛ إذ انتقلت الإيرادات من 470 ألف دولار في العام 2009 إلى 388 ألف دولار في العام 2011، ومن 355 ألف دولار في العام 2014 إلى 281 ألف دولار في العام 2016.

وفي 2019، أبلغت للخزينة السلفادورية عن خسائر بمبلغ 177.994 دولارا.

بيد أن هذه هي السنة الوحيدة التي تكبدت فيها خسائر. وفي العقد الماضي لم يتغير حجم إيراداتها إلا قليلا.

وفي العام 2019، سجلت جمعية صحفيي السلفادور (APES) حالات فصل أربعة صحفيين من "إل موندو".

DEM

 

"كو لاتينو" 

 

أسس ميغيل بينتو صحيفة "سيغلو بينتي" في تشرين الثاني/نوفمبر 1890، ولكن بعد بضعة عقود قرر إعادة تسميتها باسم "إل لاتينوأمريكانو".  في ثمانينيات القرن العشرين تولى ابنه ميغيل بينتو الإدارة وباع الشركة إلى "كوربوراسيون أش"، وهي الشركة التي مولت الحزب الديمقراطي المسيحي (PDC). وفي العام 1989، أُعلِن عن إفلاس "دياريو لاتينو" وتخلى الملاك الجدد عنه، لكن العاملين، الذين لم يتلقوا رواتبهم، احتفظوا بأموالهم الخاصة لتوزيع وبيع النسخ، وفي 30 تشرين الثاني/نوفمبر 1992، تحولت إلى ملكية الجمعية التعاونية للعاملين التابعة لـ"دياريو لاتينو" أو "كو لاتينو".

في فترة إدارة أسرة بينتو، كان الخط التحريري للصحيفة محافظا، على غرار صحيفة "إل دياريو دي أوي"، و"لا برينسا غرافكا"، و"دياريو إل موندو". ولكن حين أسندت مهمة إدارة الصحيفة للجمعية التعاونية، صار الخط التحريري مواليا للتيار اليساري الذي تسيطر عليه "جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني"؛ حتى إن فرانثيسكو إلياس فالنسيا، مديرها الجديد، كان مناضلا سريا لحركات المتمردين في سنوات الحرب الأهلية، وخلال رئاستي موريسيو فونيس وسلفادور سانشيث ثرن ، ثم عمل مستشارا في الأكاديمية الوطنية للأمن العام (ANSP)؛ المؤسسة الحكومية المسؤولة عن تدريب ضباط الشرطة الجدد.

 

وبين الأعوام 2008 - 2010، كان هناك إيرادات تزيد على 630 ألف دولار من مبيعات المساحات الإعلانية. في السنوات التالية تراوح هذا البند بين زيادات تصل إلى 730 ألف دولار، وانخفض إلى 590 ألف دولار سنويا، حتى 2019 عندما كان 355 ألف دولار.

وبعبارة أخرى، انخفضت إيراداتها الرئيسة من 633 ألف دولار في العام 2009 إلى 355 ألف دولار في العام 2019.

وفيما يخص مبيعات النسخ والاشتراكات، انتقلت من 183.216 دولارا في العام 2009 إلى 78 ألف دولار في العام 2019. بالجملة، انخفضت مبيعات النسخ من 732 إلى 312 ألف سنويا.

في هذه الفترة، كان لدى "إيكو لاتينو"، على خلاف "إل دياريو دي أوي" و"لابرينيا غرافكا" و"دياريو إل موندو"، مداخيل إضافية صغيرة -85 ألف دولار في عام 2009- بفضل مبيعات نسخها التاريخية.

وبالإضافة إلى ذلك، سجلت في ميزانيتها نحو 935 ألف دولار من الإيرادات المتأتية من الهبات.

خلال الإحدى عشرة سنة الأخيرة، عاشت "كو لاتينو" أزمة دائمة. على سبيل المثال: كان لزاما عليها أن تناشد الإحسان العمومي حين نفد منها المال لشراء الورق لطباعة -مادتها الخام ــ، وفي التاسع والعشرين من /يونيو 2016، أهدت لها صحيفة "لا برينصا غرافكا" 27 بكرة ورق تقدر قيمتها بعدة آلاف من الدولارات.

