طيلة الأيام الماضية، عمدت غالبية وسائل الإعلام إلى استخدام مصطلح "مهاجرون" لوصف الأشخاص الذين غرقوا قبالة سواحل اليونان. تثير قضية توظيف المصطلحات إشكاليات مهنية وأخلاقية ترتبط بالخلفية التي تصدر عنها، لاسيما الرغبة في تجريد الناس من حقهم الأساسي في الحماية.
فما هو المصطلح الأدق لوصف المأساة التي جرت في اليونان وتجري في أماكن أخرى من العالم؛ هل هم مهاجرون غير نظاميين يبحثون عن تحسين ظروفهم المعيشية، أم لاجئون هاربون من الحروب والنزاعات والاضطهاد والأزمات الاقتصادية المميتة في حاجة إلى الحماية؟
في ذروة التدفق الهائل لمئات الآلاف من الأشخاص من سوريا والعراق وأفغانستان ومناطق أخرى تشهد حروبا وأزمات اقتصادية، قال المفوض السامي لشؤون اللاجئين: "يجب أن نكون واضحين، معظم الأشخاص الذين يصلون عن طريق البحر هم من اللاجئين الذين يحتاجون إلى الحماية من الحرب والاضطهاد". ولم يمنع هذا التصريح وسائل الإعلام من استخدام مصطلح "مهاجرون" الذي يضفي الشرعية على سياسيات الدول المستقبلة لتبرير عدم تحمل مسؤولياتها.
توظيف المصطلحات في التغطية الإعلامية، ليس خيارا "دلاليا" بريئا؛ لأنه قد ينطوي على دوافع سياسية خفية. ستؤسس قناة الجزيرة سنة 2015 لاجتهاد صحفي جديد عندما أعلنت بشكل واضح أنها ستتخلى عن الاستخدام الممنهج لكلمة "مهاجر" معتبرة أن هذا المصطلح أصبح "ازدرائيا" و"اختزاليا"، وأداة لتجريد الأشخاص المعنيين من إنسانيتهم، ويمنح شرعية لخطابات العنصرية.
توظيف المصطلحات في التغطية الإعلامية، ليس خيارا "دلاليا" بريئا؛ لأنه قد ينطوي على دوافع سياسية خفية.
سبق للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن خاضت في هذا الجدل مقدمة تعريفات ترسم الخط الفاصل بين "المهاجر" و"اللاجئ". وحسب هذه التعريف فإن اللاجئين "هم أشخاص فارون من الصراع المسلح أو الاضطهاد. وغالباً ما يكون وضعهم خطراً جداً، ويعيشون في ظروف لا تُحتمل تدفعهم إلى عبور الحدود الوطنية بحثاً عن الأمان في الدول المجاورة، وبالتالي يتم الاعتراف بهم دولياً كـ "لاجئين" يحصلون على المساعدة من الدول والمفوضية ومنظمات أخرى. ويتم الاعتراف بهم كلاجئين بشكل خاص لأن عودتهم إلى وطنهم خطيرة جداً ولأنهم يحتاجون إلى ملاذ آمن في أماكن أخرى. وقد يؤدي حرمان هؤلاء الأشخاص من اللجوء إلى عواقب مميتة".
ستؤسس قناة الجزيرة سنة 2015 لاجتهاد صحفي جديد عندما أعلنت بشكل واضح أنها ستتخلى عن الاستخدام الممنهج لكلمة "مهاجر" معتبرة أن هذا المصطلح أصبح "ازدرائيا" و"اختزاليا"، وأداة لتجريد الأشخاص المعنيين من إنسانيتهم، ويمنح شرعية لخطابات العنصرية.
وتعرف المفوضية مصطلح المهاجرين بأنهم "أشخاص يختارون الانتقال ليس بسبب تهديد مباشر بالاضطهاد أو الموت، بل لتحسين حياتهم بشكل أساسي من خلال إيجاد العمل أو في بعض الحالات من أجل التعليم أو لمّ شمل العائلة أو أسباب أخرى. وعلى عكس اللاجئين الذين لا يستطيعون العودة إلى وطنهم بأمان، لا يواجه المهاجرون مثل هذه العوائق للعودة. فإذا اختاروا العودة إلى الوطن سيستمرون في الحصول على الحماية من حكومتهم".
تميل الحكومات في بلدان الاستقبال – عادة - إلى تبني هذه التعريفات بتأويل أقرب ما يكون إلى الأيديولوجيا منه إلى القيم الإنسانية المتمثلة في التضامن والحماية الدولية، وكثيرا ما انتقدت منظمات حقوقية توظيف هذه المصطلحات في وسائل الإعلام بالنظر إلى حمولتها السياسية والأيديولوجية.
