"لا تحمينا هذه الدروع، ولا تحمينا هذه القبعات. إنها مجرد شعارات نرتديها فقط، ولا تحمي أي صحافي على الإطلاق (..) نحن هنا ضحايا. ضحايا على الهواء مباشرة. نفقد الأرواح واحداً تلو الآخر بلا أي سبب. نمضي شهداء فقط مع فارق التوقيت. نحن ننتظر الدور واحداً تلو الآخر".
كانت هذه كلمات مراسل تلفزيون فلسطين "سلمان البشر"، قالها وهو يلقي درع الصحافة والخوذة أرضًا معترضًا على غياب الحماية الدولية للصحفيين في غزَّة، بعد استشهاد زميله "محمد أبو حطب" وأفراد من عائلته، بقصف إسرائيلي استهدف منزله في خان يونس، جنوب قطاع غزة في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وفقًا لآخر إحصائية صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزَّة، تُبيِّن ارتفاع عدد شهداء الصحافة في القطاع إلى 106 منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول إلى 30 ديسمبر/ كانون الأول، في حين نشرت نقابة الصحفيين الفلسطينيين أسماء 102 من الشهداء الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزَّة لغاية 30 ديسمبر/ كانون الأول. وهو ما يجعل هذه الفترة "الأكثر دموية" بالنسبة للصحفيين منذ عام 1992، إذ لم يتجاوز عدد الصحفيين الفلسطينيين الذين وثَّقت لجنة حماية الصحفيين مقتلهم على مدار عقد كامل منذ 1992 وحتى مايو/ أيار 2022 أقل من نصف هذا العدد.
صحفيون تحت خط النَّار
يُلاحَظ أن الشهداء من الصحفيين هم من جميع الفئات الإعلامية العاملة في قطاع غزَّة تقريبًا، إذ بينهم مراسل لتلفزيون فلسطين الرسمي، وموظفون في وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية، وآخرون يعملون لحساب وسائل إعلام محلية أو مؤسسات دولية أو أهلية أو من ينشطون بشكل مستقل.
وقد ترافق تصعيد استهداف الصحفيين مع تحريض علني ضدهم من وزراء ومسؤولين إسرائيليين من خلال نشر أسماء صحفيين فلسطينيين وصورهم، يعمل عدد منهم لصالح وكالات أنباء عالمية، واتهمتهم -بالاستناد إلى تقرير صادر عن منظمة "هونيست ريبورتنغ" المنحازة لدولة الاحتلال- بأنهم كانوا على دراية بموعد الهجوم الذي نفذته حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على مستوطنات غلاف غزَّة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبناءً عليه، كتب وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في تغريدة على منصة التواصل الاجتماعي X (تويتر سابقًا) أنه إذا كان الصحفيون المذكورون في التقرير على علم مسبق بعملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإنهم "لا يختلفون عن الإرهابيين في شيء ويستحقون أن يواجهوا نفس المصير الذي ينتظر هؤلاء".
كان من ضمن هذه الأصوات التي غيَّبها الاحتلال، الشهيد الصحفي رشدي السرّاج؛ بعد غارة جوية استهدفت منزل عائلته جنوب قطاع غزة، في 22 أكتوبر. كان السرّاج، المولود في بريطانيا، مصورًا صحافيًا شارك في تأسيس مؤسسة "عين ميديا"، وعمل أيضًا منسقًا للإنتاج لدى وسائل إعلام أخرى. قبل أيام من استشهاد السرّاج، تحدث لصحيفة واشنطن بوست الأميركية عن زميله "إبراهيم لافي" الذي استشهد أيضًا بقصف إسرائيلي. في منشور له على "فيسبوك" في 13 أكتوبر، كتب: "لن نرحل. وسنخرج من غزة إلى السماء. وإلى السماء فقط". ترك السراج وراءه زوجته "شروق العلية" وطفلته "دانيا" التي أتمت عامها الأول في 6 نوفمبر.
كذلك غيَّب الاحتلال صوت مقدمة البرامج في إذاعة الأقصى، دعاء شرف، في السادس والعشرين من أكتوبر، مع طفلها عبيدة، بغارة جوية إسرائيلية على منزلها في اليرموك، في مدينة غزة. إحدى صديقاتها وصفتها بأنها "صاحبة الابتسامة الحلوة والرقيقة وصاحبة الأخلاق العالية وحبيبة القلب واللقاء الحلو".
