الحب والفقدان في زمن الثورة

الحب والفقدان في زمن الثورة

* ينشر بالتعاون مع دار بينغوين" للنشر عن كتاب "نساؤنا على الأرض". 

كان يوما باردا رطبا من أيام فبراير/شباط 2012، حين هبطت طائرتنا أنا وابني مالك في أضنة جنوبي تركيا. كانت رحلتنا من بيروت طويلة، ولا تزال أمامنا ساعتان من السفر على الطريق حتى نصل أنطاكيا الخلابة الواقعة قرب الحدود السورية، حيث سنلتقي أنتوني شديد، زوجي ووالد مالك.

حين ركبنا سيارة الأجرة، كان الظلام قد أرخى سدوله على كل شيء، ورغم إضاءة الشوارع الليلية، فقد كان عسيرًا على المرء أن يحدد ملامح المشاهد الطبيعية التي يمر بها. قال مالك مصفقا بيديه من فرط الحماس: "أخيرًا سنرى أبي".. شعرت بوخزة في صدري، فقد كنت أشك أن يصل أنتوني إلى أنطاكيا قبل صباح الغد، ولم أرد أن يشعر مالك ذو العشرين شهرًا، بالإحباط عندما نصل إلى الفندق ولا يجد والده هناك. 

كان أنتوني أخبرني عبر الهاتف أنه سيتصل بي فقط حين يشعر أنه آمن تماما ليفعل ذلك. دخل سوريا بطريقة غير شرعية من الحدود الجنوبية لتركيا، ليجري مقابلات مع مقاتلي المعارضة المسلحة والنشطاء لصالح صحيفة "نيويورك تايمز". يسهل تعقب الهواتف المحمولة، ولذلك أراد توخي الحذر والابتعاد عنها قدر إمكانه. لكن شاءت الأقدار ألا نرى أنا ومالك أنتوني مجددًا!

ما حدث في تلك الليلة غيّر حياتي على نحو لم أكن لأتوقعه مطلقا. فحتى ذلك اليوم، كنت أعمل في بيروت مراسلة متخصصة في تغطية شؤون لبنان والشرق الأوسط لما يقرب من عقد من الزمان.. كانت تلك بعض أسعد سنوات حياتي.. أحببت عملي مراسلة، وكنت أعتزّ به، وتزوجت الرجل الذي أحبّ وأصبحت أمًّا.

كان أنتوني أخبرني عبر الهاتف أنه سيتصل بي فقط حين يشعر أنه آمن تماما ليفعل ذلك. دخل سوريا بطريقة غير شرعية من الحدود الجنوبية لتركيا، ليجري مقابلات مع مقاتلي المعارضة المسلحة والنشطاء لصالح صحيفة"نيويورك تايمز". يسهل تعقب الهواتف المحمولة، ولذلك أراد توخي الحذر والابتعاد عنها قدر إمكانه. لكن شاءت الأقدار ألا نرى أنا ومالك أنتوني مجددًا!

 

في تلك الليلة بأنطاكيا، أمسيتُ أرملة..

لا أتذكر تحديدًا متى أدركتُ أني أريد أن أعمل صحفية، لكني أعتقد أن ذلك كان في مرحلة المدرسة الثانوية. ولأكون صادقة تماما، انطوى هذا القرار على بعض من الغرور، فقد راودتني متعة تغطية الأحداث الكبرى والرضا المنبعث عن معرفتي بأن الناس يقرؤون ما أكتبه ويستمعون لما أقوله. 

لكن دافعي الحقيقي نبع من نشأتي.. ترعرعت في لبنان، البلد الذي ظل دائما في حرب مع نفسه، ونشأتُ في عائلة مولعة بالسياسة.. لم أشهد أيًّا من المعارك الحامية التي دارت رحاها في شوارع بيروت خلال الثمانينيات، ولا أتذكر الغزو الإسرائيلي عام 1982، ولا المذبحة الوحشية المعروفة في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في ضواحي المدينة بعدها بأشهر قليلة، لكني سمعت عن تلك الأحداث ما يكفي لتأليف كتاب عنها.

أتذكّر أصوات وروائح الحرب والخوف.. أتذكّر انزوائي مع إخوتي ووالدتي في مخبأ مؤقت، وهو رواق في شقتنا، احتماءً من قتال نشب في إحدى ليالي 1990، قريبًا من منزلنا. وأتذكر أيضًا الصوت المرعب للمقاتلات الإسرائيلية قبل أن تغير بقنابلها.

شارعنا الذي تقع فيه عمارتنا السكنية بالعاصمة بيروت كان مغلقا في أحد طرفيه بتلة من الأكياس الرملية.. تسلقتُه ذات مرة مع أمي للوصول إلى بيت جدتي القريب.. سرنا في الشوارع التي ضاقت بحطام الأبنية المقصوفة، وتجنبنا أماكن عرفت بأنها نقاط ساخنة للقناصة الذين يستهدفون المشاة عشوائيًّا. 

انتهت الحرب الأهلية اللبنانية رسميا عام 1991، لمّا شرّع البرلمان قانونا للعفو عن جميع المتورطين في جرائم الحرب، ما عدا اثنين، ونزع سلاح كل المليشيات. بالإضافة إلى اتفاق توسط فيه العرب بين الفصائل السياسية اللبنانية المتصارعة، شدد على أهمية العيش المشترك بين الطوائف الثماني عشرة المعترف بها في المجتمعات المسلمة والمسيحية بلبنان، وأعاد الاتفاق هيكلة تمثيلها السياسي. 

لكن، رغم أن هذا الاتفاق جلب قدرًا من السلام والاستقرار إلى لبنان، فإنه لم يشفِ جروح الحرب، وظلّ البلد واقفا على شفا هاوية من الانقسامات العميقة التي لم تلتئم. 