في  تشرين الأول/أكتوبر 2019، أصدرت "كو لاتينو" بيانا اعترفت فيه بأنها تأخرت ثلاثة أشهر في دفع أقساط الضمان الاجتماعي لعمالها. وفي شبكات التواصل الاجتماعي، رد الرئيس نجيب أبو كيلة بأن عائلته ستتبرع بالمال لسداد ذلك الدين، لكنه لم يفعل ذلك قط.

وفي أيار/مايو 2021، توقفت الصحيفة عن طباعة نسختها الورقية؛ لأن "الوباء فاجأنا بخلو حسابنا البنكي إلا دريهمات، وعلينا ديون كبيرة"، كما جاء في نص البيان. وتعمل حاليا بصيغة رقمية مع تخفيض مجموع عدد عمالها وانخفاض رواتب صحفييها إلى أقل من 160 دولارا في الشهر. في 30 تموز/يوليو، بِيعت معدات الطباعة – كخردة – بمبلغ 4.800 دولار، والتي اشترتها في 1994 بـ 30 آلاف دولار. وما تزال بناية مقرها، التي تُقدر قيمتها بحوالي 400 ألف دولار، معروضة للبيع.

وبرر فالنسيا أن كو لاتينو لم تنمُ قط لأن خصومها السياسيين، مناضلي حزب "التحالف القومي الجمهوري" (أرينا)، كانوا دائما يناورون حتى لا تستفيد الصحيفة من عقود إعلانية من شركات وطنية أو دولية. واعترف بأنه لما كانت الجبهة في الحكم، فإن هذا القطاع تحسن، ولكنه لم يتحسن إلا قليلا؛ لأن من أجل الوصول إلى نقطة التوازن، فإنه يحتاج إلى دخل شهري قدره 60 ألف دولار، وهو دخل نادرا ما يتحقق.

قال فالينسا: "لا أستطيع أن أدفع أي شيء، ولا أستطيع أن أدفع ثمن شبكات التواصل الاجتماعي من لا شيء، ولا أستطيع أن أدفع ثمن الهواتف، وكل ما يستلزم صحيفة رقمية؛ أنا بحاجة إلى مداخيل لم أتوفر عليها...نعم، نحن على وشك الاختفاء" مضيفا أن البلد يفقد كل يوم التعددية بينما تزيد في الوقت نفسه سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام.

لقد اتفق ثصار كاسترو فاغواغا، رئيس محلف لجمعية الصحفيين في السلفادور (APES) في 31 تموز/يوليو 2021، مع فالنسيا حول هذه النقطة: النموذج التجاري للصحافة الورقية، المدعوم منذ عشرين عاما أساسا بمبيعات المساحات الإعلانية التي كانت مدعومة بدورها، دخل في دائرة من الاضمحلال؛ بسبب بروز فضاءات لامركزية وارتفاع نسبة استهلاك شبكات التواصل الاجتماعي.  

أشارت دراسة 2019 A.C: "هذه هي الطريقة التي استهلكنا بها وسائل الإعلام في السلفادور قبل كوفيد-19"، والتي نشرتها مدرسة الاتصال مونيكا إيريرا وجامعة خوسيه سيمون كانياس لأمريكا الوسطى وأكاديمية دويتشه فيله والتعاون الألماني، إلى أن واتساب وفيسبوك ويوتيوب وإنستغرام وتويتر هي أكثر الشبكات الاجتماعية التي يصل إليها السلفادوريون الذين يخصصون لها ما بين ساعة وأربع ساعات يوميا؛ إذ يفضلون تلك المنصات على قنوات التلفزيون المفتوحة، أو عبر الكابل والخدمات الترفيهية المستمرة مثل نتفليكس أو إتش بي أو. 