وارتقت الصحفية علا عطا الله، في منزل خالها الذي نزحت إليه مع عدد من أفراد عائلتها، في قصف إسرائيلي على حي الدرج بمدينة غزَّة. عملت عطا الله كمراسلة للعديد من الوكالات الدولية والمحلية في قطاع غزّة وغطت تطورات العدوان الإسرائيلي على القطاع منذ بدء القصف والأعمال العدوانية التي شنها الاحتلال على سكان القطاع.
وتعمَّد الاحتلال تغييب صورة الشهيد سامر أبو دقة، مصوِّر قناة الجزيرة، الذي استشهد في 15 ديسمبر/كانون الأول 2023، بعد أن ظلَّ ملقى على الأرض ينزف ومحاصرًا في محيط مدرسة فرحانة لـ6 ساعات، حيث لم تتمكن سيارة الإسعاف من الوصول إليه إثر إصابته إلى جانب الصحفي "وائل الدحدوح" خلال تغطيتهما قصفًا إسرائيليًا على المدرسة.
من جانبه، قال المصور الصحفي محمد شاهين إن قوات الاحتلال استهدفته بأحد الصواريخ، في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2023، أثناء قيامه ببث مشاهد حيَّة في منطقة الشيخ رضوان، منوهًا أن الاحتلال استهدفه قبلها أثناء قيامه بالبث في منطقة شرق جباليا بصاروخ سقط على بُعد أمتار قليلة منه. وأظهر شاهين الأضرار التي طالت هاتفه المحمول جرّاء القصف وتدمير كل الأدوات التي كان يستخدمها في عمله الصحفي، محملًا سلطات الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية عن استهدافه بالرغم من أن ملابسه تكشف طبيعة عمله الصحفي.
واستهدف الاحتلال الإسرائيلي كل المقومات التي تسمح للصحافيين بممارسة عملهم، من خلال قصف شبكات الاتصال وتعطيل الإنترنت، إلى جانب تحجيم قدرتهم على الحركة عبر منع دخول الوقود اللازم لتشغيل مركباتهم، أو المولدات الكهربائية لتشغيل أجهزتهم وصناعة موادهم الإعلامية. وفي هذا الوقت، تتعاظم الضغوط النفسية على الصحافيين الفلسطينيين القلقين على أنفسهم وعلى عائلاتهم، حيث تعدَّى الاحتلال إلى قصف منازل الصحفيين واستهداف عائلاتهم وهو ما عبَّر عنه "وائل الدحدوح"، مدير مكتب الجزيرة في غزة، بعبارته: "بينتقموا منا في الولاد".
وكان الدحدوح قد تلقى على الهواء مباشرة، أثناء تغطيته للقصف المتواصل على قطاع غزة في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نبأ استشهاد زوجته وأبنائه وعدد من أفراد عائلته في غارة جوية إسرائيلية، إثر قصف الاحتلال منزلهم في مخيم النصيرات وسط غزة، وهو المنزل الذي لجؤوا إليه بعد قصف حيّهم وعقب دعوة قوات الاحتلال الإسرائيلية للمدنيين إلى التحرك باتجاه جنوب قطاع غزة. علٌّق حينها محرر الشؤون الفلسطينية في القناة 13 الإسرائيلية "تسفي يحزقيلي" قائلًا: إن عائلة مراسل قناة الجزيرة في قطاع غزة وائل الدحدوح كانت هدفًا لقصف جيش الاحتلال، مؤكدًا أن قوات الجيش تعرف ما تضربه بالضبط.
ولم تكن تلك هذهِ المرة الوحيدة التي يستهدف فيها الاحتلال الصحفيين عمدًا، إذ واصلت إسرائيل استهدافها المتعمد لمنازل الصحفيين الفلسطينيين، واتسعت قائمة الجرائم لتشمل على سبيل المثال لا الحصر استهداف عائلة الصحفي "مثنى النجار" واستشهاد 44 شخص من عائلته، واستشهد الصحفي "محمد أبو حصيرة" مع أكثر من أربعين فردًا من أفراد عائلته، وإصابة زميله محمد حمودة في قصف استهدف منزليهما.
استهدف الاحتلال الإسرائيلي كل المقومات التي تسمح للصحافيين بممارسة عملهم، من خلال قصف شبكات الاتصال وتعطيل الإنترنت، إلى جانب تحجيم قدرتهم على الحركة عبر منع دخول الوقود اللازم لتشغيل مركباتهم، أو المولدات الكهربائية لتشغيل أجهزتهم وصناعة موادهم الإعلامية.