وبحلول المرحلة الذي تخرجت فيه من الجامعة الأميركية في بيروت ربيع العام 2002، كنت قد عايشت عقدا من المناوشات المتقطعة بين المليشيات المسلمة والمسيحية اللبنانية وحلفائهما الخارجيين. وخلال تلك الفترة أيضا، وقعت أحداث إقليمية ودولية كبرى، منها حرب الخليج الثانية في العراق، وهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 التي استهدفت مركز التجارة العالمي، والحرب على أفغانستان. وظل الصراع العربي الإسرائيلي كما هو دائما، موضوعا ساخنا يحتل المركز أحيانا، ويبتعد إلى الهامش أحيانا أخرى. 

بعدها بسنوات قليلة، وتحديدا في 2007، وجدت نفسي في بيروت مجددًا، هذه المرة بوصفي مراسلة.. كانت الشوارع مزدحمة بحطام المباني كما كان الحال في طفولتي تماما. 

الاضطرابات الجديدة بدأت باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في فبراير/شباط 2005، باستخدام سيارة متفجرة.. ألقيَتْ تهمة اغتياله على سوريا وحلفائها في لبنان، وانقسمت البلاد إلى معسكرين: أحدهما شيعي مدعوم من سوريا وإيران ويقوده حزب الله، والآخر سني مدعوم من الغرب ويقوده أنصار الحريري. 

وانقسم المسيحيون بين المعسكرين.. كانت النتيجة 17 شهرا من الجمود السياسي، وسلسلة من الاغتيالات السياسية المتعاقبة، ثم اندلعت الجولة الأولى من القتال يوم 23 يناير/كانون الثاني 2007.

في ذلك اليوم، تحولت مظاهرة سلمية إلى مظاهرة عنيفة، حين أغلق أنصار حزب الله الطرق المؤدية إلى بيروت بالسيارات والإطارات المحترقة، واصطدموا مع أنصار الحكومة السنية. 

في ذلك الوقت كنت مراسلة لصحيفة لبنانية تصدر باللغة الإنجليزية تسمى "ديلي ستار"، ومراسلة محلية لصحيفة "نيويورك تايمز". 

سمعت تقارير في ذلك الصباح عن رجال بأقنعة سوداء يلوحون بالهراوات ويغلقون الطريق من وإلى مطار رفيق الحريري، المطار المدني الوحيد في لبنان. وصلت إلى هناك على ظهر دراجة نارية يقودها صديق قديم في منتصف الخمسينيات من العمر، من أنصار حزب الله، يسمى أبا علي، وقد شارك في الحرب الأهلية. 

حين وصلت كان المشهد متوترًا.. توسّل المسافرون إلى المتظاهرين للسماح لهم بالخروج من المطار أو دخوله.. ملأ السماءَ دخان أسود، وألقى شباب بالإطارات المطاطية والقمامة في النيران ليزيدوها اشتعالا. تقدمتُ إلى مجموعة من المتظاهرين وعرّفت بنفسي، وسألت عن سبب ثورتهم.. أثناء استماعي وتدويني للملاحظات، هاجمني رجل فجأة محاولا اختطاف مذكرتي، لكنّي كنتُ أسرع منه وسحبتها ناحيتي وهرعت إلى أبي علي الذي كان على مقربة مني موليًا ظهره لي.. طاردني الرجل وبعض المتظاهرين الآخرين، لكن ما إن بدأت بمناداة أبي علي أدركوا أني قدِمتُ معه، فتركوني وشأني مع مذكرتي.. لولاه، لا أدري ما الذي كان يمكن أن يحدث لي في ذلك اليوم. 

بعد أشهر قليلة، أثناء الجنازة التي أقيمت لضحايا الجولة الأخيرة من الاشتباكات، نشب شجار بين مصور صحفي أجنبي صديق لي وأحد المشاركين في العزاء بسبب الصور التي التقطها. وبما أنه لا أحد منهما يفهم لغة الآخر، فقد هرعت إليهما للمساعدة في حل المشكلة.. تصاعدت حدة الموقف سريعا بسبب تدخل المزيد من المشاركين، ودُفعتُ بعنف.. لا أذكر كيف انتهى الشجار، لكني أتذكّر كيف بكيتُ حين انزويت وحيدة.. لم أبكِ لأني خفت على حياتي، بل لأني شعرت بالضعف الشديد وعدم قدرتي على حماية نفسي لأنني امرأة. 

وبقدر حبي لعملي، كانت هناك مرات كثيرة بين عامي 2005 و2008 تمنيتُ فيها لو كنت شخصا آخر، أو في مكان آخر.. بحثتُ مرة عن رقم هاتف شخص ما في مفكرة الهاتف لديّ.. كان هذا الشخص هو سمير قصير الكاتب الصحفي المشهور والناقد اللاذع لسوريا، والذي قتل في يونيو/حزيران 2005 في انفجار لسيارة أمام منزله.. بحثت عنه في مفكرتي، وعندما لاحظتُ أني كتبتُ أمام اسمه ما يدلّ على أنه فقد حياته، عدَدتُ ثمانية رجال آخرين، سياسيين ونشطاء، أجريت معهم مقابلات عدة مرات، قُتلوا خلال عامين فقط، وبدأت أشعرُ بأثر الصراع يحاصرني. 

ثم في مايو/أيار 2008، واجهتُ الموت عيانًا..

كانت حكومة رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة -المدعومة من الغرب- قد اكتشفت حينها شبكة اتصالات خاصة يستخدمها حزب الله.. وكان الحزب قد حارب إسرائيل في يوليو/تموز 2006 حربا غير متكافئة دمرت لبنان، وعُرفت محليا باسم "حرب تموز". اعتبر الحزب الشبكة جزءًا حيويًّا في مقاومته لإسرائيل (ينسب لحزب الله فضل تحرير جنوب لبنان ذي الغالبية الشيعية من الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1982 حتى العام 2000). أعلن السنيورة اتخاذ خطوات لتفكيك الشبكة لأنها تمثل خرقا لسيادة حكومته، واشتعل حزب الله غضبًا. 

في 8 مايو/أيار من ذلك العام، قال زعيم الحزب حسن نصر الله إن تصريح الحكومة يمثل "إعلان حرب".. لم يتخيل أحد حتى تلك اللحظة أن حزب الله سيستخدم سلاحه محليًّا، لكن غير المتخيَّل قد حدث. 