وأظهرت الأبحاث التي أجريت باستخدام أساليب مختلطة، أن أغلب المواطنين الذين شملهم الاستطلاع (1586) استخدموا كل شبكة تواصل اجتماعي وفقا لاهتمامهم؛ البحث عن الأخبار والمعلومات على تويتر، أو الترفيه، أو البحث عن اتصالات جديدة على فيسبوك، إلخ. وهذا قد يفسر استراتيجية التواصل التي ينتهجها الرئيس نجيب أبو كيلة، الذي برز منذ بداية ولايته باستخدام هذه المساحات لإعطاء أوامر شبه عسكرية لوزرائه، أو لإعلان قرارات حكومية، أو فصل المسؤولين، أو كما حدث عندما التقط صورة سيلفي من منبر الأمم المتحدة في السادس والعشرين من أيلول/سبتمبر 2019.

لا يمكن أن نخفي حقيقة أن مالكي الصحف المطبوعة ورؤساء تحريرها رهنوا نواياهم بالحكومات المتعاقبة بتلقي الرشاوى والفوز بعقود بيع المساحات الإعلانية. في  آب/ أغسطس 2018، نشر فارو. نت تحقيقا ذكر فيه أن صحفيين تلقوا ما بين 4000 و6000 دولار شهريا للحفاظ على تغطية صحفية لصالح رئاسة كارلوس موريسيو فونيس كارتاخينا بين سنتي 2009 و2014. الأول كان مدير تحرير "لا برينصا غرافكا" والثاني عمل في القناة 33. في تموز/يوليو 2021، أكد إلياس أنطونيو ساكا غونزاليس ، رئيس السلفادور من 2004 إلى 2009، في جلسة استماع في المجلس التشريعي، أن حكومته حافظت على "علاقات جيدة للغاية" مع الصحفيين في الصحف المؤثرة الكبرى المذكورة سلفا.

كما صرح رئيس جمعية صحفيي السلفادور (APES) أن "هناك العديد من وسائل الإعلام كانت في مرحلة ما على علاقة مع السلطة المتعاقبة".

ولكن وفقا لفاغواغا، هناك شيء يتعين على الدولة توزيعه بشكل منصف، بصرف النظر عما إذا كانت صحافة ورقية أو رقمية، أو تلفزيونية، أو إذاعات وطنية أو مجتمعية؛ وهو أسعار الإعلانات الرسمية الحكومية، غير أنه استُخدِم حتى يومنا هذا كجائزة أو كعقوبة، حسب إعلانات وسائل الإعلام. وأشار إلى أن أبو كيلة توقف عن دفع تلك الرسوم لــ"إل دياريو دي أوي" بعد أن نشرت الصحيفة كيف منعت الحكومة الصحفيين التابعين لـ"الفارو" و "ريفيستا فاكتوم" من تغطية افتتاح "اللجنة الدولية لمكافحة الإفلات من العقاب في السلفادور"، وبالتالي فإن "أسعار الإعلانات الرسمية يحتاج إلى تقنين ويجب تسليمه بطريقة ديمقراطية".

خلال السنوات الثماني الماضية، دعت جمعية صحفيي السلفادور الحكومات المتعاقبة إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على تلك الأسعار، وإنشاء نظام إعلامي عمومي مستقل عن السلطات الرسمية، على غرار نماذج بي بي سي في المملكة المتحدة أو دويتشه فيله في ألمانيا. ولكن لم يكن هناك أي رد حتى الآن.

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2018، عرضت جمعية صحفيي السلفادور على المجلس التشريعي مسودة مشروع "قانون خاص للحماية الشاملة للصحفيين ومسؤولي التواصل والعمال ذوي الصلة بالاتصال"، والذي بدأت مناقشته في نهاية العام 2019. ولكن عندما باشر النواب الجدد عملهم في أيار/مايو 2021 -أغلبيتهم ينتمون إلى حزب "نويباص إيديايس"، (حزب الرئيس) أوقفوا تنفيذ المشروع.

وما لم يكن هناك نموذج جديد للتمويل يستجيب للمصلحة العامة ومصالح القراء، ويكون فوق المصالح المؤقتة للحكومات المتعاقبة والمصالح الدائمة للقوى الاقتصادية، فإن الصحف سوف تستمر في مشوارها.