كذلك قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي، منزل عائلة الصحفي "أنس الشريف"، في مخيم جباليا، شماليّ قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد والده. ويأتي هذا القصف بعد "سلسلة تهديدات تلقاها الشريف منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في محاولة لثنيه عن أداء عمله، وضمن سلسلة استهداف متعمدة لعائلات مراسلي شبكة الجزيرة والعاملين معها في القطاع للضغط عليهم، بهدف تغييب الحقيقة، وإخفاء الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال"، وفقاً لبيان أصدرته "الجزيرة".
وودَّع محمد العالول - الصحفي المصور المتعاون مع وكالة الأناضول - أبناءه بعد أن قتل الاحتلال الإسرائيلي أربعة منهم في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في غارة على مخيم المغازي، وسط قطاع غزة، في حين بقي من عائلته حيًا كل من طفله آدم، وزوجته التي تعاني من إصابة جراء القصف.
وقدّر المكتب الإعلامي الحكومي أن الاحتلال الإسرائيلي نفَّذ عمليات الاعتقال بحق 8 صحفيين من قِطاع غزَّة، من ضمنهم مراسل "العربي الجديد" ومدير مكتبه في غزَّة، ضياء الكحلوت، الذي اعُتقل في مدينة بيت لاهيا، شمالي قطاع غزة، مع مجموعة من أشقائه وأقاربه وغيرهم من المدنيين، في السابع من ديسمبر/ كانون الأول الحالي. وقد أُجبر حينها على ترك طفلته ندى البالغة من العمر 7 أعوام، وهي من ذوات الاحتياجات الخاصة، وجُرّد كحال جميع المعتقلين من الملابس، واعتدي عليهم بالضرب المبرح.
لا يقتصر الترويع ومحاولات تكميم الأفواه على الصحفيين في غزة، حيث شهدت الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948 والقدس موجة واسعة من المضايقات التي طالت الصحفيين الفلسطينيين خلال قيامهم بتغطيات مُباشرة، وكان من بينهم مراسل التلفزيون العربي في الداخل الفلسطيني أحمد دراوشة، ومراسلة قناة الجزيرة الفضائية نجوان سمري، ومراسل "بي بي سي عربي" مهند توتنجي، وغيرهم، ما يدلل على صعوبة ظروف العمل الصحافي في تلك المناطق، خاصة بعد بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
على الرغم من هذه الأرقام والصور والحالات الموثقة، فإن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، قال في مؤتمر صحافي عقب استشهاد مصور "الجزيرة" سامر أبو دقة: "لا نملك حتى الآن أي مؤشرات" على أن إسرائيل "تتعمد استهداف الصحافيين الذين يحاولون تغطية هذه الحرب".
وتعرَّضت الطواقم الصحفية في هذهِ المناطق أيضًا إلى الاعتقال، حيث أعلن مركز حرية الصحفيين وحمايتهم عن 46 حالة اعتقال، أُطلق سراح 14 صحفيا وصحفية منهم، وبقي رهن الاعتقال 32 منذ بداية العدوان على غزَّة وحتَّى تاريخ إعلان المركز في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2023، مؤكدًا أن كل الصحفيين المعتقلين موقوفون إداريًا دون توجيه اتهامات لهم.
كما اقتحمت قوات الاحتلال منازل عشرات الصحفيين في الضفة واحتجزتهم وعرَّضتهم للتنكيل والتهديد، من بين أبرزهم "أمير أبو عرام"، الصحفي في شبكة الإرسال، والصحفي المستقل "محمد أحمد عبيد"، والصحفي "مصعب إبراهيم سعيد"، كما ألقت قوات الاحتلال أيضا القبض على الصحفية "سمية جوابرة" رغم كونها حاملًا في شهرها السابع، واقتحمت السلطات الإسرائيلية عددا من المطابع في مدينة الخليل وصادرت محتوياتها وأغلقتها.
وعلى الرغم من هذه الأرقام والصور والحالات الموثقة، فإن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، قال في مؤتمر صحافي عقب استشهاد مصور "الجزيرة" سامر أبو دقة: "لا نملك حتى الآن أي مؤشرات" على أن إسرائيل "تتعمد استهداف الصحافيين الذين يحاولون تغطية هذه الحرب".