في مشاهد تذكّر بالحرب الأهلية، امتلأت شوارع بيروت برجال مدججين بالرشاشات الآلية يتحاربون فيما بينهم، واتخذ القناصة مواقعهم، وفاضت الأحياء بالسيارات المحروقة والحطام. لكن أنصار الحكومة لم يكونوا أندادا لقوة حزب الله العسكرية، فانسحبوا سريعا.. خلّفت أيام الاشتباكات الثلاثة 11 قتيلا و19 مصابا. 

في يوم السبت 10 مايو/أيار، ذهبت مع زميلي رائد الرافعي الذي كان يعمل حينها لدى صحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، لتغطية جنازة رجل سني شاب قُتل برصاص قناص قبلها بيومين. 

كان مشهدا عاطفيا آخر مشحونًا استُخدمت فيه الشعارات الطائفية لتأجيج العنف. تعهد المعزّون السُّنة بالانتقام من الشيعة، ووصفوا حزب الله بعدوّ الله. وحين اقتربت الجنازة من متجر يملكه رجل شيعي، طالبه المعزون بإغلاق متجره، لكنه رفض، فحطموا نوافذه بالحجارة والكراسي، فردّ عليهم بإطلاق النار على الجنازة.. سارعتُ فورًا إلى الانزواء، واختبأتُ خلف حاوية للنفايات.

كان رائد يسير بجانبي، وحين بدأ إطلاق النار، اختبأ هو أيضاً، وحين هدأت الأمور خرجتُ من مخبئي ورأيتُ الرجلين اللذين كانا يقفان بجانبي قبل لحظات معدودة غارقيْن في بركة من دمائهما.. وقف رائد فوق جسد أحدهما بكاميرا جيب مدمجة.. نجونا كلانا، لكنهما لم ينجوَا.. كان اسمهما عليّ (23 عاما) وموسى (24 عاما).

تسللتُ لاحقا إلى المستشفى الذي استقبل جثماني الشابين.. وجدت محمد والد علي راقدًا على سرير في غرفة الطوارئ.. كان قد سمع عن إصابة ابنه فغاب عن الوعي وجلبوه إلى المستشفى نفسه.. رجاني منتحبًا "أخبريني ما الذي حدث لعلي.. قلبي يُخبرني أنه ميت.. قلب الأب دليله.. مات، لا تقولي لي إنه لم يمت.. أعرف أنه ميت.. علي، ابني، هل تسمعني؟".. سحب صورة لولده من محفظته وقبّلها قائلا "أجبني يا علي، هل متّ؟ لا تمت أرجوك". 

خرجتُ من الغرفة حين عجزتُ عن حبس دموعي.. خرجت وحاولت لملمة نفسي.. حين عدت إلى المستشفى، رأيت والدة علي.. قالت "عليّ هنا"، مشيرة إلى اتجاه المشرحة.. "أريد البقاء هنا.. أخبرَني هذا الصباح أنه يريد أن ينام أكثر.. والآن سينام للأبد". 

كان عليٌّ غريبًا عني تمامًا، لكني ما زلتُ لا أستطيع نسيان ذكرى ذلك اليوم، والمشاعر التي أحدثها فيّ موتُه.

التقيتُ أنتوني أول مرة في سبتمبر/أيلول 2006 بعد فترة قصيرة من حرب تموز، أثناء مهرجان جماهيري لحزب الله في الضاحية الجنوبية، للاحتفال بنصره "الرباني" على إسرائيل. ولأنهم تمكنوا من الصمود لمدة 33 يوما، اعتبر الكثيرون من أنصار الحزب المعركة نصرًا، رغم مقتل 1200 مدني لبناني، وتدمير قرى كاملة في جنوب البلاد تحت وطأة القصف الجوي، وتعرّض كل الجسور والطرق السريعة الرئيسية للقصف. 

كنت قد قرأت تغطية أنتوني لشؤون الشرق الأوسط، ابتداء من الغزو الأميركي للعراق عام 2003، بإعجاب شديد. لذا، حين اتصل وطلب مني الخروج في موعد عاطفي بعد أيام من المؤتمر، ساورتني دهشة ممزوجة بالسعادة. في موعدنا الثاني، شاهدنا فيلمًا، ثم في الموعد الثالث أحسستُ أني مع صديق قديم أكثر من كونه موعدًا عاطفيًّا، وهكذا أصبحنا أصدقاء. 

لكن بعدها بستة أشهر، أرسل لي يطلب أن نلتقي في موعد جديد.. أتذكر أني سألته متحيرة "ما الذي تقصده؟".. أجابني قائلا "أخبرتِني في موعدنا الأول أنك مرتاحة أكثر لمواعدة شخص تجمعك به صداقة، لذا رغبت في أن أكون صديقك أوّلا". 

بحلول نهاية مايو/أيار، كنت قد نلتُ كفايتي من بيروت ومظاهراتها وقنابلها وقتالات الشوارع فيه ومشاحناتها السياسية التي لا تنتهي. مثل دخان الإطارات المحترقة السام الذي كبّل رئتي، أصبح الصراع خانقا لحالتي النفسية.. قررت الابتعاد قليلا والتسجيل بكلية الدراسات العليا في الصحافة بجامعة كولومبيا في مدينة نيويورك.. راودتني فكرة الدراسات العليا كثيرًا منذ تخرجي من الجامعة، لكني لم أشعر بأني جاهزة للعودة إلى الدراسة حتى ذلك الربيع. 

صرتُ في حياة جديدة اشتبكتُ فيها كليًّا مع أنتوني: سعيدة وغارقة في الحب، وحين حان موعد مغادرتي، طلب أنتوني يدي، ووافقت.

في يونيو/حزيران 2009، بعد تخرجي من جامعة كولومبيا، انتقلت إلى بغداد للعمل مراسلة لصحيفة "واشنطن بوست".. زوجي أنتوني كان رئيس المكتب.. كان زواجنا قد دام عاماً، لكننا لم نعش معا في مدينة واحدة حتى ذلك الوقت. 