المزيد من المقالات

 الصحافة الاستقصائية.. الفجوة بين الجامعة والميدان 

لايزال تدريس الصحافة الاستقصائية في اليمن في بداياته الأولى، لكن المعضلة الحقيقية تتمثل في الفجوة الحاصلة بين التدريس النظري والميدان. يقول الصحفيون إن الدورات التدريبية القصيرة كانت أكثر فائدة من أربع سنوات من التعلم في الجامعة. 

أصيل سارية نشرت في: 8 مايو, 2023
 "ملفات حزب العمال".. كواليس تحقيق استقصائي أعاد ترتيب الحقائق 

أحدث تحقيق "The Labour Files" الذي بثته قناة الجزيرة الإنجليزية زلزالا كبيرا داخل حزب العمال البريطاني بعد نشر تسريبات تثبت تورط بعض قياداته وموظفيه في قمع حرية التعبير وتصفية المعارضين. فيل ريس، رئيس وحدة الصحافة الاستقصائية بالجزيرة، يكشف في هذا المقال كواليس إنجاز التحقيق، والتعامل مع التسريبات والتثبت منها.

فيل ريس نشرت في: 5 أبريل, 2023
زلزال تركيا.. أن تحكي القصة من الميدان

زار إيليا توبر، الصحفي بوكالة الأنباء الإسبانية، المنطقة التي ضربها الزلزال في تركيا في الساعات الأولى للفاجعة. وسط أنقاض الدمار والقصص الإنسانية للضحايا، يسرد تجربته الميدانية في تغطية كارثة أودت بعشرات الآلاف.

إيليا توبر نشرت في: 22 فبراير, 2023
 الصحة النفسية للصحفيين الفلسطينيين.. قصص مؤلمة  

يعاني الصحفيون الذين يغطون اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على فلسطين من آثار نفسية عميقة وبعيدة المدى. مشاهد الجثث والجرحى، قصف المقرات، الأجور الزهيدة، تفاقم "الأمراض النفسية" للصحفيين.

مرح الوادية نشرت في: 29 يناير, 2023
اتجاهات وتوقعات الصحافة والتكنولوجيا في 2023

أصدر معهد رويترز وجامعة أكسفورد تقريرا سنويا يرصد أهم توجهات الصحافة لسنة 2023. البحث عن اشتراكات جديدة يشكل التحدي الأساسي للمؤسسات الصحافية لضمان الاستدامة.

عثمان كباشي نشرت في: 18 يناير, 2023
سنة سوداء في تاريخ الصحفيين

الاغتيال، الاختطاف، الاعتقال، الحبس، المضايقات، الاختفاء، كلمات يمكن أن تختصر سنة أخرى سوداء في تاريخ الصحفيين. منظمة "مراسلون بلا حدود" ترسم في تقريرها السنوي صورة جد قاتمة عن واقع الصحفيين الذين يواجهون "شراسة" غير مسبوقة من السلطة أثناء مزاولتهم لعملهم.

هدى أبو هاشم نشرت في: 1 يناير, 2023
"زيزو".. مصور رياضي يطارد كأس العالم

في بلد مثل اليمن، من الصعب أن تمارس مهنة الصحافة الرياضية، والأصعب من ذلك أن تصبح مصورا رياضيا، لكن تجربة المصور عمر عبد العزيز في تغطية الأحداث الكبرى تستحق أن تروى.

بسام غبر نشرت في: 14 نوفمبر, 2022
الصحافة الاستقصائية الرياضية أسيرةً لرؤوس الأموال

مع تشعب فروع الرياضة وتشابكها بالسياسة والمصالح الاقتصادية، فإن دور الصحافة الاستقصائية في المجال الرياضي أصبح حيويا أكثر من أي وقت مضى. تقاوم بعض المنصات الجديدة في كشف الفساد الرياضي، لكن حصيلتها ما تزال ضعيفة.

إلياس بن صالح نشرت في: 13 نوفمبر, 2022
قضية براندون.. تحقيق استقصائي ينقب في جذور العنصرية بأمريكا

كان يكفي خيط واحد، ليشرع الفريق الاستقصائي للجزيرة في تتبع خيوط أخرى تكشف كيف يزج برجل أسود رغم غياب أدلة دامغة في السجن. برنامج "Fault Lines" قضى سنة كاملة ينقب في الأدلة ويبحث عن المصادر ليثبت براءة براندون إدانة "عنصرية" النظام الجنائي في لويزيانا.