وظيفة الصحافة في مساءلة الحكومات - خاصة في البلدان المستقبلة - تفرض على الصحفيين التشكيك في الرواية الرسمية التي تحاول التنصل من مسؤولياتها في غرق المئات. لقد فندت عشراتُ الروايات التي نقلها الناجون السردياتِ الرسميةَ التي تحاول تصوير الموتى كمتهمين لا كضحايا محاوِلةً في كل مرة إلقاء اللوم على مافيات تهريب البشر في بلدانهم الأصلية.
لم يعد مصطلح "مهاجر" الذي يوظف كمظلة "سياسية" كافيا لوصف الرعب الذي يجري في البحر الأبيض المتوسط حاليا؛ لأنه يسلب الناس إنسانيتهم ويتنافى مع المنظومة الدولية لحقوق الإنسان.
وجهت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مذكرة سنة 2013 متعلقة بسوريا تعترف بموجبها بأن "أي شخص يهرب من البلاد ويتوافق مع شروط محددة في بعض الأحيان (المعارضين، الصحفيين) وأيضًا مع شروط واسعة جدا: الأطفال المعرضين للعنف، النساء المعرضات للاغتصاب أو الزواج القسري، الأشخاص الذين ينتمون إلى مجموعة دينية أو عرقية... وهذا يشمل كل السكان. تشمل هذه التصنيفات أيضا المؤيدين للحكومة الذين يتعرضون لمطاردة من قبل المتمردين مع استبعاد الأفراد الذين تم التعرف عليهم بارتكاب أعمال عنف من هذا الإجراء".
باستدعاء هذا التعريف، وأمام المعلومات المتسربة عن هويات الأشخاص الغارقين قبالة سواحل اليونان: هل يمكن وصف السودانيين، الذين يعانون من صراع مسلح أودى بحياة الآلاف، بالمهاجرين أم اللاجئين المشمولين بالحماية؟
لم يعد مصطلح "مهاجر" الذي يوظف كمظلة "سياسية" كافيا لوصف الرعب الذي يجري في البحر الأبيض المتوسط حاليا؛ لأنه يسلب الناس إنسانيتهم ويتنافى مع المنظومة الدولية لحقوق الإنسان.
لحدود الآن - باستثناء بعض المؤسسات الإعلامية - فإن مصطلح "المهاجر" يطغى على التغطية متناغما مع الرواية الرسمية الراغبة في التحلل من مسؤوليتها في حمايتهم. فوكالة رويترز ذهبت أبعد من استخدام من مصطلح "المهاجرين" بنقل رواية الحكومة بمتابعة من وصفتهم بـ "المشتبه بهم" في التسبب في الحادثة قضائيا، أما جريدة لوموند التي سبق لها أن نشرت مقالا تشرح فيه رؤيتها التحريرية في استعمال مصطلحات "المهاجرين" أو "اللاجئين"، فقد عمدت إلى استخدام مصطلح المهاجرين. ستختار قناة الجزيرة، استعمال المصطلحين معا للدلالة على غرق أشخاص قادمين من مناطق حرب مثل السودان، ومهاجرين راغبين في تحسين ظروفهم المعيشية.
إنها اختيارات تحريرية ترتبط أحيانا بتوجهات سياسية محضة مدفوعة بانتعاش غير مسبوق لخطاب اليمين المتشدد ضد الهجرة واللجوء، ليتحول أشخاص هاربين من الحروب والاضطهاد والأزمات الاقتصادية الخانقة إلى مجرد "مهاجرين" دون "هوية ولا تاريخ".
لنعد إلى السؤال الأهم: ماهو المصطلح الأدق والأنسب لوصف الأشخاص الذين وصلوا إلى اليونان وإيطاليا وإسبانيا عبر القوارب أو وسائل أخرى، هل هم لاجئون أم مهاجرون؟
"في الواقع، هم الاثنان معاً. فغالبية الأشخاص الذين وصلوا إلى إيطاليا واليونان أتوا بشكل خاص من دول غارقة في الحروب أو تُعتبر "منتجة للاجئين" ويحتاجون إلى الحماية الدولية. ولكن نسبة أصغر من هؤلاء الأشخاص أتت من أماكن أخرى، وبالنسبة إلى الكثيرين منهم قد يكون مصطلح "مهاجر" الأصح. هذا جواب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.