زرت العراق من قبل في ديسمبر/كانون الأول 2002، قبل ثلاثة أشهر من الغزو الأميركي، لكن البلاد تغيرت كثيرًا منذ ذلك الحين. 

وكما وصفها أنتوني في "واشنطن بوست" عام 2009، "انتهت حرب العراق بالفعل، أو على الأقل الصراع كما عرفناه في السنوات الخمس الأولى للحرب، بما فيها من تمرد وتطهير عرقي وحروب عصابات وفوضى، ومهمة النجاة المستحيلة، أي بعبارة أخرى، الحرب الأهلية، رغم أن مصطلح الحرب الأهلية لا يسعه وصف ما حدث هناك". 

لكن الوضع على الأرض كان معقّدًا.. كنت قلقة من وظيفتي الجديدة، وكنت على وشك العمل مع أنتوني الذي عُرف بأنه أنجح مراسل أجنبي يغطي شؤون الشرق الأوسط.  

مصدر قلقي يرجع إلى القصص التي سأكتبها والتي سأفوتها، وإن كان أحد سيقرأ شيئا مما أكتب على الإطلاق.. لم تكن ترتيبات معيشتنا مثالية، بما أننا اضطررنا للعمل والسكنى في مكان يمثل المكتب والمنزل لطاقم عمل الصحيفة المحليين والأجانب. 

كان أنتوني شريكا رائعا في الزواج وفي العمل.. شكّلنا فريقا رائعا، واعتمدت عليه لفهم تعقيدات العراق. ومعًا كنا نفكر في الأفكار ونخطط لرحلات التقارير، وبحثنا عن أفضل ترجمات للتصريحات من العربية إلى الإنجليزية.. إذا سهرتُ لأجل العمل على تقرير، كان يسهر معي حتى أنهيه، ولم يقدم أيٌّ منا يومًا تقريرًا قبل أن يقرأه الآخر. 

كانت غرفة نومنا في الطابق الثاني مطلة على حديقة من الأشجار، وقد زينّا أسوارها باللوحات، ووضعنا بعض الصور في إطارات، وفرشنا سجادة فارسية عتيقة.. بدت كمنزل مليء بالدفء. 

في الليالي الهادئة، كنا نشاهد حلقات من مسلسلات تلفزيونية أميركية ونحن نأكل المثلجات. كان مسلسل "Desperate Housewives" يعرض في تلك الآونة، واستغرق تنزيل حلقة واحدة يوما كاملا بسبب اتصال الإنترنت الضعيف. لكن الأمر كان يستحق العناء، لأن هذه المتع البسيطة مثل مشاهدة حلقة من مسلسل تلفزيوني كل أسبوع، منحت حياتنا إحساسا بالاعتيادية والروتين. 

في بعض المرات، خرجنا في ليال غرامية.. في إحدى المرات، صادفنا مطعما صغيرا يسمى "الريف" في حي راقٍ ببغداد، حيث يعزف فيه رجل مزيجا من الألحان الشرقية والغربية على البيانو كل ليلة.. تظل هذه واحدة من أجمل ذكرياتي عن الحياة في بغداد التي يندر فيها وجود العازفين والموسيقى.

استيقظت في أحد أيام أغسطس/آب وأنا أشعر بالدوار.. سرنا أنا وأنتوني إلى صيدلية صغيرة وطلبنا أداة لاختبار الحمل منزليًّا.. نظر إلينا البائع باستهجان، وعرفتُ أنه افترض أننا غير متزوجين.. كانت العلبة بدولارين تقريبًا، وقد كُتب عليها "صنع في سوريا" بحروف عربية كبيرة.

اصطحبني زميل عراقي مرة لزيارة زوجته طبيبة النساء لإجراء فحص روتيني في الثلث الأول من الحمل.. احتارت الطبيبة في سبب اختياري البقاء في بغداد رغم قدرتي على تمضية فترة الحمل في بيئة أكثر أمنا وسلامة في الخارج.. أخبرتها أن النساء العراقيات يلدن أطفالا أصحاء كل يوم، فردت قائلة "هنّ لا يملكن الخيار".. طلبتْ مني إجراء فحص بالأشعة فوق الصوتية، ورغم أن كل شيء كان على ما يرام، أخبرتني بأن أقضي بقية فترة الحمل في السرير لأتجنب الإجهاض.. شككت في أنها تحاول إقناعي بالمغادرة، فتجاهلت نصيحتها ولم أرَها بعدها. 

فكرتُ فيها مجددًا حين تعرضتُ لحادث سيارة في الشهر الخامس من الحمل.. انزلقتْ سيارتي حين حاولت تهدئة سرعتها قبل منعطف حاد.. كان الطريق زلقًا وخرجتْ السيارة عن السيطرة وانقلبت وحطت على سقفها، وخرجتُ منها سالمة، لم أصَبْ بأذى. 

 

مرت ست سنوات منذ وفاة أنتوني، ومع ذلك أشعرُ في بعض الأيام بنفس الشعور المجرد الذي أحسستُ به في تلك الليلة في تركيا.. تركت الصحافة ومنزلي في بيروت وانتقلتُ بعيدًا عن أي شيء وأي شخص أعرفه بآلاف الأميال.. وفي الطريق أصبحتُ شخصًا لا أعرفه. أنا ممتنة لكوني أمًّا.. فبطريقة ما، أعتقد أن الأمومة أنقذتني من اتخاذ القرارات الخاطئة، وأجبرتني على القيام من السرير حين لم تكن لديّ أيُّ طاقة أو رغبة أو إرادة لفعل ذلك.. تنشئة طفل سعيد ومعافى ستكون دائمًا أكبر إنجازاتي، وأكثرَها معنى

في يناير/كانون الثاني 2010، انفجرت ثلاث سيارات مفخخة واحدة تلو الأخرى في ثلاثة أحياء منفصلة من المدينة.. استهدفت الهجمات فنادق تستضيف على الدوام مراسلين أجانب ورجال أعمال. وقع الانفجار الثالث في الساعة 3:37 مساءً من يوم 25 يناير وكان قريبًا من منزلنا بما يكفي ليهشّم الكثير من نوافذه. 