جيرمي يونغ نشرت في: 27 أكتوبر, 2022
كيف تساهم الصحافة الاستقصائية الجادة في تحقيق العدالة؟

ترفض الصحفية كريستين لونديل تصديق الرواية الرسمية حول بيانات شركة سويدية للبترول تستثمر في السودان ثم تبدأ رحلة طويلة لاختبار الحقائق في الميدان. بعدها تشتري الأسهم في نفس الشركة لتحصل على حق الولوج إلى المعلومات وتنجز تحقيقا استقصائيا يفضح تواطؤ السياسيين والرأسمالية في سحق الفقراء. 

عبد اللطيف حاج محمد نشرت في: 25 أكتوبر, 2022
صحفيو الميدان في فلسطين.. لا حماية ولا أمان

أعاد اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة من طرف قوات الاحتلال نقاش السلامة المهنية للصحفيين الميدانيين الفلسطينيين. يواجه الصحفيون خطر  القنص والاستهداف المباشر بينما لا توفر بعض وسائل الإعلام أدوات الحماية لطاقمها.

هيثم الشريف نشرت في: 16 أكتوبر, 2022
 بين حق المعلومة وكرامة الضحايا: أخلاقيات التغطية الإعلامية لجرائم القتل

ماهو المعيار الأخلاقي والمهني الذي يحكم تغطية جرائم القتل؟ أين تبدأ الصحافة وأين تنتهي كرامة الضحايا، ومتى يتحول النشر إلى تشهير بالضحايا وانتهاك لخصوصياتهم؟ أسئلة تفرض نفسها بعد الجدل الكبير الذي رافق تغطية قضايا القتل بالكثير من الدول العربية.

هدى أبو هاشم نشرت في: 13 سبتمبر, 2022
الألتراس المغربي.. من تشجيع رياضي إلى حركة احتجاجية 

تحولت فصائل "الألتراس بالمغرب" إلى فضاء أكثر وضوحا في التعبير عن المطالب وفي ممارسة الفعل النقدي تجاه الواقع. إذ بدت المنصات الافتراضية والرياضية أكثر قدرة من الفاعلين السياسيين التقليديين على التعبير عن السيكولوجية العامة التي ولدتها الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المغرب، بل وصناعتها أحيانا وتوجيهها. 

خديجة هيصور نشرت في: 12 سبتمبر, 2022
حذار من الصحفيين الناشطين!

تقود الحماسة الصحفية في بعض الأحيان أثناء الحروب والأزمات إلى تبني ثنائية: الأشرار والأخيار رغم ما تنطوي عليه من مخاطر مهنية. إرضاء المتابعين لم يكن يوما معيارا لصحافة جيدة.

إيليا توبر نشرت في: 7 أغسطس, 2022
من أين يحصل المراهقون على الأخبار؟

"يحصل المراهقون على الأخبار من: إنستغرام أولا ويليه تيك توك ثم يوتيوب وأخيرا البي بي سي!"، هو خلاصة تقرير جديد لمكتب الاتصالات البريطاني أوفكوم حول مصادر الحصول على الأخبار لدى المراهقين. هذه قراءة في أبرز الأرقام الملفتة التي تضمنها التقرير.

عثمان كباشي نشرت في: 31 يوليو, 2022
هل فشل الدعم الأجنبي للصحافة في اليمن؟

هل أدى التمويل الأجنبي في اليمن إلى مساعدة وسائل الإعلام المحلية في اليمن إلى بناء نموذج اقتصادي مستدام؟ وماهي رهاناته؟ يناقش المقال كيف أن التمويل الخارجي لم يفض إلى ظهور صحافة قوية تسائل السلطة السياسية وتؤثر فيها بل إلى خدمة أجندته في الكثير من الأحيان.