حرب على المقرَّات الصحفية:
شملت الحرب الإسرائيلية على الرواية الفلسطينيَّة أيضًا مقرَّات ومباني المؤسسات الصحفية، إذ قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلية أكثر من 117 مقرًا إعلاميًا أجنبيًا ومحليًا داخل قطاع غزة خلال الفترة الماضية، دمَّرها الاحتلال بشكلٍ كليّ أو جزئي، من بينها مكاتب عدد من المؤسسات الإعلامية في برج "الغفري" في غزَّة، الذي يضم وكالة الأنباء الفرنسية، وقناة الجزيرة، وقناة الشرق، والمجموعة الإعلامية الفلسطينية.
وأدان رئيس مجلس إدارة "فرانس برس"، فابريس فريس، "قصف المكتب الذي مكانه الجغرافي معروف للجميع"، معتبرًا أن "تداعيات هذه الضربة كان يمكن أن تكون كارثية لو لم يكن فريق الوكالة قد أُجلي من المدينة". ولم يكن أحد من فريق "فرانس برس" في غزة، المؤلف من ثمانية أشخاص، موجودًا في المكتب لحظة وقوع القصف. وانتقل صحافيو "فرانس برس" من مدينة غزة إلى جنوب القطاع في 13 أكتوبر/ تشرين الأول، بعد التحذير الإسرائيلي للمدنيين بإخلاء منطقة الشمال.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد زعم أنه لا يستطيع ضمان حماية الصحافيين الذين يغطون العدوان، وكتب، في 28 أكتوبر، رسالة إلى وكالتي رويترز وفرانس برس، بعد أن طلبتا ضمانات بألا تستهدف الضربات الإسرائيلية الصحافيين التابعين لهما في غزَّة، جاء فيها أنّ "الجيش يستهدف جميع الأنشطة العسكرية لحماس على امتداد غزَّة"، زاعمًا أن حركة حماس "تتعمد تنفيذ عمليات عسكرية على مقربة من الصحافيين والمدنيين". وادعى أنه "في ظل هذه الظروف، لا يمكننا ضمان سلامة موظفيكم، ونحثكم بشدة على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لسلامتهم".
كما أعلن المكتب الإعلامي الحكومي، أن الجيش الإسرائيلي قصف ودمر مقره الرئيسي ومقر شبكة الرأي الإخبارية الفلسطينية التابعة له في مدينة غزَّة، وجاء في بيان المكتب: "استهداف مقراتنا الإعلامية يأتي في إطار سياسة الاحتلال الفاشلة بترهيبنا وتخويفنا ومحاولة منعنا من تصدير الموقف الرسمي لوسائل الإعلام المختلفة وفضح جرائم الاحتلال بحق شعبنا الفلسطيني والمدنيين والأطفال والنساء، وهي محاولة فاشلة لطمس الحقيقة".
وتعطَّلت 24 إذاعة محلية في قطاع غزة، وتوقفت عن البث بسبب نفاد مصادر الطاقة ومنع إدخال الوقود منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ويأتي ذلك "في إطار السياسات الإسرائيلية الرامية إلى تغييب الفلسطينيين عن الأحداث الدائرة" بحسب بيان لنقابة الصحافيين الفلسطينيين، باعتبار أن الإعلام الإذاعي يؤدي دورًا كبيرًا في الأزمات، ويعتمد عليه المواطن الغزيّ بشكل أساسي لمعرفة مجريات الأمور.
من جهتها، أدانت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، قرصنة قوات الاحتلال الإسرائيلي، لأثير إذاعة صوت فلسطين على الموجة الرئيسية (Fm 100,01) لبث رسائل تهديد في قطاع غزة يوم 30 ديسمبر/ كانون الأول 2023، مبينةً خطورة هذه القرصنة الإسرائيلية في استباحة وسائل الإعلام الفلسطينية واستخدمها في حربها العدوانية على غزَّة.
ذلك إلى جانب قيام الطائرات الحربية الإسرائيلية بتدمير مقر شركة جوال، وشركة الاتصالات الفلسطينية في حي الرمال وسط مدينة غزَّة، والتي تمد مناطق واسعة بخدمة الإنترنت عبر خط النفاذ.
وسبق الاستهداف الإسرائيلي لخدمة الإنترنت قرار يقضي بفصل خطوط الكهرباء المُغذية للقطاع، من الجانب الإسرائيلي، ما يُفقِد غزة ما يزيد عن 120 ميغا، ويُبقيها على 65 ميغا توفرها محطة الكهرباء الوحيدة، في حين أن متوسط حاجة غزة للكهرباء يتجاوز 450 ميغا، الأمر الذي دفع الشركة إلى تفعيل جدول جديد للقطع والوصل، يتمثل في 4 ساعات وصل، مقابل 24 ساعة قطع، فيما كان الجدول السابق يتمثل في 8 ساعات وصل، مقابل 8 ساعات فصل، وهو جدول "أحسن الأحوال" مُنذ بداية أزمة الكهرباء قبل 17 عامًا.