استهدف الانفجار فندق الحمراء الواقع في الناحية الأخرى من الشارع الذي يضم مقر صحيفة "واشنطن بوست"، ومنازل الكثير من أصدقائنا وزملائنا.. كنا أنا وأنتوني قد غادرنا الصحيفة في ديسمبر/كانون الأول، وانضممنا إلى مكتب "نيويورك تايمز" في بغداد.. كنا نعيش على مسافة ميل من المكان، وكنتُ قد بلغت الشهر السابع من الحمل في ذلك اليوم. وللمرة الأولى منذ الانفجار الذي أودى بحياة الحريري في بيروت عام 2005، لم أرغب في الذهاب إلى موقع الانفجار.. في تلك اللحظة شعرت بالتزام أكبر تجاه الأمومة من أي قصة صحفية إخبارية مهما بلغت أهميتها.

بحلول نهاية العام 2010، كنت أعيش مع أنتوني وابننا مالك في بيروت، حيث شغل أنتوني منصب مدير مكتب "نيويورك تايمز"، وعملت أنا مراسلة.. كان الوضع هناك وفي العالم العربي في العموم -باستثناء العراق- مستقرًّا. 

لكن في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، أحرق بائع فاكهة شابٌّ نفسَه في قرية تونسية احتجاجًا على شجار وقع بينه وبين الشرطة المحلية.. أشعلت هذه الحادثة مظاهرات صورت في مقطع فيديو وشاهدها الملايين حول العالم، وسرعان ما اندلعت ثورة شعبية. وإثرها بـ28 يوما، تنحى الرئيس زين العابدين بن علي بعد 23 عاما قضاها في السلطة. 

ثم توالت المظاهرات في مصر وليبيا والبحرين واليمن وسوريا.. قبل هذه الثورات الشعبية، عاشت معظم الدول العربية في ظل حكم أنظمة قمعية قيدت الحريات وانتهكت حقوق الإنسان. 

في يناير/كانون الثاني 2011، اتصل بي أنتوني من ميدان التحرير في القاهرة، حيث كُلف من قبل "نيويورك تايمز" بتغطية الأحداث هناك.. أراد مني أن أسمع معه احتفالات المتظاهرين بنبأ سقوط نظام الرئيس مبارك.. كنتُ في بيروت وأراد مشاركتي هذه اللحظة الأسطورية في تاريخ العالم العربي.. لم يصدق كثيرون -بينهم أنا وأنتوني- أن هذا يحدث فعلا. 

في غمرة الأمل التي أثارها نجاح الثورات في تونس ومصر، بادر النشطاء في سوريا إلى دعوة الناس على مواقع التواصل الاجتماعي للنزول إلى الشوارع في دمشق في يوم الغضب ضد حكومة بشار الأسد. كان الأسد قد ورث السلطة عام 2000 عن أبيه حافظ الأسد الذي حكم سوريا بقبضة من حديد لثلاثة عقود. 

سافرتُ إلى دمشق بالسيارة يوم 4 فبراير/شباط 2011 لتغطية أي مظاهرات محتملة لصالح "نيويورك تايمز"، وتوجهت إلى مبنى البرلمان الذي كان مقررًا أن تنطلق المظاهرات من أمامه، لكن لم يظهر أحد.. أخبرني نشطاء سياسيون ومعارضون في وقت لاحق من ذلك اليوم أن "سوريا آخرُ دولة قد تشهد تغييرًا في النظام الحاكم".

زرت سوريا مجددا في سبتمبر/أيلول مع أصدقاء وزملاء سوريين كانوا يعملون ويعيشون في بيروت. بحلول ذلك الوقت كان عدد القتلى قد زاد عن 2600 منذ الانتفاضة التي اندلعت أخيرًا في مارس/آذار بمدينة درعا الجنوبية التي تعاني الفقر والتهميش. لم تكن العاصمة قد شهدت أي اضطرابات بعد، لكن المزاج العام كان متعكرًا، وخشي الكثيرون من أن محاولة الإطاحة بالأسد قد تتحول إلى حرب أهلية تطلق العنان لصراع طائفي في بلد تعايشت فيه الأقليات الدينية والعرقية لمدة طويلة من الزمن.

وصلت الثورة السورية عامها السابع في مارس/آذار 2018، وسقط مئات الآلاف من القتلى، ولا يزال النظام متعنتًا كما كان دومًا. 

لم تكن سوريا الدولة الوحيدة التي فشلت الثورة الشعبية بها في تحقيق أهدافها، فرغم الدماء التي سالت، تمكّنت العديد من الأنظمة من النجاة.. بعض الحكام طبقوا إصلاحات متواضعة، في حين أسكت آخرون المعارضة بالقوة. سقط حكام اليمن وليبيا، لكن البلاد دخلت في دوامة من الفوضى، واعتلت حكومة عسكرية مستبدة سدة الحكم في مصر، وما تزال سوريا تشهد قتالا يوميًّا. 

1

في بعض الأحيان، أفكّر في موت أنتوني على أنه نتيجة غير مباشرة للثورات العربية. كذلك كان الأسبوع الذي قضاه في الأسر بليبيا في مارس/آذار 2011.. أوقِفَتْ سيارته في نقطة تفتيش عسكرية تابعة للقوات الموالية للزعيم الليبي حينها العقيد معمر القذافي.. اعتُقل هو وثلاثة زملاء له في الصحيفة أثناء سفرهم على الخط الساحلي في شرقي ليبيا، وظلوا في الأسر قرابة أسبوع.. كنتُ في بيروت مع مالك في ذلك الوقت، ولأربعة أيام لم يعرف أحد شيئا عن مصيرهم. 