أصيل حسن نشرت في: 24 يوليو, 2022
"قانون حماية العملاء الأجانب".. حصان طروادة للقضاء على الصحافة الاستقصائية

في دول أمريكا الوسطى، انتقلت الأنظمة إلى مستوى آخر لترويض "الصحفيين الشرسين"، فبعد المتابعات القضائية، سنت قوانين تكاد تكون متشابهة حول مراقبة الدعم الأجنبي، وبذلك تفقد الصحافة المستقلة خط دفاعها الأخير.

دافيد أرنستو بيريز نشرت في: 5 يوليو, 2022
حرب الأخبار الكاذبة في اليمن

بالموازاة مع الحرب المريرة التي تعيشها اليمن منذ سنوات، هناك حرب لا تقل ضراوة تدور رحاها على وسائل التواصل الاجتماعي بين الأطراف المتصارعة بتوظيف سلاح الإشاعة. من هنا، يقود صحفيون يمنيون مبادرات من أجل التحقق من الأخبار الكاذبة وتوعية الجمهور.   

محمد الرجوي نشرت في: 5 يوليو, 2022
 القنوات التلفزيونية الخاصة بموريتانيا.. البدايات الصعبة 

 تجد القنوات التلفزيونية الخاصة الموريتانية نفسها بين نارين: نار السلطة والالتزام بالخط الرسمي، ونار الإعلانات التي تبقيها على قيد الحياة. في هذه البيئة الصعبة، يواجه هذا القطاع الناشئ تحديات التحول الرقمي والمحتوى المقدم للجمهور.

محمد المختار الشيخ نشرت في: 3 يوليو, 2022
الحياة مقابل الحقيقة.. ضريبة الصحافة في فلسطين

يشبه الصحفيون الفلسطينيون المشتغلون بالميدان أبطال رواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني، فهم معرضون لـ "الاختناق" و"القتل البطيء والسريع" والملاحقات والتهديد المعنوي، فقط لأنهم ينقلون للعالم حقيقة محتل عنصري يحاول أن يبني شرعيته بالقوة والسلاح. هذه قصة صحفيين فلسطينيين دفعوا حياتهم دفاعا عن الحقيقة.

هدى أبو هاشم نشرت في: 5 يونيو, 2022
ملاحظات على التغطية الإعلامية للانتخابات اللبنانية

يعيش لبنان على وقع تنافس سياسي محتدم حول الانتخابات التشريعية. وسائل الإعلام وجدت الفرصة مناسبة لاستعادة  الخسائر التي تكبدتها أثناء انتشار فيروس كورونا، لكن احتضان النقاش والدعاية الانتخابية رافقتها تجاوزات مهنية وأخلاقية يرصدها هذا المقال.

أيمن المصري نشرت في: 27 أبريل, 2022
كيف غطت وسائل الإعلام في الأرجنتين الحرب في أوكرانيا؟

بالنسبة إلى كثير من وسائل الإعلام، تلك التي يهمها أن "تبيع" شيئا كل يوم، فإنها تركز على قصص وروايات شخصيات معينة، تنقل الدراما اليومية التي يمرون بها، والحقيقة أن تلك الروايات منزوعة السياق لا تضيف شيئا ذا قيمة.

غابي بيغوري نشرت في: 19 أبريل, 2022
التفكير التصميمي في سياق الإعلام.. لنبدأ من الجمهور دائماً

التفكير التصميمي في سياق الإعلام صيغة مبتكرة لإشراك الجمهور في صناعة الصحافة  من أجل زيادة جودة الأخبار والتقارير. فهم رغبات الجمهور واحتياجاته تعد معيارا أساسيا للبدء في عملية الإبداع التي تقوم على الاعتناء بالشكل والمضمون.

عبد اللطيف حاج محمد نشرت في: 12 أبريل, 2022
وسائل الإعلام والاستقطاب السياسي في السودان

انخرطت وسائل الإعلام في السودان في موجة الاستقطاب السياسي الحاد بين الأطراف المتصارعة. أثبتت الممارسة أنها فقدت قيمة التوازن في تغطياتها الإخبارية مما عمق حدة الانقسام.

سيف الدين البشير أحمد نشرت في: 6 أبريل, 2022