انتقادات دولية:
أفادت لجنة حماية الصحافيين، ومقرها الولايات المتحدة، بأن عدد الصحفيين الذين قتلوا في الحرب بين إسرائيل وغزة لم يسبق له مثيل في تاريخ لجنة حماية الصحفيين، وتظهر مدى خطورة الوضع بالنسبة للصحفيين في الميدان". وأشارت لجنة حماية الصحافيين إلى أنها "قلقة على وجه التحديد إزاء وجود نمط واضح لاستهداف الصحافيين وأسرهم من الجيش الإسرائيلي".
وأكد نائب الأمين العام للاتحاد الدولي للصحافيين، تيم داوسون، في تصريحاتٍ صحفية سابقة، أن استهداف الصحافيين عمدًا يعد انتهاكًا للقانون الدولي وجريمة حرب، وذلك في تصريحاتٍ صحفيَّة علّق فيها على استشهاد الصحافيين والعاملين في قطاع الإعلام على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزَّة. "بموجب القانون الدولي، يجب على القوات المسلحة اعتبار الصحافيين مدنيين وضمان سلامتهم. ومن الواضح أن استهداف الصحافيين عمداً يعد انتهاكاً للقانون الدولي وجريمة حرب"، يقول داوسون.
من جهتها، أعلنت منظمة "مراسلون بلا حدود"، ومقرها العاصمة الفرنسية باريس، أنها "قدمت شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية، على خلفية مقتل 7 صحافيين فلسطينيين في غزة، بين 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي و15 ديسمبر/ كانون الأول الحالي". وردًا على المأساة المستمرة في غزة، قدمت "مراسلون بلا حدود" شكواها بخصوص "جرائم حرب محتملة" من جانب القوات الإسرائيلية، وفق ما أفادت في بيان لها. وأوضح البيان نفسه أن "مراسلون بلا حدود" حثت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان "على التحقيق في جميع حالات مقتل الصحافيين الفلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر".
ومن بين الصحافيين الشهداء الذين وردت أسماؤهم في الشكوى: مصور وكالة الأناضول منتصر الصواف، والصحافي في إذاعة النجاح عاصم البرش، وبلال جاد الله من بيت الصحافة الفلسطيني، ورشدي السراج، وحسونة سليم من وكالة أنباء القدس، والمصور الصحافي في قناة قدس نيوز ساري منصور، والمصور في قناة الجزيرة سامر أبو دقة.
وكانت منظمة "مراسلون بلا حدود" كشفت في حصيلتها السنوية المنشورة بتاريخ 14 ديسمبر/ كانون الأول 2023 مقتل 45 صحافيًا خلال أدائهم مهنتهم في 2023، وهي الحصيلة "الأدنى" منذ أكثر من عشرين عامًا عندما قتل 33 صحافياً في 2002، رغم "المأساة" في غزة.
وجاء في تقرير المنظمة أنه "خلال شهرين من اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، فقد 17 صحافيًا حياتهم حين كانوا يؤدون واجبهم المهني، 13 منهم في غزة، و3 في لبنان، وواحد في إسرائيل"، وهو ما أثار انتقاداتٍ واسعة على التقرير في منصَّات التواصل الاجتماعي حول عدد الشهداء المُعلَن عنه في غزَّة.
شرحت "مراسلون بلا حدود" أن حصيلتها تقوم "على أساس بيانات دقيقة جمعت في الفترة من 1 يناير/ كانون الثاني إلى 1 ديسمبر/ كانون الأول 2023، وتشمل الصحافيين المحترفين وغير المحترفين والعاملين في مجال الإعلام"، وأشارت إلى أنها "تجمع معلومات مفصلة تسمح لها بالتأكيد، بقدر كبير من الثقة، على أن اعتقال كل صحافي أو اختطافه أو اختفاءه أو وفاته كان نتيجة مباشرة لعمله الصحافي على الأرض، وقد تفسر هذه المنهجية الاختلافات الإحصائية مع المنظمات الأخرى"، في حين اعتبرت نقابة الصحفيين الفلسطينيين أن أرقام المنظمة وتقريرها متواطئ مع الاحتلال الإسرائيلي، ويهدف لتبييض صورته من جريمة اغتيال الصحفيين الفلسطينيين.