قال أنتوني لاحقا إن الجندي المسؤول أراد إعدامهم في المكان، وأخبرني أنه اعتقد حقًّا أنه لن ينجو من ذلك الموقف، لكنهم أرسِلوا بدلا من ذلك إلى مركز احتجاز في طرابلس، تابع لوزارة الخارجية. أطلقت الوزارة سراحهم بعد ستة أيام من احتجازهم وسلمتهم إلى دبلوماسيين أتراك توسطوا بين المسؤولين الليبيين والأميركيين. 

بعدها بستة أشهر، في أغسطس/آب 2011، ذهب أنتوني إلى سوريا لتغطية الانتفاضة. وبسبب عدم قدرته على الدخول بطريقة رسمية (بعد وضعه على القوائم السوداء بسبب تقرير نشره عن سوريا عام 2005 أغضب النظام)، عبَر الحدود الشرقية للبنان إلى سوريا، راكبا دراجة نارية خلف مهرِّب شاب.. عاد سالمًا إلى المنزل بعدها بأسبوع. 

رتّب أنتوني لرحلة ثانية إلى سوريا في فبراير/شباط 2012.. تسلل إلى البلاد هذه المرة من حدودها الشمالية مع تركيا.. لجأت الصديقة والزميلة في نيويورك تايمز" هويدا سعد إلى علاقاتها ونظمت الرحلة.. قرر المهربون الذين وافقوا على اصطحابه، دخول البلاد مشيًا وعلى ظهور الخيول عبر الجبال الواقعة على الحدود بين البلدين.

كان أنتوني يعاني من الربو ومن الحساسية تجاه الخيول.. حين اتصل بي من أنطاكيا في جنوب تركيا ليلة مغادرته، كان قلقًا من وجوده قرب الخيول، لكنه أخبرني أن لديه ما يكفي من البخاخات، وكان غاضبًا من تعليق زميل في الصحيفة قال فيه "سيكون هذا تمرينًا جيدًا لك".. قال لي أنتوني "قد أموت في هذه الرحلة وهذا يقول لي: تمرين جيد".

آخر مرة تحدثت فيها مع زوجي كانت يوم 14 فبراير/شباط 2012.. كان في شمالي سوريا واتصل بي عبر هاتف الأقمار الصناعية ليتمنى لي عيد حب سعيدا.. قال إنه سيغادر سوريا خلال يوم أو يومين، وسيسافر مجددا مشيًا وعلى ظهور الخيل عبر الجبال، وأن هذه الرحلة كانت الأفضل في مسيرته المهنية كلها. 

حين وصلنا أنا ومالك أخيرًا إلى أنطاكيا ليلة 16 فبراير/شباط، نزلنا في فندق أنيق يسمى الليوان.. ذكّر هذا المكانُ أنتوني الذي يَحنّ دائمًا إلى الماضي بمنزل عائلي أعاد بناءه في جنوب لبنان.. كانت جدته قد عاشت هناك أثناء الوجود العثماني في الشام، وكان دائما ما يتمنى مازحا لو كان وُلد نبيلا تركيًّا في حقبة الشام الكوزموبوليتاني المتسامح. 

استيقظتُ بعد منتصف الليل على وقع رنين هاتفي المحمول.. كانت المتصلة هي المحررة التنفيذية للصحيفة جيل أبرامسون وأخبرتني أن "أنتوني أصابته نوبة ربو قاتلة".. كررتُ الجملة في دماغي، لكني لم أفهم ما كانت تحاول قوله لي..

سألتُها "ماذا تعنين بأزمة ربو قاتلة؟"..

لا شيء مما مررتُ به في حياتي قد أعدّني لهذه اللحظة.. قالت لي: "أنتوني مات".

تقوقعتُ على أرضية الحمام وأجهشت بالبكاء.. أردت الصراخ، لكن مالك كان نائمًا ولم أشأ أن أفزعه. 

كتب الروائي الإسباني خافيير مارياس في روايته "الولع" عن الموت قائلا إن صعوبة تجاوزه تكمن في صعوبة تقبّل نهائيته.

"هو أمر يستعصي على الإدراك حقًّا، لأنه يمثل يقينًا، والتيقن من أي شيء يخالف طبيعتنا.. اليقين بأن شخصًا ما لن يعود مجددًا، لن يتحدّث مجددًا، ولن يخطو خطوة أخرى، باتجاهنا أو مبتعدًا عنّا، لن ينظر إلينا مجددًا، ولن يشيح بنظره عنّا".

أتذكّر أنني هززت أنتوني بقوة حين سمحوا لي أخيرا برؤيته في اليوم التالي، كان عليّ أن أنتظر انتهاء التشريح وعودته إلى حالته. وبقدر عبثية الأمر كما يبدو لي الآن، فقد هززتُه لأوقظه، لأجعله يقف ويمشي خارجًا من تلك المشرحة الباردة، التي لها رائحة كل ما هو قبيح. 

سافر العديد من الأصدقاء والزملاء من جميع أنحاء العالم ليقدموا تعازيهم ويحضروا مراسم العزاء تكريمًا لأنتوني، وكنتُ ممتنة للغاية لحضورهم. 

بقدر استطاعتي، أكبُتُ ذكرياتي عن تلك الليلة التي مات فيها، واليومين التاليين اللذين قضيتهما في المستشفيات والمشرحة والمحكمة وتحقيقات الشرطة. في الطائرة التي أخذتنا من أضنة إلى إسطنبول، صرختُ كامرأة مجنونة.. كان مالك جالسًا على حجري مفزوعًا، وكان أنتوني في قسم الأمتعة مستلقيًا في التابوت الوحيد الذي استطعنا إيجاده في أضنة.. كان مملوكا لرجل ألماني، فالمسلمون لا يدفنون موتاهم في توابيت.

 

استيقظتُ بعد منتصف الليل على وقع رنين هاتفي المحمول.. كانت المتصلة هي المحررة التنفيذية للصحيفة جيل أبرامسون وأخبرتني أن "أنتوني أصابته نوبة ربو قاتلة".. كررتُ الجملة في دماغي، لكني لم أفهم ما كانت تحاول قوله لي..

سألتُها "ماذا تعنين بأزمة ربو قاتلة؟"..

لا شيء مما مررتُ به في حياتي قد أعدّني لهذه اللحظة.. قالت لي: "أنتوني مات".

تقوقعتُ على أرضية الحمام وأجهشت بالبكاء.. أردت الصراخ، لكن مالك كان نائمًا ولم أشأ أن أفزعه. 

يقول جون ديديون في كتابه "عام التفكير السحري" إن الناس الذين فقدوا أحبة لهم يبدون عراة، لأنهم يظنون أنهم أخفياء لا يراهم أحد".. الخفاء شعور مريح حين يكون قلبك ثقيلا. بعد موته، فضّلتُ الأماكن التي لا يعرفني فيها أحد ولا أعرف فيها أحدًا.. الأماكن التي أحسستُ فيها أني خفية ومجهولة تماما. 

مرت ست سنوات منذ وفاة أنتوني، ومع ذلك أشعرُ في بعض الأيام بنفس الشعور المجرد الذي أحسستُ به في تلك الليلة في تركيا.. تركت الصحافة ومنزلي في بيروت وانتقلتُ بعيدًا عن أي شيء وأي شخص أعرفه بآلاف الأميال.. وفي الطريق أصبحتُ شخصًا لا أعرفه. 

فقدتُ اتزاني والانضباط الذي تميزتُ به.. كل ما يتطلب مجهودًا ذهنيًّا صغيرًا أصبح عسيرًا وشاقا، حتى كتابة هذه الأسطر. 

أنا ممتنة لكوني أمًّا.. فبطريقة ما، أعتقد أن الأمومة أنقذتني من اتخاذ القرارات الخاطئة، وأجبرتني على القيام من السرير حين لم تكن لديّ أيُّ طاقة أو رغبة أو إرادة لفعل ذلك.. تنشئة طفل سعيد ومعافى ستكون دائمًا أكبر إنجازاتي، وأكثرَها معنى. 

بلغتُ السابعة والثلاثين من العمر في يناير/كانون الثاني الماضي، لكن آخر عيد ميلاد لي أتذكّره كان العيد الواحد والثلاثين.. لا أستطيع احتساب السنوات الست الماضية من حياتي.. أجبرتُ نفسي على المنفى والعزلة التي أصبحتْ قوية لدرجة أنني لم أعد أستطيع التحرر منها.

More Articles

Weaponizing the Law: SLAPPs Against Journalists and Press Freedom

SLAPPs—abusive lawsuits designed to silence journalists and activists—are surging across Southeast Asia, exploiting vague laws and weak protections to punish those who speak truth to power. As legal harassment intensifies, journalists face not only imprisonment and censorship but also emotional trauma, exile, and long-term damage to their careers.

AJR Contributor Published on: 17 Apr, 2025
Predicting the Future of Media in 2025

The rise of citizen journalism, the rethinking of long-form content, the evolution of video, and the exploration of AI opportunities are key elements of the media landscape forecast for 2025, according to a report from Harvard University's Nieman Lab.

Othman Kabashi
Othman Kabashi Published on: 15 Apr, 2025
Revisioning Journalism During a Genocide

Western media’s coverage of the Gaza genocide has revealed fundamental cracks in the notion of journalistic objectivity. Mainstream outlets have frequently marginalized or discredited Palestinian perspectives, often echoing narratives that align with Israeli state interests. In stark contrast, Palestinian journalists—reporting from within a besieged landscape—have become frontline truth-tellers. Through raw, emotional storytelling, they are not only documenting atrocities but also redefining journalism as a form of resistance and a reclaiming of ethical purpose.

Ana Maria Monjardino
Ana Maria Monjardino Published on: 4 Apr, 2025
How Media Drives Collective Adaptation During Natural Disasters in Oman

This paper highlights how Omani media, during times of natural disasters, focused on praising government efforts to improve its image, while neglecting the voices of victims and those affected by the cyclones. It also examines the media’s role in warning against and preventing future disasters.

Shaimaa Al-Eisai
Shaimaa Al-Eisai Published on: 31 Mar, 2025
Systematic Bias: How Western Media Framed the March 18 Massacre of Palestinians

On March 18, Israel launched a large-scale assault on Gaza, killing over 412 Palestinians and injuring more than 500, while Western media uncritically echoed Israel’s claim of “targeting Hamas.” Rather than exposing the massacre, coverage downplayed the death toll, delayed key facts, and framed the attacks as justified pressure on Hamas—further highlighting the double standard in valuing Palestinian lives.

Mei Shigenobu مي شيغينوبو
Mei Shigenobu Published on: 18 Mar, 2025
Misinformation in Syria: Natural Chaos or Organised Campaign?

Old videos inciting “sectarian strife,” statements taken out of context attacking Christians, scenes of heavy weaponry clashes in other countries, fabricated stories of fictitious detainees, and a huge amount of fake news that accompanied the fall of Bashar al-Assad’s regime: Is it the natural chaos of transition or a systematic campaign?

Farhat Khedr
Farhat Khedr Published on: 11 Mar, 2025
Trump and the Closure of USAID: A Candid Conversation on "Independent Media"

The impact of U.S. President Donald Trump's decision to halt foreign funding through the U.S. Agency for International Development (USAID) on Arab media platforms has largely gone undiscussed. Some of these platforms have consistently labelled themselves as "independent" despite being Western-funded. This article examines the reasons behind the failure of economic models for Western-funded institutions in the Arab world and explores the extent of their editorial independence.

Ahmad Abuhamad Published on: 9 Mar, 2025
The Sharp Contrast: How Israeli and Western Media Cover the War on Gaza

Despite being directly governed by Israeli policies, some Israeli media outlets critically report on their government’s actions and use accurate terminology, whereas Western media has shown complete bias, failing to be impartial in its coverage of Israel’s aggression in Gaza.

Faras Ghani Published on: 5 Mar, 2025
International Media Seek Gaza Access; What Do Palestinian Journalists Say?