وأكدت النقابة في بيان لها، أن إحصاءاتها دقيقة وموثقة وتستند إلى توثيق مهني وقانوني يتبع أعلى المعايير في توثيق الجرائم بحق الصحفيين، وأن الصحفيين الذين قتلوا في قصف بيوتهم قتلوا لأنهم صحفيون وليس بالخطأ، وأن كل الجرائم بحق الصحفيين تتم بشكل ممنهج.
هذهِ الجرائم الممنهجة، وثقها كذلك المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، مبينًا حجم انتهاك الاحتلال الإسرائيلي للقانون الدولي، وكذلك قراري مجلس الأمن الدولي 2015/2222 و2006/1738 اللذين يدينان الهجمات الدولية على الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام في حالات النزاع المسلح. كما أن المادة 79 من الملحق (البروتوكول) الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف 1977، قد شددت على وجوب إيلاء حماية خاصة للصحفيين الذين يباشرون أعمالهم في مناطق النزاعات المسلحة، وهو ما لم يلتزم به الاحتلال مطلقًا. وعليه، دعا المرصد إلى فتح تحقيقٍ دوليٍّ مستقل في جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الصحفيين.
وعلى الرغم من سجل سلطات الاحتلال الحافل في استهداف الصحافة الفلسطينية سواء في الضفة الغربية أو خلال العمليات العسكرية المتكررة على قطاع غزة، لم تعقد أي محاكمة لأي من جنودها أو قنَّاصيها المتهمين بالاعتداء على الصحفيين حتى الآن. علاوة على ذلك تجد السلطات في كلِ مرّة المبررات الجاهزة لما تقوم به من جرائم واعتداءات وإعدامات ميدانيّة، ما يشير إلى أن التلويح بمخالفة الاحتلال للمواثيق الدوليّة والمعاهدات فقط لا تكفي، وصار البحث عن آليات دولية تنفيذية ناجزة لمحاسبة مرتكبي الجرائم ضرورة.
وكانت لجنة حماية الصحافيين قد أصدرت تقريرًا في مايو/ أيار 2023، انطلقت فيه من جريمة قتل أبو عاقلة، لتوثّق مسؤولية جيش الاحتلال عن مقتل 20 صحافيًا على الأقل منذ 2001، ووجدت "نمطًا من الاستجابة الإسرائيلية يبدو مصممًا للتملص من المسؤولية".
على الرغم من سجل سلطات الاحتلال الحافل في استهداف الصحافة الفلسطينية سواء في الضفة الغربية أو خلال العمليات العسكرية المتكررة على قطاع غزة، لم تعقد أي محاكمة لأي من جنودها أو قنَّاصيها المتهمين بالاعتداء على الصحفيين حتى الآن.
وإذا ما وقعت حادثة أثناء معركة فعلية وأثارت الشكوك بشأن وقوع انتهاك للقانون الدولي، يعمد مكتب رئيس أركان الجيش إلى فتح تحقيق أولي يُعرف باسم "تقييم تقصي الحقائق". ويتم تمرير النتائج التي يتوصل إليها هذا التقييم إلى المحامي العام العسكري الذي يقرر ما إذا كانت تلك النتائج كافية لفتح تحقيق جنائي في الحادثة. ومنذ أن بُدء بإجراء هذه التقييمات عام 2014، أجرت إسرائيل تقييمًا لخمس حالات قُتل فيها صحفيون، إضافةً إلى حالة واحدة وقع فيها قصف واسع النطاق أدى إلى مقتل ثلاثة صحفيين. ولكن لم يفضِ أي من هذه التقييمات إلى فتح تحقيق جنائي. وكان من المفترض أن تعمل هذه التقييمات على جعل المنظومة العدلية العسكرية منسجمة مع المعايير الدولية، غير أن الكثير من منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والدولية لا ترى فيها سوى تغييرات تجميلية على منظومة ما تزال مصممة من أجل تحصين الجنود من أية مساءلة.
وحتَّى كتابة التقرير، لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يشن غاراته الجوية والمدفعية على قطاع غزَّة، ارتقى على إثرها 21 ألفا و822 شهيدًا، معظمهم نساء وأطفال، في حين بلغ عدد المصابين 56 ألفًا و451 مصابًا، من ضمنهم 106 من الصحفيين والصحفيات الذين كانوا في الخطوط الأمامية كشهود وضحايا على حدٍ سواء. ولا تزال الأعداد مرشحة للزيادة مع إصرار الاحتلال الإسرائيلي باستكمال حربه على القطاع، وضعف الحماية الدولية للمدنيين الصحفيين.