As international media push for access to Gaza, Palestinian journalists—who have been the primary voices on the ground—criticize their Western counterparts for failing to acknowledge their contributions, amplify their reports, or support them as they risk their lives to document the war. They face systemic bias and exploitation, and continue to work under extreme conditions without proper recognition or support.

NILOFAR ABSAR
Nilofar Absar Published on: 26 Feb, 2025
Journalism and Artificial Intelligence: Who Controls the Narrative?

How did the conversation about using artificial intelligence in journalism become merely a "trend"? And can we say that much of the media discourse on AI’s potential remains broad and speculative rather than a tangible reality in newsrooms?

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 23 Feb, 2025
The Whispers of Resistance in Assad’s Reign

For more than a decade of the Syrian revolution, the former regime has employed various forms of intimidation against journalists—killing, interrogations, and forced displacement—all for a single purpose: silencing their voices. Mawadda Bahah hid behind pseudonyms and shifted her focus to environmental issues after a "brief session" at the Kafar Soussa branch of Syria’s intelligence agency.

Mawadah Bahah
Mawadah Bahah Published on: 18 Feb, 2025
Culture of silence: Journalism and mental health problems in Africa

The revealing yet underreported impact of mental health on African journalists is far-reaching. Many of them lack medical insurance, support, and counselling while covering sensitive topics or residing in conflicting, violent war zones, with some even considering suicide.

Derick Matsengarwodzi
Derick Matsengarwodzi Published on: 13 Feb, 2025
Tweets Aren’t News: Why Journalism Still Matters

Twitter, once key for real-time news, has become a battleground of misinformation and outrage, drowning out factual journalism. With major newspapers leaving, the challenge is to remind audiences that true news comes from credible sources, not the chaos of social media.

Ilya
Ilya U Topper Published on: 10 Feb, 2025
Will Meta Become a Platform for Disinformation and Conspiracy Theories?

Meta’s decision to abandon third-party fact-checking in favor of Community Notes aligns with Donald Trump’s long-standing criticisms of media scrutiny, raising concerns that the platform will fuel disinformation, conspiracy theories, and political polarization. With support from Elon Musk’s X, major social media platforms now lean toward a "Trumpian" stance, potentially weakening global fact-checking efforts and reshaping the online information landscape.

Arwa Kooli
Arwa Kooli Published on: 5 Feb, 2025
October 7: The Battle for Narratives and the Forgotten Roots of Palestine

What is the difference between October 6th and October 7th? How did the media distort the historical context and mislead the public? Why did some Arab media strip the genocidal war from its roots? Is there an agenda behind highlighting the Israel-Hamas duality in news coverage?

Said El Hajji
Said El Hajji Published on: 21 Jan, 2025
Challenges of Unequal Data Flow on Southern Narratives

The digital revolution has widened the gap between the Global South and the North. Beyond theories that attribute this disparity to the North's technological dominance, the article explores how national and local policies in the South shape and influence its narratives.

Hassan Obeid
Hassan Obeid Published on: 14 Jan, 2025
Decolonise How? Humanitarian Journalism is No Ordinary Journalism

Unlike most journalism, which involves explaining societies to themselves, war reporting and foreign correspondence explain the suffering of exoticised communities to audiences back home, often within a context of profound ignorance about these othered places. Humanitarian journalism seeks to counter this with empathetic storytelling that amplifies local voices and prioritises ethical representation.

Patrick Gathara
Patrick Gathara Published on: 8 Jan, 2025
Mastering Journalistic Storytelling: The Power of Media Practices

Narration in journalism thrives when it's grounded in fieldwork and direct engagement with the story. Its primary goal is to evoke impact and empathy, centering on the human experience. However, the Arab press has often shifted this focus, favoring office-based reporting over firsthand accounts, resulting in narratives that lack genuine substance.

AJR logo
Zainab Tarhini Published on: 7 Jan, 2025
I Resigned from CNN Over its Pro-Israel Bias

  Developing as a young journalist without jeopardizing your morals has become incredibly difficult.

Ana Maria Monjardino
Ana Maria Monjardino Published on: 2 Jan, 2025
Digital Colonialism: The Global South Facing Closed Screens

After the independence of the Maghreb countries, the old resistance fighters used to say that "colonialism left through the door only to return through the window," and now it is returning in new forms of dominance through the window of digital colonialism. This control is evident in the acquisition of major technological and media companies, while the South is still looking for an alternative.

Ahmad Radwan
Ahmad Radwan Published on: 31 Dec, 2024
Independent Syrian Journalism: From Revolution to Assad's Fall

Independent Syrian journalism played a pivotal role in exposing regime corruption and documenting war crimes during the 13-year revolution, despite immense risks to journalists, including imprisonment, assassination, and exile. Operating from abroad, these journalists pioneered investigative and open-source reporting, preserving evidence, and shaping narratives that challenged the Assad regime's propaganda.

Ahmad Haj Hamdo
Ahmad Haj Hamdo Published on: 17 Dec, 2024
Bolivia’s Mines and Radio: A Voice of the Global South Against Hegemony

Miners' radio stations in the heart of Bolivia's mining communities, played a crucial role in shaping communication within mining communities, contributing to social and political movements. These stations intersected with anarchist theatre, educational initiatives, and alternative media, addressing labour rights, minority groups, and imperialism.

Khaldoun Shami PhD
Khaldoun H. Shami Published on: 16 Dec, 2024
How Does Misinformation Undermine Public Trust in Journalism?

Reports reveal a growing loss of trust in the media, driven by the extent of misinformation that undermines professional journalism's ability to influence public discourse. The platforms of misinformation, now supported by states and private entities during conflicts and wars, threaten to strip the profession of its core roles of accountability and oversight.

Muhammad Khamaiseh Published on: 13 Nov, 2024
Challenging the Narrative: Jeremy Scahill on the Need for Adversarial Journalism

Investigative journalist Jeremy Scahill calls for a revival of "adversarial journalism" to reinstate crucial professional and humanitarian values in mainstream Western media, especially regarding the coverage of the Gaza genocide.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 10 Nov, 2024